أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ياسر العدل - كانون الحطب














المزيد.....

كانون الحطب


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18 - 11:34
المحور: كتابات ساخرة
    


فى طفولتى، كنت أخشى ساعة العشية من ليلة كل عيد، وأخاف ساعة البدرية من صباح كل يوم جمعة، ففى تلك الأوقات تطفئ أمى آخر ( بصبوص) نار فى كانون الحطب وسط دارنا، وتدخل حلة نحاس مليئة بالماء الساخن إلى قاعتنا الطينية، تسحبنى من نومى، وتخلع جثتى من هدومى، وتدفعنى لأقف عاريا وسط القاعة فى طست النحاس، تدلق الماء الساخن بكوز صفيح على جسدى، وتدعك رأسى بصابونة غسيل تلسع عينى رغوتها الحامية، وكلما علا صوت بكائى، تدغدغنى أمى عند الضلوع، فأهش للحظات وأعاود البكاء، واسمع أمى تدعو لى بطول العمر وعقبى الهناء فى حمامات الزواج والعيش سعيدا فى المدينة.

فى صباى، انطلقت مع الرفاق بعيدا عن كانون الحطب، نستحم عندما يحل بالقرية عيد أو يباغتنا ارتداء ملابس جديدة، وحين يدخل الصيف تبدأ مواسم حماماتنا العارية المفتوحة، نستحم بمياه الحكومة فى دورات مياه المساجد، ونستحم بمياه الأهالى فى بطون الترع والقنوات والمصارف، فى المياه الضحلة نطرد كلابا وحميرا تستبرد على الشاطئ ونحتل أماكنها ونتعلم السباحة، وفى المياه العميقة نركب البقر والجاموس، نعوم ممسكين بالذيول والأذن والرقاب، نتقاذف بالطين ونتأرجح بفروع الأشجار.

مرت سنوات وأصبحت زوجا أبا عيال أسكن المدينة، تهاجمنى إعلانات رقيقة لأناس يستحمون بالمياه الساخنة فى التلفزيون، وتملأ رؤوسهم رغاوى صابون لا تلسع عيونهم، وحين كبرت المسألة فى دماغى قررت الاستغناء عن كانون الحطب وشراء سخان مياه كهربى صنع فى مصر.

فى معرض بيع ضخم، أقسم البائع برأس أمه الغالية، بأن ضمان صلاحية السخان خمس سنوات، فاشتريت السخان، إلا انه وقبل مرور سنتين ونصف تسربت المياه من السخان مليئة بالصدأ والبرودة، فدفعتنى زوجتى خارج الشقة، حاملا السخان إلى مركز خدمة الصانع، وبسرعة قرر خبراء الصانع أن مياه الشرب التى تدخلها الحكومة فى صنابير شقتنا، وندخلها نحن فى بطوننا هى مياه مليئة بالأملاح والرواسب، أفسدت السخان وحولته إلى قطع من الصدأ، وتبارى الخبراء فى إلصاق التهم بى، فأنا أسأت تركيب السخان الذين قاموا هم بتركيبه، وأنا أسأت استخدامه بأن جعلته يسخن مياه الحكومة القادمة من صنبور شقتنا، ولما وجدت نفسى محاصرا بتجنى الخبراء وجثة السخان ودفع التهم وتكبير الدماغ، اضطررت لشراء سخان جديد بنفس الثمن ومن نفس الصانع.

دخلت على زوجتى حاملا السخان الجديد مع نصف كيلو كباب وكفتة، قاصدا عودة الوُد بيننا مع افتتاح العمل بمياه الحكومة الساخنة، وحين أدارت زوجتى الأمور فى رأسها، اتهمتنى بالضعف والغش، وبأننى متواطئ مع التاجر وأرمى فلوس عيالنا على الأرض، ذلك بأننى دفعت ثمن السخان مرتين مقابل تسخين المياه طوال خمس سنوات.

أنا عاوز فلوسى من قلب لصوص مدلسين، شعارهم صنع فى مصر، وسأصنع كانون حطب أهرش حوله جسدى وأستحم بمياهه الساخنة، فذلك أفضل جدا.



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتراح ثقافى
- أنا إتسرقت
- رحلة إفطار
- رمضان كريم أحيانا
- ثقافة التحول المهنى
- البحث عن ثقافة
- منهج التقدم
- إدانة انتخابية
- الصياح بالتغيير
- مٌسجًل خطر
- حٌمىً وظيفية
- التفكير بالوكالة
- تنشيف ريق
- أبو العريس
- الردع بالمعرفة
- خطاب الجامعة الثقافى
- فلوسنا ورق
- الناقة سافرة تأكيداٌ
- إنهم لصوص
- هوجة الفتاوى


المزيد.....




- روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن ...
- من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ياسر العدل - كانون الحطب