أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - مهرجان ، مهرجون، مهرجنون !!















المزيد.....


مهرجان ، مهرجون، مهرجنون !!


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 946 - 2004 / 9 / 4 - 12:00
المحور: الادب والفن
    


من يعرفني أدنى معرفة، كبني آدم أولاً، لا أحد يستطيع أن ينكر، وكشاعر ثانياً، البعض حقاً يصدق، يعرف أني قضيت حياتي كلها، بعيداً ما أمكنني، عن المهرجانات والأمسيات الثقافية بأنواعها، والشعرية خاصة. ليس فقط كمشارك، الأمر الذي لم يحصل طوال نصف قرن، بل أيضاً كمشاهد من بين آلاف المشاهدين، الأمر الآخر الذي لا أستطيع أن أنكر أني صودفت مرات لا أظنها تزيد عن عدد أصابع اليد في هذا المهرجان أو تلك الأمسية. وإذا كان حضوري المهرجانات والأمسيات إختيارياً، حيث دفعني الفضول مرة، لرؤية عبد المعطي حجازي كيف يلقي شعره متطاولاً بفمه إلى الميكرفون حتى يقف على رؤوس أصابع قدميه، أو بلند حيدري صديق السياب أو حتى عبد الوهاب البياتي الجميل الباهت في آخر أيامه، أما محمود درويش، فمنذ وقت قريب كنت أتباهى بأني لم أحضر قط أمسية له، رغم مجيئه لسوريا مرات عديدة، واحدة منها إلى اللاذقية مدينتي بالذات، حتى حدث وحضرت أمسيته هذا العام في افتتاح أيام الشعر في مهرجان جرش!! أقول إن كان حضوري المهرجانات والأمسيات اختيارياً، فإن مشاركتي كشاعر لم تكن اختيارية على الإطلاق، ذلك أن أحداً لم يدعني لمهرجان أو أمسية طوال هذه السنين. حتى بت من أنصار فكرة عامة، هي أن الشعر النثري، أقصد الشعر الذي أكتبه أنا وأمثالي، لا يصلح لهكذا تظاهرات، أو حتى لا يصلح أصلاً لقراءته أمام الناس، وذلك لصفات فيه مفقودة، ولصفات في الناس، في جمهور هذه المهرجانات، زائدة، تاريخية وظرفية وعقلية وعاطفية! لم أدع لمهرجان أو امسية ولم أشارك، لأنه في الأصل لم يعترف بي لا رسمياً ولا جماهيرياً كشاعر، رغم أن عمري الشعري زاد عن ربع قرن، ولا حتى من مستوى أولئك الذين لا يعترف بشاعريتهم أحد، أو لا يتفق على شاعريتهم اثنان، وهذا شيء طبيعي، لكنهم لأسباب شتى معروفة يصيرون نجوم مهرجانات محلية وعربية وربما عالمية، ولو كانت كابية.

ولكن الحال تغير بالنسبة لي خلال الأربع سنوات الماضية فقط، أي منذ عام 2000 حين اضطررت لأن أفي بوعد لا أدري كيف قطعته لتلك السيدة الفرنسية الفائقة اللطف والإلحاح التي كانت تشرف على تظاهرة ربيع الشعر السوري والفرنسي التي تجري سنويا في دمشق وحلب، وعلى مستوى أبسط في اللاذقية مدينتي. قلت لا أدري كيف وعدتها، ولكن الصحيح أدري، فقد رفضت في البداية دعوتها لمشاركتي في إحدى أمسيات هذا المهرجان، مما دفعها لسؤالي إن كان أحد الشعراء الذين كانوا يشاركوني الأمسية، ومنهم اسكندر حبش ومحمد فؤاد، هو السبب، أم أن هناك سبباُ آخر؟ فما كان مني إلا أن نفيت ذلك نفياً قاطعاُ واعداً إياها بقبول دعوة مماثلة في وقت قريب، كان شرطي بها أن تكون أمسيةً خاصة بي! وهكذا. ولكن للأمانة يجب ألا أنسى دافعاً آخر كان يلوح لي وهو أنه من الممكن إذا حدث وقمت بالمشاركة في نشاط المركز الثقافي الفرنسي في دمشق فإنه من الممكن أن أدعا للمشاركة في أنشطة مشابهة في فرنسا، كما حدث لنزيه أبو عفش ومحمد فؤاد على ما أذكر. أي طمع! وكما يقال: أول الغيث قطرة. ذلك لأني شاركت بعد هذا مباشرة في ملتقى فني أدبي على مستوى سوريا ولبنان أقيم في أحد فنادق دمشق، ثم دعوت لأمسية مشابهة في حلب، لبيتها بعد أن أرجأتها عدة مرات واحدة منها كانوا قد أعلنوها وألصقوا إعلاناتها، ثم في السنة الثانية، تلقيت دعوة للمشاركة في السمبوزيم الشعري للبحر الأبيض المتوسط الذي يقام في مدينة كافالا في اليونان كل سنتين مرة، ولم أكن، على شهرته، أذكر أني سمعت عنه من قبل ولو مجرد خبر! ثم بعد كافالا جاءت دعوتي من قبل جمعية سورية فرنسية تسمى ( أرابيسك ) لأن أكون الشاعر الوحيد في مائدة مستديرة حول سوريا إقتصادياً واجتماعياً وثقافياُ، وطبعاً تحول الأمر لسياسياً. وكان هذا السنة السابقة 2003 حيث ظننت أني سأعود لقواعدي سالماً، ليس مئة بالمئة، ولن أتلقى بعدها دعوات مماثلة، وخاصة وإني لم أحقق ذلك النجاح المؤكد في كل هذه المشاركات، ولكني بالطبع لم أعدم الغاوين أتباعي، على قلتهم، والذين يروق لهم كل ما أفعل مهما بلغ شططي به، إلا أن النجاح، بمعنى النجاح الحقيقي، حسب ما تبين لي، آخر معيار لدعوة أي شاعر لأي مهرجان، فلقد حدث ورأيت فشل أغلبية الشعراء في تقديم أنفسهم وأشعارهم للجمهور، صغر وكان نوعياً، كما في جرش، أو كبر وكان شعبياً كما في بعض المهرجانات الأقل شهرة التي لا يرافق الشعر بها سوى نشاطات ثانوية، بالمقارنة بالجانب الفني الغنائي لجرش والمحبة ولا استطيع ذكر مهرجان شبيه بهما آخر لأني لا أعرف، ولكن على ذكر مهرجان المحبة الذي يقام في مدينتي والذي تقريبا يقاطعه أغلب مثقفي وأدباء اللاذقية ولا يحضر له أي من هؤلاء من مدن أخرى ولو قريبة، فقد دعوت إليه رسمياً لأول مرة، عند عودتي من باريس، ورفضت الدعوة دون تردد.

2004 هي سنة اندلاقي ومشاركتي في عدد قياسي من المهرجانات، ليس بالنسبة لي فقط، بل بالنسبة لأي شاعر. أولاً قبلت تقديم عرض شعري على طريقتي في ربيع الشعر في اللاذقية، ثم جاءت مشاركتي في مهرجان جرش، لا اذكر في سنته كم، حيث قضيت بعمان، مع بول شاؤول وعباس بيضون وشوقي بزيع وعناية جابر ولا أنسى جمانا حداد.. من اللبنانيين وأمجد ناصر الذي يعود له فضل دعوتي للمهرجان، وموسى حوامدة من عرفته سابقاً في طرطوس، وجهاد هديب أول من اصطحبني خارج قفص الفندق قائلاً : منذر أنت هنا منذ زمن. وحسين جلعاد وزياد النعماني الذي أهداني كتابه مرتين ورانا نزال التي ساعدتني في تأمين أدوات عرضي الشعري في اللحظة الأخيرة، وموفق الملكاوي، شكراً على زجاجة ماء والعصير، وتيسير نظمي المشاغب، .. وأردنيين عديدين ربما كانت معرفتي بهم أهم ما حصدته من مشاركتي هذه، وغسان زقطان... الفلسطيني الذي أحببته، مثلي مثل الجميع، وأحمد شهاوي صاحب الوصايا غير المحمودة في عشق النساء وجرجس شكري النسناس ذي الجاكيت المصريين وريم كبة وحسن نجمي وقاسم حداد وميسون صقر من العراق والبحرين والإمارات وشعراء عرب آخرين وأجانب ونقاد منهم صبحي حديدي السوري الآخر بالمهرجان، ما يقارب النصف شهر! ثم في مهرجان الملاجة أو السنديان، أوالسنديانة!! التاسع! وثلاثة أيام مع محمد بنيس وسيف الرحبي وعبدو وازن المشارك في أول مهرجان في حياته، ومحمد حلمي الريشة وأيضا حسين جلعاد، والموسيقار نصير شما والشاعرات لينا الطيبي وهالة محمد ثم جاءت ندى منزلجي حيث قرأت لغياب ميسون صقر، وبندر عبد الحميد الذي اعتذر عن القراءة، بحجة أنه جاء للرقص لا لقراءة الشعر، وهذا ما حدث فعلاُ، عندما قام في السهرة الأخيرة بتقديم رقصته المجنونة،التي أعرفها منذ 25 سنة وما زالت بكامل روعتها. ورابعاً: مهرجان جبلة الثقافي الأول. وقد يخطر لكم أنه لا أكثر من مهرجان محلي يقيمه بعض مثقفي مدينة صغيرة كجبلة، إنقاذاً لمدينتهم من النسيان والموت، على حد قولهم، إلا أنه ليس، فمنذ دورته الأولى، دعا ولبى الدعوة كل من قاسم حداد وعباس بيضون واسكندر حبش ومحمد مظلوم ووجه سحارة الشعراء السوريين من فايز خضور ونزيه أبو عفش، إلى عادل محمود وهالا محمد وياسر اسكيف وأنا !! كما يتضمن المهرجان ذو الست أيام كاملة نشاطات ثقافية وفنية لافتة! موسيقاً وغناءً و مسرحية أيضاً.. إضافة للحضور الدائم للشاعر أدونيس منذ اليوم الأول كضيف، لا كمشارك. علماً بأنه كان مشاركاً كشاعر بمهرجان الملاجة السنة السابقة.. أي أن كلا المهرجانين بحق يتمتعان بسوية شعرية، اسمح نفسي بوصفها، عالية.. إلا أن ما يهمني الآن هو تقديم بعض الملاحظات والآراء العامة والخاصة، التي قد تبدو وكأنها مفارقات شديدة رافقت كل هذا :
1- بينما يكاد الشعر أن يكون البضاعة الأشد كساداً في السوق الثقافي والأدبي، مقارنة بالرواية مثلاً أو بكتب علم النفس أو التراث أو السياسية والفكرية، حيث باتت نسبة 90% من المجموعات الشعرية تطبع على حساب أصحابها، وحتى الأعمال الكاملة منها!! وقد وصل عدد النسخ الذي ينصح طبعه إلى 200 نسخة فقط بعد أن كان منذ سنتين 500 نسخة ومنذ خمس سنوات 1000 نسخة أما عدد نسخ ( بشر وتواريخ وأمكنة ) سنة 1979 فقد كان 3000 نسخة! ورغم ذلك فهو النجم، صاحب دور البطولة، في كل المهرجانات الثقافية من أصيلا وفاس في المغرب إلى تونس ومصر وسوريا ولبنان والأردن ودول الخليج ومربد السيء الصيت، لا أدري لماذا أكثر من غيره، في العراق! وكأن الشعر حقاً ما زال محتفظاً بحقه بأن يصول ويجول على المنبر منذ عكاظ لليوم. مهما تبدلت الظروف حوله ومهما آل إليه حاله الخاص. وأظنه يستحق الذكر توصيف عباس بيضون للمهرجانات الشعرية العربية بأنها أشبه بجنازات للشعر العربي أكثر منها احتفالات به، إلا أنها كما يبدو جنازات تصرُّ على أن لا تنتهي.
2- ليست المدن الكبرى كعمان ودمشق وربما القاهرة وبغداد، وأضيف اللاذقية مع أنها ليست تلك المدينة الكبيرة، هي التي توفر الجمهور الكبير لأمسيات الشعر، ففي عمان تذكر أرقام هزيلة لعدد الحضور، وخاصة عندما تكون الأمسيات في بيت الشعر حيث لا يزيد الحضور عن العشرات.. أما في المدن الصغيرة، وحتى القرى فإنك تجد أن نصف الأهالي إن لم يكن جميعهم مهتمون بما يحدث في بلدتهم وقريتهم، تدفعهم الرغبة في الاحتفال والتجمع، وربما الفضول أيضاً لرؤية وسماع أولئك الذين لم يسمعوا بأغلبهم، ولكنهم أحضروهم لعندهم، لأهمية ما تعرف عنهم.. ففي جبلة بدا اليوم الأول من المهرجان كظاهرة احتفالية كبرى، وهذا إذا كان متوقعاً في جبلة لخصال معروفة في أهلها من اهتمام بالثقافة والسياسية.. فهو في الملاجة أمر عجيب، حيث يحضر ما لايقل عن ألف انسان، رجالا ونساءً ومن مختلف الأعمار. أغلبهم بالطبع من أهالي الملاجة إلا أن عددا لا بأس به من المناطق الأخرى ومن اللاذقية وحمص ودمش يأتي لحضور أمسيات المهرجان.
3- ومن مفارقة العدد تأتي مفارقة النوع، وهي حسب رأيي، الأشد مدعاة للتفكر ولإيجاد الحل الملائم، والسبب أن المشرفين وأسر هذه المهرجانات، غير الرسمية خصوصاً، تأخذ بها، فكرة أن يتم دعوة أفضل الشعراء السوريين والعرب، أو لأقل الأكثر ظهوراً منهم هذه الآونة. وبما أن هؤلاء الشعراء تغلب على نتاجهم صفة النخبوية، والخصوصية، فإن ذلك يحدث شرخاً كبيراً بين ذائقة المتلقين وحساسيتهم، وبين ذائقة وحساسية أولئك الشعراء، أمثال قاسم حداد وسيف الرحبي وعباس بيضون وأمجد ناصر وعبده وازن مثلاً. وإذا كان هذه المفارقة لا تظهر كثيراً في مهرجان كجرش، وذلك لأن جمهور الشعر فيه لا يزيد عن عدد شعراء ونقاد عمان إلا قليلاً، فإنه في الملاجة مثلا وفي المحبة، الذي يتكون بأغلبه من زوار المهرجان للتنزه وقضاء الوقت، مصطحبين نساءهم وأطفالهم.. يأخذ طابعاً كاريكوتورياً، فالجمهور يظهر ميلاً لا لبس فيه، ليس فقط للشعر الموزون والمقفى بل للمنبري منه، ذي البهارات اللفظية والمعنوية.. وهذا طبيعي جداً. لا بل قد تجد أن أحسن حالات تلقيه هي للشعر العامي ربما. وهذا ما يمكن استنتاجه في السهرات التي تتبع الأمسيات حيث تصدح العتابا وأغنيات وديع الصافي ونصري شمس الدين، التي يتشارك بها الجميع ما عدا الشعراء المدعويين الذين ييأسون من محاولتهم مجارات المضيفين في حفظهم لبعض الأغاني..
4- وهذا ما يجب أن يستدعي برأيي انتباه الطرفين، أقصد، المشرفين على هذه المهرجانات والشعراء المشاركين انفسهم. فمن ناحية المشرفين وأسر المهرجانات، فإنه، وهذا ليس خافياً عليهم، أنه من الجيد أن تتم دعوة أسماء شعرية تفرض ذائقتها وحساسيتها على الجمهور مهما كان، علماً بأنه ربما تتشارك معه بعض هذه الذائقات والحساسيات في الأصل، فقد حضر في أمسية محمود درويش مثلاُ في عمان ما يعادل عدد كافة الحضور في كافة أمسيات مهرجان جرش، كما أن مشاركة أدونيس أعطت الجمهور شعوراً برضاء حقيقي في السنة الماضية في الملاجة. وهناك بالتأكيد من سيعترض على اقتراحي هذا باعتبراه استحضاراً للسائد وتكريساً له، وبأن العمل ضمن إطار كهذا يعني أننا بدل أن نطلع وندفع جمهور الشعر إلى الأمام فإننا نعمل على أن لا ننفعه بشيء ونبقيه كما هو، يأساً منه ومن أنفسناً.. ومن الشعر الذي نكتبه ونؤمن به أيضاً. ولكن من هذا الاعتراض تأتي فكرتي الثانية المقابلة، وهي التي تنص على أن واجب الشعراء الجدد، النثريين خصوصاً، وهم الفئة الغالبة كما خبرت في كل المهرجانات التي شاركت بها، أن يراعوا نوعية الجمهور الذي يلقون أشعارهم أمامه، ويحاولوا أن يكتسبوه لصفهم، وذلك بانتقاء مختارات معينة من قصائدهم، تستطيع شد انتباه الجمهور إليهم، من الناحية الفكرية والشكلية، أي قصائد يستطيع الجمهور أن يفهمها بقدر ليس كبيرا من الجهد، ويتذوقها ويتأثر بها، وكذلك عليهم أن ينوعوا من طرق إلقائهم للشعر، وليس تلك النبرة الحيادية الباردة الخالية من كل عاطفة وشغف التي يلقي بها أكثرهم، وكأن كل ما عليهم هو أن يقرأوا ثلاث قصائد أو أربع، بثلاث دقائق أو أربع، وعلى كل شيء السلام، فنحن شعراء حداثيون نقول قولنا هذا، ولا غاية لنا إلا رضى ربة الشعر وأله القصيد.
5- وفي حمى المهرجانات في هذا الطرف النائي من العالم، حيث ربما في محافظة اللاذقية وحدها يقام عشرة مهرجانات فنية وشعبية وثقافية وغير ذلك. فإنني فوجئت البارحة بأن جريدة اللاذقية المحلية الحكومية قد نشرت خبرا مفاده أنني واحد من الأسماء المشاركة في مهرجان ( سربيون ) الثقافي، علماً بأن أحداً لم يسألني رأيي أو يطلب موافقتي ! إلا لا حقاً، عندما في ذات اليوم يحمل نفسه لعندي سهيل خليل ابن سربيون البار، ويألني إن كنت سآتي! وبدل أن أزعل من أنا، رحت اعتذر له وأطلب منه إلا يزعل مني، فأنا مشارك يومي في مهرجان جبلة، وقد رضي سهيل أن أصعد في وقت الغداء فقط.. آكل وأشرب عرق وأعود، فأنت معك سيارة راح سهيل يردد.. وهكذا قلت له : لإن شاء الله.. صدقاً سأحاول. لم يشأ الله ولم أحاول أدنى محاولةن لن ادونيس قد دعا كل ضيوف المهرجان وأسرته للغداء في مطعم العرين على حسابه.. ولن أفوت عزيمة كهذه !! كما أخبرني صديق أن هناك مهرجان في الرقة وأنا أيضاً من عداد المشاركين.. والرقاويون أصدقائي يفعلون هذا للمرة الثانيه، فقد حصل أني اعتذرت عن دعوة السنة الماضية. ولكنهم، حباً بي، أبقوا اسمي عسى ولعل أذهب.. أما هذه المرة فلم يتكلفوا حتى بالاتصال.. ويهمني هنا أن أبين أنه لا مشكلة عندي في المشاركة بأي مهرجان، وأنا أقبل بأن يضع الأصدقاء اسمي حتى دون مشورتي، لا بأس، بشرط أن أكون قادراً على تلبية الدعوة، أي كوني موجوداً في سوريا وبحالة صحية وعاطفية وأمنية ملائمة. دون أن أنسى شرطي الثابت أن لا يكون الاحتفال تحت أي يافطة رسمية أو بعثية أو أيٍّ من تلك الأشياء المقيتة التي رفضت الانطواء تحتها كل عمري.

يوم 29/8/2004 كان دوري بالإلقاء بعد عباس بيضون ومحمد مظلوم، وبمشاركاتي الخامسة للآن، أكون الأخير لا في الأمسية المخصصة لي فحسب، بل في المهرجان كله. قدم كل من بابا عباس والمظلوم، شعراً قوياً وبلغة عالية، أما أنا فقد كنت أعمم احتفائي الخاص بمرور سنة على وفاة صديقي محمد سيدة الشاعر الراحل الذي شاركنا أنا وأختي مرام مجموعة ( أنذرتك بجمامة بيضاء )، وبمرور عشرين سنة على صدور هذه المجموعة التي ما زالت في ذاكرة الكثيرين. صعدت المسرح بقليل من الارتباك وبقليل من الحماسة أيضاً، كنت أشعر أنه تنقصني العاطفة التي أحتاجها دائماً لتصديق شعري وقراءته، لذلك كنت اعوَّل على شعر مرام ومحمد كي يعطياني تلك الطاقة. ومع أني كنت أحسب حساباً خاصاً لوجود أدونيس وكذلك عباس وبقية الشعراء، إلا أن ذلك لم يجدني نفعاً أيضاً، بدأت بممازحة أو ممازحتين للجمهور، ثم رحت أقرأ بروح تكاد تكون منطفئة، ساعدني بعض التصفيق، غير المتوقع، الذي كان يتبع بعض القصائد، إلا أني أكملت تقديمي لعرضي التشكيلي، دون أن أشير بأن الرسوم التي تعرض خلفي على الشاشة لي، باعتبار ذلك بديهياً، كما أني لم أعط لها الوقت اللازم، وقمت بقراءتي الشعرية لما يزيد عن خمس وثلاثين قصيدة محاولاً حتى النهاية أن أقوم بأفضل ما أستطيع. وما أن هبطت من المسرح حتى تحلق حولي، كما حصل سابقاً في كافالا وجرش والملاجة، عدد من الحضور الذين لم يبخلوا بمواساتي فحسب، بل تكرموا أيضاً بكيل المدائح لي ولعرضي أكثر من أن تصدق، لكني كنت أحتاجها فعلاً، وصل بعضها إلى: ( لو لم تقرأ أنت في النهاية لما كان هناك شعر في المهرجان كله ) كما أني لم أعدم بعض من عبر لي عن تأثره حتى البكاء بهذا الرسم أو بهذه القصيدة !!

وهكذا انتهى، بالنسبة لي موسم مجنون من المهرجانات، رأيت بها وخبرت الكثير الكثير مما لم ولا أظن أني سأكتبه يوماً، رغم أن عنوان مقالتي هذه، ربما كان يشي بأني سأفعل، إلا أن هذا أحسب ليس من الأدب والشعر على الإطلاق. لا بل عكسه تماماً، لأني أشعر، وهذا ما لم أفعله للآن، وأظنه بات شبه دينٍ، بأنه علي شكر كل أسر ومجالس إدارة مهرجان جرش ومهرجان الملاجة وكذلك أصدقائي في مهرجان جبلة على دعوتهم وضيافتهم وصبرهم معي، أنا المتطلب البرم، الذي يهدد بكل مناسبة بترك المهرجان، حتى أني مرة هبطت من فندق طرطوس حاملاً حقيبتي على ظهري، وكأن أي من هذه المهرجانات يتوقف قيامه ونجاحه علي! أو على أي شاعر آخر مهما كان...

ملاحظات متفرقة :

1- يتفق جميع الشعراء تقريباً على أن أسوء ما في المهرجانات الشعرية، هو الشعر نفسه، وعملية إلقائه بشكل خاص، التي يقلق بشأنها أغلبهم، وربما يفكر بترك المهرجان لولا ذلك الإحساس بأنه، لمجرد قبوله المشاركة، قد علق وليس باستطاعته الفرار. أما أجمل ما في المهرجانات فهو التعرف على الآخرين عن كثب، وإقامة الصداقات، رغم أنه من الممكن أن لا تراهم يوماً بعد هذا. والسهر والحكي!! سألت عباس بيضون : ماذا يأتي بك إلى طرطوس وجبلة.. أجاب : نأتي ونحكي.
2- لا ريب أن هناك فرقاً بين أن تكون شاعراً جيداً وبين أن تكون قادراً على إلقاء أشعارك على نحو جيد! شعراء كأحمد رامي وبدوي الجبل وكذلك أنسي الحاج معروفون برفضهم لقراءة أشعارهم، وبول شاوول كان يعلن هذا حتى اكتشف أنه يقبر نفسه بنفسه كما قال ، فالرجل كان يرفض إلقاء شعره في المهرجانات والأمسيات الشعرية، بسبب رأيه أن الشعر الحديث للقراءة من الكتاب أو الجريدة لا للإلقاء أمام عموم الناس. كما أن هناك شعراء كبار معروف عنهم سوء إلقائهم لأشعارهم مثل ....
3- قد يظن البعض أن الشعراء المدعوين للمشاركة، يتصرفون بنجومية أو بطاووسية ما، كرد فعل على هامشيتهم وخفوت بريقهم الأدبي عموماً. إلا أنهم بالحقيقة ليسوا كذلك، جميعهم رأيتهم يتشاركون أخوية الشعر، لا أحد منهم يعيب أخاه على شيء ولا يعاتبه على شيء, لا بل يغضون الطرف عن بعضهم وكأنهم على اتفاق مسبق أن لا يسيئوا لأنفسهم، بل رأيتهم يدافعون عن أي منهم إذا ارتكب خطأ أو تداول عنه آخرون نقيصة ما، فإن ارتبك في الإلقاء مثلاً يقولون له، جميعنا نرتبك، ارتباكك هو ما يطلق عليه، الارتباك الشعري الجميل، وإذا جانب الصَّواب في لفظ كلمة أو تشكيل حرف، فالشعراء آخر من يلاحظ عليه شيئاً كهذا.. الجميع الجميع بدون أي استثناء يلحنون!! العربية لغة أفخاخ .. ترى !
4- بالكاد يعرف الشعراء أعمال بعضهم،وخاصة حين يكونون من بلاد مختلفة، وقد تصل الحال، إلى أن لا يعرف الواحد منهم بقية الشعراء المشاركين، حتى بالاسم. وهذا ما حصل لي حقاً في مشاركاتي السابقة التي ذكرت، حيث أني لم أكن سمعت يوماً بكثير منهم، وفوجئت بأهميتهم وبعدد مجموعاتهم. أما ما هو أكثر من ذلك، فإنني لن أخجل من كوني نسيت أسماء بعضهم، رغم أنه لم يفت من الزمن ما يسمح بنسيان كهذا. أما هم كوجوه وكبشر فلا أظنني سأنساهم قط.
5- تأخذ المهرجانات الشعرية طابع تكريس أسماء الشعراء وجعلهم مقامات، أي ما أن تكون مشاركاً في مهرجان، مهرجانين، من المفضل أن تكون على مستوى أكبر من المحلي، أي على مستوى عربي أو عالمي، حتى تصير اسماً متداولاً في المهرجانات عامة. إلا أن هذا التكريس للأسماء شيء والأهمية الحقيقية لأصحابها شيء آخر، شعراء كشوقي أبي شقرا ووديع سعادة وبسام حجار لم يسبق لهم قط أن كانوا نجوم مهرجانات، وغيرهم كثيرون. وخاصة الأجيال الجديدة من الشعراء، التي يجب أن تنتظر دورها طويلاً، ليصير بعض مجايليها من المسؤولين على هذا المهرجان أو ذاك، فتتم دعوتهم، إن استمروا، إن استطاعوا الاستمرار، لهذا العمر على عنادهم أن يبقوا شعراء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‏الثلاثاء‏، 31‏ آب‏، 2004



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صاح الحشد : اقتلوه اقتلوه
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 6 – الأخير ) – لمن ...
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 5 ) – لمن العالم ؟
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث (4 ) - لمن العالم ؟
- أطول وأَسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 3 ) لِمن العالَم ...
- أَطول وأَسوأ قصيدة في الشِّعر العربي الحديث: ( 2 ) - لِمَن ا ...
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث: ( 1 )
- شيء ضاع مني
- عُذراً محمود دَرويش: ليس بِمُكنسة بل بِمِكنَسَة
- القَصيدة المحرَّمَة - 4 من 4 )
- القَصيدة المُحرَّمة - 3 من 4
- القصيدة المُحرَّمة - 2 من 4
- القصيدةُ المُحَرَّمَة : ( 1 من 4 ) ـ
- السِّيرك
- السِّيرة الضَّاحِكة للموت
- سوريا ليست مستعدةً بعد لأحمد عائشة
- ردٌّ على ردٍّ عمومى على رسالة خصوصية 3 من 2
- ردّ عمومي على رسالة شخصية 2 من 2
- ردّ عمومي على رسالة شخصية 1 من 2
- طراطيش حول الشراكة الأوروبية السورية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - مهرجان ، مهرجون، مهرجنون !!