أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطيفة الشعلان - جروح ايه اللي انت جاي تقول عليها















المزيد.....

جروح ايه اللي انت جاي تقول عليها


لطيفة الشعلان

الحوار المتمدن-العدد: 952 - 2004 / 9 / 10 - 10:38
المحور: الادب والفن
    


بسبب العناوين المظللة كان حالي مع الاحباط بعد فراغي من شهادة لبدر الديب كان قد كتبها لمجلة الاربعائيون بعنوان (جروح الروح) كحال فتى فرغ من قراءة كتاب عنوانه (مائة سؤال في الجنس) في حين كانت المائة في العقم وأطفال الانابيب والتهاب البروستاتا وانسداد قناة فالوب. فبعد أن وعدني عنوان بدر الديب بحديث حميم عن النفس وجروحها، ونحن الذين على وعد دائم بأمجاد ومفاخر النفوس العربية في عصاميتها وبطولاتها الفردية، وبعد أن بدأ كتابته باشارات تمهيدية الى ما أسماه (العري الروحي) و(التعري بالكتابة) و (اشكالات الكتابة عن النفس) و (الحديث المحرج والمكتوب في حرج) اذا بي اكتشف ان بدر الديب يتحدث في اتجاهين لا علاقة لهما بروحه، الاول: في أوضاع ثقافية وهموم عامة، ان تمسحت مجازا بروح فبأرواح المصريين كلهم، لا فرد منهم. والثاني في مقاطع من حياته الدراسية والعملية في مصر وخارجها، وما أحاط بها من ظروف، وما خضبها من تيارات واتجاهات، مكتوبة بأكثر ما يمكن من لجم الذات، والشدة في انتقاء العبارات التي لا تحتمل أكثر من معنى، والحرص في الابتعاد عن الروح الموعودين بها، وبجروحها.
لكأن بدر الديب في شهادته تلك، ليس هو بدر الديب نفسه، مبدع رائعة (أوراق زمردة أيوب) التي سرقتني كلي لاول مرة، على مدى ثلاث ساعات متصلة من شتاء 1996، بينما كنت في آخر مدرج جامعي في درس احصاء تربوي ممل، لأعيد مصمصتها بعد ذلك بتأن، مرتين متقاربتين، في العام ذاته، بالاقبال ذاته.
الرواية التي يمكن أن أصفها في كلمتين، بأنها حديث الروح في تجربتها مع جروح الخطيئة والاعتراف والتوبة والموت بالتقسيط والكتابة في كراس لا بد ان تحرقه الخادمة في الدير من دون أن يقرأه أحد.. حديث روح تستعير الكولاج من فن التصوير لتقيم لها صورة من زوايا ولقطات متعددة، يتمازج فيها الدين بعلم النفس بالاسطورة بالشعر بالتاريخ.
وحين اقارن هذه الساعة، بين بدر الحاضر أمامي في الشهادة وبدر الذي عرفته من قبل في الرواية، يطل السؤال المشاغب بأنفه الفضولي وطربوشه المائل: هل كان بدر سينطلق في حديث روح آخاذ ، لو لم يكن يكتب تلك الرواية على لسان امرأة حررته من رقيبه الداخلي وضميره الاجتماعي، فهي زمردة أيوب المرأة القبطية الخاطئة، وهو بدر الديب الرجل، وبالتالي لن يلقي أحد بظلال على أحد، ولن يفتش كائن من كان، عن بدر وروحه في زمردة وروحها.
أما في الشهادة، فبدر يتحدث بضمير الانا الحقيقية، لا الهو ولا الهي، وعند هذه النقطة، تصادفني أغرب جروح يمكن أن يدعي انسان انها جروح لروحه، وكانت على شاكلة:
ضياع وثائق الطبقة الوسطى المصرية فهو يجهل مثلا ان كانت عائلته قدمت من الحجاز أم من تركيا، وضع المكتبات العامة والمتخصصة التعس، الثقافة المصرية الخارجة من الحركة الوطنية والمحصورة بالمحظورات، تراجع دور ومستوى مكتبة الجامعة، الجروح التي خلفها أساتذة الجامعة الذين يقعون في الخلط المنهجي كعبد الرحمن بدوي، المآل الذي انتهى اليه مركز للمعلومات والتوثيق ملحق بوزارة المعارف، ووضع الجامعات ومناهجها.
الحلو في الموضوع ان بدر الديب نفسه كان يشعر في قرارته وقت الكتابة ان ما يدعيه لا علاقة له بجروح روحه، لذلك ترى قلمه في موضع ضياع وثائق الطبقة الوسطى يفلت ليقول: " وهذا جرح من جروح الروح لا يعي به الكثيرون ممن يحملونه". وفي موضع آخر يقول:
" قد يرى البعض ان قضية المكتبات من المبالغة اعتبارها من جروح الروح ولكنني أرى عكس ذلك تماما" .
ولانه يرى عكس ذلك تماما، فحين يعرض لحال مركز البحوث يتمسرح بقوله: " ويظل هذا دائما جرحا من جروح الروح لا يندمل ولا أعرف كيف أداويه ". وحين يصل الى وضع الجامعات يطلق الصوت المسرحي ذاته قائلا: " ماذا نفعل في هذه الجروح والى متى سنصبر عليها ".
أكاد أتخيل رهبة الكتابة عربيا عن النفس، ناهيك عن جروحها، بينما الكاتب محاط عن يمينه بالثالوث المحرم، وعن يساره بقارئ يتسقط الاغلاط ويقاضي على الهفوات، ان لم يتبرع فينصب محكمة ويعلق مشنقة، ولكن هذا لا يعفي بدر الديب لانه وعد بشيء، ويفترض في مبدع وعد بشيء، ان يأتي به على أحسن وجه.
وبالتالي، يتضح للقارئ أنني أحمل على عنوان بدر الديب الخادع لا غير، ولا انتقص البتة من القيمة الفنية او التوثيقية لشهادته، فهي رفيعة ولا بد لها أهميتها، خاصة اذا تذكر الواحد منا ان وسائلنا في تسجيل الحياة، وتوثيق الماضي، وعلى رأسها الفنون البصرية على اختلافها، ما زالت متخلفة مقارنة بما عند غيرنا، او غارقة في اهتمامات تجارية في أحسن الحالات، وهذا يرمي بالعبء الاكبر على عاتق الادب.
لكن ما يبقى وزره على عاتق بدر الديب، هو أن شهادته كان يفترض أن تأتي معنونة بـ (جروح ثقافية) او (جروح مصرية)، عوضا عن (جروح الروح) . اضافة الى أنه ما كان له أن يمهد في مقدمته لعمل لم يكن له من شرفه الا الادعاء، ولو كان قد فعل ذلك لكفاني الله تعب هذا المقال.
الغريب ان بدر الذي تنفس في المرأة وتنفست فيه في (أوراق زمردة أيوب) فر هاربا منها في شهادة (جروح الروح) ولم يترك لها فرصة ولا حتى لتمس كتفه، ومرة أخرى هذا هو الفارق بين الحديث بلسان الاخرين (الرواية) والحديث بلسان الذات (الشهادة) .. فحين كان الاستطراد يأتي بذكرها في شهادة (جروح الروح)، كان يورد اعتذارات لا تعذره، مثل قوله: " قصة حياتي مع المرأة لا يمكن أن أحكيها هنا". أو قوله : " وأرجو قبول اعتذاري عن الدخول في أكثر من ذلك عن علاقتي بهذا الكائن الاسطوري". أو حتى قوله: " لن أتحدث عن الحب .. ولكني أريد أن أتحدث عن الاصدقاء والزملاء".
هل كان بدر الديب يحتاج لمن يقول له ان المرأة والحب في الحديث عن الروح وجروحها، أكثر أهمية بما لا يقاس من وضع المكتبات والجامعات والسوبرماركتات.
آخر دعواي، ان أحد الجروح الحقيقية لروح بدر الديب، يكمن في رواية (أوراق زمردة أيوب) المفرطة في الحس والحساسية والجمال، لانها كشفت عن انطوائه على انوثة كاملة في الشعور والوعي والادراك، ولا يخفى حرج ذلك في معظم الثقافات الانسانية التي قامت على ما يمكن وصفه بالقمع المزدوج: من جهة لانوثة الرجل، ومن جهة أخرى لذكورة المرأة، مع ان الانوثة والذكورة خصيصتان طبيعيتان تتجاوران في كل انسان.
ظاهريا، كان بدر الديب في تلك الرواية، هو المبدع الذي يخسف الى الارض السابعة بالنظرية البليدة التي تقسم الابداع ما بين رجالي ونسائي، مثلما تقسم الجوارب والكرافتات والعطور، ولكنه في الباطن كان امرأة مرهفة حتى أطراف أصابعه، وان رأى فحل من ضيقي الافق ان في هذا التشبيه مني انتقاص لبدر الديب، فهو في اعتباري مدح لا أوزعه كل يوم.



#لطيفة_الشعلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلف كل ثائر دمعة سدى
- عباسيون وعارضات أزياء
- هيفاء وعالية .. والسجن السياسي
- الاجتماعي والسياسي
- خليل حاوي وعروة بن الورد


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطيفة الشعلان - جروح ايه اللي انت جاي تقول عليها