أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله بنسعد - الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب















المزيد.....



الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب


عبدالله بنسعد

الحوار المتمدن-العدد: 3133 - 2010 / 9 / 23 - 18:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب

» هذا النّظام الجديد الذي بشّرتني به ، نظام البنوك والمصالح الذي سيجعل العالم يتقدّم مئات السنين كما قلت هو نظام ملطّخ بالدّماء مع فارق بسيط وهو أن الدّماء تسيل في الحسابات البنكيّة والأرقام ، أتسمعني في الأرقام (...) ملعون العالم الذي أوجدكم « -إسماعيل قدري-

أ. لماذا الحرب ؟
11 سبتمبر هي ذكرى الإنقلاب العسكري الدموي الذي نظمته المخابرات الأمريكية ضد الرئيس الإشتراكي للشيلي "سلفادور ألندي" المنتخب ديمقراطيا سنة 1973 ولم يكن ذلك إلا حلقة من سلسلة طويلة من الحروب التي تلجأ لها الإمبريالية في كل مرّة لحل أزمتها. فقد رعت الولايات المتحدة الأمريكية ونظمت وأطّرت عن طريق مختلف أجهزتها المخابراتية والعسكرية FBI, ) CIA, NSC, Delta Force...) وعن طريق عملائها من أنظمة ومؤسسات وأفراد خلال فترة الحرب الباردة (1947-1989) أكبر عمليات الملاحقة والإغتيال والتقتيل الجماعي في ما سمّي بالحرب "ضد المد الشيوعي" وهو ما أدّى إلى سقوط العشرات من زعماء العالم المناهضين للإمبريالية ومئات الآلاف من الشيوعيين والوطنيين والمواطنين الأبرياء في أنحاء مختلفة من العالم وخاصة في أمريكا اللاتينية وآسيا (سقط حوالي مليون مواطن في أندونيسيا وحدها سنة 1965) إظافة إلى ضحايا الحروب الإمبريالية التي خاضتها أمريكا (فيتنام ، كوريا ، كوبا ، العراق...).
وقد مثّلت بداية القرن الواحد والعشرين مرحلة جديدة من الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الإمبريالي والتي تتمثّل أهم تمظهراتها في إتساع التناقضات التي تميّز هذا النظام منذ ظهوره. فقد إنحسرت "طرق النجدة" (Voies de secours) التي كانت تلجأ لها من حين لآخر الإمبريالية لحل جزء من أزمتها. إذ لم يعد إستعمال سلاح المديونية بإغراق الدول الفقيرة بالديون عن طريق المؤسسات المالية العالمية من أجل نهبها كافيا لحل الأزمة أمام عجز العديد من هذه الدول عن خلاص ديونها وخاصة المتعلّقة بخدمة الدين.
كما أنّه يجدر التذكير بأن أمريكا بإعتبارها أكبر دولة إمبريالية تعتبر حاليا من أكبر الدول المفلسة والمدينة في العالم إذ يرتفع إجمالي دينها إلى 184 % من الناتج الداخلي الخام (PIB) وهو ما يساوي بالدولار أكثر من 18000 مليار دولار. أما الوجه الآخر لتفاقم الأزمة الإمبريالية الأمريكية فهو فائض الإنتاج في بعض القطاعات التي تمثّل الركيزة الأساسية للإقتصاد الأمريكي وخاصة قطاعي إنتاج السيارات وصناعة الحديد. فمعامل إنتاج السيارات تنتج سنويا حوالي 75 مليون سيارة لكن المبيعات تحوم حول 50 مليون سيارة فقط وهو ما يعني فائضا بحوالي 25 مليون سيارة في السنة. كما أن فائض الإنتاج في قطاع صناعة الحديد بلغ 340 مليون طن مقابل 150 مليون طن فقط سنة 1999 وقد زادت الأزمة الإقتصادية التي تضرب الولايات المتحدة منذ سنة 2007 (بداية أزمة السوق العقارية) في تفاقم الوضع الإقتصاد بشكل لم يسبق له مثيل بل تذهب كلّ التوقعات إلى إعتباره وضعا أتعس من الوضع الذي عاشته بعد أزمة 1929 (أنظر مقالاتنا الصادرة بجريدة الشعب من العدد 1004 بتاريخ 10 جانفي 2009 إلى العدد 1010 بتاريخ 20 فيفري 2009).
فكان لا بد من حرب جديدة لحل هذه الأزمة العميقة وكان لا بد من أحداث 11 سبتمبر للدخول في هذه الحرب التي أطلق عليها إسم "الحرب ضد الإرهاب". أما في خصوص المنفّذين فإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكّد تورّط جهات أمريكية عسكرية ومخابراتية إستعانت بمجموعة بن لادن لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية (نزول أسهم شركات الطيران التي أستعملت في الإعتداءات 6 أيام قبل 11 سبتمبر ، العثور على جواز سفر محمد عطا قائد المجموعة بعد الحريق الهائل الذي شب في مركز التجارة حيث بلغت الحرارة آلاف الدرجات دون أن يمسّه سوء ، السقوط المفاجىء لمبنى على ملك المخابرات الأمريكية بعيد عن موقع الأحداث ربّما لطمس الأدلّة ، إستدعاء رؤساء أكبر الشركات الموجودة في مركز التجارة العالمي للمشاركة في حفل في أحد القواعد العسكرية يوم 11 سبتمبر) وقد وقع تأكيد هذه الفرضيّة خاصة في الكتابين الهامين الذين صدرا سنة 2004 : كتاب الصحفي الفرنسي تياري ميسان بعنوان "الخدعة الرهيبة" الذي يؤكّد بالحجة والدليل في فصل بعنوان "تشريح كذبة حربية" أن الإعتداء على البنتاغون »لا يمكن أن يكون نتيجة تحطّم طائرة البوينغ 757 مثلما يروّج لذلك حيث لم يعثر على أي جزء من الطائرة وإنما عن طريق صاروخ خلّف فجوة عرضها متران وبعمق 3 مباني متلاصقة« وكتاب الصحافيان البلجيكيان بيتر فرانسن وبول دي فوس بعنوان "إعتداءات بمباركة السي آي إي" حيث نقرأ ما يلي »المخابرات الأمريكية كانت تعرف أن إعتداءات 11 سبتمبر بصدد التحضير وكانت تعرف حتّى البناءات المستهدفة كما أنّها كانت تعرف الكوادر العليا والوسطا لتنظيم بن لادن بل قامت بتسهيل دخول بعض قراصنة الجو وهو ما سهّل لهم القيام بالإعتداءات لأن ذلك يخدم مصلحة النخبة العسكرية والسياسية الأمريكية. كما أن الإعتداءات كانت تمثّل الطريقة المثلى لتحضير الرأي العام الأمريكي لخوض حرب طويلة المدى ضد كل الدول التي تريد الوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية«. ونظرا لكل ذلك فإننا نؤكّد بأن الحرب ضد الإرهاب ليست غاية في حد ذاتها لإعادة الهيبة للدولة الأمريكية وإنما هي وسيلة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي سنحاول إستعراضها.
لكن قبل ذلك يجدر التذكير بأنّ هذه الإستراتيجية العامة للحرب ورغم الصراع الخفي بين الإمبرياليات لا تقوم بتنفيذها أمريكا وحدها رغم أنها هي الوحيدة التي تحتفظ بتوقيت بدايتها وبتحديد أهدافها. فأمريكا تسعى إلى خلق حلف واسع على خلفية الأرضية التالية : مع أم ضد أمريكا ، مع أم ضد الإرهاب ، مع الخير أم مع الشر. ورغم بساطة وهشاشة وخواء هذه الأرضية فقد أجابت أغلب الأنظمة بنعم عند المناداة عليها من طرف بوش. فالإجابة كانت إما عن إقتناع تام مثلما هو حال الكيان الصهيوني حيث سارع الإرهابي شارون بتشبيه عرفات ببن لادن وتشبيه المنظمات الفلسطينية بتنظيم القاعدة. كما سارع في ذلك الوقت أيظا 3 رؤساء حكومات من غلاة الليبرالية الشرسة في أوروبا بالشد على أيدي بوش وهم رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير ورئيس الحكومة الإسباني خوزي ماريا أزنار ورئيس الحكومة الإيطالي سيلفيو بارلسكوني. فبالنسبة للأول إرتمى في أحضان أمريكا وأثبت ولاءه اللامشروط منذ أمد بعيد ليس لأنهما يتكلمان لغة واحدة بل لأن الإقتصاد الإنقليزي مرتبط شديد الإرتباط بالصناعة العسكرية وهو بالتالي مرتهن بالإقتصاد الأمريكي. أما أزنار فوجد في الحرب ضد الإرهاب فرصته التاريخية للقضاء على التنظيم الباسكي لتحقيق أهداف سياسية مرتبطة ببقائه في الحكم وذلك لا فقط بالإعتماد على الحل الأمني الذي فشل فيه لحد الآن وإنما خاصة بالتخلص من القوانين التي كانت تكبّله والمتعلقة بقوانين الحريات الفردية والعامة وحقوق التنظّم ، فإستعمل بروباقندا مقاومة الإرهاب للدوس على تلك القوانين والحقوق الديمقراطية التي ضحّى من أجلها الشعب الإسباني وإنتزعها بعد مقاومة شرسة للفاشية حيث قام أزنار منذ أيام فقط بحل الحزب الباسكي "باتاسونا" (Batasuna) الذي هو حزب سياسي وليس عسكري.
ثالث الراكبين في قطار الحرب هو برلسكوني الذي لم يكن ليصعد على سدة الحكم لولا تحالفه مع اليمين المتطرّف في إيطاليا والذي دخل إسمه التاريخ الأسود حيث أعطى أوامره لإطلاق النار على المتظاهرين ضد العولمة في مدينة جنوة يوم 22 جويلية 2001 وهو ما أدّى إلى سقوط أول شهيد للعولمة "كارلو جيولياني" وجرح حوالي 600 متظاهر. وقد أكد بذلك عداءه الشديد للفكر الإشتراكي وللطبقة العاملة خاصة (أنظر القوانين المناهضة للعمال الصادرة بإيطاليا وهو ما أدى إلى خروج 3 ملايين متظاهر إلى الشارع للإحتجاج على ذلك). كما قام برلسكوني بالتعبير عما يخالج بوش وبقية المنظرين لصراع الحضارات عندما صرّح بكل وقاحة بأن "الثقافة الغربية متفوقة على الثقافة العربية". وتطول قائمة المتحالفين لكننا نختمها (للذكر لا الحصر) بالرئيس الكولمبي الذي يحلم بالقضاء على حركة المقاومة اليسارية والشعبية المتنامية بتنامي الإظطهاد والإستغلال للطبقات الكادحة في كولمبيا وكذلك برئيسة الفلبين التي تريد كما قالت في العلن القضاء على مجموعة أبو سياف الإسلامية (التي خلقتها ودعّمتها المخابرات الأمريكية للتصدّي للحزب الشيوعي الفيلبيني) لكنها في الحقيقة تحلم بالقضاء على الحزب الشيوعي الذي يحارب النظام الموالي لأمريكا منذ 30 سنة وقد نزلت بعد المئات من القوات الخاصة الأمريكية في هاذين البلدين للعمل على تحقيق الأهداف المذكورة.
أما بقية الحلفاء فمنهم من بحث عن ثمن دعمه لأمريكا (ثمن مادي أو سياسي) مثل النظام التركي و أنظمة أوروبا الشرقية أو من يبحث عن تفادي التصادم المباشر معها على الأقل في الوقت الحاضر مثل النظام الروسي.
ب. ما هي أهداف الحرب ؟
1/ وضع اليد على كل منابع النفط في العالم
البلدان المنتجة للنفط كما البلدان التي وضعها حظّها المشؤوم في طريق مرور أنابيب النفط تعرّضت أو ستتعرّض لدمار الحرب الإمبريالية (العراق ، أفغانستان ، جورجيا ، يوغسلافيا ، مقدونيا ، أذربيجان ، أوزباكستان...) إن هي رفضت مخططات الشركات المتعددة الجنسيات والتي تقف على رأسها الشركات الأمريكية. فالصناعة البترولية إحتلّت دائما موقعا مؤثرا داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة إذ إنتمى كل وزراء خارجية أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية إلى هذه الصناعة (جون فوستر 1953-1959 ، كريستيان هارتر 1959-1961 ، دين روسك 1961-1969 ، هنري كيسنجر 1973-1977 ، سيروس فانس 1977-1980 ، ألكسندر هايق 1981-1982 ، جورج شولتز 1982-1989 ، جامس بيكر 1989-1994 ) ما عدى إثنان أحدهما وزير الخارجية كولين باول أثناء فترة الحرب.
لكن وإن كان باول لا ينتمي إلى لوبي الصناعة البترولية فإن التعويض أتى هذه المرّة من الرئيس بوش نفسه الذي ينتمي إلى عائلة من أهم العائلات المستثمرة في قطاع البترول في التكساس. الشخصية الثانية والتي تعتبر من الوزن الثقيل في هذا القطاع هو نائب الرئيس في ذلك الوقت ديك تشيني الذي تراءس قبل إنتخابه في حكومة بوش ولمدّة طويلة إحدى أهم الشركات البترولية في العالم وهي شركة "هالي بيرتون" المنتصبة في أكثر من 130 دولة والمشغّلة لحوالي 100 ألف موظف.
لذلك وبعد أن وضعت يدها على منابع النفط في الخليج العربي بعد حرب الخليج الثانية كان لا بد للصناعة البترولية الأمريكية أن تحرّك الآلة العسكرية نحو البلدان التي تحتفظ بأكبر إحتياطي للنفط والغاز في العالم وهي كازاخستان وتركمانستان وطاجاكستان وأوزباكستان وأذربيدجان حيث يقدّر إحتياطي النفط بها ب 28 مليار برميل و 7000 مليار متر مكعّب من الغاز وتعتبر هذه التقديرات أولية لأن الحفريات والإستكشافات مازالت جارية.
وإذا ألقينا نظرة على الخريطة الجغرافية نلاحظ بأن البلدان المذكورة موجودة شمال أفغانستان لذلك يمكن أن نفهم الحرب المدمّرة التي تعرض لها هذا البلد وتواجد القوات الأمريكية به حتى يكون قاعدة إنطلاق نحو تلك البلدان. لكن المشكل الذي يؤرّق الإدارة الأمريكية حاليا هو طرق مرور أنابيب النفط والغاز نحو الغرب فبإستثناء روسيا وأيران لا توجد دولة أخرى من تلك التي ذكرناها تملك منفذا على البحر وهذه النقطة هي أهم ما يشعل فتيل الحرب بين الإمبرياليات وخاصة بين روسيا وأمريكا. فهذه الأخيرة ترى في بناء أنبوب نفط يربط بين باكو عاصمة أذربيجان وميناء "صيحان" التركي مرورا بجورجيا هدفا إستراتيجيا ليس من السهل تحقيقه أمام الرفض الروسي وهو ما يفسّر الصراع الذي تدور رحاه الآن على الساحة الجيورجية بين الدولتين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو الآتي : هل أمريكا في حاجة إلى كل هذا النفط والغاز لتشغيل وتسيير معاملها وسياراتها ؟ الإجابة تكون بلا طبعا ، لأن الإحتياطي الذي تملكه أمريكا من النفط يفوق بين 3 و 5 مرات إحتياطي آسيا الوسطى أما إحتياطي النفط فيفوقه بعشر مرات.
لذلك فإن منابع النفط والغاز لا تمثّل هدفا في حد ذاته وإنما سلاحا تستعمله الإمبريالية الأمريكية في صراعها مع بقية الإمبرياليات وخاصة اليابان وأوروبا الغربية. وكما قال ميشال كولون "من يريد السيطرة على العالم عليه السيطرة على منابع النفط أينما كانت".
2/ تركيز وتثبيت القواعد العسكرية الأمريكية في قلب آسيا
لقد حدّد زبيقينيو بريجنسكي منذ سنة 1997 المحور الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية في كتابه الإستراتيجي "رقعة الشطرنج الكبرى" والمتمثّل في ما سمّاه أوراسيا (Eurasie) أي أوروبا وآسيا التي تمثّل حوالي 75 % من سكان العالم و 60 % من الخيرات الإقتصادية والطبيعية. وقد إقترح ضرورة إضعاف روسيا والصين وإيران وكسر كل إمكانية تحالف بينهم. فالصين تمثّل أهم قوة إقتصادية صاعدة بنسبة نموّ لم تبلغها أي دولة أخرى خلال العشريتين الأخيرتين (حوالي 10 % سنويا) كما تضاعف إنتاجها حوالي 3 مرات بين 1990 و 1999 بينما بالمقابل نزلت نسبة مساهمة أمريكا في الناتج الداخلي الخام العالمي من 50 % سنة 1945 إلى 35 % سنوات الستين إلى 28 % حاليا وتشير التوقعات إلى أن هذه النسبة لن تزيد عن 10 % خلال السنوات القادمة إذا تواصلت نسبة النمو في أمريكا على حالها.
روسيا أيظا ورغم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي تتخبّط فيها بعد التخلي عن النظام الإشتراكي الذي كان له الفضل في بناء دولة الإتحاد السوفياتي ، تحاول جاهدة لعب دور إقليمي ودولي أكثر فاعلية فمرّة تركب قطار الغرب بإنتهازية لتحقيق بعض مصالحها الضيقة (الحصول على قروض...) ومرّة أخرى تلعب ورقة خاصة بها تتمثّل في الضغط على أمريكا وأوروبا بالتحالف الإنتهازي أيظا مع دول تمثّل محور الشر بالنسبة لأمريكا (كوريا الشمالية ، العراق ، سوريا وأيران). لكن أمريكا تلعب ورقة الشيشان بدعم وتسليح المقاتلين في هذا البلد لإضعاف الدب الروسي وإستنزافه.
أما إيران فتعتبر الهدف الثالث للمخطط الإستراتيجي الأمريكي في منطقة آسيا. فبعد إشعال فتيل الحرب بينها وبين العراق (سنوات 80-88) من أجل إضعافها عملت أمريكا على إستعمال سلاح الشيعة والسنّة لضرب كل إمكانية تحالف بينها وبين بقية الدول الإسلامية المجاورة (السعودية ، أفغانستان ، باكستان...)وذلك من أجل عزلها وتقزيم دورها الإقليمي حتى تسهل مراقبتها وتدجينها. كما تقوم أمريكا حاليا بمراقبة دقيقة للتحالف الحاصل أخيرا بين روسيا والصين وكازاخستان وطاجاكستان وكرغستان وأوزباكستان فيما سمّي بمجموعة شنغاي (Groupe de Changai) والذي يرتكز أساسا على مقاومة الحركات الإسلامية المتواجدة في هذه البلدان من ناحية ودفع التعاون الإقتصادي بينها من ناحية أخرى.
فلا يخفى على أحد أن أمريكا وفي إطار صراعها مع بقية الإمبرياليات تحتفظ بسلاح أثبت جدواه في الحرب ضد الوجودي السوفياتي في أفغانستان وأثبت فاعليته أيظا في السنوات الأخيرة في مناطق أخرى ألا وهو سلاح التنظيمات الإسلامية المسلّحة على شاكلة ما سمّي بجيش تحرير كوسوفو (UCK) الذي شارك فيه العديد ممن يسمون "بالأفغان العرب" والذي كانت عملياته تنطلق من القاعدة العسكرية الأمريكية ببوندستيل للهجوم على جنوب صربيا في أواخر سنة 2000 وعلى مقدونيا في ربيع 2001 بعد أن عاث فسادا وقام بجرائم حرب في كوسوفو تحت أنظار القوات الأطلسية (أنظر مقالنا بعنوان "أمريكا تحقّق هدفها : حرب في قلب أوروبا" الصادر بجريدة الشعب عدد 501 بتاريخ 22 ماي 1999 ص 16). فكل بلدان القوقاز وبحر القزوين التي ذكرناها توجد بها ميليشيات إسلامية تنتظر الإشارة للتحرّك وإشعال فتيل الحرب مثل الشيشان علما وأن قواعد تدريب هذه المليشيات توجد في مدينة مزار الشريف. فليس من الصدفة في شيء أن تقوم أمريكا بإحتلال أفغانستان كموقع إستراتيجي في قلب آسيا تكون قاعدة إنطلاق عند الضرورة نحو روسيا والصين وإيران.
وهكذا يتضح أن أمريكا تعمل على زرع كيان في كل منطقة إستراتيجية في العالم يكون مثل الكيان الصهيوني المزروع في قلب الوطن العربي وكوسوفو في قلب أوروبا وأفغانستان في قلب آسيا وقريبا أوزباكستان أو أذربيجان في قلب بلدان الإتحاد السوفياتي السابقة.
3/ فرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني في الشرق الأوسط بعد عزل المقاومة الفلسطينية وتدميرها
إذا كانت الحرب الإمبريالية الأمريكية هي حرب هجومية لحل أزمتها الإقتصادية فهي أيظا حربا دفاعية لحماية ودعم الكيان الصهيوني رأس حربتها في الشرق الأوسط. فهذا الكيان يمثّل المثال الساطع لجوهر العولمة التي تريد الإمبريالية فرضها على الشعوب والأمم المظطهدة. فالكيان الصهيوني يبيح لنفسه الإستحواذ على الأراضي الفلسطينية ، سرقة المياه ، الإعتداء على أبسط حقوق الإنسان ، الإحتفاظ بأسلحة الدمار الشامل ، الدوس على قرارات الأمم المتحدة ومستعملا كل أنواع الجرائم والإرهاب والتقتيل والتشريد دون رادع.
فما يعيشه شعبنا العربي في فلسطين هو حرب إبادة بكل ما في هذه الكلمة من معنى دون أن تحرّك الدول التي ترفع شعار حقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب وعلى رأسها أمريكا أي ساكن وحتى المنظمة الأممية إنخرطت في هذه السياسة حيث إعتبر التقرير الصادر عنها أن ما إرتكبه الجيش الصهيوني في مخيم جنين لا يدخل في خانة جرائم الحرب رغم الصور التلفزية الفاضحة التي تبيّن كيف وقع تهديم المنازل على ساكنيها.
فالظروف الآن مواتية أكثر من أي وقت مضى لفرض ما سمّي "بالنظام الشرق أوسطي" الذي لا يعني في الحقيقة إلا التطبيع مع الكيان الصهيوني كمقدّمة لدمجه في الدورة الإقتصادية والسياسية والثقافية العربية ويصبح بالتالي المحور الذي يرتكز عليه النظام العالمي الجديد في المنطقة حسب المنظور الأمبريالي. فبعد أن وقع إمضاء إتفاقيات "سلام" بين الكيان الصهيوني من ناحية ومصر والأردن من ناحية أخرى وبعد أن وقع تدمير لبنان خلال حرب أهلية طويلة إختتمها الكيان الصهيوني بالإجتياح سنة 1982 والقضاء على المقاومة الفلسطينية بها بطرد المقاومة منها بتواطئ مخز من الأنظمة العربية بدون إستثناء ، ثمّ بعد تدمير الترسانة العسكرية والقاعدة الإقتصادية للعراق وبعد ربط الأنظمة الخليجية بركاب أمريكا إقتصاديا وسياسيا لم يبقى إلا تدمير المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا. وتدمير المقاومة الفلسطينية لا يقتصر فقط على المجازر وعمليات الإغتيال ومحاولة القضاء على المنظمات الفلسطينية الراديكالية (أنظر ما تعرّضت وتتعرّض له الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ظل حكم فتح وحماس معا) بل يمر أيظا عبر المخطط السياسي الذي تحاول الإمبريالية فرضه على شعبنا العربي في فلسطين إذ تقول كوندوليزا رايس في إحدى خطاباتها عندما كانت وزير للخارجية "الفلسطنيون في حاجة إلى قيادة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية مثلما حصل في صربيا وأفغانستان".
فهذان النظامان الذان هما من "صنع أمركي" (Made in USA) لم يقوما فقط بتصفية المعارضين للمخطط الإمبريالي بل قاما بإلقاء القبض على العديد من القادة المناهضين لذلك المخطط وتسليمهم لأمريكا لمحاكمتهم محاكمة غير عادلة أو لإعدامهم تحت التعذيب مثلما حصل للعديد من المسجونين داخل معتقل غوانتانامو.
وقد سقطت القيادة الفلسطينية (عندما كانت فتح وحماس شريكان في السلطة) في هذه اللعبة بإيقاف الرفيق أحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - رغم حكم المحكمة الدستورية العليا في فلسطين بعدم قانونية سجنه - وتسليمه إلى المخابرات الأمريكية والإنقليزية في إطار هذه السياسة الجديدة التي تدخل في باب "تحقيق الأهداف بأقل التكاليف" (Atteindre les objectifs avec le minimum de dégats) ثمّ أقدم الكيان الصهيوني على إختطافه وحبسه.
لكن أمريكا تعرف أن ضمان نجاح هذا المخطط مرتبط شديد الإرتباط بالقضاء على العراق وتفتيه إلى كنتونات على شاكلة المثال اليوغسلافي. إذ تشير العديد من التقارير أن المخطط الأمريكي يرمي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول : دولة كردية في الشمال ودولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط. فمن خلال تدمير العراق وتقسيمه وإلى جانب الأهداف التي ذكرناها تريد الإمبريالية بعث رسالة مظمونة الوصول إلى كل نظام يحاول الوقوف في وجه آليات وأهداف العولمة. أما في علاقة بالقضية الفلسطينية فإن هذا المخطط يمكّن من نفي جزء من الفلسطنيين إلى الدولة السنية في وسط العراق كجزء من الحل المتعلّق بتصفية القضية.
4/ عسكرة الإقتصاد كحل للأزمة
إن كل المؤشرات تدل على أن أزمة الإمبريالية تشتد من سنة إلى أخرى وقد أدّى الإنهيار المريع لنمور آسيا سنة 1997 (تايوان ، كوريا ، هونغ كونغ وسنغفورة) في مرحلة أولى وإنهيار بورصة وول ستريت في أفريل 2000 في مرحلة ثانية ثم إنهيار أحد التلامذة النجباء للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي في أمريكا اللاتينية ألا وهي الأرجنتين سنة 2005 ثمّ الأزمة الإقتصادية التي تضرب الإقتصاد العالمي منذ سنة 2007 والتي تزداد عمقا يوما بعد يوما (أنظر الحالة الإقتصادية والإجتماعية في الإتحاد الأوروبي وخاصة اليونان وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا وفرنسا وكلّ بلدان أوروبا الشرقية التي إنتمت إلى الإتحاد الأوروبي) ، إلى كشف عمق وحجم هذه الأزمة وهو ما أذّى بالعديد من المحللين الإقتصاديين إلى توقّع أزمة أعمق من أزمة 1929. فكل المؤشرات تدفع نحو هذا الإستنتاج :
* تكثّف الإحتكارات : كل قطاع إقتصادي تسيطر عليه بعض الشركات المتعددة الجنسيات
* تفاقم الفقر : مليار ونصف من البشر يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم ، تدهور المقدرة الشرائية لعمال 100 دولة مقارنة عما كانت عليه منذ 15 سنة ، يموت طفل عمره أقل من 5 سنوات كل ثلاث ثوان نتيجة سوء التغذية.
* تطور المضاربات في الأسواق المالية : 1100 مليار دولار من العملة الصعبة يقع تداولها يوميا في أسواق البورصة وهو ما يسمح لثلاثة أشخاص من المضاربين كل ثلاث ثوان من ربح ما يساوي مداخيل 48 دولة في السنة.
* تفاقم مديونية البلدان الفقيرة التي بلغت 2500 مليار دولار من 1980 إلى 2005 كما بلغت خدمة الدين 4000 مليار دولار خلال نفس الفترة وهو ما يعني عمليا أن البلدان الفقيرة هي التي قامت "بإعانة" البلدان الغنية لا العكس (أنظر مقالنا بعنوان : "كيف يدفع الفقراء 250 ألف دولار في الدقيقة" الصادر بجريدة الشعب بتاريخ 24 جوان 1995 ص 15).
ومهما حاول النظام الرأسمالي العالمي التخفيف من أزمته عن طريق الحروب والإظطهاد والإستغلال فإنه لا يقوم إلا بتأجيل الإنهيار المحتوم لنظام ليبرالي لم تعرف الإنسانية أكثر منه شراسة حيث إنفلت من تحت عباءة الإطار النظري الذي وضعه المنظرون الأوائل (آدام سميث ودافيد ريكاردو) وكسّر كل الضوابط وتخلّى عن دور الدولة (تنظيرات كينز خاصة) التي عوّضتها الشركات متعددة الجنسية التي لم يعد لها مقر إجتماعي معروف بل أصبحت توجد في عشرات الدول في نفس الوقت. هذه الشركات أصبحت خارج القوانين التي تسنها الدول إذ حلت منظمة التجارة العالمية محل الدول لسن القوانين المتعلقة بالتبادل التجاري رافعة شعار "العبور إلى السوق" وهو تكريس للعولمة التي تنصهر فيها وتدافع عنها وهذا يعني فتح أسواق البلدان الفقيرة ليقع غزوها من طرف الشركات متعددة الجنسية. فبعد حوالي 6 سنوات من وجودها مكّنت هذه المنظمة الشركات متعددة الجنسية من وضع قبضتها على السوق العالمية حيث أن مداخيل 15 شركة منها تساوي مداخيل 120 دولة مجتمعة.
وإظافة لذلك لم يزد البنك العالمي وصندوق النقد الدولي عن طريق برامج الإصلاح الهيكلي إلا في تعميق الأزمة. فتدهور المقدرة الشرائية للعمال أدّى إلى التقليص الكبير في الإستهلاك وبالتالي شهد الإقتصاد العالمي وخاصة إقتصاد البلدان الصناعية وعلى رأسها أمريكا إنتكاسة لم يشهد لها مثيلا طيلة العقود الماضية. وكان الحل في عسكرة الإقتصاد حيث تحاول الإمبريالية تعويض الإستهلاك الذي يعتبر المحرّك الأساسي للإقتصاد ببرامج تسليح ضخمة (الكويت أمضت في الأيام الأخيرة صفقة سلاح مع أمريكا بقيمة 90 مليار دولار) تنعش الصناعة العسكرية التي لم تعد مقتصرة على مصانع الدبابات والصواريخ وإنما أيظا وخاصة على الشركات المختصة في التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية والفضائية إلخ...
وقد نظّر لعسكرة الإقتصاد مجموعة من كبار الإقتصاديين الأمريكيين أثناء حرب الفيتنام حيث أكّدوا على ما يلي : «بالنسبة لإنتعاش الإقتصاد لا يمكن تصوّر بديل للحرب. لا يوجد بديل آخر في مستوى الفاعلية والحفاظ على مواطن الشغل لدينا وعلى الإنتاج والإستهلاك. فالحرب كانت وستبقى العنصر الأساسي للحفاظ على توازن المجتمعات العصرية. الحرب والحرب وحدها هي القادرة على حل مشكل فائض الإنتاج» .
فهل فيكم من قرأ كلمات أعمق من هذه الكلمات التي تعبّر عن ضرورة عسكرة الإقتصاد لتحل الإمبريالية أزمتها ؟ وهل هناك كلمات أشدّ وضوحا من هذه الكلمات للتعبير عن أنّ السلم هو عدوّ الإمبريالية خلافا لما تدّعيه ؟
ولذلك نفهم لماذا تخصّص الإمبريالية الأمريكية مبلغ مليار دولار يوميا من ميزانيتها للتسليح.
5/ كسر مقاومة وصمود العمال ومناهضي العولمة
إحتداد التناقضات لا يمكن إلا أن يولّد المقاومة والمقاومة بدأت من داخل البلدان الإمبريالية نفسها. فقد مثّلت المظاهرات الضخمة التي إنطلقت من سياتل وتواصلت حتى جنوة بإيطاليا ملحمة نضالية كبيرة إنخرط فيها جيل جديد من المناضلين ، شباب عامل بالفكر والساعد ذو حماس فياض ومبادرات لا تنضب ويختزن قدرة هائلة على الصمود والمقاومة.
شباب إنتفض ضد أوهام الرأسمالية ولم يعد يقبل باللامساواة وبنهب خيرات البلدان الفقيرة وبتدمير العالم ، شباب يصيح بصوت عال أمام زعماء العالم الإمبريالي بأن "عالم آخر ممكن" (Un autre Monde est possible). هذا الجيل الذي يرفع الرايات الحمراء وصور روّاد الفكر الإشتراكي الذي بشّرت أبواق الدعاية الإمبريالية بأنّه إنتهى بإنتهاء الإتحاد السوفياتي ، نجح في تنظيم مظاهرات لم يشهد العالم الغربي مثيلا لها منذ أحداث ماي 1968 وإستطاع بذلك وضع زعماء العالم الإمبريالي والمؤسسات المالية العالمية في موقف لا يحسدون عليه.
فلم تعد هذه المنظمات ولا رؤساء الدول الإجتماع بكل أريحية ودون أن يعكّر صفوها أي شيء لتقرير مصير العالم حسب مصالحها الضيقة بل أصبحت التحضيرات لهذه الإجتماعات تأخذ منهم وقتا وجهدا وإمكانيات كبيرة لتوفير أجهزة القمع الضرورية للتصدي للمظاهرات المناهضة لها. ألم خوزي ماريا أزنار رئيس حكومة أسبانيا بتحريك طائرات أف 16 وبوارج حربية وبطاريات صواريخ يوم 2 مارس 2005 وكأنّه في حالة حرب لإرهاب حوالي 500000 متظاهر نزلوا لشوارع برشلونة للتنديد بأوروبا اليبرالية.
هكذا إذا يتأكّد الوزن الذي أصبحت تمثّله هذه الحركة المناهضة للعولمة والتي بدأت بصفة عفوية لكنها آخذة الآن في التشكّل والتنظّم متجاوزة الأحزاب التحريفية والنقابات الإصلاحية. فتكوّنت عديد المنظمات غير الحكومية وعديد التجمّعات المناهضة للعولمة لتأطير هذه الحركة التي تكبر يوما بعد آخر. فكانت الحرب ضد الإرهاب هي الحل لمحاولة تحقيق هدف القضاء على هذه الحركة الإحتجاجية التي دشّن بها العمال والمظطهدون في العالم دخول القرن الواحد والعشرين. وليس صدفة أن يقوم الإتحاد الأوروبي يوم 30 سبتمبر 2001 بالتصويت على قانون محاربة الإرهاب في أوروبا مستعملا تفسيرا غريبا للإرهاب حيث نقرأ ما يلي :" إن الأعمال الإرهابية هي الأعمال التي تمسّ من القوانين والأنظمة والمبادىء الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية في البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي سواء كانت هذه الأعمال موجّهة ضد دولة أو مجموعة دول وضد مؤسساتها وشعوبها (...) كما أنّ الإستحواذ على ملك الدولة أو على وسائل النقل العمومي أو الأماكن العمومية أو تعطيل الحاجيات الأساسية مثل الكهرباء أو تعريض حياة أشخاص أو أملاك أو حيوانات أو البيئة للخطر هو عمل إرهابي".
ويتضح جليا من خلال هذا التعريف أن الإرهاب لم يعد مرتبطا بحمل السلاح والقتل فوضع حياة حيوان للخطر أصبح عملا إرهابيا حسب القوانين الجديدة المنافية لأبسط قواعد الديمقراطية الغربية. وهكذا فإن المظاهرات والمسيرات والإعتصامات التي كانا تنظّم في البلدان الأوروبية يمكن أن يطالها قانون مكافحة الإرهاب.
أما أمريكا "ضحية الإرهاب" كما تدّعي فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث تحوّلت الحرب من حرب ضد الإرهاب إلى حرب الأعراف ضد العمال فقد أخذ الإعلان عن إضراب عملة الرصيف (Les dockers) في السواحل الغربية للولايات المتحدة الأمريكية منحى خطيرا. فقد قوبلت الدعوة التي وجهتها النقابات العمالية في بداية سنة 2002 لتنفيذ إضراب عام دفاعا عن حقوق ومكتسبات العمال بحزم كبير من قبل الأعراف بل تدخّل الرئيس بوش بنفسه طالبا من الكونغرس الأمريكي وضع عمال الرصيف تحت طائلة القانون الذي يمنع الإضرابات في حالة الحرب وقد زار وزيري الداخلية والعمل الموانئ لإعلام عمال الرصيف بقرار الحكومة الفيدرالية بمنع الإضراب ولو أدّى الأمر إلى تعويض العمال المضربين بالجيش للحفاظ على حسن سير العمل.
هكذا إذا تتضح إحدى الأهداف الإستراتيجية للحرب ضد الإرهاب وهي محاولة فرض عولمة ترتكز على إستعمال العنف وإرهاب الدولة لفرض الفكر الواحد الفكر الليبرالي والإقتصاد الواحد إقتصاد السوق والثقافة الواحدة ثقافة الإستهلاك.
ج. بين نفق مظلم وشمعة مضيئة
إن حجم الآلة العسكرية التي تحرّكها الإمبريالية وحجم الهجمة التي بدأتها و"الأسلحة" الأخرى التي تمتلكها ومن بينها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة تدفع كلها نحو إمكانية تحقيق الإمبريالية لأهدافها التي أتينا على ذكرها وهي تدفع بالتالي نحو نفق مظلم لا آخر له إنّها تدفع نحو البربريّة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : "هل هناك إمكانية لوجود شمعة مضيئة داخل هذا النفق المظلم؟" والجواب لا أراه بغير نعم فهناك شمعة بل شموع مضيئة.
فالحركة العالمية لمناهضة العولمة هي أولى هذه الشموع المضيئة. صمود شعبنا العربي البطل في العراق يمثّل أيضا شمعة تضيء منذ سنوات لم يستطع إطفاءها لا الحرب المدمرة التي لم تعرف البشرية لها مثيلا ولا عمالة الأحزاب والأطياف المرتبطة بنظام الملالي في إيران (أنظر الفوضى السياسية التي يعيشها العراق الآن) تماما مثل صمود كوبا في وجه الإمبريالية الأمريكية رغم الأربعين سنة من الحصار.
الإنتفاضة الباسلة في فلسطين هي أيضا شمعة مضيئة وأية شمعة ؟ فالبطولة النادرة التي أبداها أبناء شعبنا العربي المقاتل في فلسطين وتصدّيه لآلة الحرب والدمار الصهيونية المدعومة من الإمبريالية مثّلت البرهان الساطع على قدرة الشعوب والأمم المظطهدة على المقاومة والصمود والإنتصار وبالتالي كسر شوكة الإمبريالية وعملائها. ومثلما سقط نظام الأبارتايد منذ سنوات في جنوب إفريقيا فسيسقط الكيان الصهيوني رأس حربة الإمبريالية في المنطقة العربية عن طريق حرب الشعب طويلة الأمد وليس عن طريق إتفاقيات الإستسلام أو الشرعية الدولية.
فالشرعية والمواثيق الدولية ليست سوى تقنينا حقوقيا يعبّر عن رؤى وبرامج ومصالح الإمبريالية فلا شرعية إلا لما كان إفرازا واعيا لإرادة الشعوب مكرّسا لمصالحها ومعبّرا عن طموحاتها من منطلقات التساوي في بناء حضارة الإنسانية التقدّميّة والإنسان الحر من كل إستغلال وإضطهاد.
كلمة أخيرة ، تهدف الإمبريالية أيضا إلى طمس تراثنا الإشتراكي النيّر وسرقة إنتصاراتنا وإحباط عزائمنا لذلك نقول : «أمامنا أهدافهم ومشاريعهم وأمامهم صمودنا ومقاومتنا فإما إشتراكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة أو بربرية».

د. عبدالله بن سعد
قابس في 20 سبتمبر 2010



#عبدالله_بنسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأهداف الإستراتيجية للحرب الإمبرياليّة على العراق (الجزء ال ...


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله بنسعد - الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب