أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - من بحر عكا.. الى بحر أثينا ؟















المزيد.....

من بحر عكا.. الى بحر أثينا ؟


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 13:42
المحور: الادب والفن
    


تنفس البحر ، لامس زبده قدمي فؤاد العاريتين . للحظات خلت ، كان فؤاد يراقب الشمس الهاربة من هموم الناس وقراراتهم الجائرة . والتكنولوجيا العملاقة التي إلتهمت طيبة الحياة ورغيف الخبز .. وغيرت لون تراب الارض.
أرض بلا تراب ، جثث وأعمدة إسمنت وزفت .. وجدار خرساني أصم ، شطر القلب نصفين . وهواء ملوث برائحة البارود والحقد الاعمى ، وقلوب علاها الصدأ، وحياة مؤكسدة .
إنتابت فؤاد لحظات صمت دهرية ، عزل روحه عن جسده .. ما أوحش العالم المسكون بالجنون الذي ينحني فيه الزمن قوسياً .
قال محاوراً نفسه ، ترى ماذا يفصلني عن عكا .. ؟! إنه البحر؟ يا بحر..
ومن بعيد سمع رجع صوت صديقه الفقيه ، هذا البحر لا ماء فيه ... إنه واد مقدس.
قال الإله ، إخلع نعليك ، إنك بالواد المقدس طوى .
كان البحر يداعب قدمي فؤاد من تعب اللحظات ، من عمر إنقضى وهماً . وأحلام وردية ، سجنت في سراديب عسس تحرسه حرباء بلا ظل .
يا عكا ... وهدر البحر مقهقهاً...
لوكانت عكا تخشى هدير الموج .. ما جاورت البحر .؟
عشق فؤاد البحر .. مياهه تروح عكا وتجئ.. وتتقافز فقاعاته بين أصابع قدميه ، إنه بالواد المقدس .
هل كل بحار العالم مثل بحر عكا ؟
إنتظر فؤاد على الضفة الاخرى من العالم ، وصول زورقه الورقي .. قادماً من بحر عكا الى بحر أثينا .
سأجعل جسدي مرفأ لك يا زورقي ، وستهبط منك رائحة عكا .. تتمختر في أزقة حاناتها ، وتنشر شذى عطر الياسمين الدمشقي ورائحة برتقال يافا . وتتحاور مع بلاتونس وأرسطو حول الحب والسلام الممنوع في المدن الممنوعة من الحياة . وسيهبط صرصار الحقل الذي أودعته سارية الزورق ، وهو يغني للزيتون والزعتر والنارنج والصبار ولرائحة خبز الطابون . وعلى نغمات المجوز والارغول ، كان الديك الاحمر يومها يؤذن طربا في وداع زورقي . ويختال مشرعا جناحيه للريح الجبلية من بيادر صفد .
حينها قالوا حب الوطن في الصغر مثل النقش على الحجر . تهامس فؤاد مع نفسه ، حسناً سيصل زورقي الورقي ، وسأقيم لصرصاري الجبلي الفلسطيني وليمة فرح كبرى . وسأدعوا اليها عصفورة أثينا ، وكلبي وقطتي وجوليات الصغير . وذلك الامازيغي العنيد بشعره العبثي ، والجنوبي البدين الضاحك أبدا ، لنحتسي معا خمرة رخيصة ، ونزور موانئ الفقراء والمتعبين والعشاق . ونحول أحلامنا الى منشور سري للفرح الانساني . ونرسم مع مومس عجوز صورة عالم أفضل خال من عولمة القمع والتدجين . ونعيد قراءة ( جورج سيفريس ) .
قالوا لنا .. إن رضخنا
سيكون النصر حليفنا
فرضخنا .. واحترقنا
ولم نجد غير الرماد
قالوا لنا .. لو عشقنا ، وبنار المحبة تلظينا
سيكون النصر حليفنا
فعشقنا وإحترقنا
ولم نجد غير الرماد
قالوا لنا .. لو هجرنا الدنيا والحياة تركنا
فهجرنا ومتنا
ولم نجد غير الرماد
ومن بين رماد بقايانا عدنا ، نبحث عن رمق الحياة .
إشتعل قلب فؤاد شيباً ، ونحو عمق البحر صرخ .. يا أيها الناس .. صدئت قلوبكم ، كما يصدأ الحديد فمن يقرع الناقوس ؟
وعند إنتهاء الحفلة ، سأطبع على جبين أثينا أجمل قبلة ، لم أهدها لإمرأة قط في تاريخ عشقي الشبقي . قبلة كونية تتسع لهذا العالم يميناً ويسارًا مضمخة بشذى زهرة زيتون الجليل المقدس ، وأبحر مع زورقي الورقي وصرصاري العاشق السكران الى بحر عكا .
إنتظر فؤاد طويلا ، وربما دهراً، هرب فيه الزمن ، وتساقطت أشعة الشمس متكسرة فوق أوراق الصفصاف والحور والتين والزيتون وطور سنين . وتحنط الفجر لحظة بزوغه ... لعله تطلع خلفه ، عندما ناداه نبي الله أيوب يا أيها الصابر .. الساكن فوق جمر السنين .. ماذا تفعل في أثينا ؟؟
أثينا .. أثينا .. يا مدينة التيه .. والزيتون والزعتر وحثالاتنا ... أثينا ، أيتها المرأة الحارة كصحراء نجد والنقب وسعف النخيل في فزان ، وتمر البصرة ، وكبرياء بغداد .. نحن نحبك .. أيتها الياسمينة . لكن زورقي لم يصل بعد ؟ هل داهمته ريح صرصرٌ في يوم نحسٍ منقعر ؟ أم أسماك قرشية سبيرية لا لون لها زحفت من أعالي المحيطات مسلحة باليورانيوم المخضب الجميل ، يقودها قرصان رفع على صاريته شارة جمجمة إنسانوي ؟!.
أصابة القلق ..؟ , إنتابت فؤاد ، موجة حزن جنائزية ، وإختلطت أجراس الناصرة ، مع مآذن حيفا العتيقة .
عندما كان صغيرا ، صنع فؤاد زورقا من الورق ، أودعه جدولاً ينساب رقراقاً بين حصى من حبات زيتون ، وصخورًا من البرتقال ، وأعشاب وضفادع تقفز ضاحكة مستبشرة ، وديك أحمرٌ يؤذن لقيامة النهار .
سار الزورق في الماء .. وجرى فؤاد خلفه .. يا زورقي لا تسرع ... إنتظرني إني سأتبعك .
كان الجدول يسكب السماء في بحر عكا ، وعلى صوت المجوز والأرغول ، غنت الريح أهزوجة عطا وجمجوم وحجازي . وتمايل الزورق طرباً .
فجأة ، في ليلة قيل أن القمر إختفى فيها ، وإنشطرالزمن نصفين .. هاجم قرصان بعين واحدة وساق خشبية ، ويدٍ مخلبية ، وقلب بارد ، ودك أسوار عكا . وسقط الفرح قتيلاً ، وإختفت السماء بآلهتها حزناً.
إنه مورجان ذلك الزمن اللعين . وحلت عكا المجدلية ضفيرة شعرها غضباً . وكفت الزيزان عن الغناء ، وإنفجرت ينابيع دمع الاطفال والعصافير ... وتوالت هزائم .. وتربعت زعامات محنطة من عصر الدجال .. وآه لوكانت آلهة من تمر .. وصار الناس يتبادلون الحوار والإبتسامات من خلف قناع ومسدس .
قالوا ، إنه الزمن الذي تخصى فيه الفحولة ، وتأتلف العين مع الحاء ؟ وتختفي فيه الشمس ، ولا يبقى سوى الضوء الوهمي الساقط من قمر وهمي .
وفؤاد مازال ينتظر زورقه الورقي ، إصيب بحالة جنون إيمانية بقدرة زورقه على المقاومة ؟ أيها المصلوب في مكانين . الهجرة وفقدان الذاكرة . ومن أعماق جوفه صرخ فؤاد ، سأبحث عن زورقي بين أشجار الزيتون والعناكب وقوافل النمل . وسأتضرع الى مريم الكنعانية .. يا مريم .. أيتها العذراء .. لا بحر في عكا ... لاهواء في عكا ..لا عودة الى عكا .. ايتها العذراء لقد هجرت العصافير ميناء عكا وترمل قلبي .
يا مريم .. يا مريم .. سأملأ هذا الوادي المقدس بين عكا وأثينا حباً وإبتسامة . وسأبحر في جوف ليلٍ مظلم إختبأ فيه القمر .. قالوا ، إبتلعه حوت لا لون له في زمن أجوف ، مثقوب بلا سقف ولا جدار ولا قاع . وطار في اللا زمن . وكان هذا في بداية زمن صمتت فيه الحقيقة صمت قبور مجهولة لجنود مجهولين .. بيد أنها لم تمت .
يا زورقي ..القادم من عكا الى أثينا .. إنتظر .. لا تسرع إني سأتبعك .

من مجموعة : قمر على شفاه ماريا



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع - القات - والأيديولوجية / في اليمن - الديمقراطية - ؟!
- من يستيقظ أولاً ...يصبح بطلاً قومياً ..؟!
- سقوط أخر سلالة - الملكة بلقيس - / هيلاسيلاسي .. أسد أفريقيا
- إنه .. عصر الزهايمر الفكري ..؟!
- - كارلا بروني - ليست عاهرة / منظمات ترميم الصمت هي العاهرة ؟ ...
- تأملات ..قيثارة ..وبيانو .. وعود
- الصيف .. صديق الفقراء والعشاق / والمهاجرين والمتعبين ..
- ملائكة - الحوار المتمدن - تغني للفرح ... ولنكهة الحناء .
- ملاءات بيضاء ...وقمرُ أحمر ..؟
- أسطورة خلق أخرى/ في عشرة أيام ..!؟
- ماذا يريد الإنسان من الحياة ..؟
- أبو مين ..حضرتك ..؟!
- لماذا يعشق البحر النساء ..؟
- كتالونيا
- مطلوب دولة حضارية .. تستقبل / اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ...
- الطبيعة الا أخلاقية / لإسطورة الخلق الميثولوجية ..؟
- إنه.. زمن التثاؤب..؟
- العالم العربي .. وظاهرة إزدواجية السلطة مع الأصولية
- من إسطورة نوح الى المسيح المنتظر / الى سوبرمان العصر القادم ...
- بلدان للبيع .. أو للإيجار ..؟


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - من بحر عكا.. الى بحر أثينا ؟