أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا














المزيد.....

آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 15:45
المحور: حقوق الانسان
    


علّ كلَّ من شاهد هذا الفيلم تمنى أن يُصاب بمرض البطل! فى الفيلم أسموه الفُصام أو الإسكزوفرينيا، لكننى أراه لونًا من المثالية يُمكن المرءَ من استحضار المستحيلات ليعيشها، وكل الأحبة الذين تركوه ليعايشهم.

المثاليةُ تجعُلنا ننفصلُ عن الوقع، إذا ما كان الواقعُ الذى نحياه غير مثالىّ. والواقع بوجه عام غير مثالىّ، ولا ينبغى له، حتى فى دول العالم المتحضر الذى اتخذ من الديمقراطية والعدالة والقانون منهجًا أساسيّا وأسلوبًا للحياة. ذاك أن فكرة الحياة قائمةٌ على السعى والإعمار والتطوير، فما معنى كل هذا لو كان العالمُ مثاليّا؟ حينما تتحول الدنيا إلى يوتوبيا، ينتهى هدفُ الحياة، ويختفى العالم. فإن كان ما سبق يخصّ المجتمعات الراقية، التى نجحت فى فهم الحياة على نحو رفيع وعادل يضمن للإنسان كرامته ووجوده، فماذا لو كان الكلام عن مجتمع مثل مصر، ينتمى بامتياز للعالم الثالث، بكل ترهّله وفوضاه؟

فى فيلم «آسف على الإزعاج»، من تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج خالد مرعى، نرى نموذج هذا الشاب المثالى الذى رفض شرط الحياة فى مجتمع شمولى يقوم فيه الحزب الواحد بالسيطرة على تصاريف الحكم ويصادر حتى على أحلام المواطنين، فى مجتمع بوليسىّ تغيب عنه الديمقراطية وتداول السُّلطة مثل مصر، لا يكون أمام المثاليين أولئك، مثل بطل الفيلم الفنان الواعد أحمد حلمى، سوى الهروب بالفُصام، لكى يعيش أحلامه كأنها واقعٌ حقيقى. شابٌّ ذكىٌّ يقفُ على حدود العبقرية فى مهنته الدقيقة، هندسة الطيران، يرى بكل بساطة أن من بين حقوقه كمواطنٍ مصرى، أن يلتقى بحاكمه رئيس الجمهورية، متى احتاج إلى ذلك، سيما لو تعلق الأمرُ باقتصاد الدولة وتوفير مليارات تُهدر من ميزانيتها. رآه الناسُ مجنونًا يطمح فى لقاء الرئيس!

أخبره مسؤول كبير بأن الوزراء ورئيس الوزارة، حتى، ليس من اليسير عليهم لقاء الرئيس. ثم يعلمه درس البيروقراطية التعس: عندك شكوى ارفعْها لرئيسك، ورئيسك يرفعها لرئيسه وهكذا! بينما هو، المواطن، ظل يكتب الخطاب إثر الخطاب حتى بلغت ١٢٠٠ رسالة، إلى الحاكم طلبًا للقاء. بل يسأله إن كانت التورتة التى أرسلها له قد أعجبته! (التى وضع عليها صورته جوار صورة الرئيس مبارك وتحتها عبارة ابنك حسن).

لكنه لمّا ذهب للقاء الرئيس حاصره الحرس الرئاسى بالبنادق كأنه صهيونىٌّ إرهابىّ! وحين نعيد الأمور إلى صيغتها الأولى «المثالية»، نجد من الطبيعى جدّا أن يلتقى الحاكم بمواطنيه ويسمع شكاواهم. هكذا فكّر المواطنُ ببساطة، وجسّد فكرته، الحلم، واقعًا صدّقه وعاش فيه. كذلك صنع حبيبته «تفصيلا» كما يتمناها: تقرأ جيفارا، وتقدّر الفنَّ الراقى وتفتنها العمارةُ القوطيةُ البديعة فى قصر البارون. هكذا يرجوها، فصنعها كما يرجو.

وفى الأخير، أودعوه مصحّة نفسية ليُعالج من مرض «المثالية»! وتم شفاؤه من المرض ففقد كل الأشياء الجميلة فى حياته! شاهدنا مثل هذا الفصام الذى أصاب عالم الرياضيات الأمريكى الحاصل على نوبل فى الاقتصاد «جون ناش» فى فيلم Beautiful Mind، فكان يرى بشرًا غير موجودين ويعايشهم ويتحاور معهم، سوى أنهم فى الفيلم الأمريكى كانوا أشرارًا، عكس الفيلم المصرى، حيث كان حلمى يلتقى أباه، الفنان العظيم محمود حميدة، ليكون بمثابة الدينامو الحىّ المحرك لحياته، رغم موته قبل سنوات. نموذج آخر للهروب من الواقع المصرى التعس قدّمه الفيلمُ عبر شخصية الفنان الجميل محمد شرف.

وهو نقيض البطل الذى أخفق فى أن يجد عملا فأمضى على المقهى ٢٠ عامًا يلعب الدومينو. ذاك هو الهروب السلبىّ. حتى عندما بدأ العالم يغيب من أمام عينيه بسبب ضعف البصر المتزايد، انتظر أن يهديه أحدهم نظارةً ليرى.

وما إن وضعها على عينيه، حتى بدأ العالم يتلون، والرؤية تعود، رغم أن النظارة دون عدسات، ذاك كيلا تهرب من الفيلم فكرة الحُلم، وإجباره على أن يكون واقعًا. يجلس منذ سنوات على طاولة المقهى ويلاعب أصدقاء لا يعرف أسماءهم ولا يعرفون اسمه، فينادون بعضهم البعض بأداة النداء: «يا» مجردة، لتكريس تهميش المواطن المصرى الذى على وشك فقد الهوية.

قال الشاب المثالى لحبيبته، فى الوهم، إن لكل إنسان ضحكةً تميزه مثل بصمة الإبهام، وحين سألته عن بصمته الخاصة، اكتشف أن ليس له ضحكة، بصمة، وبعد عدة محاولات «لاقتناص» بصمة، اختار ضحكة مبتسرة «هأ»، مثل تلك التى ميّزت آلباتشينو فى فيلم «عطر امرأة». تلك الضحكة التى تحمل قدرًا مهولاً من السخرية موجهة لكل العالم والبشر.

السيناريو ممتاز، والإيقاع البصرى متقنٌ، والقصة جديدة مثقفة، شأن كل اختيارات أحمد حلمى الأخيرة، سوى أن مشهد الموتوسيكل، حين كان البطل يقوده، وحبيبته تجلس خلفه، وقد شعر أخيرًا أنه يطير. وهو الحلم الذى منعته أمُّه من تحقيقه خوفًا عليه. لا أدرى لماذا توقعت فى ذلك المشهد أن أرى الموتوسيكل يطير بالفعل، كاستكمال لخيط الفانتازيا التى غلّفت الفيلم بكامله، مضمونًا وإخراجًا وتصويرًا وحوارًا.

لعب الفيلم لعبةَ «التقيّة» بمكر. فجعل كل الخطابات الـ١٢٠٠، محشورة فى صندوق البريد، لم تعرف أبدًا طريقها للرئيس، مثلما جعل لقاءه مع المسؤول الكبير فى قصر الرئاسة، محض خيال من المثالىّ الواهم. ولكنّ ما ضرّه لو كان مدّ خط الفانتازيا (خيال بخيال بقى) وجعل البطل يلتقى بالرئيس ويسمع شكواه،

وحبّذا لو تحمّس لمشروعه المحترم ودعمه؟ هنا أسأل: ماذا لو كانت الخطابات وصلت الرئيس؟ أكان سيلتقى بالشاب المخترع؟ هل نطمع فى إجابة صريحة من النظام عن هذا السؤال؟ تلك النهاية التبشيرية فى الفيلم تنتقد مصلحة البريد، وتجد مبررا للحاكم، وأيضًا لا تفسر الانقلاب الحاد من رؤساء الشاب فى المطار من الفصل التعسفى إلى قبول المشروع وتبنيه! .



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك
- فليحاسبْني القانونُ على ذلك!
- شكرًا للصّ زهرة الخُشخاش
- الرحابُ فى جفاف
- مسرحية -قطط الشارع-
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا
- البنت المصرية سعاد حسني
- مسرحية -أوديب وشفيقة-
- مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي
- جبل راشمور في الشيخ زايد
- متشوّقون للجمال
- عقيدتُك ليست تعنيني
- محمود سلطان، الإعلاميُّ الجميل
- تثقيفُ البسطاء في ثقافة الجيزة
- صديقي المبدع، بهيج إسماعيل
- عبدةُ الزهور الجميلة
- الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع


المزيد.....




- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في مس ...
- مخيمات واحتجاجات واعتقالات.. ماذا يحدث بالجامعات الأميركية؟ ...
- ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع الأونروا
- -طيور الخير- الإماراتية تُنفذ الإسقاط الـ36 لإغاثة سكان غزة ...
- إيران.. حكم بإعدام مغن أيد احتاجات -مهسا أميني-
- نداء من -الأونروا- لجمع 1.2 مليار دولار لغزة والضفة الغربية ...
- متوسط 200 شاحنة يوميا.. الأونروا: تحسن في إيصال المساعدات لغ ...
- -القسام- تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يندد بفشل نتنياهو بإستعاد ...
- إيطاليا.. الكشف عن تعرض قاصرين عرب للتعذيب في أحد السجون بمي ...
- -العفو الدولية-: كيان الاحتلال ارتكب -جرائم حرب- في غزة بذخا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا