أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غسان المفلح - الحرية بين الديني والسياسي.















المزيد.....

الحرية بين الديني والسياسي.


غسان المفلح

الحوار المتمدن-العدد: 3154 - 2010 / 10 / 14 - 07:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعددت تعاريف مفهوم الحرية الدينية، لكن هنالك شبه اتفاق على أن الحرية الدينية تمثل الإحساس بالانعتاق في اعتناق أي من المعتقدات والأديان من دون جبر أو إكراه . أما إسلاميا فيعتبر أن الله أكرم الإنسان بهذه الحرية، من خلال هذه الحقوق منحه حرية الاعتقاد حيث قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) سورة البقرة الآية 256. سورة الكهف الآية : 29.
إن الإقرار بالحريات الثقافية - والدينية منها- إنما هو استجابة وجودية وتاريخية إنسانية يفرضها الواقع المتعدد لشعوب العالم. ولهذا فمن الطبيعي أن يكون لهذا الغنى الثقافي الحق في أن يمارس حريته في اختيار دينه أو لغته أو تراثه من دون جبر أو إكراه.
ليس في تاريخ الإسلام وحسب، بل في تاريخ معظم الأديان، هنالك فارق بين التعاليم والممارسة في الواقع، فالإسلام مثله مثل الأديان الأخرى، أقصى وهمش اتباع ديانات أخرى، خاصة في لحظة صعوده، أي ما عرف بتاريخ الفتوحات الإسلامية، حرية المعتقد لم تكن مقدسة في تاريخ الإسلام ولا في تاريخ الأديان عموما، لايهم كثيرا هنا الحديث عن درجة التسامح النسبي بين دين وآخر أو بين فترة زمنية وأخرى، الأديان عموما ما انتشرت في العالم لكونها تعترف بحرية المعتقد الديني، السبب: إنه التاريخ بكل حمولاته، ولكون الدين جزءا من المكون الثقافي لأي إنسان أو شعب، فهذا الأمر أيضا لا يقتصر على شعب من الشعوب. العثمانيون وخلفاؤهم الاتراك لاحقا حاولوا فرض اللغة التركية على بعض بلاد العرب، أثناء احتلالهم لها، واللغة بما هي الوعاء الثقافي لأي شعب، أيضا الاستعمار الفرنسي في الجزائر حاول فرنسة كل الشعب الجزائري، وما فعلته الجيوش الأوروبية في السكان الأصليين في كثير من البلاد..
الكرد في سورية ممنوع عليهم حتى اللحظة التعلم بلغتهم، لكن هذا المنع ليس دينيا بل هو منع سياسي بامتياز.
هذا الأمر من الاقصاء الديني أيضا لم يبق كما هو لدى كل الأديان، بعدما استتب الأمر لها في مناطقها، لهذا بقي فيت دار الإسلام كما يقال، مكونات دينية وثقافية أخرى تمارس حريتها الدينية.
اللافت في الأمر أن الإسلام منذ لحظة مجيئه وهو يتداول هذه الآية التي تحولت إلى شعار لا إكراه في الدين بعكس الديانات الأخرى، أما الممارسة العملية فلها شأن آخر.
منذ مجيء الاستعمار الأوروبي إلى المنطقة، لم تعد المنطقة تشهد حروبا على أساس ديني، ربما شهدت بعض الحروب على أساس طائفي محدود أو اثني، لتغطية السياسة، وكانت الأديان الأخرى في منأى عن الإجبار لتغيير اتباعها لدينهم، ولم يتعرضوا للتهجير، لكن الإقصاء عن الحياة العامة بقي معمولا به، تماما كتاريخ اليهود في أوروبا، هل شهدت أوروبا حتى اللحظة مجيء ملك أو رئيس لدولة يهودي، ولايزال، فحتى ساركوزي الذي يقال انه من أصول يهودية، لكنه الآن مسيحي. أمريكا رغم قوة اللوبيات اليهودية ومؤسساتها هناك لم تستطع انتخاب رئيس يهودي، حتى أنه لا يفكر أي يهودي بالترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أو أية دولة اوروبية. حتى انتخاب أمريكا لرئيس من أصول أفريقية هو نتيجة لتاريخ من التمييز العنصري، لكنه مسيحي.
والإقصاء الذي نتحدث عنه هو الذي يتعرض له الإنسان بسبب انتمائه الثقافي- الديني يمكن إجماله في عدم الاعتراف بأنماط الحياة الدينية وخصوصياتها المتعددة، والحرمان الذي يتعرض له اتباعها من مبدأ تكافؤ الفرص قانونيا وعمليا بسبب هويتهم الدينية .
الدستور في أمريكا وأوروبا لا يمنع مجيء أي حاكم مهما كان دينه أو طائفته إلى الحكم بالانتخاب، لكن بشكل عملي أزعم أن الثقافة التي لازالت سائدة تمنع مجيء حاكم يعتنق اليهودية أو الإسلام، أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية تصرح بان ألمانيا لديها قيم لا تتراجع عنها قيم يهودية- مسيحية ، ولكن هل تنتخب ألمانيا الآن إنسانا يهوديا أو مسلما لمنصب مستشار ألمانيا، رغم أن دستورها لا يمنع ذلك؟ هذا ما يمكننا تسميته بالاقصاء بالمعنى العملي، لا يوجد حزب سياسي في ألمانيا يغامر في ترشيح يهودي أو مسلم لمنصب مستشار ألمانيا، ولا حتى في بريطانيا التي تعتبر المؤسس الفعلي لدولة إسرائيل، ربما ألمانيا تنتخب لاحقا مستشارا يهوديا، تقليدا لأمريكا بحكم أن لها ماضيا أسود مع يهودها ويهود أوروبا عموما.
هذا الاقصاء العملي، لا يمنع اتباع الأديان الأخرى من ممارستهم لحريتهم الدينية، كاليهود والمسلمين.
لكنه حتى اللحظة عدم الاقصاء العملي محتجز في راهن ألمانيا، رغم تشديدنا على أن الدستور الألماني لا يمنع ولا يقصي، ورغم وجود الحق في التمثيل السياسي.
أما في منطقتنا الشرق أوسطية، فالسياسة الراهنة خربت كل شيء، ولم يعد الناس يميزون بين الحرية الدينية والحرية السياسية، مرة اخرى لا نريد العودة للتاريخ في هذه النقطة، لكن يمكننا القول انه منذ أكثر من قرن من الزمن، تاريخ المنطقة لم يشهد حروبا دينية تهجيرية اقتلاعية، وبقيت الأديان غير الإسلامية تمارس حريتها الدينية، كذلك الأقليات الطائفية الإسلامية، وحتى في تعاليمها المختصة بالأحوال الشخصية، ولكن لازال عماد هذا الراهن التاريخي هو غياب الحرية السياسية، وغيابها عن الجميع وإن بتفاوت نظري، كأن نقول: الدستور ينص على أن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلما، ولكن هذا الرئيس لا يتغير ولا يسمح بالانتخاب، ولا يعترف بمفهوم المواطنة والمساواة أمام القانون، لأن سلطته بنيت على هذا الأساس، فيصبح التفاوت نظريا فقط، والدستور يكون على مقاسه، وهذا الغياب للحرية السياسة لا يعني أن دساتير هذه البلدان تسمح بالحرية بمفهوم المواطنة على الطريقة الألمانية التي تحدثنا عنها، وهنا نأتي إلى خلاصة ما نريد الوصول إليه:
الحرية الدينية تقتضي تمثيلا روحيا ودينيا، وهذا متوفر، ولكن الحرية السياسية أيضا تقضي تمثيلا سياسيا، وهذا هو الممنوع في الكثير من بلداننا، لهذا يجب عدم الخلط بين الحرية الدينية وتمثيلها الروحي، وبين الحرية السياسية وتمثيلها السياسي.
الأساس هو الفرق بين التمثيل الديني والتمثيل السياسي: فهل يمكن للمكون الديني أو الطائفي- أي مكون ديني أو طائفي- في العصر الراهن أن يكون لديه مكون سياسي تمثيلي واحد، بمحض إرادته؟ يمكن أن تكون له مؤسسة تمثيلة دينية، ولكن من الصعب إن لم نقل من المستحيل أن تجد مكونا دينيا له تمثيل سياسي واحد معبر عنه لكل اتباعه - فلا الإسلام السني له تمثيل سياسي واحد، ولا الشيعي ولا المسيحي ولا الدرزي مثلا في لبنان له تمثيل سياسي واحد- في ظل مجتمع سياسي يتمتع بالحرية السياسية.
هنا لا بد لنا من النظر للموضوع من زواية أخرى عندما تقع أعيننا على مثل هذه الحالة، يحتج كثير من مثقفين علمانين ينحدرون من الطوائف المسيحية في العالم العربي، على بعض الدساتير التي تحدد دين رئيس الدولة بالإسلام، ولكن لم نشاهد لهم مثل هذا الاحتجاج على دين رئيس الدولة اللبنانية التي يجب أن يكون مسيحيا مارونيا؟ ولتأكيد ما نرمي إليه، أن البطريركية المارونية في بكركي يعتبرها كل الموارنة ممثلة دينية لهم، ومنهم من يحاول إعطاءها دورا سياسيا في هذا التمثيل، ولكن قلما وجدنا الموارنة لهم مؤسسة تمثيلة سياسية واحدة، إلا عندما حاول المرحوم الشيخ بشير الجميل أن يفرض هذا الأمر بالقوة، وتصبح القوات اللبنانية الممثل الشرعي السياسي والوحيد للموارنة، ولكنه لم يستطع.
المحصلة المكون الديني تمثيله الروحي شبه ثابت، هكذا التاريخ ولكن تمثيله السياسي هو التاريخ المتحرك والمتنوع وفقا لمصالح البشر وأهوائها وأيديولوجياتها وما تمتلكه من قوى تاريخية أيضا.
لهذا تعتبر دولة المواطنة والديمقراطية هي مفتاح الحل للحريات الدينية والسياسية، وليست الحل لوحدها. الديمقراطية تنفتح على عوالم التمثيلات السياسية، وما تعنيه من حريات وتعبير عن هموم الناس وأحلامهم وطموحاتهم، وفيها يتعلم الناس التعايش مع حرياتهم وحريات الآخرين، ومن دونها ستبقى مجتمعاتنا تدور في شبه حلقة مفرغة من الحداثة المنضدة لدينا كشعوب منطقة مدولنة.



#غسان_المفلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية اليأس والأمل.
- إسرائيل التمسك دينيا نقصا بالشرعية الدنيوية.
- الفتنة المشرقية إبعاد هذه السياسة عن الدين والطائفة!
- إيران والثلاثي العربي لبنانيا.
- زيارة نجاد لبنان لتتويج السيد نصرالله.
- الشيخ سعد الاستقالة أرحم من الإقالة..
- المحكمة الدولية - تمرين الرأي العام
- سورية وفقاعة الكنيسة الانجيلية؟
- الدولة والعقد الاجتماعي
- طل الملوحي هل هنالك قضية؟
- التاريخ والسياسة وشرط الراهن.
- تركيا والمسألة الكردية وقضية الحرية.
- المسيحية المشرقية والإسلامية المشرقية.
- حوران بين قمح سورية وانفتاحها وبين...؟
- هل أصبحت الشيعية السياسية طرفاً برّانياً في الكيان اللبناني ...
- عندما يسرقنا الخوف إلى الوهم. إلى تهامة معروف وطل الملوحي عن ...
- الفساد والتخلف......
- الحريرية لم تعد سؤال الدولة اللبنانية.
- خواطر حول نهضة يسارية.
- واقع الصورة أهم من صورة الواقع.


المزيد.....




- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غسان المفلح - الحرية بين الديني والسياسي.