أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين















المزيد.....

التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 15:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إلى جانب التمركز حول الدولة، يعرض قطاع واسع من التفكير العربي المعاصر تمركزا مفرطا بدوره حول الدين، يأخذ واحدة من صيغتين: "الإسلام هو الحل"، والإسلام هو المشكلة. لا يكاد أحد يعلن الصيغة الأخيرة، لكنها مضمرة في كتابات وفيرة تتناول "الإسلام" باسم العلمانية والحداثة. والسمة الحاسمة التي تجعل هذه الكتابات شريكة في التمركز حول الإسلام هي تشددها في إهمال أية عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية ودولية.. من شأنها أن تسهم في تفسير جوانب من أوضاعنا المعاصرة. بالمقابل، لا نكاد نجد كتابات تهتم بالشأن الإسلامي، تدرجه في إطار أوسع، أو تتعامل مع تحولاته كوجوه مختلفة لسيرورة تاريخية مركبة.
وأول نتائج المركزية الدينية إضعاف مكانة العلوم الاجتماعية في شرح أوضاعنا المعاصرة لمصلحة مقاربة ثقافوية فقيرة، هي بالضبط ما يصدر عنها الإسلاميون أنفسهم، الذي يتحفظون مبدئيا على العلوم الاجتماعية ومناهجها، لكونها دنيوية ومتمحورة حول الإنسان، وتستبعد الغيبي منهجيا. لكن بينما تتوافق نزعة الإسلاميين الثقافوية التي تجعل الإسلام مبدأ "الأمة" ومُقوِّم ذاتيتها مع رفض الاجتماعيات، كيف تتوافق النزعة الثقافوية العلمانية مع رفض العلوم الاجتماعية؟ لا تتوافق. هذه العلوم ولدت في بيئة علمانية، لا تقر للدين بخصوصية، بل وتجعله منه موضوعا لها لا يختلف من حيث المبدأ عن غيره. غير أن اشتراك جميع الثقافويين العلمانيين العرب في إهمال علوم الاقتصاد والسياسية والسوسيولوجيا والعلاقات الدولية في مقاربة الظاهرة الإسلامية يوحي بأن الأمر غير عارض.
وبخصوص الإغفال الغريب للبيئة الدولية، وما تعج به من صراعات، وما يتناوش مجتمعاتنا أكثر من غيرها من هذه الصراعات، يلحظ المرء أن الثقافوي العلماني النمطي لا يكتفي بالامتناع عن قول شيء في هذا الملف، بل ويتخذ موقفا هجوميا ممن قد يرى أن تناول هذه البيئة مدخل منهجي محتمل، وربما ضروري، لفهم جوانب من الظاهرة الإسلامية. يحتمل أن هذا "مريض بالغرب"، فيما يبدو أن من المواصفات القياسية للشافين من هذا الداء الوخيم هو الصمت المطبق في هذا الشأن. والحال أنه في منطقة مُدوّلة بعمق كـ"الشرق الأوسط"، قلما تتحكم دينامياتها الداخلية بتطور بلدانها، هذا أكثرُ من تقصير عارض أو غفلة، إنه عناد وتعصب عُضال.
مثل ذلك ينطبق على السوسيولوجيا. يعرض الثقافويون العلمانيون صمتا مطبقا بدوره عن هذا المبحث "العلماني" وأدواته. نرجح أن في جذر ذلك أن هذا العلم نقدي، وأن فكرته الأساسية هي أن أفكارنا محددة بأوضاعنا الاجتماعية، الأمر الذي لا يقبله الثقافوي النمطي، خصوصا في بلداننا التي يحضر الدين ونزاعاته فيه حضورا كبيرا. هذا لا يناسب الثقافوي العلماني لأنه يجعله موضوعا للبحث، ويتشكك مبدئيا في تفضيلاته وأقواله، ولا يُسلِّم له بأنه ذات عارفة مستقلة، منزهة عن الهوى والهوية. ثم إن السوسيولوجيا علم شكاك ووقح، يشتبه دوما أن وراء أفعالنا الحميدة نوازع النفوذ والوجاهة والشهرة والمكانة الاجتماعية الني يتشهاها المثقف لنفسه، بخاصة هذا الذي يشعر بأن أي "دسبلين" (مبحث علمي وانضباط سلوكي) قيدا له. الإسلاميون مثاليون فلسفيا، ويجدون في وقاحة السوسيولوجيا ما يصدم مبادئهم. مثلهم في ذلك الإسلاميون المعكوسون.
وماذا عن علم السياسة؟ يفترض هذا المبحث دولة قومية (وطنية) شرعية، لم تعد تخاض فيها صراعات مطلقة أو إفنائية، ويفترض أيضا مصالح اجتماعية متنازعة، لكن متساوية الشرعية مبدئيا، تجد في الدولة العامة حلها أو التسويات اللازمة بينها. ويتضمن كذلك انحيازات معيارية للديمقراطية والمواطنة، مما يعرض الثقافويون العلمانيون تحفظا عليه في ممارستهم. الثقافوي العلماني يجد نفسه نسقيا إلى جانب نظم الحكم القائمة في بلداننا. وهذه إما استبدادية وفاسدة، أو هي أكثر استبداد وفسادا على ما يقر الثقافويون العلمانيون أنفسهم. لكن تعريفهم لأنفسهم بالتقابل الحصري مع الإسلاميين (الثقافويين مثلهم) يُهوِّن في أعينهم هذا الانحياز، أو يضفي عليه النسبية. حيال هؤلاء يندر ألا تبلغ مواقف ثقافويين علمانيين حد العنصرية. هناك شيء مضاد للاعتدال في تكوينهم، أو للرحابة، أو للحس الإشكالي. يشبه كثيرا تكوين الإسلاميين المتشددين.
إلى ذلك لا يمكن أن نفكر في السياسة دون أن نتكلم على أطراف متعددة، طبقات وأحزاب ومنظمات، ودول وكتل وتحالفات، مما يبدو أنه يضع الدين والتيارات الدينية في سياق نسبي جدا، مجرد فاعل محتمل بين فاعلين آخرين. هذا ما لا يرضاه الإسلاميون، وما لا يرضاه طباقهم العلماني.
والاقتصاد؟ الثقافة العربية عموما قليلة الحفول بهذا العلم الذي يولي اهتماما كبيرا لعلاقة الناس بالطبيعة وبالأشياء، وبعلاقتهم فيما بينهم تاليا، وحفولا أقل بعلاقتهم بالأفكار والمعاني. الاقتصاد علم "مادي"، فلا يناسب هو الآخر ذوق من يمنح اهتماما أكبر للعقائد والأفكار على طريقة الإسلاميين وطباقهم العلماني. ثم إن الاقتصاد علم سياسي، يتكلم حتما على الدولة والأمة والطبقات والعلاقات الدولية، ما من شأنه أن يغرق في النسبية أية عقيدة للمطلق، سواء تلك التي تقدس الدين وتراه "هو الحل"، أو التي تؤبلسه وترى أنه هو المشكلة.
يمكن إطالة القائمة أكثر لقول شيء عن التاريخ وعن علم النفس وعن الأنتروبولوجيا. السمات المشتركة لهذه المباحث أنها"علمانية"، أي نازعة لقداسة الظواهر التي تدرسها، لكن لدناستها أيضا، ومتنكرة مبدئيا للخصوصيات والاستثناءات، الأمر الذي لا يناسب الإسلاميين ولا الإسلاميين المقلوبين؛ وأنها علوم نسبية قلما تتوافق مع أية نزعة نضالية مشتطة، يشترك فيها صنفا المتمركزين حول الدين؛ وأنها أيضا انعكاسية، تتوقع من الدارس أن يُدرس، أي أن تجري موضعته؛ وأنها أخيرا "إنسانية"، يشغل "التفهم" موقعا جوهريا في مناهجها، مما يعرض عموم الإسلاميين وعموم الثقافويين العلمانيين عجزا لافتا جدا عنه.
خلاصة الكلام أن الثقافوية العلمانية تقليص مفرط للمناهج المتاحة في تناول الظاهرة الدينية على نحو كان لاحظ غير دارس رصين أنه سمة للاستشراق. وأنها تعرض تماثلا بنيويا مع الصيغ الأكثر تشددا للإسلامية المعاصرة، يتعدى رفضها للاجتماعيات إلى نزعة حزبية مفرطة التمركز حول الذات والعداء للغير، وإلى مزاج موتور وغضوب ومُبغض.
ومن هنا، أخيرا، ملمحان للثقافوية العلمانية. أولهما إنها إيديولوجية بمعنى مضاعف. من جهة هي منظومة أفكار موجهة نحو العمل والنضال والتعبئة، ومن جهة ثانية لا تكف عن إنكار ذلك، ونسبة نفسها إلى "المعرفة" و"الفكر" و"العقل". وعلى هذا كله يترتب الملمح الثاني: إن فرص الفلسفة مستحيلة على هذه الأرضية، بقدر استحالتها على أرضية أية عقيدة للمطلق. الواقع أنها أقرب كثيرا إلى نسخة شاحبة من "الأنوار"، وأبعد كثيرا عن أي حس هيغلي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر
- الدولة، الدولة أيضا، الدولة دوما
- في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟
- في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي
- في الواقع لا في النص: أيّ يسار، أين، وأية سياسات يسارية؟
- أربع صيغ للنزعة المحافظة... ثلاث منها عالمة
- من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين