أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء 1















المزيد.....


بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء 1


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 3153 - 2010 / 10 / 13 - 20:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


هذه الورقة كتبها المناضل الثوري فؤاد الهلالي بعد انسحابه من المؤتمر الثاني للنهج الديمقراطي في يوليوز 2008 ، نعيد نشرها عبر حلقات نظرا لأهميتها التاريخية و الفكرية باعتبارها نقدا صريحا لحزب النهج الديمقراطي أيديولوجيا و سياسيا و استراتيجيا.


بصدد نظرية "السيرورات الثلاث" :
المنطلقات والانزلاقات
بقلم: فؤاد الهيلالي

"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية"
لينين
"وحدها الحقيقة دائما ثورية"
جرامشي
"كل من يخشى المجهود يحرم نفسه من إمكانية الوصول إلى الحقيقة" (1)
لينين

تقديـــــــم:

لعل القارئ سيفاجأ بوجود نظرية بهذا الإسم. وبالفعل قراءة بسيطة لأوراق النهج الديمقراطي قد تدفعه إلى الشك في هذا الادعاء. ومن جهتنا، ومن حيث الشكل، سنؤكد له أن لا وجود لنظرية تحمل هذا الإسم. بل أكثر من هذا لا وجود لمؤلف أو وثيقة سواء شخصية أو جماعية تدعي لنفسها رسميا ذلك.
ودون لف ولا دوران، نعتقد أن القراءة المتأنية لمشاريع أوراق المؤتمر الوطني الثاني للنهج الديمقراطي المدعمة بسابقاتها المقررة من طرف مؤتمره الوطني الأول، وباستحضار التجربة المتراكمة لسنوات، وبالبحث عن الخط الفعلي لممارسته وليس المعلن فقط، ستجعلنا في الأخير نؤكد وجود مثل هذه النظرية.
إن القراءة التحليلية –التفكيكية- للنصوص المقدمة إلى المؤتمر الوطني الثاني، ثم إعادة تركيب المفاصل والمحاور وبعد استعراض أهم التفاصيل، سمحت لنا بعزل الأطروحات الأساسية والبحث في علائقها ومنطقها الداخلي، ومن ثمة استخراج نواتها المركزية وتسليط النقد عليها. إنها مهمة ليست بالسهلة أو الهينة، ذلك أن تلك النواة لا تفشي بجوهرها وتظل محفوفة بتمظهرات تختفي وراءها.

إن نظرية السيرورات الثلاث (حسب هذه النظرية: نضال النهج الديمقراطي يندرج ضمن ثلاث سيرورات : 1- سيرورة المساهمة في بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين 2- سيرورة تطوير وتوسيع الحركة النضالية عبر بناء وتطوير وتنويع تنظيماتها الذاتية المستقلة 3- سيرورة بناء تحالف الطبقات الشعبية عبر المساهمة في بلورة برنامج يركز مهام التحرر الوطني والبناء الدمقراطي وتلتف حوله أكبر قوة سياسية واجتماعية ممكنة) (2) هي تلك الصيغة المختصرة لأهم الأطروحات السياسية والإيديولوجية والتنظيمية للنهج الديمقرطي، هي النواة الصلبة التي تدور حولها كل تلك الأطروحات. ورغم تموجات السياسة وتقلباتها، وبالرغم من الفروق التي تظهر هنا أوهناك في النصوص، والتي قد تعود إلى المستويات المختلفة من الاستيعاب لدى المناضلين، أو للطابع الشخصي لأساليبهم الشخصية، تظل النواة الصلبة لهاته النظرية قادرة على التكيف والاستقرار والديمومة.

إنها مركز (مكثف) للأفكار الأساسية، وملتقى لنظريات فرعية (sous-théorie) آتية من آفاق مختلفة ترسبت في فكر وممارسة التنظيم والمناضلين وتسري في الجسم سريان الدم في العروق. إنها فلك تسبح فيه سياسة النهج الديمقراطي. ودون تغيير للسرعة فلا خروج من المدار !
إن إخضاع هاته النظرية وتفرعاتها للنقد هو الخطوة الأولى لتلمس سبل الخروج من الأزمة التي يتخبط فيها النهج الديمقراطي ومواجهة إعادة إنتاجها باستمرار (لا أحد اليوم يمكن أن يراهن بعدم وجودها). ولأن التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة، ولكون نظرية السيرورات الثلاث خاطئة في منطلقاتها، فالتنظيم يعاني من نتائجها السلبية (كل الاختلالات البنيوية للتنظيم تؤكد ذلك) لحد أنها أصبحت كابحا أساسيا لتطوره ونموه الطبيعي.

I- في الأسس النظرية "لنظرية السيرورات الثلاث" ونقدها :

1- حسب الصيغة المختصرة (formule) لهاته النظرية المقدمة في مشروع "ورقة حول الوضع السياسي ومهامنا"، فإن العلاقة بين للسيرورات الثلاث تقوم على "الترابط والتزامن"، مما يعني أن حركية السيرورات قوامها الترابط وتبادل التأثير من جهة، والسير في خط تطور متزامن، أي متساو ومستقيم من جهة أخرى.
وهكذا ومنذ البداية تم وضع وعاء فارغ لسيرورات مجردة، لأنها ببساطة أكدت على الترابط وتناست الانفصال، فأغفلت الخصوصية والفرادة التي تتمتع بها كل سيرورة، والتي تستمدها من ذاتية مصدرها الذي يحركه تناقضها. ولذلك بقيت أحادية الجانب وسقطت في نظرة ميكانيكية.
وعند معالجة خط التطور، وضعت النظرية السيرورات الثلاث على خط انطلاق واحد، أي أنها تتطور في وقت واحد وبشكل متساو.
إن ترتيب العلاقة على هذا الأساس يمحي بجرة قلم تراتبية السيرورات الثلاث، ويعدم البنية المحددة للعلاقات بينها ضمن السيرورة الموضوعية (سيرورة التحرر الوطني والدمقراطي ذو الأفق الاشتراكي) التي يحكمها التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي وتمفصلهما. فالسيرورة الأولى تنتمي إلى التناقض الأول، وإن أخذت مضمونها السياسي من التناقض الثاني، بينما تنتمي السيرورة الثالثة إلى التناقض الثاني، وإن تأثرت ضروريا بالتناقض الأول. إن السيرورة الأولى تنتمي إلى المضمون الأممي للاشتراكية، الذي يقتضي بناء حزب الطبقة العاملة وبناء الاشتراكية. بينما السيرورة الثالثة تعطي الشكل الوطني لهذا المضمون الأممي لانخراطها في عملية بناء جبهة الطبقات الشعبية، الأداة السياسية لتحقيق التحرر الوطني الديمقراطي وبناء الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها السياسي المستقل. وكل ذلك في احترام لطبيعة التشكيلة الاجتماعية المغربية.
إن بناء تحالف العمال والكادحين (كادحي المدن والبوادي) هو العمود الفقري للجبهة الشعبية. وفي قلب العملية يوجد الحزب الثوري للطبقة العاملة كمهمة للبناء ذات أولوية ومركزية. إن التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي يلتقيان ويتبادلان التأثير في سياق ما تسميه النظرية بالسيرورة الثانية. فبين معرفة الحاضر واستشراف المستقبل هناك علاقة جدلية تحققها الممارسة الاجتماعية الثورية المرتكزة إلى فلسفة البراكسيس الثورية.
إن النظرية الجدلية تمسك بالحاضر في حركته. وصيرورة (devenir) التحرر الوطني الديمقراطي كما نراها (أي في أفقها الاشتراكي) يحكمها التناقض الأساسي الذي يفعل في العمق. والاختلاف بين نظرتنا ونظرة الإصلاحيين هي سقوطهم الدائم في اعتبار التناقض المحرك للفترة هو بين البورجوازية المتوسطة والصغيرة وبين الطبقات السائدة. إن الأوهام الإصلاحية تقوم على إمكانية تحقيق مجتمع رأسمالي وطني في ظل تشكيلات اجتماعية تعاني من التبعية الاقتصادية والسياسية للإمبريالية، متجاهلة العجز البنيوي (الاقتصادي والإيديولوجي) للبورجوازية الصغيرة والمتوسطة عن تحقيق مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. لقد أثبتت اللينينية أن عصر الثورات البورجوازية الكلاسيكية قد انتهى بدخول الرأسمالية مرحلتها الإمبريالية.
لمواجهة المنحى الإصلاحي لهاته الطبقات، نؤكد دائما على أهمية النضالات الجماهيرية التي يدفع بها إلى الأمام التناقض الأساسي. وهذا غير ممكن دون العمل في الفترة الراهنة على تركيز قيادة البروليتاريا للنضالات الجماهيرية.
إن التقدم في إنجاز المهام لن يكون إلا إذا تم إدراك أن النهج الدمقراطي في مفترق طرق تتقاطع فيه ظرفيتان : الاولى سياسية والثانية نظرية. وهو ما يعني ضرورة بلورة نظرية لعمله السياسي تقوم على التفكير الذاتي (auto réflexion) وتطوير الأداء السياسي للتنظيم. إن تحليل الظرفية في التقليد الماركسي هو تركيب لمجمل التناقضات الفعلية في تشكيلة اجتماعية، في لحظة من تطورها، تعبر عن نفسها من خلال الصراع الطبقي المتعدد الأشكال (اقتصادي، سياسي، إيديولوجي، ثقافي) بين الطبقات الاجتماعية. ويكون هذا التحليل في خدمة العمل السياسي.
وكما سنرى فشل مشروع التحليل السياسي المقدم إلى المؤتمر الوطني الثاني للنهج الديمقراطي في تحقيق ذلك.

2- خطأ "نظرية السيرورات الثلاث" أنها في نظرتها السانكرونية قد جعلت من السيرورات أعلاه منظومة واحدة تلغي الخصوصيات والشروط الملموسة، ومن ثمة تأكيدها فقط على التأثيرات الخارجية المتبادلة (الترابط)، وهي نظرة ميكانيكية وأحادية الجانب.
إن السيرورات حسب تلك النظرية، تتطور في خط مستمر ولا تتأثر بقانون التطور الغير المتساو، والذي يعني وجود لحظة انقطاع في هذا التطور. مما يعني الانتقال من لحظة إلى أخرى أو من فترة إلى أخرى ومن مهمة إلى أخرى. إن علاقة السيرورات هي علاقة تناقض، وشمولية التناقض المشخص للوحدة تعني في نفس الوقت الاستمرارية والانقطاع. دون ذلك تنطلق مهام التحرر الوطني، التي تلخصها نظرية السيرورات الثلاث، في مكان وزمان سوسيوتاريخي متصل ومتجانس. إن التقاطع بين السيرورات قائم. ولكن هذا لا يمنع من التمييز بين السيرورات، ومن ثمة كذلك التمييز بين التناقضات المختلفة، وتحديد الخط الفاصل بين الفترات والمراحل، بين الأصدقاء والأعداء الضروري لأية استراتيجية.

3- لا شك أن قارئ الورقة قد بدأ يدرك لماذا ترفض "نظرية السيرورات الثلاث" الإقرار بأولوية السيرورة الأولى بشكل عام. ولكن التمعن في الأسس النظرية التي تقدمها لمشروع التحرر الوطني الدمقراطي والاشتراكي يجعله يدرك أكثر لم ترفض القبول بفكرة الحزب (حزب الطبقة العاملة)، وكيف تفهم "صيغة التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة". وللتذكير ظل العديد من المناضلين يستعملون صيغة "الأداة السياسية"للطبقة العاملة" التي تم نقدها خلال الإعداد للمؤتمر الوطني الأول. وإذا كان من حسنة يقدمها التحليل االسياسي هو أنه يظهر لماذا هذا التشبث برفض صيغة الحزب؟
وإذا وضعنا جانبا مجموعة من العموميات حول الاشتراكية، وبالاستناد إلى أسئلة أربع حول فشل الاشتراكية تحمل في طياتها أجوبة –حسب مشروع التحليل السياسي- ، سنجد نظرية السيرورات الثلاث تنهل من اشتراكية تقول عنها أنها غير دولنية، ولا تقوم على حزب طليعي يمتلك المعرفة ... وتشكك في مجموعة من الاختيارات (أنظر الأسئلة الأربع) ولا تقدم جوابا عنها. وإن كان الجواب في فقرة سابقة. هناك تخلي معلن عن أي دور للدولة في بناء الاشتراكية، كما أن الحزب الذي يمتلك المعرفة هو الآخر لا حاجة لنا به.
وعلى القارئ أن يدرك أن الدولة هي دولة الطبقة العاملة (دكتاتورية البروليتاريا) والحزب هو حزب الطبقة العاملة. وإذا كنا نتفهم –ولا نقبل- رفض نظرية السيرورات الثلاث للينينية، فإننا نتساءل عن مدى ماركسية هاته النظرية؟
لقد كان لسقوط التجارب الاشتراكية، ولا شك، أثره الكبير على الخوف الذي ينتاب أصحاب هاته النظرية، كلما دعا الأمر إلى تحديد المفاهيم وضبطها. ولكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد من السطحية، فإنه لأمر غريب من قبل مناضلين ما لبثوا يكررون أنهم ماركسيون.
لقد سقطت نظرية السيرورات الثلاث في فراغ نظري ملفت نتيجة فقدانها للبوصلة وصارت تبشر بطوباوية فوضوية.

4- بعد الإخفاق في تحديدها للأسس النظرية للمشروع الاشتراكي، ارتجلت نظرية السيرورات الثلاث مجموعة من العناصر المتنافرة لإعطاء أسس لمشروع تحررها الوطني والديمقراطي.
وعلى القارئ أن يبحث عنها في مجموعة من الفقرات (مرحلة التحرر الوطني والدمقراطي، نقد مفهوم الانتقال الدمقراطي، اختيارنا الدمقراطي). ولتكتمل الصورة، على القارئ أن يعود إلى الجزء من وثيقة التحليل السياسي الخاص بالنظام العالمي والقوى المناهضة للرأسمالية، وكذلك السياق الوطني للتحليل السياسي إضافة إلى وثيقة "البرنامج العام للتغيير الديمقراطي الجذري".
عند تناول وثيقة التحليل السياسي وضعية الحركات المناهضة للرأسمالية ومهامها (وضمنها حركات التحرر الوطني)، غاب عنها أي تحديد بنيوي طبقي لهاته الحركات. ومن ثمة عدم توفر أية إمكانية لاستنتاج طبيعتها ومضمونها (خاصة بالنسبة لحركة الطبقة العاملة وحركة التحرر الوطني). وقد بلغ الخلط مداه عند إدماج التناقضات المابين إمبرياليات ضمن الحركات المناهضة للرأسمالية.
ولذلك جاء التحليل مغيبا للمهمة المركزية بالنسبة لحركة الطبقة العاملة عالميا، وهي إعادة بناء وحدتها بارتباط مع إعادة بناء أحزابها الثورية. وذلك من خلال استيعاب دروس تجاربها، ورصد التطورات الجديدة وتحليلها، بارتباط مع إعادة بناء النظرية الثورية الماركسية اللينينية.
وعند تناولها لحركات التحرر الوطني، انعكست لديها تلك البنية التحليلية فسقطت في الغموض وانعدم لديها تصور للعلاقة مع حركة الطبقة العاملة (عالميا) ككل، العلاقة التي يجسدها الشعار الأممي "ياعمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا".

ولا غرو أن يأتي تحليل السياق الوطني هو كذلك مرتبكا وعائما وتلفه جوانب غامضة. فجاء تحليل المشروع المخزني وتوزيع القوى الاجتماعية والسياسية بالمغرب دون مستوى حتى التحاليل السابقة للنهج الديمقراطي. فالمشروع المخزني – حسب الوثيقة - تعاني منه كذلك شريحة داخل الكتلة الطبقية السائدة، ومعها أوسع فئات البورجوازية المتوسطة. والاستبداد هو في خدمة المافيات المخزنية تحديدا. وعلاقة الكتلة الدمقراطية بالنظام المخزني هي علاقة اختراق الأول للثانية وإقناعها بشعاراته وهي نفس العلاقة الحاكمة لعلاقة النظام بالحركة النقابية (هي الأخرى اقتنعت بشعاراته وكفى الله المؤمنين شر التحليل !) وحركة المجتمع المدني (اختراق ورشوة). والأهم أن التاريخ قد أصدر حكمه على "الكتلة الديمقراطية" ومشروعها السياسي.
أما الحركة الجماهيرية فهي شبه مغيبة من التحليل في وقت تتكلم فيه الوثيقة عن بداية نهاية المشروع المخزني، دون أن تتطرق للمشروع النيومخزني الذي يتطور الآن أمام أعيننا. وبالإضافة إلى هذا وذاك هناك إشارات إلى البديل، ولا إشارة لطبيعة القوى الاجتماعية التي يرتكز إليها، خصوصا وأن فئات من داخل الكتلة الطبقية السائدة – حسب مشروع التحليل السياسي - هي الأخرى متضررة سياسيا واقتصاديا من المشروع المخزني.
ويغيب عن التحليل أي مفهوم نظري واضح لحركة التحرر الوطني. وبموازاة ذلك، لا تحليل للطبقات الوسطى (المسماة بورجوازية وطنية) وأوضاعها الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية (ثوابتها ومتغيراتها). أضف إلى ذلك تغييب الحركة الجماهيرية (العمال والفلاحون الكادحون رغم النضالات والانتفاضات ...). وهذا التغييب الأخير تتشاركه مع الأوراق الأخرى.

هناك فراغ تركته "الكتلة الدمقراطية" وحان الوقت لملئه من طرف "اليسار المعارض". ولكن ضمن أي مشروع؟

الإجابة تتطلب تركيبا لأفكار الورقة حول مجموعة من الموضوعات :

(1) على المستوى النظري: نقدها لمفهوم الانتقال الديمقراطي.

- انعدام نقد نظري، لدى الورقة، لمفهوم الدولة الرأسمالية ولتناقضاتها (تناقض السياسي والاقتصادي والاجتماعي ونتائجه : الدمقراطية البورجوازية) كمنطلق عام ومقارنة ذلك بالتشكيلات الاجتماعية التابعة واستخراج القوانين العامة لهاته التشكيلات.

- إن أهمية هذا النقد النظري ذات راهنية قصوى لليسار الثوري، إن هو أراد دراسة المستجدات، وفي مقدمتها إدراك المعنى والمضمون الرجعي "للدمقراطية النيوليبرالية" (وإيديولوجيتها الداعية إلى تفكيك الدولة القومية أي العودة إلى ما قبل الدولة القومية خاصة بالنسبة لشعوب "العالم الثالث") والتعامل مع الشعوب كطوائف، كإثنيات، كديانات كلها في علاقة مع السوق وفي سياق هاته الدمقراطية النيوليبرالية تسوق كذلك للعالم الثالث أنواع من "الديمقراطيات" كالديمقراطية المسماة L I D أي Less Intensive Democracy والتي تسوقها مراكز القرار الأمريكية.

- إن تأكيد هذا الطرح يبقى ضروريا لاستيعاب طبيعة المرحلة التاريخية من وجهة نظر السياسة الأممية. إن النضال من أجل "الدمقراطية" لا يتعارض والطرح الدعائي والاستراتيجي "للديمقراطية الشعبية" أو "لديمقراطية الجديدة" كبديل استراتيجي "للديمقراطية المخزنية" و"الديمقراطية الاشتراكية" كبديل "للديمقراطية البرجوازية".
- لهاته الاعتبارات أعلاه، افتقدت الوثيقة لأية أسس نظرية سواء لنقد "الديمقراطية المخزنية" أو ما أسمته "المشروع الوطني للطبقات الوسطى". فغاب أي نقد من الداخل "للبنية المخزنية" لدولة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار والمافيات المخزنية في علاقتها مع التشكيلة الاجتماعية المغربية التابعة. ونفس الأمر ينطبق على أحلام وأوهام الطبقات الوسطى بالنسبة لما تسميه الديمقراطية، والانتقال الديمقراطي...

إن تعويض المنهج الماركسي بالمنهج المقارن والمعياري (normatif) (على أهمية الاستفادة منهما) لا يملأ الفراغ النظري الذي تعاني منه الوثيقة.
- حسب الوثيقة، وبتحديداتها الدستورية، النموذج المتوخى هو الديمقراطية السياسية، والنظام المناسب هو نظام دمقراطي دون تحديد للشكل. وشرط تحقيق ذلك هو وجود مناخ دمقراطي، الذي لن يتوفر بدون إضعاف البنية المخزنية، وعزل المافيات المخزنية ودمقرطة الدولة.
والسؤال الأول الذي يطرح نفسه حتما هو : هل الدمقراطية السياسية هي أقصى ما يتوخاه إنجاز مهام التحرر الوطني الديمقراطي؟ أما السؤال الثاني فهو : هل هذا الطرح يبقى تاكتيكيا؟ وفي حالة الإيجاب ما تكون هاته الاسترايجية؟

(2) على المستوى السياسي : الشعارات وأساليب النضال والنموذج :

- في سياق البحث عن أجوبة للأسئلة أعلاه، لايزيدنا شعار المرحلة المقدم من طرف وثيقة التحليل السياسي (قيادة حازمة لنضال التحرر الوطني والبناء الدمقراطي ذي الأفق الاشتراكي) إلا غموضا. بحيث لم يتم توضيح طبيعة هاته القيادة، أهي قيادة استراتيجية ام أنها تاكتيكية؟ وبلغة أخرى أهي جبهة طبقية شعبية تقودها الطبقة العاملة؟ أم أنها تحالف تاكتيكي أو تحالف سياسي لقوى سياسية؟ ونعتقد أن الأمر يتعلق بتحالف سياسي خاصة وأن شعار الفترة سياسيا هو "عزل المافيا المخزنية" حسب الوثيقة.

وفي كلا الحالتين لا وجود لطبيعة القوى الاجتماعية والسياسية التي ستقود أوستنضوي تحت لواء هاته القيادة الحازمة. إن شعار "عزل المافيات المخزنية"، بالاستناد إلى تحليل الوثيقة لتناقضات الكتلة الطبقية االسائدة، قد يهم الفئات "المتضررة" من استبداد المخزن والمافيات المخزنية. وبلغة السياسة "القيادة الحازمة" لن تكون إلا جبهة بإحدى المعاني التي سطرناها أعلاه. فلأي جبهة ستنضم الفئات المتضررة من الكتلة الطبقية السائدة. وهل ستتم تعبئة الجماهير بشعار سياسي واحد وإن كان هو "عزل المافيات المخزنية"؟

ولانعدام رؤية نظرية واضحة للتحرر الوطني ببلادنا، وغياب أي تلمس للتناقضات الحقيقية ببلادنا، نكاد نجزم أن مشروع التحرر الوطني لا يعني سوى حل تناقض البورجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى والفئات المتضررة من الكتلة الطبقية السائدة مع المافيات المخزنية. ومما يؤكد طرحنا تبني الوثيقة لشعار "دمقرطة الدولة". إن شعار "دمقرطة الدولة" له تاريخ مع الحركة الماركسية اللينينية المغربية. كما أن شعار "عزل المافيات المخزنية" بالمضمون الذي تقدمه وثيقة التحليل السياسي يذكرنا بشعار آخر كانت منظمة إلى الأمام قد انتقدته وهو شعار "عزل النواة الفاشية". إن الشعارات يجب أن تطرح بمضمون دقيق، وعن تحليل ملموس، وبدون القفز على القوانين الأساسية التي تحكم التشكيلات الاجتماعية التابعة. فعزل المافيات المخزنية لن يغير طبيعة الدولة المخزنية لأنها بنيويا معادية للدمقراطية ودكتاتورية. ووهم التحاق الفئات المتضررة من الكتلة الطبقية السائدة بتحالف سياسي لن يحقق الديمقراطية.
إن الدولة المخزنية هي التعبير السياسي عن مصالح الكتلة الطبقية السائدة في شموليتها. وما تتجاهله الوثيقة هو طبيعة الشريحة المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة، ولعلها شريحة الرأسمال الكمبرادوري الاحتكاري ...

- إن استراتيجية التحرر الوطني والبناء الدمقراطي ذي الأفق الاشتراكي، حسب وثيقة التحليل السياسي، تقوم على نهج أسلوب رئيسي هو أسلوب النضال الديمقراطي الجماهيري. ويعني ذلك أن استراتيجية التحرر الوطني ذات طبيعة "سلمية". وتؤكد الوثيقة على إمكانية نجاحها. لا نريد هنا مناقشة هذا الطرح بل الاطلاع على خلفياته ولكننا بحثنا في الوثيقة عن هاته الظروف الؤاتية فلم نجدها. وعلى كل حال، أمامنا تاريخ طويل وعريض وكل اختيار وراءه اختيار !

أما عن أسلوب النضال البرلماني فقد تم تناوله بصيغ مبهمة نعتقد أنها سترشحه ليصبح على الأقل الأسلوب الثانوي. ولعل هذا الطرح، حتى وهو يناقش الموضوع، متناسيا الأسس النظرية لمناقشته، قد تجاهل أن الماركسيين، في قضايا التاكتيك، يميزون بين "البرلمانية الثورية" و "البرلمانية الإصلاحية". وهذا بغض النظر عن أسلوب المشاركة أو المقاطعة وللحديث بقية.

وفي الأخير، ولأن مشروع التحرر الوطني والبناء الديمقراطي يستحق أن تكون له نماذج يقتدى بها، فقد وجدتها وثيقة التحليل السياسي في "حزب الله" (الجمع بين النضال التحرري والديمقراطي !!) والنموذج الصيني (أي رأسمالية بحكم "شيوعي").

وللقارئ أن يتأمل في ذلك وعليه أن لا يتعجب عندما تدعوه الوثيقة إلى مساندة السودان وإيران والنضال من أجل عالم "متعدد الأقطاب" (أي متعدد الأقطاب الإمبريالية). وتلك نتيجة حتمية لعدم توفر الوثيقة السياسية على تحليل للرأسمالية المعولمة، في طورها الحالي، خاصة مع تغييبها لمجموعة من القوانين الأساسية التي تحكم تطورها، كقانون التطور الغير المتساو للرأسمالية، ولتعاملها المجرد والغير التاريخي مع قانون القيمة. فلا مجال لإدراك التحولات التي تعرفها أوربا، ولا الأزمة الحالية للإمبريالية الأمريكية ولا تطورات أمريكا اللاتينية إضافة إلى موقع الصين والهند وروسيا، إن لم يدرك اتجاه التطور العام للرأسمالية في المرحلة الراهنة. دون هذا الإدراك، فلا نستطيع استيعاب مهامنا الأممية ولا تحديد مضمون التحرر الوطني. أما ادعاء تجديد الاشتراكية فيصبح من قبيل الأوهام.




#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحريفية الإنتهازية بالنهج الديمقراطي و الهجوم على المناضلي ...
- ملاحظات أولية حول ورقة -المرجعية التاريخية و الفكرية و السيا ...
- ملاحظات أولية حول ورقة -المرجعية التاريخية و الفكرية و السيا ...
- المرجعية التارخية و الفكرية للنهج الديمقراطي
- الحد بين الخط الثوري و الخط التحريفي الإنتهازي بمنظمة -إلى ا ...
- شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 4
- شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 3
- شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 2
- شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 1
- حزب النهج الديمقراطي و النظرية الماخية الجديدة
- النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري 2
- النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري
- الشهيد القائد عبد اللطيف زروال و مفهوم الحزب الثوري
- منظمة إلى الأمام و إمكانية إنجاز الثورة
- طبيعة الصراع حول استغلال المياه المخصصة للأغراض الزراعية بأو ...
- ما معنى أن يكن الماركسيون اللينينيون -الماويون- المغاربة الع ...
- في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين ج 2
- في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين
- طبيعة الصراع بفرع تارودانت للجمعية المغربية لحقوق الإنسان
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ ج 9


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء 1