أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - بيت جدي















المزيد.....

بيت جدي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 19:26
المحور: سيرة ذاتية
    


اللي حافظ عليه جدودي وكان رمز من رموز بقائهم على قيد الحياة واللي كان رمز لمجدهم واللي كان مصدر فخر واعتزاز لهم واللي كان ذكرى عزيزة على قلب جدتي كل ذلك بعناه واللي حافظوا عليه من الضياع كل ذلك بالنسبة لينا أصبح عِثاً لا يساوي أي شيء أمام المبتكرات الحديثة التي ملأت منزلنا من الداخل ومن الخارج لذلك بعنا الماضي وضيعناه عامدا متعمداً في لحظه واحده واللي كان ثمنه غالي عليهم ويساوي ثمنه ثمن الأرض والعَرض واللي اشتروه أجدودي ودفعوا ثمنه من عرق جبينهم ومن عرق كفاحهم بعناه في يوم من الأيام لتاجر خردوات قديمة وكان سعر المهباش 10 قروش علماً أنه كان أيام جدي رمزا لفخاره بين القبائل والرجال وكان المهباش بالنسبة له رمزا للوجاهة بين شيوخ القبائل ولو جاءه تاجر ودفع به صاعاً من الذهب لَما قبل ببيعه لأن جدي أصلاً باع كثيرا من الأراضي الزراعية واشتراه لكي يظهر أمام الناس بمظهر الشيوخ والأجاويد وكمان (-القادم- وهو عباره عن أداه خشبيه يحمل عليها القمح فوق الدواب) بعناه بربع دينار أردني والفأس بخمسة قروشٍ وكله بعناه إبلاش حتى الأمور وصلت إلى بيع صينية الشاي التي كانت من ضمن ما أحضره جدي من تجهيزات لعروسه وكانت صينية من الرخام يحيطُ بها إطاراً من الحديد وهذه بالذات بعتها أنا بعشرة قروش وكانت جدتي دائماً ما تقوم بتفقدها ومسحها وحفظها بعيدا عن الرطوبة في الشتاء والحرارة في الشمس وكانت أحيانا تنام بجانب الصينية وتصحو من النوم وهي بجانبها , حتى الفراش الذي كان يتغطى به جدي كانت تشتمُ رائحته وهي تقول (يا ريحة الغاليين) والفراش اللي كان لأبي وهو شاب صغير , أما بالنسبة إلى الخابية(الجرة) الكبيرة فقد قدمتها بالمجان لأحد جيراننا لكي يضع بها الماء لمواشيه من البقر والعجول والحمير وشكرني على ذلك وأعطاني كيلو حليب واحد كتعبيرٍ عن شكره وامتنانه لي, وقلت يومها لأمي: والله جارنا مجنون أي هي الجره بتساوي ثمن كيلو حليب وكانت كيلو حليب البقر الطازج في ذلك الوقت بتسعة قروش, والمفارقة العجيبة أنني كنتُ أنا وإخواني نعتقد بأننا نضحك على التجار الذين يقومون بالشراء , وكل البيع الذي بعناه لم يصل لدينار أردني واحد.

وبعد أكثر من عشرين سنة على قصة البيع زارني أحد خبراء الآثار العامة وطلب مني رؤية تراث آبائي وأجدادي بناءً على وصف الناس لِما في بيتنا من مقتنياتٍ أثرية بالغة الأهمية ,فقلت له: تراث مين يا أستاذ والناس نايمين, اللي اشتراه جدي ودفع ثمنه دونم أرض بعته بعشرة قروش واللي دفع ثمنه دونمين من الأرض بعته بأقل من عشرة قروش وأشياء كثيرة قدمتها بالمجان للجيران أصحاب المواشي , ومن ثاني يوم من أيام موت جدتي سنة 1993م قمتُ بنفض منزل جدي الكبير المكون من ثلاثِ غرفٍ كبيرة وأربع حمامات وفرن وقاع دار واستأجرت جرافة ودفعت لها 140ديناراً أردنياً وأزلت كل ما يتعلق بتراث أجدادي حتى الطاحونه التي كانت جدتي تطحن وتجرش عليها العدس وضعتها في أساسات منزلي الجديد الذي شيدته سنة 1995م على أنقاض بيت جدي عليه السلام, ومن ضمن ما وضعته بالأساسات حجران كبيران جدا اسطوانيان الشكل بقطر 60 سنتمتر وبطول مترين كان جدي قد أحضرهما بسيارته من (بعلبك) و(جداره).

واللي اخترعه إنسان العصر الحجري والفأس اللي اخترعه إنسان العصر الحديدي ,حافظ عليه الإنسان على مر العصور من الضياع, وكان شعار التاجر والحراث, والأدوات المهنية البسيطة اللي اخترعها الإنسان كان أيضا جدود أبي وجدود أبائه قد أورثوها إلى جدي وكانت غاليه على جدي بشكل مش طبيعي, وجدتي أيضاً وبدون مبالغة كانت طوال النهار تتفقد في منزلنا الكبير بالأدوات الغالية عليها رغم أنها لم تكن بحاجة لها ولا لغيرها, فكانت دائماً ما تسألني عن (المهباش) وينه؟ رغم أنها كانت تملك مطحنة كهربائية, فأحضره لها من خشة(غرفة) الاحتفاظ بالأشياء القديمة وكانت تدق القهوة به دقا حتى تصبح ناعمة ولم تكن جدتي تقبلُ بأن تنقطع رائحة القهوة من منزلنا , وكانت كثيرا وهي جالسة بيننا تسألني فجأة عن دلة القهوة النحاسية أو الطقم بالكامل المكون من ستٍ دلال قهوة نحاسية ومحماسه لتحميس القهوة بعد وضعها على النار في وعاءٍ نحاسي يشبه الصينية المصنوعة من الألمنيوم اليوم أو (الستان إستيل) فأقول لها: آه أنا حطيتهن ورى الدار, فتقول:ول يا جده ما أنت على بنيان أنك العاقل الوحيد في هذي الدار كيف ياجده بترميهن ورى الدار للجرادين وللفيران يعششن فيهن؟!, فأنهض على الفور وأحضرهن لها فتمسك بشريطة بيضاء وتبدأ بالتلميع وبالمسح لهن وهي تقول: والله هذول اشتريناهن من بغداد وكمان (الكانون- الجانون) اشتريناه من البصره وشلته على راسي ,ول ول ول ما حدى بخاف ألله, ومن ثم تسقط منها دمعتها وهي تقول: يا حسرتي عليك يا محمود(يابوعلي) هيك أولاد ابنك بعملوا في بيتك! الله يرحمك ويخفف عنك إتراباتك..آخ لو تيجي وتشوف شو صار بعدك؟ ليش رحت وتركتني؟

ومرة من ذات المرات سألتني عن الطاوله الكبيره في وسط غرفتها وقالت لي: ابتعرف هذي الطاوله قديش عمرها؟ هذي جابها جد أبوك هدية عرسي أني و جدك وانصمدت عليها وأنا عروس وانصمدت عليها أمك وعماتك وبنات عمك وجيرانك وكل واحد بالقريه استعارها من عندي على شان يعملها صمده لبنته أو ابنه, فهززتُ رأسي إعجابا بالطاوله وانحنيتُ أمامها احتراما وأديتُ لها التحية إكبارا وإجلالا لتاريخها الطويل والمجيد في عائلتنا وأديتُ لها التحية وكأنها تحملُ رتبةً عسكريةً ولكن حين ماتت جدتي نسيت كل ما يتعلقُ بها من ماضي مجيد لأنها فقدت هيبتها أمام طاولة السفرة الجديدة المصنوعة من (السامبا) فضربتها بالمنشار وجعلتها أربعة أقسام , أما بالنسبة للوسائد التي كانت متكئاً في مضافة جدي فقد قمت بفريهن وإخراج القش منهن جميعا وأشعلتهن وأنا ألعب في النار سنة 1990م وكانت جدتي على قيد الحياة وقد حاولت بكل قواها أن تدافع عن الوسائد ولكن عدواني الغاشم وانهيار قواها العصبية لم يسمحا لها بعملية الدفاع فرفعت يديها للسماء وقالت: كيف (شيف) بدي أساوي ببن علي؟ ألله يهديه, واغرورقتْ عيناها بالدموع عليهن وشكتني إلى كل نساء الحارة ورجالها الكبار والصغار وصدقوني أنني أبكي على موقف جدتي إلى هذا اليوم كلما تذكرتُ هذه الحادثة وأنا أشاهدُ عينيها وهن ممتلئات بالدموع وأقول: ألله يرحمك سامحيني.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزهة المشتاق في كشف النفاق
- أسبوع راحه
- سمفونية الحياة
- فلسفة الوجود
- سأعيش أكثر من جلادي
- فوائد الشاي الأخضر
- من هو الأفضل؟
- لعبة الرجل
- زيادة براغي
- أسوأ أنواع الاستعمار
- الكلمات الحبشية في الآيات القرآنية
- دين الملك
- بشاره الخوري
- بالون لميس
- الفرق إكبير
- كثر الشد برخي
- مساعدة الضعفاء
- الهبيله
- فن الكذب
- متعة الكذب


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - بيت جدي