أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - منى فياض - في الخوف على الحرية














المزيد.....

في الخوف على الحرية


منى فياض

الحوار المتمدن-العدد: 3155 - 2010 / 10 / 15 - 08:01
المحور: بوابة التمدن
    


عندما نعترف بأن بلداننا تعاني غياب الديموقراطية، وترزح تحت حكم الاستبداد، وتغلب عليها الديكتاتوريات العسكرية المحضة، أو المتسترة بلباسها المدني، فقد تتشكل في أذهاننا صورة غائمة تكون بعيدة عن الواقع، وقد لا نربطها بحياتنا اليومية. نحن نسمع كل يوم عن ثقب الأوزون، وعن التدهور البيئي، وعن الأزمة الاقتصادية…، وهذه كلها تظل نوعاً من صور ذهنية لا نربطها بواقعنا اليومي ولا "نرى" تأثيرها علينا. الاستبداد في تصورنا، يتعلق بالحكم والنظام السياسيين، وعلى مستوى السلطات فقط. نظن، تالياً، أنه يظل بعيداً ولا يطاول الحياة اليومية، والمعيش الروتيني. لذا لا يتبادر الى أذهاننا أن نسأل أنفسنا عن الفرق بين العيش على المستوى اليومي في ظل أنظمة استبدادية، والعيش في ظل أنظمة ديموقراطية يتنفس فيها الشخص ويتحرك بحرية. لكن الاستبداد في الحقيقة يعاش على المستوى الفردي والحياتي، والحرية ممارسة يومية قبل كل شيء.
اذا لم تسأل ما معنى أن تكون حراً؟ وما اذا كانت الحرية تعني أن تكون مستقلاً، أي أن تحكم نفسك بنفسك وفقا لقوانينك التي لا تتعارض مع القوانين العامة بالطبع، وأن تقرر من انت، وتعرّف نفسك بما أنت عليه، فستظل أفكارنا عن الاستبداد مبهمة وسنخضع له تدريجياً من دون أن ندري.
لا شك ان غياب القسر عن حياتنا هو شرط حريتنا، لكن الحرية ليست كذلك فقط، بل هي القدرة على التحكم ايضا بما نريده، وبما لا نريده، والقدرة على رسم مستقبلنا والمساهمة في تقرير قدرنا بطريقة ما. برع جورج أورويل في رواية "1984" في رسم صورة مذهلة عن الحياة اليومية في ظل نظام استبدادي في حالته القصوى، حيث استقى معالمه من التجربة النازية، وبخاصة من النظام السوفياتي وحزبه الواحد، وعبادة الفرد القائد، واختلاط السلطات وعسكرة القيادات والتظاهرات "العفوية" وطوابير البشر للحصول على المواد الغذائية او الخدمات والشعارات البراقة واللافتات العملاقة. لكن الأدهى من ذلك كله، وصفه التحكم في حياة البشر اليومية، وفي طريقة نومهم، وطعامهم، وشرابهم، ومزاجاتهم، وعلاقاتهم العاطفية، التي تستحيل جحيما. فحتى الحب بين شخصين، ممنوع وخاضع للرقابة والتحكم من "الأخ الأكبر" وأجهزته.
الحرية في الحياة اليومية تعبّر عن نفسها كنظام حياة، كسلوك وممارسة، عبر برنامج يومي يقرره الفرد بالطريقة التي يريد ويرغب. كأن يقرر الذهاب الى السينما او المقهى او تناول الغداء في مكان يختاره، وأن يحتسي فيه كوب شاي أو كأس نبيذ، ويشاهد المحطات التلفزيونية التي يختار، ويشتري الكتب والمجلات والموسيقى والأفلام التي يريدها من دون رقابة ومنع.
الحرية في لبنان هي أن تقرر حياتك، وتأكل، وتلبس، وتنتقد، وتعارض، وتكتب وتناقش كما تـريد وترغب من دون تعدٍّ على أحد، ومن دون أن تخاف من النتائج، مثل التهديد أو الاغتيال، ومن دون التعرض للسجن والاعتقال. الحرية ان يكون في مستطاعك ان تكون مختلفاً، من دون أن تثير الريبة. الحرية أن يكون في مقدورك أن تسافر في إجازتك الى المكان الذي تريد، وتعود الى عالمك من دون مساءلة، ومن دون تحقيق بوليسي. شرط الحرية أيضاً ان يكون في مقدورك أن تحصل على ما يجعلك تعيش باحتشام إنساني.
في نقاشنا عن معنى الحرية التي لا نزال ننعم بفتاتها، في مناطق ومساحات آيلة إلى التقلص مع كل خطاب تهديدي ومع كل عنف ينفلت خطأً أو قصداً؛ يعطي صديق لي مثالاً عن كيفية التنعم بالحرية: تلقى دعوة في صندوق بريده العادي في الجامعة اللبنانية لحضور وضع الحجر الأساس للمبنى الجامعي الموحد في الشمال (طرابلس). نسي الموضوع، وفي يوم الاحتفال تأخر في النوم ولم يحضره. لم ينتج من ذلك كارثة أو تحقيق، كما يمكن أن يحصل في نظام بوليسي. هذا هو نوع الحرية التي ندافع عنها في لبنان، ولا يزال يتمتع بها الفرد المستقل في رأيه.
قال صديقي إن تلقي مثل هذه الدعوة في بلدان عربية أخرى، يستوجب من صاحبها أن يتهيأ للمشاركة "الإلزامية" قبل يوم، وأن يجرّ معه ربما أمه الثمانينية وزوجته وأولاده لكي يبرهنوا على "وطنيتهم" وولائهم لربّ نعمتهم، الذي هو رئيس البلاد والعباد. وإن عدم المشاركة يعني المعارضة السياسية، التي تعني "خيانة" الدستور، وهذا كله يستوجب السجن من دون مساءلة.
لبنان ينعم بهذه الحرية بسبب تنوعه الطائفي والديني والإتني، وربما نَعِم بها تاريخياً بسبب وجود نظام طائفي يقسم السلطات بين مكوّنات الشعب اللبناني، فحفظ لها حق الاختلاف والتنوع، وعلّمها فهم الآخر وقبوله. هو نفسه النظام الذي يتسبب بالمشكلات التي نعاني منها. لكن ماذا لو كان الشعب اللبناني متجانساً ومن دين واحد غالب، أو لو كان نظامه "علمانياً"، أو مسترشداً بالاسلام، كما هي الحال في بلدان عربية، أو دينياً صافياً كما في إيران أو السعودية؟ أما كنا تحولنا نسخة عن النظم المحيطة بنا؟ فـ"العلمانية" على الطريقة العربية، لم تثمر نظماً ديموقراطية بالمعنى الكامل الذي نطمح إليه، إثر تغيير أنظمة الحكم الملكية أو الانقلاب عليها، بل أنتجت أنظمة تبحث عن التجانس وترفض الاختلاف وتتحكم بأدق تفاصيل الحياة. أما الأنظمة الدينية فعنوانها يتكفل أوصافها.
ليس هذا دفاعاً عن نظام لبنان الطائفي، لكنه الخوف على مستقبل قد نجد فيه أن أولادنا لن يكون في مقدورهم أن ينعموا بمثل الحرية التي نعمنا بها، ولا نزال نحتفظ ببقاياها. أسأل نفسي إلى متى يكون في امكاننا الاحتفاظ بها؟


عن ملحق النهار الثقافي 10/10/2010




#منى_فياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وثيقة -حزب الله-: -الجِدَّة- في الشكل فقط


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 2 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - منى فياض - في الخوف على الحرية