أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الثاني-16















المزيد.....

سيمفونية العودة- المشهد الثاني-16


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3157 - 2010 / 10 / 17 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


أمرتنا فتاة ُ الأمن بالانتظار خلف الحاجز وراح الشاب الواقف بالقرب منها يحدج كلّ من في سيارتنا بالنظرات من خلف الزجاج الأسود لنظارته الشمسية ومن خلف زجاج الناظور. ككل ّ مرّة نعبر بها الحدود من طابة المصرية إلى بيوتنا أتساءل: ما الذي ينظر إليه هذا الشاب..؟ تراه ينظر إلى ملامحنا إن كانت تشي أننا فلسطينيون، أم أنّه يحتاج أن يقرر إن كنّا مواطنين صالحين حسب المفهوم الإسرائيلي، فالمواطن الفلسطيني الصالح أو من حمل لقب "عرب 48" هو ذلك المواطن الأبكم أخرس أعمى. أم أنّه يتفحصُّ هويتنا من ثيابنا، فالمرأة المُحَجبّة خطرٌ على أمن الدولة، وكذلك الحامل لأنّ حملها قد يكون خدعة كما حصل مرّة مع أخت زوجي الحامل فاقتادوها إلى غرفة خاصة للتأكد من كونها فعلا حاملا.
اقتربت الفتاة بزيّ الجنديّة منّا لتسأل إن كنا نجيد العبرية كي تبدأ بالتحقيق معنا وعيناها تتنقلان من فرد إلى آخر وهي تطرح السؤال تلو السؤال وجواب النفي ذاته يتكرر مع كلّ سؤال:
"هل قابلتم أحدا، تكلمتم مع أحد، سمحتم لأحد أن يكون معكم في السيارة، أعطاكم أحد هدية لإيصالها لإسرائيل، معكم سلاح أو لعبة على شكل سلاح؟ هل كانت السيارة في كراج، هل اقتحمت السيارة بهدف السرقة، هل قام أحد بترتيب حقيبة سفركم...".
طلبت منّا أن نترجل فنقوم بنقل جميع حاجياتنا إلى صناديق بلاستيكيّة كبيرة. أمطرها آدم بموجة غضب حتما لن تفلح في إنقاذنا من جحيم المرور عبر الحاجز الكهربائي وتمرير كلّ حاجياتنا على الآلة الفاحصة وكلّ المفاجآت التي تنتظرنا.
قام الحاجز الكهربائي بإصدار طنين متتابع حاد حينَ مررت من خلاله.
أمطرتني فتاة ُ الأمن ِ بنظرات ٍ حاقدة كأنها تتهمني أني قنبلة موقوتة.
أشرتُ إلى إسوارة ذهبية صارت بعدَ الحمل والولادة أصغر من حجم يدي.
حاولتُ أن أتخلص منها لكن هيهات.
نادتْ الفتاة على رجل أمن أعلى رتبة منها فحدجني بنظرة ثاقبة وأومأ لها أن تأخذني إلى غرفة صغيرة جدا عن يميننا، ما لبثت الفتاة أن اقتادتني إليها . ساورتني مشاعر الخجل في أن تطلب منـّي خلع ملابسي. شعرتُ بارتياح لأنها لم تفعل. أخذتْ تمرر ذلك القضيب الكهربائيّ فوقَ جسدي وفجأة سألتني:
- معك سلاح!
= لا.
عادتْ تمرره فوق جسدي. وأنا اتأففُ وأتلوّى سرّا ولا أجرؤ على التفوه بكلمة كي تعتقني سريعا من هذا الجحيم.
فجأة، طعنتني بسؤال وذلك القضيب الأسود يتوقف قرب خاصرتني اليُمنى، وكأنّها باغتتني:
- ماذا يوجد هنا.؟!
= لا شئ.
احتفظتُ برباطة جأشي وهي تتابعُ تمرير ذلك القضيب الأسود فوق كلّ خلية من خلايا جسدي. أخيرًا، حررتني.
كان آدم يمطرهم بوابل من التذمرّ وابنتيّ تعلنان صمتًا عن اشمئزازهما من الموقف المتكرر كلّما عبرنا حاجز أمنيّ.
كان يقول بامتعاض:
= دوما تعلنون لنا أننا مواطنون من الدرجة الثالثة ..!
طلبَ منه الشاب المرتدي زيّ جندي أن يباشر بوضع الحقيبتين وبقية الحاجيات فوق الشريط الكهربائي المتحرك. مرّت حقيبة ُ ابنتيَّ بسلام ثمَّ مرّت الحقيبة الحمراء الكبيرة والتي أحتفظُ فيها بحاجياتي وحاجيات آدم.
فجأة، ترك الشاب شاشة المراقبة أمامه وهرع إلى الحقيبة الحمراء التي استقرتْ في قبضة يدي. بادرني بسؤال فيه نكهة التخويف:
- أنتِ قمتي بترتيب حاجيات هذي الحقيبة..؟!
كانت التمثيلية الفاتنة أن يُوقعني أسيرة الرعب وكأنـّه اكتشف شيئا داخل الحقيبة يهدد أمن الدولة. ببرود أجبتُ:
= نعم أنا. افتحها وتأكد بنفسك أنها ليست ملغومة."
-متأكدة.
= ألم تمرّ الحقيبة أمام كاميراتكم؟ هل وجدت فيها شيئا؟
- فيها سلاح..؟!
= عن أي سلاح تتحدث...؟!
نحن كنا في رحلة استجمام وأنتم أفسدتم علينا استجمامنا.
لمحتُ خلفه رفوفًا عليها أوراق للشكوى، تعلن عن ديمقراطية الدولة لكلّ عابر حدود.
خطرت على بالي فكرة، فهرعتُ أقول:
= حسنا، هات ورقة الشكوى تلك من على الرّف خلفك، أريد أن أقدّم شكوى.
لم ينبس ببنت شفة ولم يأبه لنغمة التهديد في كلامي. نظر إليّ بتهكم كأنّي نحلة تتصدّى لأسد.
كنت منفعلة ً وأحسست أني أكاد أختنق، لكن لسان حالي كان يقول: "لمن نشكو سارق الكرم..!".
هرع إلينا موظف آخر أعلنَ بصرامة:
- خذوا الحقيبتين وانتظروا في الصالة ريثما يتم فحص السيارة.

*


جلسنا في الصالة ننتظر، وأعيننا تراقبُ اليهود يعبرون عائدين بسياراتهم " للوطن" كما تعبر العصافير من مكان لآخر دونما معوّقات، بينما نحن عالقون في هذه الصالة كأننا قنابل بشرية موقوتة. كلّ حركة محسوبة علينا. إن اتجهنا لرمي شيء ما في سلة القاذورات تهرع إحدى فتيات الأمن لفحص السَّلة، وإن اتجهنا للمراحيض تلحق بنا وتتفحص كلّ زاوية في المكان، وإن خرجنا للشرفة تطاردنا نظراتها وتراقب كلّ حركة نأتي بها. ثمّ ، تأتي لتتأكد من سلامة المكان.
قررنا أن نمتنع عن الحركة. جلسنا نشاهد التلفاز ونحن نتمتع ببرودة المكيّف الهوائي، ونشرب عصيرَ برتقالٍ طازج اشتريناه من كافيتريا الرجل اليهوديّ. بدأت النشرة الإخبارية بخبرعاجل اقترن بصور حيّة من مكان الحَدَث.
ها أطفالٌ يُطلقون ستة ُ آلاف طائرة ٍ ورقيــّة عبّروا من خلالها عن حرمانهم من الحريـّة داخل قفص عصافير ٍ كبير ٍ اسمُه :"غزّة"ِ، وما أكثر أقفاص السلطة الفلسطينيّة.
ها هم يُعبّرونَ عن مأساة شعب محاصر بالحواجز الأمنية ونصف رجاله بل أكثر أسرى في المعتقلات الإسرائيلية.
ها أطفالُ غزة بطائراتهم الورقية يحصلون على رقم قياسي في كتابِ "جيينيس".
يا للسخرية المريرة!!
يا للسياسات المُزرية!!

شعبٌ محاصرٌ لا يجد منفذا للهواء والماء وكسرةِ خــُبز يشغله أن يُدوَّنَ اسمُهُ في كتاب جينيس ؟!


*


ها أنا أشهقُ وأزفرُ وأطلقُ مليونَ صرخة:
" آخ يـــَا زمن ".

*


وصلنا البيت في منتصف الليل منهكين من سفر ساعات. أغلقنا النوافذ وأسدلنا الستائر وخلدنا للنوم.
في تمام الساعة الثالثة فجرًا، سمعنا خبطًا على باب المنزل كأنّ أحدا يقرعُ طبولَ الحرب.
شقّ صوتٌ عتمة ُتلك الليلة:
-افتح الباب. افتح الباب..!!
فتحنا الباب فإذا بعدد من أفراد رجال الأمن برفقة قوة من الشرطة قد داهمت المنزل لتنفيذ أمراعتقال آدم مدعين أن الاعتقال يأتي لأسباب أمنية.



------------------

يتبع: المشهد الثالث، راوية ُ الأحداث : حواء.



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-15
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-14
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-13
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-12
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-11
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-10
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 9
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 7
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-6
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-5
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-4
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-3
- سمفونية العودة-المشهد الثاني- 2
- سمفونية العودة-المشهد الثاني- 1
- سمفونية العودة-الفصل السادس
- سمفونية العودة-الفصل الخامس
- سمفونية العودة-الفصل الرابع
- سمفونية العودة-الفصل الثالث
- سمفونية العودة-الفصل الثاني


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الثاني-16