أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - «الشيوعى» فى حضن «الإسلامى»















المزيد.....

«الشيوعى» فى حضن «الإسلامى»


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 3159 - 2010 / 10 / 19 - 18:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التعددية هى «القاعدة»، أما الكارثة فهى أن تتحول إلى «استثناء»، وأسباب ذلك مفهومة، ولذلك قيل إن «اختلافهم رحمة»، وهذا القول لا ينطبق على الفقهاء وأقطاب المذاهب الدينية فقط، وإنما ينطبق أيضاً على المشتغلين بالعمل الذهنى بجميع أشكاله، ومن بينهم بطبيعة الحال الكتاب والصحفيون.

ولهذا.. لا غرابة فى أن ينقسم هؤلاء إلى «يمين» و«يسار»، وأن يتحمس بعضهم لـ«العلمانية» وفصل الدين عن الدولة، بينما يلوذ بعضهم الآخر بفسطاط «الأصولية» و«الدولة الدينية»، ويحن شوقاً إلى عصور «الخلافة».. إلى آخر ذلك من تصنيفات.

هذا التنوع العظيم ليس ظاهرة طبيعية فقط، بل إنه أيضاً مصدر ثراء، وقوة دافعة للمجتمعات وللبشرية جمعاء، لأن «الحوار» الخلاق بين الرأى والرأى الآخر يولِّد تبصرات مدهشة وأفكاراً جديدة لم تكن فى حسبان أحد، سواء من أهل اليمين أو أهل اليسار، الذين يعبر كل منهم عن مصالح طبقية واجتماعية وفئوية مختلفة.

وهذا التعايش المنطقى، والحوار الخلاق، بين الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية المتنوعة - انطلاقاً من القاعدة الذهبية القائلة «دع مائة زهرة تتفتح ومائة مدرسة فكرية تتصارع» - إنما هو سمة أساسية من سمات المجتمعات الحية، أما المجتمعات «الرثَّة» فهى تلك التى تعادى التنوع وتكره التعددية وتحاول فرض الزى الواحد، والرأى الواحد، أو تلك التى يتحول فيها الحوار البناء بين أنصار المدارس المختلفة إلى «تقطيع هدوم»، وسجال، وتلاسن، وضرب تحت الحزام، ورغبة انتقامية من «الآخر» وفقاً لمبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا»، وعندما تسود مثل هذه النعرات فى مجتمع ما.. فقل عليه السلام.

■ ■ ■

وللأسف الشديد.. فإن المناخ السائد فى مصر فى الآونة الأخيرة ينتمى إلى هذا النوع الأخير من حوار الطرشان.

ومما يؤسف له أكثر وأكثر أن تكون الجماعة الصحفية والإعلامية - التى يفترض فيها قيادة الحوار المجتمعى الخلاق - هى الأكثر انزلاقاً إلى أوحال هذه الصراعات غير المبدئية، التى استبدلت الحوار الراقى والمتحضر بـ«الردح» البذئ والمبتذل، واستبدلت القضايا المهمة بسفاسف الأمور، وحولت الصراع الفكرى المحترم إلى تصفية حسابات شخصية وغارات عشائرية صحفية وإعلامية ضيقة الأفق دفاعاً عن مصالح صغيرة ومغانم تافهة.

■ ■ ■

هذه الروح الانتقامية العشائرية التى تتغلغل يوماً بعد يوم فى المشهد الصحفى والإعلامى غريبة على التيار الرئيسى للجماعة الصحفية والإعلامية المصرية منذ الإرهاصات الأولى لبناء الدولة المدنية الحديثة فى مطلع القرن التاسع عشر، حيث تبلور مركز الثقل الرئيسى لأدبيات نهضة مصر الحديثة من خلال «معارك فكرية» رفيعة المستوى على أكثر من صعيد، بين أنصار الدولة المدنية الحديثة وأتباع الدولة التقليدية.

وهذه المعارك الكبرى موثقة ولا داعى لاجترار ما هو معلوم منها بالضرورة، وإن كان استدعاؤها للذاكرة لا يخلو من فائدة فى هذا الجو المسكون بالعنف اللفظى - والمادى - الذى تتطاير فيه الاتهامات المتبادلة بـ«التكفير» و«التخوين» بخفة عجيبة واستهتار منقطع النظير، والأعجب أن يكون ذلك بسبب الاختلاف فى الآراء حول قضايا صغيرة فى كثير من الأحيان، أو الاختلاف حول شخص مرشح لمنصب كبير أو صغير!!

وحتى على الصعيد الإنسانى فإنه من المثير للانتباه استعادة صورة العلاقات الشخصية بين أنصار المدارس الفكرية المتعارضة فى الأيام الخوالى، أيام حلم النهضة والتطلع إلى نفض غبار التخلف والجمود والركود عن مصر المحروسة.

■ ■ ■

ولن أعود كثيراً إلى الوراء.. بل سأكتفى بالعودة إلى سبعينيات القرن الماضى، وهى فترة عايشتها شخصياً وكان لى على الأقل حظ أن أكون شاهداً على هذه العلاقات الإنسانية الراقية بين بعض رموز تلك المرحلة من الصحفيين والكتاب والأدباء والمبدعين الذين اختلفوا فكرياً وأيديولوجياً بصورة جذرية حول قضايا بالغة الخطورة، ومع ذلك فإنهم أداروا هذه المعارك الفكرية باحترام شديد.

وهناك عبارات تتردد الآن كثيراً دون أن تكون لها ترجمة فعلية فى الواقع، من قبيل أن «اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية» هذه العبارة الأخيرة أصبحت تنتمى إلى ما يسميه المناطقة بـ«الفئات الفارغة» التى تتحدث عن كائنات ليس لها «ماصدقات»، أى ليس لها تجسيد فعلى فى الواقع، لأننا باختصار نرى اليوم أن أتفه خلاف فى الرأى بين صحفى وآخر يقتل الود تماماً، بينما أساتذتنا الذين سبقونا كانوا يختلفون مع بعضهم بعضاً دون أن يتسبب ذلك فى تعكير صفو علاقتهم الإنسانية.

■ ■ ■

وسأضرب مثالاً واحداً لذلك يعود تاريخه إلى انتفاضة ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، التى أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات لقب «انتفاضة الحرامية»، التى تمت ملاحقة العشرات بتهمة التحريض عليها، وكان من بين هؤلاء المناضل والمفكر والشاعر الكبير محمود توفيق، أطال الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية.

لكن محمود توفيق تمكن من الهروب والإفلات من الاعتقال، وليس المهم هو فعل الهروب، المهم بالفعل هو إلى أين هرب وإلى من لجأ؟!

لقد اختار المناضل اليسارى محمود توفيق الكاتب «الإسلامى» الكبير جداً محمد على ماهر، أحد أهم رواد الدراما الدينية، وأحد أهم أقطاب الصوفية، مؤلف العمل الإذاعى الخالد «أحسن القصص»، وكان بيته فى حلوان هو الملاذ الذى احتمى به السياسى «الشيوعى» محمود توفيق، وفى هذا «المخبأ» كان يأتى لزيارته بصورة منتظمة - وسرية بالطبع - عدد من رموز الجماعة الثقافية والأدبية والصحفية من أبرزهم الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى والأديب العبقرى سعد مكاوى، وأذكر أنه ذات مرة وبعد أن طالت فترة الهروب وعزلة محمود توفيق عن الناس، اقترح عليه محمد على ماهر أن يصاحبه فى «حضرة» صوفية كان يعقدها فى نفس البيت الذى يختبئ فيه ويحضرها بالطبع عدد ليس بالقليل من «المريدين» الذين يرتلون «الأوراد» ويمارسون الطقوس المعروفة لدى المتصوفة، وكانت تجربة مدهشة أن نكون شهوداً على هذه التجربة الإنسانية العجيبة.

والقصة فيها تفاصيل كثيرة، ومثيرة، وحافلة بالدروس، وتستحق أن تعود إليها فى وقت لاحق، لكن ما قصدت استخلاصه من هذه الواقعة هو تذكير الأجيال الحالية بكيفية إدارة أساتذتنا لمعاركهم الفكرية، ومقارنة ذلك بالحروب الأهلية المتخلفة التى يحفل بها المشهد الصحفى والإعلامى حالياً، وتأمل مضمون هذه المقارنة بين احتماء «الشيوعى» بصديقه «الإسلامى» وبين حروب التكفير والتخوين الدائرة الآن.

وأتذكر بهذه المناسبة أن الفنان ياسر محمد على ماهر - الذى بدأ نجمه يلمع ويسطع فى سماء التمثيل والدراما التليفزيونية والسينمائية مؤخراً، الذى هو فى نفس الوقت نجل الكاتب العظيم محمد على ماهر - سأل والده ذات يوم مستغرباً: كيف يمكن أن تكون هناك صداقة بينك أنت الكاتب الإسلامى المعروف وبين صحفى يسارى شاب مثل سعد هجرس؟! وكانت إجابة محمد على ماهر درساً رائعاً لابنه ياسر ربما سنعود إليها ذات يوم.

■ ■ ■

وحتى على الصعيد السياسى سنجد نكوصاً مخزياً إلى الوراء، ففى القصة التى ذكرت طرفاً مختصراً جداً منها انتهت قصة هروب الأستاذ محمود توفيق بطلب من الرئيس أنور السادات - الذى كنا نختلف مع كل سياساته - لمقابلة الشاعر الهارب، بعد مناقشة أكثر إثارة مع عبدالرحمن الشرقاوى، الذى حمل طلب السادات إلى محمود توفيق فى مخبئه، ولم يتخذ محمود توفيق موقفاً فورياً بل طرح الموضوع للمناقشة مع صاحب البيت والأصدقاء الذين يترددون عليه، وهذه قصة أخرى، ليست أقل دلالة، انتهت بلقاء بين محمود توفيق والرئيس السادات فى استراحة القناطر الخيرية، لعل الشاعر الكبير يروى تفاصيلها وأسرارها ذات يوم.

■ ■ ■

وليس المقصود بفتح غرفة التذكارات عن هذه الواقعة، التى حدثت منذ ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاماً، النبش فى دفاتر قديمة، وإنما المقصود - بالأحرى - وضع هذه النماذج المضيئة أمام الجماعة الصحفية والإعلامية لعلها تكون حافزاً لنبذ الحروب الأهلية الصحفية الحالية، وهى حروب خائبة، الغالب فيها مغلوب، والكل خاسر فيها.. وأول الخاسرين هو مصداقية الصحافة والإعلام.

فهل نتعلم؟!



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر .. فوق المسجد والكنيسة (2)
- مصر... فوق المسجد والكنيسة
- اختطاف مصر!
- محمود محيي الدين.. الدولي!
- سعد هجرس مدير تحرير«العالم اليوم»: لست من أنصار جمال مبارك.. ...
- موائد الرحمن الرمضانية.. وداعاً .. يحدث في مصر فقط: الفقراء ...
- لا تتظاهروا بالمفاجأة إذا اختفي الهرم الأكبر.. غداً
- هل مصر «دولة فاشلة»؟!´-1
- هل مصر دولة فاشلة؟! (2 -2) .. نكتة أمريكية: جيبوتي أقل فشلاً ...
- البلطجة تخرج لسانها للقانون!
- حكومة »الإظلام التام«.. والموت الزؤام!
- رداً على إحراق القرآن فى فلوريدا .. هل نحرق قلوب أقباط مصر؟!
- أصل الداء دون لف أو دوران: »الساركوسيست« الهندي.. صناعة مصري ...
- المغربي.. في »وادي كركر«
- ملتقى الجونة (2)
- ملتقي الجونة (1)
- رغم تقرير الانجازات: الممارسات الاحتكارية.. تخرج لسانها للمن ...
- تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!
- -التميمى- فى النار سبعين خريفاً
- دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - «الشيوعى» فى حضن «الإسلامى»