أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - طرزانات أمريكا














المزيد.....

طرزانات أمريكا


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 10:10
المحور: الادب والفن
    


للراحل الكبير إدوارد سعيد (1935 ـ 2003)، الذي تمرّ الذكرى الأولى لغيابه بعد أيّام، مقالة بعنوان "نداء الأدغال"، تعود إلى العام 1987، وتعقد مقارنة طريفة بين شخصية طرزان كما رسمها مخترعها الروائي الأمريكي إدغار رايس بوروز، والشخصية ذاتها كما أعادت إنتاجها ــ وتشويهها ــ السينما الأمريكية. لم يكن يكفي رجالات هوليوود أنّ بوروز نفسه كان قد قدّم طرزان ضمن سياقات عنصرية صريحة تمتدح دور الرجل الأبيض في تمدين "الهمج" الأفارقة، ولعلّ هذا هو السبب الجوهري في أنّ أولى روايات سلسلة طرزان باعت ملايين النسخ. كانت هوليوود تريد المزيد من دغدغة مشاعر الأمريكي العاديّ الذي خرج ظافراً من حربين عالميتين، وهذا القرن يُسمّى باسمه وحده، وهو مبتدأ المعجزة ومنتهاها، في مخابر تصنيع القنبلة النووية كما في أدغال أفريقيا وقلب الظلام!
وهذه المقالة انطوت على إشارة مبكّرة إلى الطبيب والمناضل المارتينيكي فرانز فانون، الذي سينخرط سعيد في إعادة قراءة عمله الهامّ "معذّبو الأرض" على نحو جديد عميق سوف يطلق الكثير من زخم وموضوعات وتيّارات ما سيُعرف باسم "دراسات ما بعد الاستعمار". والإشارة تخصّ شخصية طرزان تحديداً، حيث لاحظ فانون أنّ جمهور السينما في المارتينيك كان يتعاطف مع طرزان ضدّ السود، في حين أنّ مواطني المارتينيك المقيمين في فرنسا اتخذوا موقفاً مختلفاً إزاء الفيلم ذاته: لأنّ هويتهم كانت جريحة في فرنسا، فقد كانوا يتعاطفون مع السود!
وفي كتابه الممتاز "شعريات الإمبريالية: الترجمة والاستعمار من ا لعاصفة إلى طرزان"، يفرد إريك شيفيتز الفصل الأوّل لبحث موضوعة طرزان من زاوية فريدة ومدهشة: طرزان القرود والسياسة الخارجية للولايات المتحدة في القرن العشرين. وهو يثبت، على نحو دامغ ومعمّق، أنّ حكاية طرزان كما ابتكرها بوروز في مطلع القرن العشرين، كانت بمثابة حكاية رومانسية تستهدف مديح الهوية الأمريكية في حقبة بالغة الحساسية، هي شروع الولايات المتحدة في البحث عن "حدود" جديدة ومغامرات توسعية خارجية. وأسطورة طرزان كانت تعيد التشديد على جملة المهامّ الحضارية التي رأى الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت أنها تقع على عاتق العالم المتحضّر :
ـ لا يمكننا توطيد السلام العالمي ما لم تنجح الأمم المتحضّرة في التوسّع بشكل أو بآخر على حساب الأمم البربرية.
ـ تحرير الشعوب من نير البربرية هو واجب أساسي من واجباتنا.
ـ ليس في وسعنا تحرير الشعوب دون تدمير البربرية ذاتها. وإذا كان من واجب الشعوب المتحضّرة احترام حقوق القوي المتحضّرة الأضعف منها، فإنّ من واجبها أيضاً دحر البربرية والهمجية.
وغنيّ عن البيان، حسب شيفيتز، أننا نستطيع ترجمة "متحضّر" إلى "أنغلو ـ ساكسوني" أو "أبيض"، وترجمة "همجي" أو "بربري" إلى أيّ وكلّ شعب خارج المقولة السابقة. بيد أنّ أمثولة طرزان كانت تثبت أنّ رغبة المرء في أن يتحضّر لا يمكن أن تتحقّق إلا إذا كان متحضّراً أصلاً! صحيح أنّ طرزان في الحكاية يرضع حليب القردة ويتربّى في كنف الأفيال، ولكنه من محتد غربي أبيض بريطاني نبيل، وأنّه بسبب هذا الصفاء العرقي يفلح في تعلّم الإنكليزية، وفي محاربة السود الأشرار (أو "الأقوام الأصلية" كما يسمّيهم بوروز!) وفي جعل الصبيّة البيضاء جين بورتر تقع في غرامه...
وبحث طرزان عن الهوية الأصلية هو بحث لغوي لساني يسفر عن ترجمته من قرد إلى إنسان، وفي كماله النَصّي ــ إذا جاز القول ــ يترك طرزان القصاصة التالية على باب كوخه: "هذا بيت طرزان، قاتل الوحوش والرجال السود. لا تلحق الأذي بأشياء طرزان، فهو يراقبك. التوقيع: طرزان القرود"! وإذ يتحوّل من قرد إلى إنسان، فإنّ على طرزان أن يمرّ بآخر التحوّلات قبل اكتمال شخصيته: تحوّله من إنسان عادي إلى سيّد نبيل، ومن طرزان (التي تعني البشرة البيضاء بلغة القرود!) إلى اللورد غريستوك...
وفي العودة إلى إدوارد سعيد، أشهد أنني أفتقده في عشرات الظواهر الثقافية والفكرية والأخلاقية والسياسية، ولكني أشعر بوطأة غيابه على نحو خاصّ تماماً كلّما اتّصل الأمر بالحياة الأمريكية المعاصرة والراهنة. ما الذي، على سبيل المثال، كان الراحل سيقوله تعليقاً على الخطبة السينمائية التي ألقاها أرنولد شوارزنيغر في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير، وبأي سياط لاذعة كان سيؤدّب هذا الـ "تيرميناتور" الطرزاني!
ولكن... أليست ذروة المفارقة أن يبدو طرزان القرود برداً وسلاماً ورحمة أمام طرزانات أمريكا هذه الأيّام: من رامبو هوليوود، إلى الرجل العنكبوت في البيت الأبيض، مروراً بالمرأة القطّة في سجن أبو غريب؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دمشق إلى بيروت: تمديد الرئاسة أم تقزيم الوجود السوري؟
- طبقات الشعراء
- بيريس وحزب العمل : زالت المصطلحات وبقيت الانتهازية العتيقة
- حكمة الوقواق
- بعد نصف قرن على المصطلح: ما الذي يتبقى من كتلة عدم الإنحياز؟
- نوستالجيا الأبيض والأسود
- فرنسيس فوكوياما وتفكك اليمين الأمريكي المعاصر
- إقليم دارفور بين -لعبة الأمم- و-بورنوغرافيا الكوارث-
- محمد القيسي أم الإسمنت؟
- اليهودي العربي
- فرنسا وتهمة العداء للسامية: من الابتزاز إلى المصيدة
- رأساً على عقب
- البرادعي في إسرائيل: تفتيش -وجودي- من ارتفاع عين الطير
- الواق واق الجديدة
- أيهما أكثر أولوية: نهب العراق أم محاكمة صدّام؟
- الشعر والطواحين
- لوينسكي جورج بوش
- سياسة الذاكرة حيث ينعدم الفارق الأخلاقي بين هتلر وتشرشل
- المئوية الفريدة
- النظام الرأسمالي العالمي: التنمية بالدَيْن أم غائلة الجوع؟


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - طرزانات أمريكا