أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - المصنع














المزيد.....

المصنع


شريف السقا

الحوار المتمدن-العدد: 3129 - 2010 / 9 / 19 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


تهادي ذلك الباص الحديدي المتهالك حتي توقف مصدراً صوتاً بشعاً كأنه يحتضر ...تقاطرت منه الوجوه المكدودة ببطء كأنها شياه ذاهبة إلي الذبح ...مستسلمة ...طائعة....عبر تلك البوابة الحديدية التي أكلها الصدأ حتي أتي علي معظمها تماماً كما أتي علي ذلك القطيع البشري منذ أمد بعيد فحولهم إلي ظلال تمشي علي الأرض تجرجر اقدامها نحو الهاوية .....علي يمين البوابة جلس الحارس العجوز مشعلاً ناراً ليستدفيء بها و ينظر إلي الفراغ ...ذلك المصنع الذي إقتات علي البؤساء إمتص رحيق الحياة منهم ثم لفظهم ككومة عظام نخرة تعبث بها الرياح و لا تقوي علي شيء ....



لقد فقد تعاطفه معهم منذ زمن ليس بقصير .....لم يعد يسبغ شفقته علي أحد ....

تذكر كل ذلك ثم تنهد تنهيدة طويلة بأسي ثم إنصرف ليكتب اسمائهم في كشفه ليعرف القائمين علي المصنع الخرب من من العبيد أتي و من إمتنع عن الحضور .....

ذلك المصنع الذي لا ينتج إلى القليل و يعلو ماكيناته الغبار و الصدء و تضفر في جنباته الرياح لتعلن موته القديم لكن الجميع يحضر كل صباح .....يتكدس العمال في العنابر ليفترشوا الأرض ....يجلسوا لشرب الشاي و التدخين و ينطلقوا يتحدثون مثيرين جلبة في الأنحاء ....و منهم من يمدد جسده المنهك علي الأرض و ينام بجوار الكائنات الحديدية الميتة التي كانت يوماً ما تنبض بالحياة ......

لا يهم كل ذلك المهم إن يكتب اسمائهم كل صباح ...فالإدارة تشدد علي ذلك ....فهي السيد و كل سيد يجب إن يعرف عدد عبيده حتي يعاقب العاصي منهم ....

كانت السماء حبلي بالمطر و توارت شمس ذلك إليوم و عربدت الرياح في جنبات الجدران الهرمة لتبعث في النفوس ذلك الشعور بأن هناك شيء ما علي وشك الحدوث قادم من الأفق .....

إنزوي بعيداً يحتسي الشاي ممسكاً بالكوب بكلتا يديه لعله يدفئه في هذا البرد ...نظراته تجوب المكان بلامبالاة لما هو موجود حوله ....لقد اعتاد علي رؤيته منذ سنوات
بعد قليل مرقت عدة سيارات تتقدمهم سيارة سوداء و الخاصة برئيس مجلس إدارة المصنع يجاوره فيها المدير و اللذان لا نراهم إلا نادراً أو في مطلع الأعياد و بعدها سيارة المأمور بلونها الأزرق الكالح يجاوره فيها شيخ الجامع العتيق و تذيلت الركب سيارة نصف نقل تحمل ثوراً ذو لون اسود غطيس كلون الإيام .....

ترجل الركب و هب العمال ليروا القادمين بشغف ....ففي تلك البقعة من البلاد قلما يحدث شيء ...فكل الإيام تتشابه و يكون لها نفس الطعم ....

تقدم شيخ الجامع العتيق ليخطب في الجمع المحتشد و الذي ينظر ببلاهة و بعيون نصف مفتوحة لما سوف يجري في تلك الساحة الجدباء ....

إفتتح الشيخ كلامه بالبسملة و أخذ يرغي و يزبد كعادته يمتدح رئيس مجلس الإدارة و السيد المدير و اعقب ذلك برفع يديه المعروقتين إلي السماء في رياء زائف شعر إنه إشتم رائحته النتنة ....كان يشكر السماء علي إظهار براءة الرجلين من دنس تهمة الفساد و سرقة معدات المصنع الخرب تحت جنح الليل البهيم ....و إندلق كلام كثير من شدقيه حتي يرضي سادته في خضم ذلك هبط غراب علي السطح ناعقاً ليتوتر الشيخ و يظهر ضيقه علي وجهه المتجعد ليهتف في الناس إرجموا هذا الفاسق فأنه نذير شؤم و خراب .. إندفع البلهاء في قذف الطائر بالحجارة ليطير ليس ببعيد لينعق مرة أخري متحدياً ..يستكمل الشيخ كلامه تحت ضغط الضيق و ختم كلامه بتحية خاصة لذلك الوحش المرتدي الملابس العسكرية لسهره علي حماية الناس و الممتلكات ....ود لو بصق عليهم كلهم ...كان الأمر لا يطاق و كلمات النفاق سعت كثعابين سامة تلتف حول الرقاب نافثة سمها في أذان الناس .....

كم كره هذه الوجوه اللامعة ذات الأحذية البراقة التي يندر إن تراها أو تري اصحابها في تلك النواحي البائسة.....تنضح وجوههم بموفور الصحة و ينز منهم كل الحقارة البشرية .....

تم سحب الثور ليتوسط الساحة....و أخذ الجزار في التبختر حوله شاهراً شفرته الحادة و ما هي إلا لحظات حتي شق حلق الحيوان فسقط صريعاً يتخبط في دماؤه .....و دمه يشخب بغزارة علي الأرض وسط تهليل البؤساء حوله ....تناول بعضهم طستاً متسخاً ليملأوه بالدماء الطازجة ليغمسوا أيديهم فيها و يزينوا تلك الجدران المتهالكة بخمسة من ايديهم لتقي المكان من الحسد ......

جاهد نفسه لكبت رغبته المتنامية في سبهم أجمعين ....أي حسد سيصيب هذا الخراب ؟.....إندفع بعض العمال ليرفعوا الذبيحة ليعلقوها مع الجزار أو ربما رغبوا إن تلمس ايديهم ذلك القربان المقدس .....علق الحيوان الذي كان ينبض بلحياة منذ قليل و قام الجزار بستعرض مهارته مرة أخري ليشق الذبيحة لتندلق أحشاؤها خارجاً ......

انفجرت السماء الحبلي بالمطر لينهمر بغزارة كأن السماء تعلن رفضها لتلك الذبيحة ....هيأ إليه إن السماء تمطر دماً.....تساقط الماء علي الدم المتخثر علي الأرض ...ليصبح خليط الدم و الوحل هو السائد .....

إختفي القادمون كما جاؤا ما عدا شيخ الجامع وقف منتظراً نصيبه من اللحم الطازج بنفاذ صبر واضح .....

بدأ التقطيع وسط صياح الناس و تهليلهم .....

تباً لهذا البؤس إنه يمتطي ظهور الناس جادلاً سوط الفقر ليلهب به ظهورهم بلا هوادة ....يجبرهم يجبرهم علي الإنحناء حتي يصبحوا أقواساً....يجروا اقدامهم و جباههم تحف في الأرض .....

كم هي قبيحة تلك الحياة ....عجوز شمطاء لا ترحم ....تستمتع بصرخات البؤس و تنتشي بألم الناس و ترقص علي أنقاض أحلامهم ...حتي إذا ارتوت سلمتهم إلي الموت ليبتلعهم ضاحكاً ......

قارب النهار علي الإحتضار و تفرق الجمع يحملوا لفافات اللحم ...خارجين من البوابة ....ليعتقلهم مرة أخري ذلك الباص الحديدي ليعيدهم من حيث أتوا ......جلس محتضناً لفافته التي تقطر لزوجة علي يديه ......إرتسمت علي وجهه شبه إبتسامة ....و أخذ الباص يترنح بصفاقة عائداً به إلي أول الطريق الأسفلتي الذي يؤدي به إلي قريته البائسة



#شريف_السقا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحلة
- مرض الرجوع إلي الخلف
- عدالة البؤس و بؤس العدالة
- الشرخ
- الفراغ
- داخل الغرفة
- أتذكر ؟
- كازابلانكا
- كلب السيد
- أميرة الأمل
- العزلة
- سفر الخروج
- فارس لا يموت
- روليت
- درج الذكريات
- قصة جارية
- مدينتنا و قميص عثمان
- كفتة و حواوشي أونلاين
- عملية إنقاذ اللواء خميس اونلاين
- الطابور الخامس


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - المصنع