أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العزيز أيت بها - -أحاديث الليل يمحوها النهار- مكاشفة لقصيدة -غياب- للشاعرة المبدعة حنان مضاري















المزيد.....

-أحاديث الليل يمحوها النهار- مكاشفة لقصيدة -غياب- للشاعرة المبدعة حنان مضاري


عبد العزيز أيت بها

الحوار المتمدن-العدد: 3155 - 2010 / 10 / 15 - 17:47
المحور: الادب والفن
    


استهلال:
نهاري نهار الناس حتى اذا بدى .. لي الليل هزتني اليك المضاجع
لقد ثبتت في القلب منك محبة .. كما ثبتت في الراحتين الاصابع

توجد تمت جدلية واضحة في كثير من الأحيان، وغامضة في بعض الأحيان، بين الليل والنهار في عالم المحبين، وأهل الهوى، فإذا كان الناس عادة يتخذون الليل سكنا والنهار معاشا، فإن منطق الحب له معادلة مخالفة، فليل العشاق إما للقاء، بعيدا عن عين الرقباء، وهذا أحسن أحوالهم، وإما للتذكار ومكابدة الهموم، ومناجاة طيف الحبيب، إن جاد بالزيارة، وإلا فصورته في وجه القمر...، وهو في الحال الأولى ليل قصير تتبع أوائله أواخره، أما في الحال الأخرى فالليل أشد ما يكون طولا، كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيدبل، على حد تعبير امرئ القيس. وهم على كل حال من الساهرين، فهم كما قال ابن زيدون:

ياليلي طل أو لا تطل **** لابد لي أن أسهرك
لو بات عندي قمري **** ما بت أرعى قمرك

والجدير بالملاحظة أن الليل يرتبط بحالين من أحوال العشاق والمحبين هما الشوق إلى اللقاء، والشكوى من البعاد، ولما كان الشعر، مهما أوغل في الذاتية، مرتبطا بالتجربة الإنسانية في عمومها، إذ إن المشاعر والأحاسيس الإنسانية ذات طبيعة مشتركة، بل هي أقرب إلى التشابه والإتفاق منها إلى التنافر والاختلاف – فإن الشاعر حين ينظم تجربته في الحب عبر اللغة الشعرية، إنما يعبر عن تجربة طبقة من المجتمع مرت، أو هي بصدد المرور، بنفس التجربة أو شبهها. وهذا لا يتعارض مع ما نصص عليه أحمد المعداوي والمجاطي في كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" حول الشاعر الحديث، من أن "ثمة صفة هامة تميز سياقه اللغوي هي صدوره عن صوت داخلي ، منبثق من أعماق الذات ومتجه إليها"1 ، لأن الذات الإنسانية في منظورنا، مهما تفردت، هي ذات تمتح من تجارب الذوات الأخرى، كما تمتح منها، ومن تجاربها ذوات مغايرة.
من هذا المنطلق، اخترت مقاربة قصيدة "غياب" للشاعر المبدعة حنان مضاري، لأتبين من خلالها تصور الشاعرة لمشاعر الشوق إلى اللقاء، وشكوى البعاد، في ارتباطهما بالليل والنهار، ثم لألج إلى طبيعة هذه المشاعر وتصورها في الوعي الجمعي للشعر العربي القديم على وجه الخصوص.

العنوان

للوهلة الأولى توحي كلمة العنوان "غياب" بأننا بصدد قصيدة موضوعها شكوى البعاد وغياب الحبيب، لكن ما إن نقرأ الأسطر الأولى من القصيدة حتى نحس بالمفارقة، أيُّ غياب هذا الذي تقصده الشاعرة: أهو غياب الحبيب أم غياب شيء آخر؟ وما تلبث هذه المفارقة أن تنحل عقدها عقدة عقدة، بعد أن تترك في نفوسنا أثرها فيتضح، عبر تتبع الخيوط التي فصلت بها القصيدة ثم أحكمت من لدن الشاعرة، أن الغائب هنا في هذه التجربة هو فعل الكلام، أي فعل الشكوى نفسه، إذ ذاك يشعر القارئ بزهو الانتصار، وينتشي بتلك المعاني التي أدركها في مسيرة تفكيك النص وقراءته.

المتن

1

في الغياب نشتكي من زئير الشوق
وهمسات الحروف
وفي اللقاء يحتلنا الصمت
وبيننا يزدهي الجليد

0

فنهتف: "هل لنا بعد موعد 
فنعد زوادة الكلام
وإليه نسعى؟؟
أم هو الوقت

2

في الليل يرسمنا قصيدا
يعانق الرمل
وفي شموخ يرقب بريق العمر
وحين يجيء الفجر
تدوسنا الأجساد ويبتلعنا البحر
فتنطفي الأحلام...

يقوم متن القصيدة التي بين أيدينا على بناء الثنائيات، التي تؤدي بنا إلى سؤال مفتوح ينطوي على مفارقة بين الحلم والأمل عندما يتقابلان مع الواقع والعمل.
وينبني منطق الثنائيات/ المتقابلات في هذا النص على ثنائيتين رئيستين، وتندرج ضمن كل ثنائية كبيرة متقابلات صغرى، وبذلك يمكن القول إن النص عبارة عن دفقتين شعوريتين، يربط بينهما، بطريقة سحرية، سؤال وجودي يعود بسيرورة المعنى إلى درجة الصفر في الكتابة، كما هو واضح من الكاليغرافيا التي ادرجت بها النص.

الدفقة الشعورية الأولى

تقوم هذه الدفقة على ثنائية اللقاء والفراق، أو اللقاء والغياب كما أسمتها الشاعرة، ففي اللقاء بالمحبوب يحتلنا الصمت ويزدهي بيننا الجليد، وفي الغياب نشتكي من زئير الشوق وهمسات الحروف، وهكذا تتقابل داخل هذه الثنائية الكبرى: لقاء / غياب، متقابلات صغرى ندرجها كالآتي:

غياب #### لقاء
زئير #### صمت
همس #### صمت
نار #### جليد

وهاهنا ملمح دلالي على غاية من الأهمية، يقوم على مفهوم المخالفة، فكلمة "نار" غير مذكورة في المتن، لكن الشاعرة عبرت عن المغيب بالمصرح عنه، فكأن الشوق وزئيره، والحرف وهمساته، يوقدان نارا في قلب المحب، حال الغياب، وهذا جار على أساليب الشعر العربي، فلا يكاد يذكر الشوق في شعر دون ان تنسب إليه نار، بل إن الحب كله نيران، فتمة نار الحب، ونار الشوق، ونار الوجد، ونار الصبابة، وهلم جرا.

السؤال الوجودي

عند هذه النقطة يعود المعنى إلى نقطة الصفرة كما أسلفت، لأن زئير الشوق وهمسات الحروف كلها تؤؤل إلى صمت قاتل، إبان اللقاء، وكأن شيئا لم يكن، بل إن نار الشوق تستحيل جليدا باردا لا إحساس فيه ولا حراك، وهذا أيضا من الأمور التي يعاينها كل ذي تجربة في الحب، فكم يشتكي المحب من حصر اللسان وانقطاع الكلام، عندما تلتقي مقلته بمقلة محبوبه، بل إن وجهه وخدوده تحمر من فرط الحياء والخجل، وما إن يختلي بنفسه مجددا، حتى يهتف: " هل لنا بعد موعد فنعد زوادة الكلام وإليه نسعى؟؟ ".
وهذا السؤال يستبطن جانبا سلبيا، لأن الشاعرة هاهنا لا تتوقع، بل لا ترغب في جواب، لأنها تعتقد، او هكذا نحس نحن القراء، أن اللقاء لم يعد ممكنا، أو أنه لا جدوى من هذا اللقاء وإن حصل، لأن سيرورة الزمن ستعيد نفسها، ويحصل نفس السياق الدارمي الذي حصل في اللقاء قبله، وهنا تحصل المفارقة ويتدخل عنصر الزمان، الذي ما فتئ الشعراء المحبون يشتكون من جوره وعواديه، ليشكل الجزء الثاني من السؤال، والقصيدة كليهما، وتتشكل الثائية الأخرى.

الدفقة الشعورية الثانية

تبتدأ هذه الدفقة، بشحنات شعورية سلبية، في صيغة سؤال يستسلم لفعل الوقت أو الزمن، هل يتحقق المأمول والمرتجى؟ وما أبعده، "أم هو الوقت..؟؟"، الذي يشكل الثنائية الأخر في القصيدة، فالوقت الذي تتساءل عنه القصيدة وتستسلم له، جزءان متقابلان، ليل ونهار، ففي الليل ترتسم مشاعر الحب قصيدا، وتزهر في الرمل، وترقب باسقة بريق العمر، وفي الفجر/النهار يجف المداد، وتبهت الألوان والكلمات2، بفعل دوسان الأجساد، وأما أزهار الرمل فيبتلعها البحر، في حين أن بريق العمر ينطفي كما تنطفي الأحلام وتتبخر، إنه كما يقال: كلام الليل يمحوه النهار.
الوقت
ليل ##### نهار
رسم القصيد ##### دوسان الأجساد
قصيد يعانق الرمل ##### قصيد يبتلعه البحر
بريق عمر شامخ ##### أحلام منطفئة

وأود في الختام أن أنوه بجانب التصوير الفني، والتخييل الأدبي، في هذه القصيدة، فلا يملك المرئ وهو يقرأ إلا أن يعرج في سماء الخيال، لينصت لزئير الشوق، وهمس الحرف، وينظر بملء عينيه إلى الجليد مزدهيا في نشوة المنتصر، ويرقب بريق العمر ليستمتع بلحظة العناق بين القصيد والرمل، قبل أن تدوسها الأجساد ويبتلعها البحر.
كما أسجل هيمنة إيقاع الفكرة على الإيقاع الموسيقي في القصيدة، وهذا من مميزات قصيدة النثر التي تستعيض عن الإيقاع الخارجي المتمثل في الوزن والٌقافية، بإيقاع داخلي، ينبني على التكرار الصوتي والأداء النغمي، كما يتكئ في أحايين كثيرة على توازي الأفكار وتقابلها. ولولا أن أطيل لبسطت الكلام وفصلته تفصيلا نستبين منه جميعا جمالية التصوير والإيقاع النفسي والموسيقي في هذه القصيدة.

أما بعد فإني إذ أرتشف الرمق الأخير من كأس هاته القصيدة، لا أملك إلا أن أعلن سكري حد الثمالة، ولسان حالي يقول مقالة أبي نواس:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء





#عبد_العزيز_أيت_بها (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل أحزانك هاهنا ...!
- فارس الفداء
- إكسير الموت


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العزيز أيت بها - -أحاديث الليل يمحوها النهار- مكاشفة لقصيدة -غياب- للشاعرة المبدعة حنان مضاري