أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - المرأة الكاتبة















المزيد.....

المرأة الكاتبة


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3133 - 2010 / 9 / 23 - 22:47
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يشكو الكتّاب الأدباء أو الصحفيون من غياب الحرية، بعضهم يساق إلى السجن، بسبب كلمة صادقة كتبها، نظام الحكم يقوم على القوة وليس العدل أو الصدق، يفصل بين القوة والمسؤولية، الحاكم صاحب القوة لا يعاقب على أخطائه، كبش فداء يتم عقابه بدلاً منه، وزير مثلا أو رئيس وزراء أو مسؤول آخر كبير أو صغير، مبدأ النظام يقوم على ما يسمى قانون «الحصانة»، منذ النظام العبودى، يبرئ السيد المالك للعبيد والماشية والنساء والأطفال (الفاميليا فى اللغة اللاتينية)، كان للسيد الرجل أن يقتل ما يشاء من الفاميليا التى يملكها دون حساب، تطورت اللغة وأصبحت الفاميليا هى العائلة، لكن القانون والعرف والقيم والعقائد لم تتغير كثيرا، ظل الرجل الذكر هو صاحب السلطة المطلقة فى الأسرة، يبرئه القانون والعرف والشرع إن انزلق لإرضاء نزواته، متجاهلا مسؤوليته، يفقد الطفل الشرف وحقوق الإنسان بدلاً من أبيه، الذى اغتصب أمه بالقوة أو الخداع، إنه نظام الدولة والعائلة يحكم عالمنا الحديث شرقاً وغرباً بدرجات مختلفة، نظام يفصل بين السلطة السياسية (دينية أو مدنية) والمسؤولية الأخلاقية.

درجة هذا الانفصال تزيد فى بلادنا، بسبب غياب البرلمان الشعبى القادر على محاكمة رئيس الدولة وعزله، لم يحدث فى بلادنا أن أصبح لنا برلماناً قوياً، يستمد قوته من شعب انتخب برلمانه بإرادته الحرة الواعية، لم يحدث فى بلادنا أن تمتع الشعب رجالاً ونساء بالوعى أو الحرية المسؤولة، لم يسقط الملك فاروق بقوة البرلمان الواعى الحر، بل سقط الملك بقوة الجيش، تنفصل السلطة عن المسؤولية الأخلاقية فى الأسرة كما يحدث فى الدولة، تصبح المرأة أو الطفل كبش الفداء لنزوات الرجل وزلاته، لم يحدث أن ملكت النساء أو الأطفال القوة أو الوعى لعزل رب العائلة المستبد، أو تحويل مفهوم الرجولة أو الذكورة إلى معنى الإنسانية المسؤولة، تتعاون الدولة مع قوى المجتمع المدنية والدينية فى ضرب أى محاولة لتنظيم وتوعية الشعب الفقير أو النساء، يضاف إلى ذلك القوى السلفية التى ترعرعت فى بلادنا، وراحت تفرض الحجاب على العقول قبل الوجوه، مع نظم التعليم الهابطة وتوابعها من إعلام وثقافة متدهورة، تزيد من اغتيال العقول، ضمانا لاستمرار الحكم فى الدولة والعائلة، أصبح الكاتب الصادق الحر فى بلادنا معرضاً للسجن أو النفى أو الاتهام بالكفر والإلحاد، إلا أنه يظل يتمتع برجولته، بل تزيد الرجولة أو الذكورة بازدياد التحدى لقمع الدولة، قد يحظى الكاتب الحر بلقب البطل المناضل، تفخر به زوجته وتتفانى فى خدمته، توفر له الراحة فى البيت، ترعى أطفاله وتطبخ طعامه، تقدم له فنجان الشاى فى سريره، تبعد عنه ضجيج العيال، ليكتب ويبدع.

أما المرأة الكاتبة المتحدية للسلطات الباطشة، فهى تفقد ما يسمونه الأنوثة، بالإضافة للعقوبات الأخرى التى يتعرض لها زميلها الكاتب، مثل السجن أو المنفى أو الاتهام بالكفر أو غيره، فى البيت لا يوفر لها زوجها الراحة والهدوء لتكتب، بل يطالبها بواجباتها الزوجية، الطبخ والغسل ورعاية الأطفال، لا يحضر لها فنجان شاى فى السرير بل يؤنبها، لأنها لم تحضر له الفطور، وقد يعككن عليها عيشتها إن تفوقت عليه، قد يهجرها أخيراً إلى امرأة أقل منه تتولى خدمته.

«المرأة الكاتبة» كلمتان لهما رنين فى الأذن غريب، ليس مثل المرأة الأم أو الزوجة أو الخليلة أو الخادمة أو الغسالة، وغيرها من المهن التى تتدرب البنات عليها منذ الطفولة، لا يرتبط مفهوم الأنوثة أو طبيعة الأنثى بطبقة معينة، ليس القلم الذى يكتب ضمن أدوات الأنوثة، بل القلم الذى يرسم الحواجب، أو قلم الروج الذى يلون الشفاه، أو المكنسة أو الممسحة أو المغرفة أو إبرة الخياطة أو فرشة دعك المراحيض، تختلف أدوات الأنوثة قليلاً باختلاف الطبقة، تقوم الخادمات الأجيرات بدعك مراحيض الأغنياء، تتحرر المرأة الغنية من عبودية العمل القذر، لكنها تظل أنثى، تدعك جسدها بالكريمات، تنتف حاجبيها، تتراقص فوق كعبها العالى، تتغطى لترضى المتدينين، أو تتعرى لترضى السوق الحرة والبورصة، هى أنثى إن هبطت أو ارتفعت، سجينة الأنوثة بمفهومها السائد، سجينة الزواج والخدمة والأمومة والطاعة والميوعة، المراوغة، التغطية، التعرية، التدين الزايد، الإغراء الفاسق، وكل ما يندرج تحت الأنوثة، وأدوار الأنثى المعروفة، إلا الكتابة، فهى عمل رجولى ذكورى، يتناقض مع الأنوثة الطبيعية.

قال توفيق الحكيم رائد الكتابة الحديثة فى بلادنا: العقل يشوه جمال المرأة، المرأة الكاتبة قبيحة لأن الكتابة قمة العقل، ماذا يقول الآخرون من الرجال المتعلمين أو غير المتعلمين؟

قلت لتوفيق الحكيم، العقل زينة الإنسان رجلا كان أو امرأة، الحيوان أيضا يزينه العقل، الكلب الذكى أجمل من الكلب الغبى، كان توفيق الحكيم يضحك ويقول: المرأة الذكية الجميلة نادرة وخطيرة يخافها كل الرجال، فما بال المرأة الكاتبة حمانا الله من شرها.

فى يوم وأنا أقود سيارتى، بعد انتهاء اجتماع لجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، (كان يرأسها توفيق الحكيم)، رأيته واقفا فى الشارع ينتظر تاكسى، فتوقفت وعرضت عليه أن أوصله، كان بشعره الأبيض يشبه أبى، صاح توفيق الحكيم: لا لا يمكن أركب مع كاتبة تقودنى إلى الهلاك.

يخاف الرجال المرأة فما بالك بالكاتبة؟ هذا الخوف الدفين المدفون فى أغوار الرجل البدائى، سبقت حواء آدم إلى ثمرة المعرفة، قد يتصاعد ذكاؤها لتقطف من شجرة الحياة، فتكتشف سر الخلود وتصبح مثله خالدة، المعرفة أو العقل الذكى هو خطيئة حواء، وليس الجنس كما تصور بعض المؤرخين، منذ تبدأ المرأة الكتابة الأدبية يخاف منها الأدباء قبل غيرهم، قد يمتلك أحدهم الشجاعة ليصبح صديقاً أو زميلاً، قد يتجرأ أكثر ويعلن عن حبه لها، لكنه حب مشبع بالخوف، والتردد، والشك، لا يقدم على الزواج منها، لأنه مثل توفيق الحكيم يريد زوجة ليس لها عقل، لا يحتمل الرجل الحياة مع زوجة مساوية له، فما بالك بكاتبة أذكى منه؟

لهذا يعيش أغلب المبدعات فى العالم دون زوج، وإن تزوجت فهى تضحى بالإبداع من أجل رجلها وأطفالها، لا يضحى الرجل بالإبداع من أجل زوجته وأطفاله، بل يعطيه المجتمع حق التخلى عن مسؤوليته الأخلاقية تجاه أسرته، فهو مبدع فنان بالإضافة إلى كونه رجلاً ذكراً، له حرية العربدة والفخر بلقب «زير نساء».

انفصال السلطة عن المسؤولية، أو انفصال السياسة والدين عن الأخلاق، من أهم سمات الهزيمة فى أى بلد.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة
- حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القا ...
- أنا أكتب إذن أنا أعيش
- خلايا العقل المظلمة
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء
- حجاب العقل.. أخطر
- المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط و المسيار أفضل من الزوا ...
- د.نوال السعداوي: مصر لا تستحقني.. وأنا -قرفانة- من الجنس
- النساء ضحايا الاستغلال الاجتماعي
- المراوغة في فكر النخب المصرية السائدة
- ما يستحيل أن نعرفه ما يستحيل البوح به ،
- حروب ضد العقل يخوضها قتلة .. والضحايا نساء وأطفال
- هل كانت سيمون دوبوفوار متحررة ؟!
- من هن أقوى نساء العالم ؟


المزيد.....




- انضموا لمريم في رحلتها لاكتشاف المتعة، شوفوا الفيديو كامل عل ...
- حوار مع الرفيق أنور ياسين مسؤول ملف الأسرى باللجنة المركزية ...
- ملكة جمال الذكاء الاصطناعي…أول مسابقة للجمال من صنع الكمبيوت ...
- شرطة الأخلاق الإيرانية تشن حملة على انتهاكات الحجاب عبر البل ...
- رحلة مريم مع المتعة
- تسع عشرة امرأة.. مراجعة لرواية سمر يزبك
- قتل امرأة عتيبية دهسا بسيارة.. السعودية تنفذ الإعدام -قصاصا- ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - المرأة الكاتبة