أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد تركي - خراب














المزيد.....

خراب


سعد تركي

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 11:17
المحور: المجتمع المدني
    


يخيل إليّ إن شخصية بعض أبناء الوطن، تشبه إلى حد بعيد بيوت فقرائه المتكئة إلى بعضها، تشبهها بفقرها وخوائها وتهالك جدرانها وحيطانها، تشبهها بضعف أسسها وركائزها.. فما أن يسقط جدار أو حائط لبيت منها حتى تتهاوى بتسلسل سريع بقية حيطان وجدران حي بأكمله، لكأنها تتضامن مع بعضها بعضاً، فإما أن تقف مجتمعة أو تسقط معاً!
الخراب والفساد والإفساد الذي أصاب أبناءً من الوطن، لا يبدو للناظر أنه فوت شيئاً أو وفر قطاعاً وشريحة من مجتمع كان يوصف دوماً بالمتماسك، لأنه ضرب جذوره عميقاً في التاريخ، ولأن إنسانه سلسل حضارة أخرجت البشرية من عماء الجهل إلى نور العلم، وهدتهم إلى الله الواحد الأحد، وسنت الشرائع والقوانين التي حفظت للإنسان كرامته، وأقرّت حقوقه.. فصرنا نتباهى على الآخرين إننا وإن فقدنا مكانتنا علمياً وحضارياً، فإننا متفوقون أخلاقياً وإنسانيناً.. إجمالاً فإن بعضاً من مواطنينا ما كان يعصمهم عن الوقوع في دائرة الزلل والخطأ سوى لوح زجاج تكفلت حصاة صغيرة بتحطيمه..
هناك مهن توصف بأنها مهن إنسانية، يفترض بمن يمارسها أن يكون على درجة عالية من سمو الأخلاق والضمير اليقظ، فليس (الفيترجي) كالطبيب، كما لا يشبه العتال المعلم.. فحين يخطئ ويهمل ويغش (الفيترجي) في عمله فالنتيجة تكون سيارة معطلة ومال مسلوب من دون إزالة عطب أو تشخيص دقيق لعلة.. أما حين يخطئ أو يهمل ويغش طبيب في عمله، وحين لا يحترم مهنته وقسمه، ولا يرى في المريض والمعلول أكثر من إمكانية للربح والإثراء، فإن النتيجة تكون هدر حياة المريض أو مفاقمة أمراضه وعلله..
كثيرون منا اضطروا لمراجعة أطباء، سواء أكانوا هم المرضى أم ذهبوا بصحبتهم، ورأوا كيف أن طبيب هذه الأيام يستقبل، خلال ساعات، المئات من المراجعين يدخلون غرفة الفحص على مجموعات تصل، أحياناً، إلى عشرة أفراد دفعة واحدة، وكيف ينتقل هذا الطبيب الشهير بين مريض وآخر، مشخصاً علة هذا، واصفاً علاج ذاك بسرعة عجيبة يحسد عليها، ينتقل بعدها إلى مستشفاه الخاص لإجراء العمليات الجراحية.. وبين غرفة الفحص وقاعة العمليات لا وقت استراحة إطلاقاً، ولو حاجة كل إنسان إلى النوم والطعام، لقلنا أنهم لا ينامون ولا يأكلون!
أذكر أن أحد أقاربي كان يراجع طبيباً شهيراً في أعوام السبعينات، لم يكن يستقبل في عيادته، تحت أي ظرف، أكثر من ثمانية مرضى يقسمهم إلى وجبتين، وحين ينتهي من أول الأربعة، يخرج من عيادته ليتناول فنجان قهوة ويأخذ ساعة للاستراحة، يعاود بعدها فحص الأربعة الآخرين، وحين سئل عن السبب أوضح، كي يعطي المريض حقه من الوقت والعناية والاهتمام، ويعطي عقله وجسمه راحة تهديه تشخيص العلة ووصف العلاج الناجع.
الغريب والمؤلم والمرير أن كثيراً من هؤلاء الأطباء لم يكونوا على هذه الصورة قبل مصيبة التغيير، إنما كانوا مثالاً في الدقة والإنسانية والرحمة، لكنهم أصيبوا بداء التغيير وانقلبوا انقلاباً كبيراً، ولولا بقاء أسمائهم لأنكرت أنهم هم بأنفسهم، فلقد صار التنافس بينهم ليس في القدرة على العلاج والتفاني في خدمة مهنة نبيلة، إنما في حجم دخل يومي أشك كثيراً أنهم يجدون وقتاً وفسحة للاستمتاع به..
حين تهاوى البيت الأول في حينا الفقير، ظننا أن البيوت الأخرى ستسنده وتمنع وقوعه وتعزز أسسه وركائزه، لم نكن نتخيل أن بيوت حينا ستسقط تباعاً، ونكون جميعاً في العراء والبرد والظلام.



#سعد_تركي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمهلوا، فإني مستعجل!
- دورة الفساد.. في الطليعة!!
- نأمل، نحلم دوماً
- صحف ومجلات وزارية
- مترفون بلا حدود
- ثلاثة كراسي!!
- فصل عشائري!!
- سلاحنا المشلول!!
- صير سبع!!
- وإذا مرضت.. فمن يشفيني؟
- وإذا أوتيتم المنكرات..
- مسؤولونا لا يقرأون!!
- علّمتنا تجارب سابقة
- نعم، نحن متجاوزون!!
- في البدء كان الكلمة
- ما جينة يا ما جينة!!
- حرائق السراق
- وضرب لنا مثلاً..
- لا وطن لمن لا بيت له
- معاهد وكليات لإنتاج العاطلين!


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد تركي - خراب