أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثلات النهضة: 4 معوقات النهضة في العراق، ونقد مشروعها















المزيد.....

تمثلات النهضة: 4 معوقات النهضة في العراق، ونقد مشروعها


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3147 - 2010 / 10 / 7 - 22:05
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إن الشرط الأبستمولوجي لأي معرفة هو في تأشير ما يعيق تفتحها ونموها، لأن القصور الذاتي للمعرفة لا ينفصل عمّا يحدّها ويكبحها موضوعياً. وحين نتكلم عن ( معرفة ) إنتاجاً وتداولاً وتفاعلاً وفعلاً في الواقع تخص نهضتنا نجد سلسلة من عمليات إجهاض منظّمة مورست ضدها وأعاقت تراكمها من قبل قوى وسلطات اجتماعية وسياسية، داخلية وخارجية، مباشرة وغير مباشرة.
إن إعاقة نمو المعارف والحجر على حرية إنتاجها وتداولها، لاسيما في مرحلة التحديات التي يواجهها المجتمع تتصل بالمحددات المرسومة للعقل في أن لا ينتهك حرمة منطقة واسعة تبقى مسكوتاً عنها، ويمنع دخولها والتساؤل حولها. ففي مقابل السؤال الأبستمولوجي الحاسم، في إطار نظامنا المعرفي العربي، [ حيث الثقافة في العراق، بحكم اللغة والسياق التاريخي أولاً، جزء من ذلك النظام على الرغم من إمكانية الكلام عن خصوصية عراقية أيضاً ] والذي مؤداه؛ ما الذي يعيق العقل العربي من إبداع فكر نهضة حقيقي وفاعل، أي فكر مغيّر يحوّل المناخ الثقافي العربي، ومن ثم الواقع العربي؟ يظل السؤال السياسي المناظر هو؛ ما دور السلطات القائمة ( السياسية منها والاجتماعية ) في عرقلة مشروع النهضة بأبعاده الفكرية والسياسية والوجودية؟.
يمكن تأشير مرحلتين في عمر فكر النهضة العربية الحديثة. تبدأ المرحلة الأولى مع رفاعة رافع الطهطاوي وتنتهي مع محاكمة علي عبد الرازق وطه حسين، والثانية تبدأ مع طه حسين وتنتهي بالهزيمة العربية المدوية في حزيران 1967.
لم تكن الهزيمة تجسيداً تاريخياً لقصور فكر النهضة وفكر طه حسين بل هزيمة لما أعاقهما وأجهضهما. لكن طه حسين، مع تنويريين عرب آخرين، وقبل أن يمضوا ألقوا بذور فكرهم العلمي ومنهجهم التي أثمرت بهذا القدر أو ذاك، وإنْ بعسر، في رحم الفكر النقدي العربي الحديث، لاحقاً.
* * *
كان أول سؤال خطر لي بعد فراغي من قراءة كتاب فاطمة المحسن ( تمثلات النهضة في ثقافة العراق الحديث ) هو؛ هل كانت فكرة النهضة والتنوير والتحديث والتمدن ( عراقياً ) واضحة في أذهان روادها ودعاتها الأوائل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين؟ أو بعبارة أخرى؛ هل أن تلك الفكرة تجسّدت في مشروع مجتمعي، محدد الملامح والأبعاد في إطار دولة، أيضاً، محددة الأبعاد والملامح، في خطاب نهضوي متكامل، أم بقيت في شكل شذرات أفكار، أو أفكار خام وتصورات لم تنضج تماماً، وقبسات صور مأمولة مُرمنسة؟
أما السؤال الثاني فكان؛ إلى أي مدى أثر خطاب النهضة ذاك، في فكر وثقافة العراق دولة ً ومؤسسات وتيارات سياسية وثقافية وطبقات اجتماعية؟ ومن ثم؛ هل أن ما آل إليه مشروع النهضة من تلكؤ ومواطن قصور وأخطاء، وبعد ذلك، هذه الخريطة الملتبسة والمشوشة والمعقدة التي انتهى إليها وضعنا السياسي والاجتماعي الآن، هو نتيجة لقصور في مشروع النهضة ذاك؟ أم أن السبب يكمن في جملة الظروف الموضوعية المتعلقة بواقع إقليمي ودولي خاص خلال عقود القرن العشرين والتي أعاقت المشروع من المضي في الطريق المناسب والصحيح والمثمر؟ وعوداً إلى مضامين المشروع ذاته؛ هل بدأ الإخفاق مذ لم يستطع الدعاة والرواد والمثقفون الذين تبنوا المشروع وروّجوا له الإجابة الشافية على سؤال الهوية؟ أم ماذا؟.
هل ولد المشروع معاقاً متردداً؟ هل لأنه بقي مشروع نخب سياسية وثقافية ولم يتحول إلى مشروع يؤمن به المجتمع ويأخذه على عاتقه؟ هل لأن من تبنى المشروع هم من العسكر المسيّسين، ضيقي الأفق، من ذوي النزعة الإنقلابية، حيث يجري حكم المجتمع بعقلية الثكنة؟ هل الخلل في المؤسسات التي التزمت بتحقيق المشروع سواء كانت مؤسسات الدولة أو الأحزاب والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني؟ هل لأن المؤسسات التقليدية، الأهلية ( لاسيما العشيرة ) والمؤسسة الدينية ( الطائفية بالضرورة ) ظلّت أقوى من المؤسسات الحديثة؟ أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة من شأنها إكمال الجهد الخلاّق للكاتبة في تقصّيها عن فكر النهضة في النتاج الثقافي والأدبيات السياسية في العراق الحديث. لذا أرى أن مهمة النخبة المثقفة العراقية، اليوم، ليست في إعادة قراءة مشروع النهضة كما تمثل في أفكار رواده، وفي التحولات المدينية لعراق ما قبل تأسيس الدولة الحديثة ( 1921 ) بعقود قليلة، وما بعد تأسيسها بعقود قليلة، وحسب. بل في إعادة صياغة مشروع النهضة ذاك من منطلق إعادة القراءة والتحليل والتقويم، وأيضاً في ضوء معطيات العصر ومناهج الفكر الحديثة.
إن أي نزوع للنهضة عند مجتمع ما لابد أن يتجلى أولاً في شكل أفكار وتصورات ودعوة؛ أي في شكل ثقافة، ثقافة تتبلور في عقول النخب وتسري في ضمائرهم وتنتج أدباً وفناً ورؤية اجتماعية وفكراً سياسياً وبيئة علمية سليمة، الخ.. فتفيض على شرائح المجتمع، وتؤثر في معتقداتها وآمالها نفسها هي المعنية بمسألة النهضة والبناء. غير أن ما حصل عراقياً هو أن هذه الثقافة النهضوية بقيت حبيسة طبقة اجتماعية محددة هي الطبقة الوسطى المتعلمة من أبناء المدن الكبيرة، وهذه لم تكن تشكل سوى نسبة صغيرة بالقياس إلى نسبة الفلاحين المعدمين، والطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمّشة في المدن الكبيرة، والبلدات الصغيرة.
لم يكن شكل النظام السياسي المرتقب واضحاً في أذهان النخب الصاعدة. ولم يكن المثال الملهم واحداً في أذهان الجميع. وهذا بعض من التناقضات التي حفل بها فكر النهضة. كان شكل دولة النهضة حلماً طوباوياً مبهماً عند الجيل الأول أكثر من كونه مشروعاً واقعياً قابلاً للتطبيق والحياة. واختلف الأمر نسبياً عند الجيل التالي، لاسيما مع تأسيس الدولة نفسها.
إن أي مشروع نهضوي بحاجة إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية لتبنيه والقيام بمسؤولية تحقيقه، أو القيام بالدور القيادي في تحقيقه.. تشكيلة أو طبقة ترى مصلحتها العليا في تحقيق هذا المشروع. هذه التشكيلة في عراق مرحلة النهضة كانت هشة بحكم ارتباطها بالدولة الناشئة الرخوة في بنيتها.. كان أفرادها، إذا ما تحدثنا عن الطبقة الوسطى، في الأغلب الأعم، إما موظفين لدى الدولة، أو كسبة وتجار ومقاولين وصناعيين صغار يزدهر وضعهم أو ينتكس تبعاً لمراحل قوة الدولة أو ضعفها.
وعموماً أعتقد أن أربع معوِّقات رئيسة حالت دون أن تسير الدولة العراقية في طريق نهضة حقيقية هي؛
1ـ سيطرة العسكر على مفاصلها الأساسية منذ نشأتها، وقبل أن يؤول الأمر، فيما بعد، إلى طبقة العسكريتاريا المتحدرة غالباً من أصول ريفية. فالطابع العسكري للنخب السياسية العراقية وجاذبية الحياة العسكرية بعدّها مركز القوة ( POWER ) في المجتمع عزز ضعف، وأحياناً غياب التقاليد والمؤسسات الديمقراطية والمدنية.
2ـ صراعات الأحزاب غير المؤمنة بالديمقراطية للاستحواذ على السلطة والتي اتخذت، في معظم الأحايين، طابعاً عنفياً دموياً.
3ـ الطابع الريعي للاقتصاد، والافتقار إلى برامج تنموية مركّبة وفعالة. والذي أدى إلى عدم نشوء صناعة وطنية مزدهرة تتمخض عنها طبقة عمالية واسعة. في مقابل تغيرات ديموغرافية تمثلت بتوسع المدن بتأثير الهجرات غير المنظمة من الريف إلى المدينة. هذه الهجرات التي ستؤثر، شيئاً فشيئاً، على الطابع المديني للعاصمة ومراكز المدن الكبيرة في البلاد ويقود، من جهة ثانية، إلى تدهور نظام الإنتاج الزراعي.
4ـ بقاء العراق جزءاً من أهداف القوى الدولية المتقاتلة على المستعمرات، أو الحصول على مراكز النفوذ. وأرى إن تأسيس إسرائيل كدولة على أرض فلسطين، وما استتبع ذلك من ظهور قوي للقضية الفلسطينية ودوام الصراع العربي ــ الإسرائيلي كان سبباً مباشراً في تلكؤ مسيرة النهضة والتنوير والديمقراطية، ليس في العراق فقط وإنما في الدول العربية الأخرى كذلك.
واجه فكر النهضة أزمتان، أو أزمة لها وجهان.. وجه من الفكر أبان عن عدم قدرته على تمثل جزء من الواقع العراقي القائم؛ جزء عصي وزلق فشل الفكر بأدواته التقليدية في الإمساك به. ووجه متقدم على الواقع القائم.. واقع لا يمتلك شروط تحقيق ما في ذلك الفكر النهضوي من أبعاد وآفاق وخُيلات.
خفتت فاعلية مشروع النهضة مثلما طُرح في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي، وأخذت منحى مغايراً في نقطة زمنية فاصلة من مسار تاريخ العراق السياسي الحديث تتمثل بما حصل بعد 14تموز 1958 لا بسبب الثورة، وأزماتها وما تبعتها من انقلابات فقط، بل بسبب تسيد خطاب آخر غير خطاب النهضة التقليدي العلماني المستبطن في خطاب الدولة ما قبل الثورة. وأقصد خطاب الأحزاب الراديكالية التي هيمنت على الشارع السياسي وعلى المؤسسة السياسية في الوقت نفسه؛ أفكار اليساريين الشيوعيين إلى حد ما، وأفكار القوميين إلى حد بعيد. ناهيك عن النزعة العسكرية لتوجه أغلب النخب الحاكمة.
كان للضباط العراقيين الذين أنهوا تعليمهم العسكري في الأستانة، وتأثروا بقيم العسكرية العثمانية، وبما أخذوه من مدربيهم الألمان الدور الأبرز في بناء الدولة العراقية، كونهم حصلوا على تعليم أفضل من غيرهم، وأصابوا ثقافة سياسية أهلتهم، إلى جانب ما يمثلون من سلطة عسكرية، ليكونوا الرجال القياديين في الدولة الجديدة. وكان معظم هؤلاء ممن شاركوا في الثورة العربية بقيادة الشريف حسين في الجزيرة العربية ضد السلطة العثمانية.. تقول الباحثة؛ "لم يكن الضباط الذين مالوا إلى النزعة العروبية، خلال مراحل الثورة العربية في الحجاز وسوريا، من منتجي الأفكار أو المساهمين في النقاش الفكري، ولكنهم يتفوقون على المثقفين الآخرين، بمستوى تعليمهم العالي، وبمعرفتهم اللغات الغربية، وخاصة الفرنسية، فكانوا مساهمين فاعلين في خلق ثقافة عصرية في العراق، سواء على مستوى بناء المؤسسات، أو من خلال تطلعهم إلى تكوين مجتمع مديني يتجاوز البنى العشائرية وسيطرة رجال الدين" ص140.
وإذ لم يترك أولئك الضباط أدبيات فكرية عروبية لكن "نشاطهم كان يتجسد عبر تمثلهم إيديولوجيا الكيان الجديد، أي الإطار الاعتقادي لجهاز الدولة" ص141. وتوضح الباحثة كيفية طغيان الصبغة النازية على أفكار كثر من القائمين على إدارة الدولة الفتية، لاسيما الضباط منهم، لأن الفكر العروبي "الذي تبنوه كان على تعارض مع البريطانيين باعتبارهم المحتلين والممهدين للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية" ص142.
* * *
لم تأخذ حركة الإصلاح الديني في العراق بانشباكها مع حركة النهضة المدنية مداها المطلوب. وكانت هذه واحدة من أسباب تباطؤ حركة النهضة ذاتها، وفشلها النسبي. وحتى رجال الدين الذين روّجوا لأفكار التحديث وقيمها، أما فعلوا ذلك بحذر شديد، وفي إطار ضيّق. أو انسلخوا، بهذا القدر أو ذاك، عن المؤسسة الدينية وتعاليمها متحولين إلى رجال سياسة وثقافة. فسطوة طقوس الدين الشعبي، المدعومة من المؤسسات التقليدية للإبقاء على استمرار نفوذ القائمين على تلكم المؤسسات. ومن ثم إدامة سيطرتهم على العامة حالت دون ازدهار اتجاهات الإصلاح داخل المؤسسات الدينية. كذلك لم يطرأ تغيرات ملموسة على جوهر الخطاب الديني التقليدي السائد. وتضيف فاطمة المحسن عوامل أخرى ساهمت في ذلك، تقول؛ "وفي الظن أن الطابع البطريركي للثقافة الإسلامية قد أسهم في اكتسابها نزعة محافظة، بسبب مراتبية التوارث، حيث يصبح السير على نهج الأسلاف، من العائلة التي ينتمي إليها المشتغل بأمر الفقه والفتوى والتاريخ والأدب، واجباً يتعين عليه الأخذ به كي يحفظ لعائلته تلك المكانة. كما أن مهنة التدريس، والاعتماد مادياً على الهبات والمساعدات من العامة، جعل الثقافة مرتهنة إلى واقع يأبى خروجها عن السائد أو تطوير أفكارها" ص110. وكانت على الدولة، على الرغم من استقلال المؤسسة الدينية عنها، أن تخطب ود القائمين على تلك المؤسسة. وأن تحسب حساب اتجاهاتها وسياساتها ومصالحها. إذ لم تستطع المؤسسة الدينية أن تكون أداة فعالة لدعم قوة الدولة. والعلّة ليست في طبيعة المؤسسة فقط، وإنما في الطبيعة الإشكالية القاصرة للدولة ذاتها.
فضلاً عن ذلك طبع الشعر فكر النهضة ( عراقياً ) بطابعه ومزاجه، وحمل لواء هذا الفكر، في أول الأمر، الشعراء. ففي مجتمع تغلب عليه الفقر والأمية والجهل والثقافة الشفوية ذات المسحة القدرية، ويعيش شبه ركود حضاري، أو يسير بإيقاع بطيء في المجالات الحياتية المختلفة، ويقوم على قيم وقناعات تقليدية يصبح الشعر التقليدي ( العمودي ) أداة ترويج مناسبة للأفكار والمفاهيم. وحتى صراعات الأفكار تحتدم في ميدان الشعر. وهكذا ظهرت أولى تباشير النهضة في أفق الشعر، ومكث فكرها في زمن الشعر, وحتى "الكثير من كتّاب النثر اللامعين، مكثوا متوارين خلف بريق الزهاوي والرصافي اللذين تطارحا الأفكار على نحو فيه الكثير من الجاذبية والاندفاع. ولا ريب أن عالم التلقي في تلك الفترة يحتاج إلى الصوت المنبري وتوهج الشعر وحماسه، لأنه يمكث في زمن تغلب عليه تقاليد الثقافة الشفاهية التي بقيت أقرب إلى ذائقة المتعلمين الجدد" ص166. هذا الشعر الذي سيجعل من الأفكار الجديدة محتوى له وغرضاً أساسياً سيبدو "وكأنه يرجِّح البعد العقلي على الخيال والإلهام" ص172. فيتنازل عن بعض غير قليل من طراوته ورقته وروحه الحسية والعاطفية لصالح البوح عن الحقائق العلمية التي باتت النخب تتعرف عليها، أو عن التصورات السياسية والقيم الاجتماعية المستحدثة التي لابد أن تواجه الأفكار والتصورات والقيم الموروثة الراسخة.
تقارن المحسن بين طبيعة الشخصية الشعبية العراقية والمصرية وانعكاسها على كيفية القول الشعري ونسيجه وسماته في كل من البلدين ( العراق ومصر ) "فالصرامة العسكرية في شعر البارودي، والطراوة في شعر شوقي، هما حدّا الثبات المجتمعي وسلطة المؤسسات وتنظيم الحياة ووسائل الترف التي عرفها المصريون منذ عهد محمد علي، في حين بقي العراق، في تفكك بناه وضعف مظاهر التمدين فيه، أقرب إلى حاضنة قلقة في تعاملها مع الأفكار والموجات الأدبية" ص181.
اكتسب الشعر والشعراء مكانة أرقى في سلّم الثقافة والمجتمع بحكم ما اتسم به من اتجاه وعظي وتوجيهي وتعليمي "فوظيفة الشاعر تحولت من التابع والمتكسب إلى الطليعي الذي يمثل دور المثقف الفاعل المؤثر جماهيرياً، مثلما تأثر خطاب النهضة ذاته بمزاج الشعر من حيث قوة الاندفاع التي تنطوي عليها صبوات الشعراء أنفسهم" ص183. ولعل في هذا تكمن إحدى علل عدم إنضاج فكر نظري نهضوي عقلاني ومنطقي متسق له فاعليته في الواقع. فالشعر ببنيته الشكلية الخاصة، وآفاق بلاغته، لن يستوعب ويتمثِّل أطروحة نظرية تفصيلية واسعة وعميقة ومتماسكة، ولابد أن تغلب على بعض جوانبه العاطفة والرؤى الخيالية المبالغ فيها، فيما سيتأثر نطاق وطبيعة تلك الأطروحة بالأمزجة المتقلبة للشعراء.. تقول المحسن؛ " إن الشاعر العراقي كان يحتفظ بمزاج متقلب لا يستوي فيه في موقف أو يركن إلى مبدأ سياسي، فهو سياسي بمقدار ما يتوق إلى نظام اجتماعي جديد، وتتحدد علاقته مع السلطة وفق مزاج الشاعر ومصالحه، ولم يكن هذا المزاج أو تلك المصالح على ثبات وديمومة" ص189.
أخيراً، لابد أن يكون لأي مشروع نهضوي بعده الاقتصادي، ولاشك أن هذا البعد هو الأهم، وبتخلخله يتخلخل بنية المشروع برمتها. والغريب أن النظر الاقتصادي غاب إلى حد بعيد عن رؤى كثر من دعاة النهضة. ونجد أن الكاتبة هي الأخرى لم تتناول الوجه الاقتصادي للنهضة في العراق الحديث، لا لأنها كانت معنية فقط بوجهها الثقافي، فالفكر الاقتصادي جزء من المنظومة الثقافية كما نعرف، ولكن باعتقادي لافتقار أدبيات النهضة غالباً للرؤى والتنظيرات الاقتصادية.
إذا كانت البيئة المعرّضة للكوارث تحول دون تواتر وتراكم المنجزات المدنية والحضارية فإن ثمة سبباً آخر لهذا وهو الفقر والعَوَز وركود وتخلف الحالة الاقتصادية. فالنهضة الأوربية لم يكن لها أن تر النور لولا الازدهار الاقتصادي والتجاري وصعود طبقة بورجوازية تجارية رعت الثقافة والعلم والفنون. وفي العراق مثلت البرجوازية المدينية الصاعدة ( الطبقة الوسطى ) الوسط الاجتماعي لتفاعلات فكر النهضة. وهذه الطبقة، الواهنة أصلاً، لم تكن تشكل سوى نسبة قليلة قياساً إلى جيش الفلاحين المعدمين المنتشرين في ريف البلاد الذي كان يشكل أكثر من 70% من السكان.
إن عَوَق النهضة ومحدودية أفقها وعللها الكثيرة، قاد، فيما بعد، إلى حداثة مختلة وشوهاء، ليس في العراق وحسب، وإنما في معظم ما سمّي بدول العالم الثالث المستقلّة لتوِّها.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثلات النهضة: طبيعة ثقافة النهضة في العراق ومعضلة الهوية
- تمثلات النهضة 2 ثقافة النهضة والمثقفون والدولة
- تمثلات النهضة 1 المنهج والمفاهيم وحدود البحث
- أفق النهضة وأسئلة الحداثة: قراءة في كتاب ( نحو وعي ثقافي جدي ...
- عن أدب اليوميات
- رواية -فيكتوريا-: أشكال السرد وتحيّزات السارد
- عن -أمكنة تدعى نحن-
- الأستاذ محمد خضير
- الجابري في مكتبة مؤيد
- محنة اللغة واضطراب البناء في رواية ( سرير الأستاذ )
- الكتابة عن المكان العراقي
- قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )
- قراءة في ( ذاكرة الكتابة )؛ خفة المهمل وثقل التاريخ
- مذكرات تنيسي ويليامز: بين الانشداد للحياة والانجذاب نحو المو ...
- الكاتب والمكان: قراءة في تجربة أورهان باموق
- -اسطنبول- أورهان باموق: سيرة حياة ومدينة
- ماركس وأنجلس: صداقة في نور الفكر والحياة
- ماركس صديقاً
- مصادر ماركس
- مكنسة الجنة رواية ضد سياسية في سريالية عراقية خالصة


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثلات النهضة: 4 معوقات النهضة في العراق، ونقد مشروعها