أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - اختطاف مصر!















المزيد.....

اختطاف مصر!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 15:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لا مفر من الاعتراف بأن النعرات الطائفية قد اكتسبت قوة دافعة هائلة في الآونة الأخيرة، وبأن هناك من ينفخ في نيران هذه الروح الطائفية البغيضة التي تهدد وحدة الوطن والأمة، والتي تتنافي ــ في نفس الوقت ــ مع ألف باء الدولة المدنية الحديثة القائمة علي مبادئ المواطنة وسيادة القانون والعقلانية والتسامح واحترام الحريات العامة والخاصة بما في ذلك حرية الاعتقاد.
ومن جراء استفحال هذه الروح الطائفية تحولت أمور شخصية وفردية، لا تهم المجتمع من قريب أو بعيد، إلي »قضايا« ساخنة يحتشد لها الإعلام المطبوع والمسموع والمرئي والأرضي والفضائي والإلكتروني، وتحشد من أجلها المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وتقوم كل »طائفة« بـ»التعبئة« والتصعيد والتسخين والتهييج بصورة أصبحت تهدد السلم الأهلي وتسمم أجواء العيش المشترك.
وآخر نماذج سفاسف الأمور ــ التي تحولت في جو الاحتقان الطائفي من »حبة« إلي »قبة« ــ هي حكاية السيدة كاميليا زاخر، التي أصبحت أشهر من »غادة الكاميليا« رغم أنها سيدة مصرية بسيطة لم تكن تتوقع في يوم من الأيام أن تكون في بؤرة الأضواء، ناهيك عن أن تكون سبباً لانقسام ملايين المصريين إلي معسكرين متناحرين يتبادلان الكراهية والاتهامات والاتهامات المضادة.
وكما أصبح معلوماً للقاصي والداني فإن هذه السيدة المصرية التي كانت تعيش في الظل، وتسير »جنب الحيط«، شأنها شأن ملايين المصريات الصابرات والمغلوبات علي أمرهن، وجدت نفسها ــ فجأة ــ مادة للتناحر الطائفي، فخرجت المظاهرات الغاضبة التي نظمها عدد من المواطنين المصريين المسيحيين احتجاجاً علي »اختطافها« و»أسلمتها« بالإكراه، وأشياء أخري،.. وبعد أن اشتعلت النيران في ثياب الوطن بسبب ذلك، تبين أن الموضوع لا علاقة له بكل هذا الجنون وتلك الهستيريا وأن المسألة مجرد خلاف عائلي بين زوج وزوجته دفع الزوجة إلي هجر الزوج.
وبعد أن ألقت هذه الحقيقة البسيطة »دشاً بارداً« علي الرعونة الطائفية التي حركت مظاهرات الغضب في بعض الأوساط المسيحية، أصر الطائفيون علي عدم إسدال ستار النهاية علي هذه المسرحية الهابطة، فأشعلوا النيران في المعسكر المقابل بحجة أن »كاميليا« قد أسلمت واعتنقت الإسلام بمحض اختيارها لكن الحكومة أذعنت لضغط الكنيسة القبطية وسلمتها إليها حيث تم إيداعها في مكان غير معلوم تسام فيه العذاب النفسي والبدني لخروجها عن الملة.. ومن أجل ذلك بدأت حلقة جديدة من مسلسل التهييج والإثارة، حتي بعد أن تم تداول شريط فيديو تتحدث فيه كاميليا عن تمسكها بديانتها المسيحية وتنفي فيه حكاية اعتناقها الإسلام، واحتجاز الكنيسة لها رغماً عنها في أحد الأديرة.
المهم.. أن يستمر الاحتقان، وأن يستمر التوتر الطائفي بأي حجة وأي ذريعة.. وألا تصفو الأجواء أبداً، مع أنه من الواضح وضوح الشمس أن معظم هذه الذرائع وتملك الحجج أمور تافهة ومتهافتة أساساً.. فما هي قيمة دخول شخص ما إلي الإسلام أو إلي المسيحية أو البوذية، وما هي قيمة خروج هذا الشخص أو ذاك من الملة الفلانية أو العلانية.. وما هو شأن الدولة باعتناق مواطن من ملايين المواطنين هذه الديانة أو خروجه من تلك الديانة؟ ولماذا يتم شغل المجتمع بهذه الأمور التي لا تهم إلا الشخص نفسه؟ والأهم.. هو لمصلحة من النفخ المستمر في نيران الفتنة الطائفية؟
هذا الصب المستمر للمزيد من الزيت علي نيران الطائفية يهدد المجتمع والوطن.. ولا يجب السكوت عنه.. وهذا هو بيت القصيد.
ولنأخذ أحدث نماذج هذا التهييج الخطر الذي يهدد مصر كلها بمسلميها وأقباطها علي حد سواء.
هذا المثال هو بيان »جبهة علماء الأزهر« الصادر يوم 12 من الشهر الجاري، والذي يتبني لغة بالغة الخشونة ضد الكنيسة المصرية.
والأخطر أن هذا البيان يضع »جدول أعمال« لـ»المسلمين« المصريين في »معركة« كاميليا التي أشرنا إليها في السطور السابقة.
ويقول بهذا الصدد أنه »يتوجب شرعاً علي المسلمين جميعاً وهم الأغلبية وأصحاب الديار المستهدفون (لاحظ هذه الصفة المستفزة!):
أولاً: المسارعة نحو إعلان الرفض لسياسة التخريب التي تتبناها الكنيسة المصرية وموقف الدولة السلبي منها، وذلك بكل سبيل ووسيلة مشروعة.
ثانياً: التحرك القانوني برفع دعاوي قضائية علي الكنيسة المصرية، والمطالبة باخضاع تلك الكنيسة المتغطرسة لسلطان القانون، فإنها ليست فوقه ولا يقبل أن تجاهر بالخروج علي دستور الدولة، وكذلك رد الدوائر التي بها قضاة من النصاري.
ثالثاً: علي جميع المسلمين من الآن لزوم المقاطعة للمصالح المسيحية خاصة المصالح الاقتصادية التي تستقوي بها الكنيسة، حتي يثوب النصاري إلي رشدهم،.. ومن أهم تلك المصالح:
1ـ الصيدليات والمستشفيات والعيادات الخاصة التي يمتلكها النصاري أو يعملون بها فلا يشتري المسلمون دواءهم منها، ولا يدخلون تلك المشافي حتي لا يعينوا المجرم علي جريمته بما يدفعون من أموال تتسلط الكنيسة بعتوها علي بعضها.
2ـ محال بيع المصوغات والحلي من ذهب وغيره وهي كثيرة منتشرة للنصاري في مصر.
3ـ كذلك مقاطعة محال الأثاث والموبيليات التي يمتلكها هؤلاد النصاري أو يغلبون عليها.
4ـ ومكاتب المحاماة وأمثالها من المكاتب الهندسية والمحاسبية.
5ـ وكذلك مقاطعة المدارس الخاصة التي يمتلكها ويديرها هؤلاء النصاري الساكتون علي جرائم شيطانهم الأكبر في مصر.
ويطالب البيان شباب مصر »أن يبدأوا من الآن تدوين سجلات بأسماء تلك المؤسسات وإعلانها لتيسير أمر المسلمين نحوها«.
>>>
أما إلي أي وقت تستمر فيه هذه الحرب الاقتصادية الشاملة ضد »النصاري« فيحدده بيان جبهة علماء الأزهر بـ»رفع العذاب عن أسر المؤمنات المحبوسات في الكنيسة«.
ولا يكتفي البيان بإشهار سيف المقاطعة بل يتعدي الحرب الاقتصادية إلي التلويح بالحرب الاجتماعية قائلاً: »إن أصرت الكنيسة بعد ذلك علي لزوم موقفها من الدولة والملة، فإننا ننذرها بالخطوة الثانية.. وهي الدعوة إلي المقاطعة الاجتماعية للنصاري جميعاً في مصر، وإلجائهم إلي أضيق الطرق بمنع المساكنة، وتجريم المجاملة، وعدم بدئهم بالسلام«.
>>>
إلي هذا الحد وصل التعصب في مصر المحروسة.. وقد تعمدنا نشر فقرات طويلة من البيان ــ رغم ما تحمله من الكراهية وأخواتها من المعاني القبيحة والبشعة ــ لكي نفيق من الأوهام التي تتغني بالوحدة الوطنية وتصور العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علي أنها »سمن علي عسل«، ولكي ندرك أن جذور التعصب عميقة جداً، وأن الهوة شاسعة بين الخطاب الرسمي وبين الخطاب الطائفي، وأن التعصب ليست له حدود بل إن المتعصبين مستعدون للذهاب إلي أبعد مدي حتي لو أدي ذلك إلي ضياع البلاد وخراب مصر.
وبيان ما يسمي بجبهة علماء الأزهر خير دليل علي ذلك ليس فقط بالنظر إلي لغته المفعمة بالكراهية والتمييز وإنما أيضاً بتلك المطالب الاستفزازية التي تسعي اليوم إلي المقاطعة الاقتصادية لجزء أصيل من الأمة وتلوح بمقاطعتهم اجتماعياً غداً.
وغني عن البيان أن هذه دعوات حمقاء، إلا أنها تمثل خطورة شديدة علي البلاد ولعباً بالنار التي ستحرق الجميع.
صحيح أن التطرف والتعصب والتزمت ليس حكراً علي ما يسمي بجبهة علماء الأزهر وغيرها من هيئات تنتحل لنفسها صفة المتحدث باسم الإسلام والمسلمين.
وصحيح أن الأقباط يوجد بينهم أفراد وهيئات تتمتع بقدر مماثل من التطرف والتعصب والتزمت.
لكن ذلك لا ينفي أن هناك مسئولية مضاعفة علي الأغلبية دائماً، لأن تطرف الأقلية يكون في الأغلب الأعم بمثابة رد فعل، كما لا ينفي أن هناك مشاكل حقيقية يعاني منها الأقباط، وأن هذه المشاكل متوارثة عبر عصور عديدة، وأنه قد آن الأوان لوضع حد لهذه المعاناة، وبالذات فيما يتعلق بحرية بناء الكنائس والحق في شغل الوظائف العمومية دون تمييز بسبب الدين.
وفي هذا السياق تصبح مسئولية الدولة المدنية الحديثة ضمان حرية العقيدة ومتطلباتها من جانب، وإعلاء شأن المواطنة علي ما دونها من اعتبارات بما في ذلك الاعتبارات الطائفية.. فنحن جميعاً مصريون قبل أن نكون مسلمين أو أقباطاً.. ولا ينبغي أن يكون للديانة أي دخل في شئوننا الدنيوية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.
ومبدأ المواطنة يتناقض تناقضاً صريحاً ومطلقاً مع توجهات قبيحة مثل تلك التي تضمنها بيان ما يسمي بجبهة علماء الأزهر.
والملفت للنظر أن هذه الجبهة شاءت أن تنهي بيانها الاستفزازي بوضع »ختم« يحمل اسمها، لكن الأهم أنه يحمل أيضاً عبارة تقول إن هذه الجبهة »مشهرة برقم 565 عام 1967«، أي أنها جمعية معتمدة ومسجلة بدفاتر وزارة التضامن الاجتماعي منذ عام »النكسة« حتي الآن أي منذ 43 عاماً.
فهل هذا معقول؟ وهل تعطي الحكومة ترخيصاً بقيام مثل هذه الجمعيات المتخصصة في بث الكراهية وزعزعة السلم الأهلي وتسميم آبار العيش المشترك بينما ترفض الترخيص بقيام جمعيات تنشد منع التمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس، أو تسعي إلي غير ذلك من ضمانات حقوق الإنسان!!
>>>
إن مصر في خطر.. ولا تحتمل الأوضاع اللعب بالنار علي النحو الذي نراه في أشكال استفزازية صارخة مثل بيان ما يسمي بجبهة علماء الأزهر تارة وتصريحات بعض المتعصبين الطائفيين الأقباط تارة أخري.
ولا يمكن ترك مصير الوطن رهناً بنزق هؤلاء وأولئك.
والحل.. هو إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة بجدية وجسارة، ودفع استحقاقاتها اليوم قبل الغد، وأول هذه الاستحقاقات تغيير مناهج التعليم وتنقيتها من السموم الطائفية جنباً إلي جنب مع تنقية مناخ الإعلام من السحب السوداء وإعلاء شأن العلم والبحث العلمي والعقلانية عموماً في إدارة شئون المجتمع وحل مشاكلهم، ومعالجة التشوهات التشريعية والتناقضات الدستورية التي تخلق ثغرات تتسلل منها طيور الظلام والطائفية.
باختصار.. نريد استعادة مصر من الطائفيين الذين يحاولون اختطافها أمام عيوننا.. في عز الظهر.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود محيي الدين.. الدولي!
- سعد هجرس مدير تحرير«العالم اليوم»: لست من أنصار جمال مبارك.. ...
- موائد الرحمن الرمضانية.. وداعاً .. يحدث في مصر فقط: الفقراء ...
- لا تتظاهروا بالمفاجأة إذا اختفي الهرم الأكبر.. غداً
- هل مصر «دولة فاشلة»؟!´-1
- هل مصر دولة فاشلة؟! (2 -2) .. نكتة أمريكية: جيبوتي أقل فشلاً ...
- البلطجة تخرج لسانها للقانون!
- حكومة »الإظلام التام«.. والموت الزؤام!
- رداً على إحراق القرآن فى فلوريدا .. هل نحرق قلوب أقباط مصر؟!
- أصل الداء دون لف أو دوران: »الساركوسيست« الهندي.. صناعة مصري ...
- المغربي.. في »وادي كركر«
- ملتقى الجونة (2)
- ملتقي الجونة (1)
- رغم تقرير الانجازات: الممارسات الاحتكارية.. تخرج لسانها للمن ...
- تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!
- -التميمى- فى النار سبعين خريفاً
- دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر
- التعذيب .. بنظام »خدمة التوصيل إلى المنازل«!
- رسالة عاجلة للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة .. هل وصل التمييز ...
- قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - اختطاف مصر!