أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شايع - كلّه قبر مالك














المزيد.....

كلّه قبر مالك


علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 3154 - 2010 / 10 / 14 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


في المشهد، تقف أم حزينة، تطلّ بأغزر دمعها، لتغسل الفضاء، عبر شاشة أحدى القنوات..أم سجاد..امرأة عراقية استشهد أولادها الثلاثة في عمل إرهابي، وهُجّرت عن دارها لتعيش مع ابنتيها – متجاوزة – في مساكن الصفيح بمعسكر الرشيد..
إلى هنا وتبدو القصة ثانوية بعراقيتها.. قصة أم متهضّمة لم تقتل نفسها، لأنها رأت، مثل الخنساء، كثرة الباكين من حولها على فقد أحبابهم. لكنها تعيش كمد الشوق لزيارة قبورهم.لا تسعفها ذات اليد، فالفقر مطبق عليها وبناتها، ولا الخيال المستنزَف؛ قلقاً وحباً- ككل أمهاتنا-يسعفها فتتوجّه لتزورهم عن بعد؛ بطيف الأمنيات، مستحضرّة أرض النجف كلّها إلى معسكر الرشيد. فهذا لا يلامس قلبها، لأن الفقد الذي تعيشه ليس فقداً معنوياً فحسب، بل هو فقد ثلاثة كنوز دفعة واحدة..فقد يحفر في العظام!.
قبور أحبابها هناك في النجف..والمسافات سفر ساعتين، ولكن من أين لها النقود لتسافر كلّ أسبوع على الأقل؟..آه يا نقود..
ولهفي عليك يا خالتي وعلى شفتيكِ الواهنتين بحسرة السياب وفاقته، وهو يلتاع، غريباً على الخليج:
ليت السفائن لا تقاضي راكبيها عن سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض، بلا بحار!
ما زلت أحسب يا نقود، أعدُّكن و أستزيد،
ما زلت أُنقصُ، يا نقود، بكنَّ من مدَدِ اغترابي.
ما زلت أوقد بالتماعتكنَّ نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك فحدثيني يا نقود
متى أعود ؟ متى أعود؟ “..
وكأن أم سجاد تضاعف أسئلة السياب: أيتها النقود متى أعود وحشتهم، وأزور مراقدهم..وأدلق الماء البارد على تلك الأحجار مثل كلّ الأمهات هناك؟..
أيتها النجف.. بحرك جفّ منذ أمد بعيد ولكن الأفق العريض إليك لا يفضي إليهم كل يوم كما أشتهي..
آه يا نجف يا بعيدة ..
وحين تتعب من المناجاة مثل كل مرّة..سوف لا تعنيها أرض النجف بما حوّت، فها تعود بآمالها إلى بيت الصفيح في أرض الثكنة العسكرية السابقة.. وها هي تبني لكلّ منهم قبراً، واضعة صورهم في عمق الشاهدة، وستحرص أن يكون الأصغر في الوسط بين إخوانه.. وستوصيهم، أمواتاً، خيراً به.. سينتهي حساب الماديات لديها بطريقة عجيبة، فالرائي لمشهد القبور يحسبها حقيقية، ولكن أم سجاد تعيش وجدها الصوفي باستحضار مكان خاص ليس إلا، مكان ليس لها هي، بل لنا ولآخرين سيتوهمون القبور فيعتقدون إن لديها مبرّر تلك الحرقة اليومية للتمرّغ بتراب جوارهم..
أما هي ففي شغل عن العالمين؛ روحها وقلبها ونبضها كلّه عند أرض أخرى..
مكانها في الوقوف على هذه الهضبة، يشابه مكان السياب في وقفته الغريبة على الخليج..ويشابهه موقفاً حصل في مقتبل ربيع هولندا لهذه السنة، حيث تلقيت اتصالاً دامعاً من الشاعرة بلقيس حميد حسن، وهي تخبرني بتوقفها في مقبرة، لا تعرف فيها ميت، وسط حدائق من الزهور.. كانت تبكي من القلب، وتجهش حد الفجيعة. بالطبع إن لهذه الشاعرة النبيلة من تبكيه فقداً، ولكنها لا تبكيه في تلك اللحظة.. لأنها لحظة خاصة بأهل المقبرة فقط، لحظة تامة لها ولهم، لحظة إنسانية هائلة، أقف على مشارف سعتها..ولا أحصيها..
لحظة لصلة بين غريب وغريب..بين عابر وعابر..بين شاعر وعالم خفي لا يراه سواه..
وكم ذا تفيض في قلب الشاعر مثل تلك الهواجس فتجعله متميّزاً بحزنه..
قلت..سأجمع كل هذا الفيض؛ حسرة السياب غريباً على الخليج.. لوعة أم سجاد على قبور رمزية..
واغتراب الحمامة - بلقيس- في غابة من الورد المُمل وشواهد القبور الغريبة..أجمع كل هذا، وأطويه بدموع اليوم، مستذكراً بيت شعر لحزين سرمدي:فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا دعوني فهذا كله قبر مالك..
==========
[email protected]



#علي_شايع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقص القادرين
- علاج المدمن .. مهمة الدولة
- آثارهم!
- نبرة اليمين..تشدّد واقع
- سعادة العمل
- في العراق..كلّنا طبيب نفسه!
- كتابة للنسيان
- إرهاب الدواء في العراق!
- طائر التمساح!
- جدل بيزنطي
- المعارض الايجابي
- المحكمة الإعلامية
- خطوات لتحجيم القاعدة
- آثار المسؤول
- عمّاتهم وعمّاتنا
- نجوى العاطل
- محو العماء
- دموع السياب
- احذر إخوتك يا يوسف
- الأرملة السوداء..مقال في ذم الأم!


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شايع - كلّه قبر مالك