أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - محاصر















المزيد.....

محاصر


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 3140 - 2010 / 9 / 30 - 21:56
المحور: الادب والفن
    


محاصر
حالما استويت على مقعدي في مقصورة سيارة(الإيفا) العسكرية تعالت حشرجة محركها واهتزت قليلا ليتناهى إلى سمعي صرير الحصى المهروس تحت عجلاتها ممتزجا بصوت سائقها الجندي صابر الذي خاطبني بود: إلى (ماوت) سيدي, أليس كذلك؟ كانت طيبته المفرطة وطاعته للأوامر العسكرية تحبب لي مرافقته أثناء حركتي في خطوط الجبهة.
كانت عقارب ساعتي تشير إلى السابعة والنصف صباحا فهمست:
- لن نصل مقر السرية قبل الحادية عشر فهز صابر رأسه الكروي مؤيدا.
لسنا غرباء عن بعضنا فقد تآلفت مع (الإيفا) العجوز وصابر منذ أن احتلت كتيبتنا موقعها الجديد في(قليسان) تلك البقعة المستوية والراقدة بإهمال تحت ظلال الطود المنيف (قنديل) الشامخ نحو السماء بكبرياء قزّم أنداده من الجبال التي اكتفت قممها بمحاذاة سفوحه الترابية الكئيبة.
كان عويل المحرك وصراخ عصا تغيير السرعة يحجبان بين الفينة والأخرى بعض الكلمات من تعليقات الجندي صابر عن صلاحية الطريق المؤدية إلى جبهة (ماوت) وكمية الثلوج التي هطلت أمس الأول مما اجبرني على إمالة جسدي نحو اليسار لأظهر اهتماما زائفا بهذيانه الذي لم اعتد عليه من قبل.
سحر الطبيعة وجمال لوحاتها المتنوعة أنساني لوهلة أني اخترق دهاليز الموت متجها إلى مقر السرية الأولى بديلا عن قائدها المسجى في مستشفى السليمانية العسكري منذ الأمس.
أتاحت لي استدارة السيارة نحو قمة (أزمر)مشاهدة بانوراما هائلة لمدينة السليمانية سرعان ما حجبها انعطافنا نحو الجهة الثانية من الجبل لننزلق نحو الوادي الفسيح الذي احتضنته السفوح المكللة بالثلوج مما ألهب حماس حواسي لالتهام المزيد من التفاصيل المذهلة لجمال الطبيعة الأخاذ.
هدير الانفلاقات المتلاحقة التي تفجر زعيقها العنيف فجأة بطش بالحان سيمفونية الطبيعة التي كنت ذائبا في نشوتها ثم حجبت ستارة من الدخان والتراب انعكاسات أشعة الشمس على بلورات الثلج الصافية فغمغمت متألما: ليس أجمل من أن تحيط العين بكل هذا الجمال المتناهي لطبيعة عجزت مخالب هذه الحرب التي نافت على سنتها السابعة من أن تنال من بكارتها.
لكن كم هو قبيح شبح الحرب الكئيب ليزاحم الجمال المحض في هذه الأرض العذراء الرائعة.
تململ صابر في مقعدة الذي ضاق به ورفع كمي قميصه العسكري الكاكي السميك كالذي يتأهب للصراع ثم شد بقبضتيه على مقود السيارة فعلمت من فوري أننا اقتربنا من تسلق الجبل المحاذي لمقر الفرقة الميداني مما ينبئ بمزيد من القصف الذي سوف يلاحقنا كما حدث في أخر مرور لنا في هذا الطريق.
بدت (الإيفا) كسلحفاة منهكة في تسلقها للجبل ورغم صراخ محركها خدشت أذني جلبة الطائرات العمودية المدججة بالصواريخ والمدافع الرشاشة التي كانت تحوم في سماء المنطقة بكثافة فشعرت بشيء من الاطمئنان لكن سرعان ما ساورني القلق إذ خطر ببالي أن كثافة النشاط العسكري في جبهة ما لا يعني إلا تهيؤا لهجوم مرتقب أو تحضيرا لصد هجوم متوقع.
وجه لي صابر دفقه من بخار زفيره وقد عجز شاربه الكثيف الأشهب من ستر انفراج شفتيه الغليظتين وقال مبتهجا: سيكون الطريق مؤمنا حتى خروجنا من (كاني ماسي), ثم عدل وضع خوذته ومسح بكفه السمين صفحة وجهه المتورد الصقيل مشيرا بذقنه إلى إحدى الطائرات التي بدأت تدور حول مهبط الطائرات العمودية.
غادرنا (كاني ماسي) المدينة الكردية الصغيرة الغافية في حضن الجبل سالكين طريقا غير معبد لنتسلق جبل (ماوت) المخيف إذ أن ارتفاعه المهيب وعدم وجود ما يستر مركبتنا الكبيرة سيسيل لعاب ضباط الرصد المتربصين على الجانب الأخر من خط الجبهة.
خلال زحفنا الدؤوب نحو قمة الجبل كنت أشاهد أثار القصف الأخير لجانبي الطريق المنحوت في صخور بيضاء هائلة مما جعل نبض قلبي يتسارع بشدة لكن سرعان ما تنفست الصعداء حين بدأنا بالانحدار نحو الجانب الأمين منه.
بات واضحا من خلال ابتسامة صابر وخفوت صوت محرك (الإيفا) زوال التوتر الذي كان سائدا في مقصورة السيارة, كما شعرت أنا بمزيد من الارتياح مع قرب بلوغنا الأرض المستوية حيث سنسير نصف ساعة أخرى بمحاذاة سفوح (ماوت) الغربية الملونة بشتى الألوان والمستقيمة كاستقامة ناطحات الغيوم قبل أن ننعطف نحو اليمين حيث يستدق الوادي كزقاق من أزقة بغداد القديمة.
رافق شعوري بالأمان سكون موحش إذ لم أر شيئا في هذا الوادي الضيق الذي سلكناه منذ هبوطنا من قمة الجبل غير سيارة مسرعة من طراز جيب مزودة (بهوائي) كبير متجه كما يبدو إلى نقطة الرصد والأستمكان وحين ركن صابر السيارة بجانب الطريق لفحص احد عجلاتها سمعت بوضوح هدير قصف كثيف لمدافع بعيدة المدى.
تساءلت بضيق ترى ما الذي سأفعله لو واجهنا كمين للثوار الذين اخرجوا قبل شهر واحد من عرينهم هذا, تحسست مسدسي (المكاروف) الراقد في حافظته الجلدية المعلقة على جانبي الأيمن لاعنا قائدي الذي رفض طلبي لاستصحاب عدد من الجنود المسلحين ببنادق (الكلاشنكوف).
وعدت أتساءل بحيرة: ماذا لو ساقتني الأقدار إلى قتال هؤلاء الثوار, ترى أيكون قتالي دفاعا عن النفس أو تنفيذا لأمر الحكومة بإبادتهم, لكن ما الفرق؟ فالقتل سيان, كم أتمنى تفادي مواجهتهم.
أف لهذه الحرب, بل هذا الشؤم الذي نخر بلدي وينذر بدمار لم تشهده من قبل, آه لهذه الدوامة المرعبة.
لكن كم هو مضحك ومبكي وقوعي في حصار ثلاث متخاصمين كل منهم يروم قتلي, فانا في نظر الإيرانيين عدو, ولدى الثوار مجرم, وجبان وخائن تنتظره هوائل المحاكم الميدانية لو علم (الرفاق) أو أفراد الاستخبارات بحقيقة أفكاري.
سقطت بعض من قنابل الدخان واستقامت غمامة بيضاء على السفوح الموشومة بعدد من المسالك (الميسمية) والمواجهة لمقر السرية فساورني القلق إذ أن قنابل الدخان مؤشرا لجولة جديدة من القصف المدفعي لكن في الوقت ذاته ذوت هواجسي من كمائن الثوار.
لفضنا الوادي الضيق باتجاه اليسار فسرنا قليلا في الطريق الترابي ثم انحدرنا نحو أعمق نقطة في الوادي الضيق المحاط بصفين من المرتفعات المتوازية التي لم تزل أعمدة الدخان الأبيض تتصاعد منها وتحت الشجرة المعمرة التي يجري بجوارها الغدير الصغير في منتصف الوادي أوقف صابر السيارة.
هرول باتجاهي نائب الضابط سليمان برشاقة لا تتناسب مع ترهله الشديد وبعد أن ركل الأرض الطينية المتجمدة بقدمه ارتفعت يده اليمنى مؤديا التحية العسكرية
قال: الحمد لله سيدي على سلامتك ثم بلع ريقه وأردف:
ابلغنا أن مدفعية العدو قد أمطرت (ماوت) بوابل من قذائفها وان القصف لازال مستمرا, سيدي: هناك أمر أخر, ضابط ركن اللواء أرسل بطلبك منذ ساعة وأمر أن تذهب إلى مقره حال وصولك.
أعاد صابر تشغيل محرك (الإيفا) وفي الوقت الذي كانت قبضة يدي اليمنى تمسك بمقبض باب السيارة تدفقت شتائمي لتنخر أسلاف ضابط ركن اللواء كصليات متتالية من فوهة مدفع رشاش ومع صراخ سليمان المفاجئ وإشارات يده قذفت عاليا وقبل بلوغي الأرض المتجمدة أصبح كل شيء من حولي حطاما مشتعلا، ثم غرق في ظلمة حالكة.......



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحائف مهملة
- وباء الأرواح
- منصة الخطابة
- العمارة الجديدة
- فخ التيه
- روح متهرئة
- عربة الخضار
- اسماء
- سيرة الحصاة البيضاء
- الضباب
- البصيرة
- عندليب المتفائلين
- المذياع
- انتفاخ
- منطق الأمراض
- مواسم الأقنعة
- أسورتك لا بأس بها
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - محاصر