أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثلات النهضة 2 ثقافة النهضة والمثقفون والدولة















المزيد.....

تمثلات النهضة 2 ثقافة النهضة والمثقفون والدولة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3133 - 2010 / 9 / 23 - 20:49
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


اتخذت موضوعة النهضة والثقافة والتحديث إطاراً سياسياً تزامن وتمثّل "مع فكرة الاستقلال وتشكّل الدولة الحديثة" ص32. هذا الشرط ( السياسي ) كان الأكثر إلحاحاً وضرورة في منظور النهضويين العراقيين الذين أدركوا أن النهضة والحداثة والتقدم والثقافة بحاجة إلى أرضية سياسية؛ أي إلى كيان دولة يكون بمثابة الناظم والضامن لتحقيق النهضة والحداثة وارتقاء الثقافة وتعزيز الهوية ( الوطنية ) الجامعة للهويات الفرعية لشرائح المجتمع العراقي.
كان على الدولة أن "تسعى إلى خلق ناظم يقوم عليه الإجماع الوجداني العاطفي، ويتمثل بإشارات ورموز ثقافية يتوحد عبرها الناس ويتوطد شعورهم بالتلاحم" ص26. فيما لم يغب عن أذهان المثقفين "ضرورة تحديد وظائفهم، وتعيين مواقعهم كنقّاد ومقوّمين لأخطاء الدولة وإرث المجتمع الذي يفتقد العلم ويعيش في ظلام الخرافة" ص27. والسؤال المنطقي الذي يواجهنا بهذا الصدد هو؛ هل كانت الدولة العراقية الناشئة في وعي روادها وقادتها تمتلك فلسفة نهضة واضحة، واقعية، ومتماسكة؟ وهذا يقودنا إلى السؤال التالي؛ كيف تحددت العلاقة بين الدولة بعدِّها جهازاً مؤسساتياً وبين "محترفي القول الثقافي، في زمن التحوّل" كما تسميهم الباحثة، وهم دعاة النهضة والحداثة. والأخذ بأسباب العلم والرضوخ لسلطة العقل، والتأكيد على المستقبل؟.
دشنت النهضة التاريخ الاجتماعي والسياسي للعراق الحديث، وكانت لحظة فارقة ستتغير بعدها مجمل الخرائط والترسيمات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، وستمهد لقيام مؤسسة الدولة العراقية الحديثة ( 1921 ). لكن المفارقة أن فلسفة النهضة هذه لم تصبح، على درجة مقبولة وفاعلة، هي عينها فلسفة الدولة العراقية، لأسباب بعضها يتعلق بالقصور الذاتي لفلسفة النهضة، وفشل النخب المفكرة في جعلها إطاراً فكرياً متماسكاً. وبعضها يتعلق بطبيعة الدولة نفسها؛ إشكالية نشوئها وتعرّج وتعقّد مساراتها، وإخفاقات النخب السياسية التي أدارتها وصراعاتها، والتحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها، والتي لم تكن للدولة الفتية الطاقة والمقدرة الكافيتين للتعامل معها. كان ما يفكر به المثقف والمفكر المنزّه عن المصالح الضيقة غير ما يفكر به السياسي المحكوم بانتمائه ومصالحه. وكان المثال غير الواقع.
تُرجع الباحثة منجز قيام الدولة العراقية وتحديد مستقبل الاستقلال إلى صراع الثقافتين الغربية والمحلية مثلما تجسّد في ثورة العشرين التي "أرغمت البريطانيين على التفكير بالكيفية التي يتعاملون بها مع الثقافة والقيم المحلية، وكان من ثمارها تأسيس المملكة العراقية بقيادة ملك هاشمي" ص22. وتؤكد على أن الدولة في العراق الحديث قامت بدور الوسيط "أي الحامل الإيديولوجي لفكرة النهضة كعقيدة ونافست المثقفين في بث هذه الفكرة عبر البرامج التعليمية، والمؤسسات الحديثة، لكن قوتها الأكبر برزت في كونها المساهم الفاعل في صناعة رموز التحديث، ولهذا بقيت الدولة المتمثلة بنوع السلطة وقادتها، من بين أهم المؤثرات في تقدم العراق" ص29.
استمرت العلاقة بين المثقفين والدولة ملتبسة وسلبية في معظم الأحيان، على الرغم من أن كثراً من المثقفين أصبحوا موظفين في سلك الدولة. ولم يكن السبب اختلاف مضامين فكرة النهضة عند هؤلاء وأولئك بل بسبب طبيعة الدولة نفسها التي تأسست برعاية بريطانية ( كولونيالية ) فعدّها المثقفون أو جلّهم قاصرة، وتعامل معها بعضهم بعدائية كون القائمين عليها عملاء للاستعمار.
شابت تلك العلاقة لمدة طويلة انعدام الثقة وسوء الظن والمعاداة المتبادلة. وظل المثقفون الذين تشربوا بأفكار اليسار ( الماركسي ) الوافدة لتوِّها، ومن ثم أفكار التحرر الوطني والقومي يناوئون الدولة القائمة برجالها ومؤسساتها. وأعتقد أنهم، في نهاية المطاف، شكلوا عقبة أمام تطورها. وهذا لا يعني بأية حال أن الدولة القائمة نفسها كانت بريئة تماماً وكاملة الأوصاف، هي التي ولدت في ظروف اجتماعية وسياسية صعبة وعلى ركام من إرث تاريخي ثقيل؛ ( تناحرات اجتماعية، فقر مدقع، وتخلف تعليمي وثقافي، الخ ) فيما الاقتصاد كان ريعياً والموارد محدودة, وكانت الطبقة الوسطى التي من المفترض أن تساند الدولة ( لتوافق المصلحة ) بالغة الهشاشة، ولا تشكل سوى نسبة ضئيلة وسط مجتمع فلاحي طاغي. فضلاً عن أن الدولة الجديدة كانت ضعيفة مؤسساتياً في مقابل مؤسسات أهلية راسخة ( طائفية وعشيرية ) وتحت تأثير وتحكم قوة كولونيالية بريطانية لها إستراتيجيتها المختلفة وأطماعها. وإذن لم تؤازر الأنتلجنسيا العراقية دولتها الناشئة بقدر ما عادتها، وثقفت ضدها بعد أن طغت المسحة الطوباوية على وعيها وافتقرت إلى الحس والوعي التاريخيين السليمين. فوظيفتها تعدّت الموقف النقدي الموضوعي إلى سلوك سياسي جامح ودعوات للعنف ( الثوري وغير الثوري ) سيفضي بالتالي إلى التغيير الكبير في 14 تموز 1958 والذي شكّل انعطافاً في تاريخ العراق ولم يأت بحلول ناجعة للمشكلات التي كانت قائمة والأخرى التي دشنتها هي. مفتتحاً ( على الرغم من أن سنواتها القليلة الأولى أثمرت عن منجزات وتحولات ملموسة ) عهداً من الصراعات والانقلابات الدموية التي انتهت إلى الديكتاتورية ومن ثم إعادة احتلال العراق.
تستثمر فاطمة المحسن تعريف جيرار ليكرك للمثقف، أكثر من تعريفات غيره له، في اختيار نماذج المثقفين العراقيين الذين أثـّروا في ثقافة المجتمع وأثـْروا ثقافة النهضة في العراق. فالمثقف بحسب ليكرك هو "منتج الأثر؛ كتاب، مقالة علمية، لوحة، معزوفة موسيقية، منحوتة.. أي من ينتج العالم الرمزي الخاص بالإنسانية، والذي يتضمن الفن والعلم والدين، وكل المجال الثقافي الجمالي، الإيديولوجي..الخ" ص54ـ55. وهذا التعريف ذو السمة العمومية ينوِّع شريحة المثقفين من جهة، ويحددها بمبدعي الثقافة ومنتجيها من جهة ثانية. وحين تستعير تعريف غرامشي المزدوج للمثقف ( التقليدي والعضوي ) الأكثر اتساعاً حيث تتعين ممارسة الثقافة الاجتماعية في "من يملك طاقات ( تقنية ) أو ( توجيهية ) في المجتمع" ص55. فإن قاعدة المثقفين تتسع " لتشمل المهندسين والأطباء والإداريين والبيروقراطيين والسياسيين وسواهم من المؤثرين في الحياة الاجتماعية. بيد أن الباحثة في فصول الكتاب كلها لا تكاد تشير إلاّ إلى فئة ضيقة من هؤلاء المثقفين، وهم منتجي الأثر الأدبي والفكري والصحافي، أي الكتّاب، على وجه التحديد،. ولا تأتي على ذكر الرسامين حيث بواكير الحركة التشكيلية العراقية بدأت مع بزوغ فجر النهضة العراقية ( أواخر القرن التاسع عشر ) ونموذجها الأبرز عبد القادر الرسام. وكذلك الأمر مع النحاتين والموسيقيين ناهيك عن بقية الفاعلين الاجتماعيين الذين ذكرتهم. وبهؤلاء تبلورت شيئاً فشيئاً فسيفساء المدنية العراقية الحديثة. وعلينا الإقرار بصعوبة اقتفاء آثار المساهمين مادياً والمؤثرين في الحركة الاجتماعية النهضوية في البلاد. فالباحثة ركّزت على دعاة النهضة وأفكارهم ولم تذهب بعيداً في كيفية تجسّد هذه الأفكار، أو أثرها في قيام مؤسسات وحدوث حراك ثقافي واجتماعي إلا بشكل محدود. وليس من حقنا أن نطالبها بأكثر مما حددت به موضوعة بحثها بدءاً من العنوان ( تمثلات النهضة في ثقافة العراق الحديث ) على الرغم من المساحة الواسعة لوعدها لنا في مقدمة الكتاب؛ "الثقافة فيما سمّي العراق الناهض، لا تعني الأدب والفكر فقط، بل هي التكوين المديني والقيم الجديدة والعمران، وقد تناول درسنا هذا الأمر بشقّيه: مفهوم التطور والارتقاء المديني، وصراع القيم القديمة للمكوث في الثقافة الجديدة" ص11. مثل الدعوة إلى حرية المرأة، والخروج من الصلة الطائفية والعشائرية إلى توطيد مبدأ المواطنة.
وفي مرحلة طغت عليها الثقافة الشفاهية والفكر التقليدي والقيم الموروثة التي عفا على بعضها الزمن. ولأن الثقافة السائدة في بلدان الشرق الإسلامي، ومنها العراق، كان ذا طابع ديني تقليدي، فقد كانت عمليات التلاقح مع الفكر الآخر، الغربي، تجري بعسر، وببطء شديد، وكان رجال الدين المتحدرين من العائلات المتنفذة بحكم منزلتها الدينية المتوارثة هم أول من استقبلوا الفكر الوافد، أو الفكر الذي احتكوا به نتيجة أسفارهم إلى البلدان الغربية. فمنهم من رفضها جملة وتفصيلاً، ومنهم من تعاطى معها بحذر شديد، مع تأثر ضئيل ملموس كما هو شأن أبو ثناء الآلوسي، ومن ثم ( بدرجة أكبر ) حفيده محمود شكري الآلوسي في العراق. ومنهم من تأثر بها بشكل كبير، ودعا إلى فتح قنوات أوسع للتفاعل والاستفادة كما هو شأن رفاعة رافع الطهطاوي في مصر.
وإن لم يفقد رجل الدين الذي كان يسمى بالعالم في الأدبيات العربية الإسلامية مكانته ودوره التعليمي كثيراً في عراق مرحلة النهضة، مع ظهور شريحة المثقفين من أدباء وكتّاب فإن تغيراً حقيقياً قد حدث حين أضحى المثقفون ممثلين "لصوت الموقظ من الجهل"، ومن غير تبني دور الوسيط بين المقدس والجمهور مثلما بقي رجال الدين يقدِّمون أنفسهم ودورهم. بالمقابل تشرّب الأدب والفكر الحديثين ببعض أساليب ورؤى الثقافة الغربية. وتكشف الباحثة أن عملية المثاقفة هذه أورثت المثقف شعوراً بالغربة، بابتعاده "عن تقاليده الأولى وتراثه، يمضي به إلى مزيد من الاستلاب، ومن خلاله ينشأ ما يسمى ( الوعي الشقي ) عند المثقفين" ص69.
إن من نطلق عليهم اصطلاح ( المثقفون ) في العراق الحديث نشأوا كشريحة تتحدر أغلب أفرادها من الطبقة المدينية الوسطى بتأثير أربعة عوامل رئيسة هي:
1ـ إنشاء المدارس وانتشار التعليم. وقد عرف العراق نوعاً حديثاً من مراكز التعليم مع الإصلاحات المحدودة التي قام بها بعض الولاة العثمانيين المتأخرين ( ازدادت المدارس بعد تأسيس الدولة العراقية ) بعد أن كانت المؤسسات التعليمية الوحيدة في ولايات العراق هي الكتاتيب ودور العبادة والتي كانت تقدّم تعليماً تقليدياً.
2ـ خروج بعض أفراد الطبقة ذاتها إلى الخارج للتعليم ( لاسيما العسكريون ) وتعرّفهم على أفكار جديدة جلبوها معهم في أثناء عودتهم وروّجوا لها.
3ـ دخول منجزات التكنولوجيا الحديثة وانتشار وسائل الاتصال والإعلام وبدء ازدهار الصحافة، وما رافق ذلك كله من حراك اجتماعي.
4ـ صدمة الاستعمار. وأحسب أن هذا العامل قد منح الثقافة السائدة بُعداً سياسياً واضحاً.
عرّض الأفكار العلمية الجديدة المعتقدات التقليدية للتصدّع. وتحوّل الفضاء الثقافي في عراق بدايات القرن العشرين إلى ميدان للصدام الفكري. وراح مثقفون عراقيون يعرِّفون بأفكار داروين ونيتشة ونيوتن وغيرهم. وهنا بدأت النزعة الشكّية بالظهور، وراجت النظريات العلمانية التي تدعو إلى فصل الدين عن السياسة "وفك الارتباط بين الناس والخوف من المجهول" ص126. هذا الارتباط الذي يحول دون تلقي النظم الجديدة في الاعتقاد من قبل الجمهور. وهنا كان صراع الأفكار بين رجل الدين والمثقف الجديد، كما ترى الباحثة. وفي رأيها كان هذا أيضاً؛ " صراعاً على الحيّز الثقافي، أي فضاء الحركة الذي كان لرجال الدين فيه فاعلية استثنائية. ولم يكن هذا متمثلاً فقط في المكان التعليمي، بل في استمرارية المظهر واللقب في المحافل الأدبية. فهناك مجموعة من الشعراء والمساجلين في الحداثة والعلوم الجديدة، من الذين يحملون لقب شيخ ويرتدون العمامة. والمفارقة أن الكثيرين منهم، دخلوا في معارك مع رجال الدين التقليديين، وبينهم علي الشرقي ومحمد رضا الشبيبي" ص128.
حصل انعطاف كبير، لاشك، في المجال الثقافي.. ثمة مفاهيم جديدة كالاستقلال والسيادة والديمقراطية والهوية الوطنية دخلت حقل التداول، لم تكن معروفة من قبل. وانبثقت عنها أفكار وقيم اجتماعية وسياسية مغايرة، غير أنها، على وفق ما تجزم الباحثة، لم تفضِ إلى تكوين تيارات فكرية واضحة المعالم. كانت هناك مقاربات عراقية "لفكر التنوير الغربي تجاوزت فكرة الشك إلى الوعي بالعالم الموضوعي والمسافة التي تفصل الذات عنه" ص132.
كانت أدبيات النهضة العربية تجد طريقها إلى المثقفين العراقيين من طريق الكتب والدوريات الآتية من مصر وبلاد الشام. وبات المثقفون العراقيون يطّلعون على أفكار دعاة النهضة في باقي البلدان العربية. فضلاً عن الكتب الغربية المترجمة. وهذه كلها كانت تلقي بأحجار صغيرة أو كبيرة في مياه الثقافة العراقية الراكدة منذ قرون، وتصنع دوائر من التأثير صغيرة أحياناً وكبيرة أحياناً. إذ يصبح العالم القائم بمعتقداته وقيمه ونظمه ومؤسساته وأشكال تعبيره تحت التهديد حين يكون هاجس التغيير والتحديث محرِّكاً لتفكير النخب وتطلعاته وأنشطته. فمع رواج الأفكار الجديدة انتقلت ذبذباتها إلى الحقول المعرفية والاجتماعية التي راحت تضطرب وتتخلخل وتتحوّل.. كان الأدب واحداً من تلكم الحقول وبدأ أول الغيث مع الشعر.
صحيح أن الرصافي والزهاوي ومحسن الكاظمي والشبيبي وغيرهم بقوا ينظمون الشعر بصيغته الموروثة، لكن تسرب المفاهيم والمفردات والأفكار الجديدة إلى نسيج القصيدة التقليدية أدى بالضرورة إلى استجابة فنية ( على صعيد الشكل والإيقاع ) وهذا سيبسط الطريق لولادة قصيدة التفعيلة ( الشعر الحر ) فيما بعد.. تقول الباحثة؛ "الضعف الذي انتاب قصيدة المدينة البغدادية، يرتبط بالحياة الحديثة التي أضحت مسؤولة عن وَهَن الشعر وتفكيك مفاصله التراثية، واقترابه من المحكي واللغة المتداولة في الشارع، ولعلها كانت البداية الممكنة للتخلص من وطأة القصيدة التراثية" ص218.
سيتمخض انتشار المطابع وازدهار الصحافة عن فنون المقالة الصحافية والرواية والقصة القصيرة وسينتعش النقد الأدبي أيضاً. وسيستثمر الشعر ممكنات الدراما والسرد ليقترب من الهموم اليومية للناس وواقعهم الصعب؛ إذ أن "الدراما التي تتجسد من خلال حوار الشخصيات، أو تبدل مواقفها ومواقعها، تساعد الشاعر على التحكم بضمائر القول، كما تبيح تنويع القافية ومرونة الانتقال من الشعر إلى النثر" ص212. وستكون للقصة والرواية دورهما في بث الوعي المديني والقيم الحضارية الجديدة. وبالتوازي مع تحديث الشكل الشعري سيتطور فن القصة القصيرة والرواية، وسيجد فكر النهضة والتحديث والتمدن مسارب مضافة، فعالة إلى عقول الجمهور.
بالمقابل أشاعت الصحافة لغة مغايرة أكثر مرونة وسلاسة واستساغة وقدرة على التعبير عن الأفكار الجديدة. وقد أضحت ذات تأثير طاغٍ على لغة الأدب ساهمت، مبكراً، في اجتراح أجناس لم تكن مألوفة منها المقالة الصحافية، والقصة القصيرة، ومن ثم الشعر الحر، وبعدئذ قصيدة النثر.. تقول الباحثة؛ "ولكن لغة الصحافة العراقية، كانت وراء الاندفاع نحو الاستخدام الجديد والمبسط لكل الأفكار والمباحث الاجتماعية والأدبية، وخرج من معطف النص الصحافي، القص الوعظي، ورواية العبرة، وقصص الإيقاظ الحلمية، وصولاً إلى الرواية الواقعية، فأهم كتّاب القصة كانوا صحافيين والكثير من قصصهم نُشرت في الصحف" ص230.
صحيح أن هذه اللغة الصحافية كسرت القوالب البلاغية المتحجرة والمتكلفة إلاّ أنها لم تكن العامل الوحيد في خلق الأجناس الحديثة بعدما كثرت واتسعت النوافذ المفتوحة على العالم، وبدأت الكتب والدوريات العربية تصل وتجد لها جمهوراً من القراء آخذاً بالازدياد. وهذا كله حصل في بيئة سياسية موّارة ومتقلبة فرضت على كل من الصحافة والأدب الركون لشروطها ومتطلباتها. وكانت لهذه الحالة تداعياتها.. تقول الباحثة؛ "أضعف التعالق بين الأدب والسياسة أدبية النص الصحافي العراقي، ولكنه ترك أثراً في انطلاقة الجنس الأدبي الجديد وهو فن القصة، الذي بدأ وتطور بالترافق مع الفن الصحافي" ص231ـ232.
توسعت دائرة الأنتلجنسيا العراقية، غير أن أي مراجعة للدراسات التي تناولت الفكر النهضوي العربي في مرحلته البازغة تكاد تخلو من إشارات إلى مساهمة المفكرين العراقيين في إنعاش فكر النهضة العربية، والسبب الرئيس هو الإطار المحلي لفكر النهضة في العراق الذي عاش في شبه عزلة لمدة طويلة عن محيطه العربي على عكس مصر وبلاد الشام اللتين كانتا أكثر استقلالاً وتوحداً من جهة وأكثر انفتاحاً بتأثير عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية عديدة من جهة ثانية. ولذا كان الأفق العربي والإسلامي ماثلاً في فكر المفكريين النهضويين المصريين والشوام.
تذكر الباحثة أن الرصافي ( الشاب ) في أول عهده بالنشر في الصحف والمجلات العربية كان قد استرعى انتباه المثقفين العرب وظنوه اسماً مستعاراً لأديب كبير. وتردف؛ "تلك الانطباعات تشير إلى عزلة العراق وضعف تواصل أدبائه مع النهضة العربية، فالعراق على ذلك العهد، شأنه شأن شاعره الجديد كان يتأرجح بين الثقافتين التركية والعربية. ولعل نتاج الزهاوي والرصافي سجّل بداية التعرف على ما يمكن تسميته كواليس النهضة العربية لا واجهاتها" ص377.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثلات النهضة 1 المنهج والمفاهيم وحدود البحث
- أفق النهضة وأسئلة الحداثة: قراءة في كتاب ( نحو وعي ثقافي جدي ...
- عن أدب اليوميات
- رواية -فيكتوريا-: أشكال السرد وتحيّزات السارد
- عن -أمكنة تدعى نحن-
- الأستاذ محمد خضير
- الجابري في مكتبة مؤيد
- محنة اللغة واضطراب البناء في رواية ( سرير الأستاذ )
- الكتابة عن المكان العراقي
- قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )
- قراءة في ( ذاكرة الكتابة )؛ خفة المهمل وثقل التاريخ
- مذكرات تنيسي ويليامز: بين الانشداد للحياة والانجذاب نحو المو ...
- الكاتب والمكان: قراءة في تجربة أورهان باموق
- -اسطنبول- أورهان باموق: سيرة حياة ومدينة
- ماركس وأنجلس: صداقة في نور الفكر والحياة
- ماركس صديقاً
- مصادر ماركس
- مكنسة الجنة رواية ضد سياسية في سريالية عراقية خالصة
- يوميات القراءة لألبرتو مانغويل: انطباعات قارئ
- أطلقوا سراح المعلومات


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثلات النهضة 2 ثقافة النهضة والمثقفون والدولة