أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر تحسين - لا شيء















المزيد.....

لا شيء


حيدر تحسين

الحوار المتمدن-العدد: 3140 - 2010 / 9 / 30 - 02:00
المحور: الادب والفن
    


سأرسم كل ما لا اذكره عنكِ، ألونه بلون الماء، وبنكهة النشوة في أوائل الشتاء..

بعض الوجوه عندما ننظر إليها ، نتعلم بأن الوجوه عوالم...عالم تسكن فيه السماء، يبحث فيه الساحل عن أمواج البجر الهائجة ، يكون متعطش إليها ويريدها أن تنفجر في داخلنا كأنها بركان كان يبحث عن فتيل للدهشة،
وبعض من الوجوه يفتش في داخلنا عن مكان لتعلق تلك الملامح على جدران الذاكرة،
أما وجهكِ..
من أين جئتِ بهذه النظرة؟ هل لكِ أن تفسري معنى الضياع من أول فتنة؟ انه ضياع في مستقر هدوءك، صمتك الذي يدل على الضوضاء في أعماقكِ،
كيف لي أن أرسمك وقد وضعتني تائه بين فرشاة مجنونة وبياض من ذهولي؟ الألوان تتراقص أمامي، تتنافس كي أختار أول حرف ألون بهِ وجهك.. يا له من مأزق حيث علقت هذه اللوحة على جدران مخيلتي،
لا اعتقد بأنني سأنجح في الاختبار بتحديد الخطوط الأولى لوجهك...لكن شي ما في وجهك يضعني في ارض التحدي للرسم، حتى لو كانت لمساتي مبتدئة..
عينيكِ بدأت تفتح أبواب الربيع، أطلقت عليَ الفراشات التي بدأت تحاصرني من كل مكان،
تجذبني كأنها سماء تطلب روحي عن جسدي،
كم ليلة تصب في عينيكِ؟ وكم جميل أن اسهر كل هذه الليالي في نظرة واحدة منكِ، و تختصر علي العمر في فرحة حين تبتسمين!


في لحظة من لاشيء حاولت أن أرسمك، فقط لان وجهك معلق في صورة على جدار، في إحدى الممرات المؤدية لبعض النور
فجأة تحول المكان إلى ظلام، الظلام الذي تحيز لصورتك، وفتح من جوفه مساحة للضوء تكفي كي لا يذهلني سوا صورتكِ.

عيناكِ كانتا بارزتين قليلا عن باقي الألوان في الصورة،
فيهما ينعدم قانون المسافة، كلما اقتربت منهما أكثر، كلما ازدادت عمقا نظراتهما، والتي كانت تطاردني في كل اتجاه قد الجأ إليه،
مهلا قليلا أيها البحر، ها أنا اغرق فيك، لا املك مكانا آخرا غير أعماقك والسماء، فلم كل هذه الأمواج
ها أنا أواجهك من غير زورق، ولا احمل في مخيلتي أي مركب .. أريد أن أجرب الإيمان فيك، أريد أن امشي فوقك كما فعل عيسى، وكما ائتمنك يونس و هو في بطن الحوت

يا لهما من عينان تكسوان عصياني إيمانا
شفتان تدعيان الهدوء، تختلقان الكثير من الأعذار لقبلة ما!
لونهما لون البسمة التي تخفي خلفها جنون الشياطين وعبث المردة، ولكن في هدوء!
قد يشتعلان في أية لحظة عشق، قد تأتي غفلة مني
لكن هل هذه شفاه أم نهر نقي، مياهه صالحة للحب؟
بدأت الصورة تلف حولي شبكتها في المسافة التي بيني وبينها، كأنها اصطادتني فريستها للإعجاب، في هذا اليوم.

كم جميلا أن تراقبنا العيون التي نحبها، كأنها لا تنظر إلا إلينا، وإننا لم نسحر بعيون قبلها.
وجنة عذراء وأخرى بستان تفاح، ترقدان تحت العينان بسلام، كأنهما لم يفعلا شيء،
لكن هما في الحقيقة جنتان من الخطايا، وارض تنتهي فيها حروف الضحايا
ربيع هائج يدعي صمت الشتاء، تماما كما هما العينان سماء صيفية، و ذبول شفتها السفلى بخمول خريفي مثير للنشوة،
كم أتمنى أن ارسم الفصول الأربعة في لوحة!
وان أضع ملاحمك في نقطة واحدة وانتهي...
لكن من يقنع مهووس بصورة، أن يلتزم الهدوء..
ها أنا أضع أول الخطوط، خديكِ..
ترى كيف لأصابعي أن تلتزم اللا إرباك، كي تستدير مع خديكِ بنفس الدقة؟.. وكم من مرة علي أن أعاود الكرة حتى أصل لنفس الاستدارة والتي تنتهي في انحناءة صغيرة أسفل وجهك؟...أسفل تلك الشفة الجريئة، والتي حاولت أن ابدأ الرسم بها مرات عديدة.. هي ليست غليظة حد الملل، بل هي شهية حد اللا ارتواء!
هل القلم ذكر مثلي؟.. لا يفصل بين الفن والحب، ما باله يسكب غله على الورقة، وينتفض كلما أجسدك أكثر في خيالي!
كأن له عشق لصورتك مثلي، وغريزة لا تشبع ولا تقنع إلا بالمزيد، مثلي،
مهلا أيها القلم، هذه الصورة ملكي أنا...
أنا فقط من يحق له النظر إليها دون الحياد بين الرسم والغرام .. ولا تسألني من أين جاءني هذا الحق، لكنه حقي فقط!

اتضحا خديكِ، وبنفس النعومة التي في الصورة، ولكن بتظليل أكثر بقليل، هذا ما استطيع عمله..
أنا في العادة اكبح جموح الفوضى بقلم، لا أجيد استخدام الفرشاة، لذا أرسمك بلون واحد، وكنت لم احدد بعد ما هو اللون،
لكني الآن اخترت اللون، اكتب باللون الأسود، وقررت أيضا أن أرسمك هكذا اسود وابيض.

انفك!
ربما سأكون أول مجنون يتغزل بأنف امرأة، أو ربما لا أكون الأول في هذا الجنون،
لكن هذا سيكون أول جنوني معك..
من أين ابدأ أول نقطة منه؟ و وانفكِ لا يبتدئ من فوق ما بين العينين، وأيضا ليس أسفله،
فكم مغري أن لا نجد بداية للأشياء الجميلة، ولكن بداية ما تحصل.
لن أبدا من نقطة البداية، سأحاول جعله خط لا بداية له، وميلان على قدر الذي في الصورة،
ما أجمل انفك وهو يستدير برقة، واضعا بينه وبين شفتيك مسافة عرض قلم رصاص،
ما هذه المسافات التي صرت تتلاعب بطيشي و وجداني،
كم كبيرة اللهفة التي اجتاحتني وأنا انتظر أن تكتمل لوحتك الأولى في مخيلتي، لقد اشتقت أن أكمل صورتك رسما.

الساعة تلو الساعة، وموسيقى بعد أخرى، وها أنا بين انف وخدين فقط،
ألهذا كان بيكاسو بائس، ومبدع؟.. أم انه بائس بفقره الأزلي، وغناه في الرسم؟..
لماذا توهمت يوما بأن الرسامين والموسيقيين، يختلفون بفنهم عن الكتاب والشعراء؟.. وبأنهم غير مطالبين بتقديم شروح عن أعمالهم،
وبأن من يرى لوحة، أو يسمع مقطع موسيقى يستطيع أن يفهم هذا الفن على مقدار وعيه ومخيلته،
عكس الكُتاب، الذين يطالبون بشرح ما يقصدونه في هذه الجملة، أو هذا الكتاب، ولم هذه الكلمة دون غيرها!
لكنني الآن ارسم وأتساءل، أجيب وارتبك،
وأعيد النظر في اللوحة من جديد
هل هذه أنتي، أم أنها ستشبهك؟.. وحتى إذا كانت تشبهك فقط.. لكنني أعنيك أنتي...لا يهم،
فأنا أرسمك بإحساسي، ارسم جمالك ودهشتي معا.. أضعك بين لونين وكثير من المشاعر، لا اعتقد بأن هذه يكفي، لكن هذا ما استطيع رسمه.
أصعب الشروح هي التي نقدمها لأنفسنا، لأنها ستكون حقيقة عارية من الزينة والعطور، قضية بكل ضحاياها ومجرميها، تخلو من محامي للوهم، أو قاضٍ يعمل لدى دكتاتور متخلف!
نقدمها لأنفسنا على طبق من الألم..
ثم نعاقب أنفسنا بالسجن مدا الندم.
فكم يلزمني من المحاكمات كي أكمل؟
شفتيك بدأت بالتلصص على صمتي أمامها، ترى من أين يبدأ الرسامين رسمهم للشفاه؟
وكيف سأضع على شفتيك احمر الشفاه؟.. اذكر أن شفتيك لم تكونا مطبقتين بالكامل وضوء خافت يأتي من لآلئ، مثير للنظر... عفوا كنت اقصد أسنانكِ!

وكيف لشفتين اثنتين فقط تستطيع أن تثير كل هذا الكلام في داخلي؟، فأصبحت الأفكار تنتفض، كجماهير قد أعلنوا الإضراب، مطالبين برئيس جديد للحواس،
جسدي صار دولة مؤسسات مقسمة بشكل طائفي، كل واحد منها تنتمي لأحدى ملامحك، وتنصرها دون غيرها
وها هو القلم يتدخل مرة أخرى، فيحسم الموقف بانفجار..
شفتيك ما أجملهما!
ذبول خريفي، توت بري، كرز مهمته الأخيرة .. أثارة الشهوة،
اجتمعت كل الفواكه، وأزهار البنفسج والقداح..
وجهك كشجرة الجهنمية، مثيرة وحزينة، ممتلئة بورود أنوثتها، أزهارها تضحك حتى حين تسقط!
فمك عقوبة، كعقوبة الرب لآل فرعون، حيث قلب مياه نهر النيل إلى دماء..
شفتيك نهر احمر، يشربه كل من يهوى الخطايا،
يا خطيئتي التي لم ارتكبها بعد .. فقط ارسمها
ربما سأرسم قطرتان أسفل شفتيكِ، تدلان على نظارتهما.

طبول السامبا بدأت بالقرع في رأسي، ورقصات الساحل صارت تدور حولي، إنها دعوة مجنونة للرقص
فمن شفتيك لعينيكِ، رحلة طويلة، في طريقها جنة وبستان صغير،
مجازفة الغرق صارت تشدني أكثر..
وأنا عادة لا اقترب إلا عندما أخاف، أحب أن تكون المغامرة قاتلة، أو يكون في نهايتها ثمة انتحار.
سأرقص قبل أن اغرق في عينيكِ، سأغني قبل أن يبتلع الصمت لساني .. فهذا البحر لا يعترف بكل الكلمات ولا تغنيه الصلوات ، ولا يغير قدره حتى الدعاء،
وما زلت أنا غير خائف...
ارسم، لا تخاف أيها القلم، فهذا هو الصدام الأول، لابد من التقدم..
هل عيناك واحتا نخيل؟.. أم إن العطش جعل من سرابك مياه للغرق،
اعتقد بأن الرسم تناقض،
وضياع أيضا..
عيناك ترتسم أمامي، كأنني لست أنا من يرسم، وكأن القلم صار صاحب صالون حلاقة وأنا جالس انتظر شكل حبيبتي القادم،
ترى هل ستكون مثيرة بتسريحتها الجديدة؟
لا اعلم إن كان لمسات القلم جميلة، أم انه عيناكِ كيف ما ترسما تكون أجمل، حتى مع التظليل الخاطئ، والغامق؟
انتهيت منهما، في اغماضة عقل كانت تحتاج لسنة ضوئية، درت فيها بين الكواكب، بين الأبراج وعلمت وأنا هناك، بأن لكِ برج خاص بكِ، البرج الثالث عشر، البرج الذي يكون ناري وترابي ومائي و هوائي، يشترك فيه الجنون والهدوء، والعاطفة والقسوة،
عين خلقت ليس للنظر، وإنما كي ينظر إليها،
وها أنا اخلقها من جديد في مكان آخر، من بياض وسواد وتظليل شبه صحيح.

يوجد شي واحد أوقفني، كيف يمكن للسماء أن تمتلك في الليل كل هذه الأمواج؟
أهذا هو شعرك؟..
أنا لا املك سواد له!..

لقد مسحت كل شيء، أعدت البياض إلى سكونه،
سأرسمك كما أراكِ، وليس كما تُبدين عليه.. فشعرك ملأ أفقي سواد وبريق،
سأحتفظ بصداقتي مع الليل، لأنه يشبه شعرك، واحتفظ بنشوتي حين انظر للسماء لأنها كوجهك، وأيضا سأدخل النار لأنها كانت كلهيب شفتيكِ،

لن أكمل الرسم، فبعض الأشياء تكون جميلة حين لا تكتمل،
وأنا لم ابتدأ بعد...



#حيدر_تحسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاي اخضر...
- بغداد
- كروان
- أرواح مقبورة في جسد ....
- وقتها... سأحبك
- واخيرا
- -ذاكرة الحواس- هي دائما ما تبدأ المخيلة
- صباح الخير حبيبتي
- حلم
- في الشوارع الوحيدة
- لم أكن اعلم
- قالت ربما ......و ربما هي
- هل تحلمين بعودة المساء........؟ واقتراب السماء؟
- وحدها صديقتي تجيد الرقص في المطر


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر تحسين - لا شيء