أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سهيل أحمد بهجت - نقاش.. في ماهيّة النمطية !!















المزيد.....

نقاش.. في ماهيّة النمطية !!


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 08:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لا يمكن لنا عبر استخدام بضعة تعريفات و مصطلحات من ضمن تلك التي تعج بها القواميس و الموسوعات أن نحكم على مجتمعات بأكملها على أنها ذات نمط واحد، فالنمطية الوحيدة السائدة في الغرب هي "التعددية" السياسية، الأخلاقية و الفكرية، و هو ما يُذكرني بالتعريف العلمي القائل: كل شيء يتغير إلا التغيُّر فإنه لا يتغير..". و لكن في الشرق الإسلامي يكاد يتحكم بالمجتمع نمط واحد لا يقبل التغيُّر، لذلك نجد المجتمعات الشرقية، سواء بالمنطق الديني أو المادي، بقيت راكدة جامدة لا تراوح مكانها و كتبها الفقهية و العقيدة لا تعدو كونها تكرارا سمجا مغفلا لنتاجات الماضين، و ما يشذ عن القاعدة التقليدية يكون عرضة للحرق و الإبادة و التهميش لمخالفته للنموذج "المستقر، المطمئن" فكل أسئلة الشّك مرفوضة، و كانت كارثة حقيقية حينما أنهى أبو حامد الغزالي سنوات التساؤل و البحث و الشّك بأن أصبح نصيرا للسلطة و للإيمان المطلق الذي لا يقبل الشكوك.
فالنتيجة هي أن المسيري يظهر الغرب كنموذج لـ"القلق" و أن نقيضه "الاطمئنان" يكمن في مجتمعات المرجعية الدينية المتجاوزة، بينما الحقيقة هي العكس، فالغرب قلق لبحثه المتواصل و هو بالتالي مجتمع مطمئن "لأن الجميع يملك حق التفكير و التعبير و السؤال"، بالمقابل مجتمعاتنا "مطمئنة" في الظاهر طالما أن لا أحد يأتي بجديد، فلا محمد يسبّ أصنامنا و لا علي أو أبو ذر يحتج على طبقيتنا و سلطاتنا، فالاطمئنان في المجتمع الإسلامي شكلي صوري سطحي بحت و لا يملك الديمومة.
و ينطلق المسيري في حديث مطول عن تفكك الإنسان كماهية فلسفية في الغرب و تحوله إلى شيء من الأشياء و أنه يصبح جزءا من المادة و "من خلال عملية التعرية يصل الإنسان إلى حقيقته باعتباره كائنا طبيعيا ماديا ليس له حيزه الخاص، خاضع للقانون الطبيعي، و من ثم فمحاولة تجاوز الذات الطبيعية و قوانين الطبيعة و تأكيد مركزية الإنسان هي وهم لا أكثر و لا أقل" ـ العلمانية تحت المجهر ـ ص 80
و بالفعل فالإنسان طوال تاريخه على هذه الأرض كان يبحت عن جملة حاجات، فهو يبحث عن البقاء و الديمومة و إشباع رغباته و حاجاته و الأهم دفع الألم و الأذى عن نفسه و متعلقات ذاته، بل إن توجهه للدين غالبا ما يأتي لحاجته إلى تجاوز خوفه من الموت و كونه مخلوقا له بداية و نهاية كأي شيء آخر، و من ثم لا معنى لانتفاء مفهوم الإنسانية في الغرب ما دام الإنسان في الغالب هناك لا يحتاج إلى الآخرين إلا فيما ندر، بينما نذهب نحن المسلمون إلى الزعم أننا أكثر "إنسانية"!! من الغرب لأن غنيا من "أغنياء المسلمين"!! أعطى فقيرا مائة دولار أو ريال "زكاة"!! دون أن ننتبه إلى أن الإنسان الغربي كرامته محفوظة لأنه يأخذ مساعدة مالية من الدولة أو من منظمة و هو يحل بالتالي مشكلته من دون إهدار كرامته لشخص الغني، بينما يريد المسيري الإبقاء على "تراحمنا الصوري الشكلي" و معاناة الإنسان بإبقاء الفكر معلقا بالخوف من الآخرة، و كأن الالتفات إلى مشاكل الإنسان الواقعية يتناقض مع سعيه للخلود و الاطمئنان الروحي، بينما طبقة الحكام و الأغنياء يتنعمون بكل ملذات الحياة المادية و الدين يضمن لهذه الطبقة الحصول على الحسنيين (الدنيا و ما فيها من سيطرة و هيمنة و الوعد بالمغفرة في الآخرة)!!
يقول المسيري:
"أما فعل ((Dehumanization)) (تجريد الإنسان من خصائصه الإنسانية) فتعني إنكار و قمع تلك الصفات و الأفكار و النشاطات التي تميز الإنسان من غيره من الكائنات، و منع تحقيق الإمكانات الإنسانية للإنسان (في مقابل خصائصه الطّبيعية المادّية الّتي يشترك فيها مع غيره من الكائنات)، و تستخدم العبارة للإشارة إلى تلك الاتجاهات في الحضارة الحديثة التي تجرد الإنسان من إنسانيته و تحوله إلى شيء ضمن الأشياء، أي تستوعبه و تنكر عليه حرية الإختيار و المقدرة على التجاوز و تحقيق كلّيته الإنسانية المركّبة المتجاوزة للحتميات الطّبيعية المادية و للأنماط الطبيعية المتكررة." ـ العلمانية تحت المجهر ص 80
إن المصلح Dehumanization لا يمكن له أن يصبح حكما للخط العام لتطور الحضارة الغربية، صحيح أن الرأسمالية في بداية تطورها اقترنت بتبرير ديني للتوسع، فرغم أن العلمانية استحكمت في السلطة أكثر فأكثر، إلا أن الثقافة الّتي كانت تهيمن على العقل الغربي الثقافي و العلمي كانت على الدوام تستوحي نفسها من "الكتاب المقدس" الذي صنف الشعوب على أساس الإنسان الأبيض ذو الدم أو العرق Race الممتاز و بالمقابل الشعوب السامية semi-species التي يجب أن تبقى تابعة و خادمة لمسيرة تطور العرق الأبيض، و لكن تبين أن هذه النظريات لا تستند على أساس علمي و أنها تنتمي إلى ما يسمى بـ pseudoscientific أو العلم المزيف، فإمكانيات التطور و البناء الحضاري تتجاوز العرق و اللون لتشمل كل البشر، و لكن المسألة تتعلق فقط بالظروف و البيئة التي تحيط بالإنسان و هي جملة الشروط التي يُفترض وجودها لكي يستطيع الإنسان إنجاز التقدم و عملية الوعي أنظر ((Encyclopedia of Sociology: Vol 1 P 356)).
إن العلمانية لم تكن عملية سحرية اعتباطية قررت الفصل و بلمح البصر بين الدين و السياسة، بل هي عملية بطيئة كانت و لا تزال مستمرة في البناء، فمثلا حينما كانت بريطانيا و فرنسا تخوضان الحرب مع الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 م كانت هاتان الدولتان قد أعدتا نفسيهما للحرب و كانتا تتعلمان من أخطائهما، أما الدولة العثمانية القائمة على خرافة "الخلافة الإسلامية"!! فقد أنهكت المواطنين الذين خدموا هذه الدولة بالسخرة و الإكراه و أزهقت أرواح الملايين بسبب السياسات الحمقاء للنخبة العثمانية الحاكمة و الفساد الإداري الذي ترك الناس يموتون جوعا و بفعل الأمراض بعد أن انتزعت منهم الحكومة كل شيء يملكونه بحجة "دعم المجاهدين" و جيوش السلطان (الذي كان له ما لا يُعد من القصور و 3000 جارية عدى الزوجات).
ترى ما معنى تعبير "الإمكانات الإنسانية للإنسان"؟ و هو التعبير الذي أتحفنا به الأستاذ عبدالوهاب المسيري، إنها بالأحرى كلمات لا معنى لها، فإذا كانت مصطلحات كـ"الحرية"، "الانتخابات"، "حقوق الفرد"، "حقوق المجتمع"، "كرامة الإنسان"، "حرية التعبير" و غيرها من المصطلحات الحديثة التي تمتليء بها القواميس و الموسوعات، إذا كانت كل هذه التعابير ـ و هي نتاج العلمانية ـ لا تملك قيمة "إنسانية"!! فما هي تلك "الإمكانات" التي يُعزّيها المسيري إلى الإنسان كنوع؟ و ما هو المنتج الحضاري الكامن في خطاب المسيري؟ فالحضارة الإسلامية لم تقم على "سيوف روحية" و "جيوش الملائكة" و "سهام الأدعية"، بل كانت حضارة قوة و غلبة و لم يكن الأمويون و العباسيون و العثمانيون يختلفون عن الملاك و الأغنياء في عصور الإقطاع و الاستعمار، هذا إن لم يكن مستعمروا العالم الإسلامي أسوأ بسبب تبريرهم الدّيني لكل الظلم و الخراب الذي ألحقوه بالعالم الإسلامي.
و ما هي الصفات التي قام "الغرب العلماني" بقمعها في الإنسان حتى لا تنطلق؟ و ما هو جانب الحرية الذي ألغاه الغرب في الإنسان؟ الذي نعرفه أن الشيوعية متمثلة في الإتحاد السوفيتي السابق و الصين الشعبية و نظام كاسترو قامت بالفعل بتهميش الخيارات لدى الإنسان "الفرد" و جعلته محطما بحجة تبعية المصلحة الفردية إلى المصلحة "الجماعية"، و الماركسية ـ كما وصفناها سابقا ـ هي دين بلا إله، لأنها تحاول الرد على كل الأسئلة و تحتكر الحقيقة لنفسها و تضطهد حرية الفكر و الضمير بحجة العقلنة، و بالتالي ليس هناك مجال محجور على الإنسان في النظام الغربي الثقافي، رغم المحاولات الحثيثة للمسيري و معسكر "الثقافة الموجهة من السلطة" في نقض و ثلب ممارسة الحرية في الغرب و كل العالم، فالحرية هبة إلهية ـ حسب تعبير الرئيس بوش ـ و من ينتقد الحرية كمفهوم ينقض حقه الذاتي في حرية التعبير و أن يقول ما يريد.
إن تعبير Dehumanization لا يصف معاناة الإنسان من آثار التحديث و الحضارة بقدر ما يصف الدجل السّياسي الذي كانت تروج له أحزاب عنصرية كالنّازية و نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا و الولايات المتحدة سابقا، و الذي انتهى في أواخر القرن العشرين، إن الزعم بأن الإنسان سقط بمجرد عثوره على نفسه لا يطرح سوى تساؤل آخر، هو: لماذا نعتبر هذه الحرية في التعبير نهاية لإنسانية الإنسان؟ هل كان على الإنسان أن لا يختار التغيير و التطور فيبقى أسيرا للكهف و الغابة المطيرة؟ و هل بإمكانه أن لا يختار؟ إن الذي يجعل الإنسان مختلفا هو اندفاع الإنسان نحو التغيير، و هذا السبب نفسه الذي جعل آدم و حواء يتركان كل ثمار الجنة ليأكلا من الشجرة المحظورة.



#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يكرهون المالكي.. و النجاشي؟
- الهولوكوست الخامنئي..
- قراءة جديدة في الدين و العقلانية (2)
- قراءة جديدة للدين و العقلانية
- ما لم يكتشفه كولومبوس في أمريكا
- العلمانية و القوالب الفكرية
- المتديّنون يبنون العلمانية
- العلم من وجهة نظر جمالية
- في ثنائية الروح و الجسد
- شاكر النابلسي.. معروض للبيع
- الإنسان... المستحيل الوجود
- 9.4 .. يوم سقوط مقتدى البعث
- النظام العلماني و الدّين العقلاني
- علاوي و الطائرة الأمريكية
- المرحوم عبد الوهاب المسيري و عمى الألوان
- محاولات في تعريف العلمانية
- إرهاب.. تحت قناع الفلسفة
- تطابق المصطلحات بين مقتدى و البعثيين
- العلمانية مقدمة للحرية
- في نقد -تطور العلمانية-


المزيد.....




- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سهيل أحمد بهجت - نقاش.. في ماهيّة النمطية !!