أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون















المزيد.....

-النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 13 - 16:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شاع، وحاز على شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة، "المنهج" الذي يفسر أوضاع مجتمعاتنا المعاصرة بالثقافة، وبخاصة بالدين. ولقد التقت عوامل متعددة لتفسير شعبية هذا المنهج الثقافوي. منها كونه شرح شامل وبسيط معا لأوضاع معقدة تبدو أنها بلا مخرج. ومنها انتشار النزاعات الدينية والطائفية في منطقتنا في العقد الأخير،وتنامي حضور التمايزات الدينية والمذهبية في الوعي العام. ومنها شيوع نظرية صراع الحضارات، وهو نظرية ثقافوية وطائفية في النظام العالمي. وليس أقلها شانا شبكة الانترنت العصية على مراقبة السلطات السياسة والدينية من جهة، والتي "دمقرطت" الكتابة، وأتاحت فرص نشر وتعبير عن الرأي لعموم الجمهور المتعلم، لكن مقابل تخفيض المعايير المعرفية والأخلاقية للكتابة، وجعل هذه تعبيرا شبه مباشر عن الأهواء والهويات. ثم إن الثقافوية هي المنهج التفسيري الطبيعي للإسلاميين، وهم من أكبر المستفيدين من ثورة الاتصالات، الانترنت والأقنية الفضائية بخاصة. وهذا كله في مجتمعات لم تتعود على القراءة والتفكير المنضبط، وخبرت طوال جيل تدهورا في قيمة وحضور الإيديولوجيات الوطنية واليسارية التي لطالما نظرت شزرا إلى الهويات الفئوية ودفعتها إلى نطاق المكبوت.
ويبدو أن نوعية الطلبات الاجتماعية على الثقافوية تفاقم من تبسيطيتها المتأصلة، وتصيب بعدواها حتى نسخا عالمة منها ازدادت شيوعا في السنوات الأخيرة. لن نجد حتى هنا تحليلات متأنية تدمج مدخلات اقتصادية واجتماعية وسياسية وجغرافية وديمغرافية في التحليل. عصر الانترنت والفضائيات هو عصر الاستهلاك المعرفي التبسيطي، وهو ما تدفع ثمنه المقاربات الأكثر تركيبا وجدية.
لكن ربما تستأنف الثقافوية تقليد تبسيطيا عربيا أعرق. قبل جيل من اليوم كانت مهيمنة في أوساط المثقفين "النظرية المادية في التاريخ" التي تُحيِّد تماما العناصر الثقافية والدينية، وتعتبرها "انعكاسا" لأسس مادية تستأثر وحدها بالفاعلية التفسيرية. وليس إلى غير نظرية التاريخ المادية هذه أحال مؤخرا أحد وكلائها السابقين، وأحد أعلام الثقافوية حاليا لوعي موقعه، كأنما لا بديل عن تبسيط غير تبسيط آخر، وعن تفسير أحادي غير تفسير أحادي يشبهه. ألا تبقى الذهنية نفسها في الجوهر؟ وهل يحتمل أن "النظرية المادية في التاريخ" كانت بديلا عن معرفة التاريخ على ما قال إنجلس يوما، مفسرا يسر تقبل التفسير الاقتصادي للتاريخ من قبل كثيرين في زمنه؟ وهل يحتمل أن شعبية النظرية المادية لدينا قبل حين تعود إلى تحولها من دائرة المفاهيم والمعرفة إلى دائرة الرموز والهويات، فكان أن ساعدت في تعريف القائلين بها وتمييزهم عن غيرهم، بينما أُهدرِت طاقاتها التفسيرية المحتملة؟ وهل يفسر هذا سهولة التخلي عنها والانقلاب إلى نقيضتها الثقافوية دون إشكال، ما دامت الوظيفة الاجتماعية (ضمان الهوية النخبوية) ظلت محفوظة في الحالين؟
وغير ما يحتمل أن تكون أوجه قصور نظرية في "النظرية الثقافوية في التاريخ"، فإن لها وجها عمليا يتمثل في "ثقفنة" الصراعات الاجتماعية والسياسية والدولية أو تديينها. أعني أنها هي ذاتها مساهمة في صراعات اجتماعية وسياسية مستعرة في مجتمعاتنا اليوم، وكذلك في العالم من حولنا. وأكثر من ذلك، من شأن ثقفنة الصراعات، وبخاصة تديينها، جعلها ممتنعة على أية حلول سياسية، صراعات مطلقة بين مطلقات. وهو ما يبدو أن الثقافويين، الإسلاميين منهم والعلمانيين، يرتاحون إليه. التسوية ممتنعة بين المطلقات والحل الوحيد لصراعات كهذه هو حل الخصم، أي إبادته. بقدر ما يمكن استخلاص سياسة عملية من مذاهب الثقافويين، فإنها تزكي تحطيم الخصوم أو "استئصالهم".
وبالعكس، يبدو أن الصراعات التي تمتنع على الحل، أي على المعالجات السياسة، تجنح إلى التحول إلى صراعات ماهوية أو دينية. هذا ما يمكن استخلاصه من مسار الصراع العربي الإسرائيلي الذي تقوده اليوم منظمات دينية، بعد فشل قيادة المنظمات العلمانية، وقبلها الدول الوطنية، العلمانية مبدئيا. ولعله يفسر أيضا الوزن الكبير للإسلاميين في المعارضات العربية. لطالما انتعش الدين وانتشر في ظل الاستبداد. لديه استعداد غريزي لذلك.
لكن إذا كانت الثقافوية منهجا قاصرا وتبسيطيا، فهل يعني ذلك أنه ليس للثقافة أثر في صنع أوضاعنا المعاصرة وتشكيلها؟ وإن لم تكن الثقافة هي "السر" الذي اكتشف أخيرا وراء تخلفنا وبؤس أحوالنا، وإن لم تكون كذلك مجرد انعكاس سلبي لبنى مادية فعالة، فكيف نتصور دورها؟ وهل يعقل أن للثقافة والدين، للذهنيات عموما، الدور نفسه في المجتمعات كلها، في مجتمعات رأسمالية متطورة كما في مجتمعاتنا المعاصرة، فضلا عن القديمة؟ وهل ماركس محق في القول إنه حتى حين تكون السياسة والدين هي العوامل الرئيسية في حراك المجتمعات (الإقطاعية الأوربية في العصور الوسطى)، فإن مستوى تطور القوى المنتجة ونمط الإنتاج المادي هو ما يفسر ذلك "في التحليل الأخير"؟
ليس هناك طرح للقضية على الصعيد العربي في حدود ما نعلم. هذا رغم انتشار الثقافوية الكاسح في العقد الأخير. وإذا كان غياب التساؤل هذا يحكم على الثقافوية بأن تكون نظرية غير واعية بذاتها، تفسيرا عاميا لا ينعكس على ذاته ولا يطرح ذاته للتساؤل، فإن الشرط نفسه يرهن جدوى نقد الثقافوية بطرح هذه المسألة والعمل على إضاءتها، بما في ذلك تفسير الظروف التي منحت الثقافوية هذا الانتشار الكاسح.
لسنا في وضع من يحسم في الأمر في مقالة، لكن نتصور أن أقوى مسوغ لنقد الثقافوية هو تكوين فكرة أصح عن مشكلاتنا الثقافية وعن دورها في توجيه سلوك الأفراد والجماعات والمجتمعات. ننتقد الثقافوية ليس لأنها تفسير أحادي مبالغ فيه فقط، ولا لأنها منهج للانسداد النظري والعملي يجعل الصراعات الواقعية أكثر استعصاء على الفهم وعلى المعالجة، ولا لأنها تستغني بآلية تفسيرية مبسطة عن معرفة الواقع التاريخي، وإنما كذلك لأنها تحل اللوم وتحميل المسؤولية والتبرير محل التفسير والشرح: عقولهم المضروبة هي السبب في مشكلاتنا. هذه السمة الإضافية للثقافوية العربية المعاصرة هي ما تسهل تجنيدها في الصراعات، الطائفية المحلية والعالمية (صراع الحضارات).
لكن ليس ثمة ما هو أكثر ضلالا من القول إنه ليس لنوعية أفكارنا ومعتقداتنا دور في تشكيل تفاعلنا مع العالم والأوضاع العيانية التي نجد أنفسنا فيها. الخلل في "النظرية المادية في التاريخ" يتمثل في أنها تهمل أن تأثير "البنية التحتية" على أفعال الناس خياراتهم السياسية وأفكارهم يتم بتوسط بنية معتقداتهم ومضامينها النوعية. وهذه تختلف باختلاف المعتقدات نفسها، وباختلاف الأطوار التاريخية لنفس المعتقد. وإنما لذاك يحوز الإصلاح الثقافي والديني قيمة أساسية. ولذلك أيضا نهتم بنشر المعارف والثقافة وتعميم التعليم.
الثقافة مهمة، لذلك لا ينبغي أن تترك للثقافويين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر
- الدولة، الدولة أيضا، الدولة دوما
- في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟
- في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي
- في الواقع لا في النص: أيّ يسار، أين، وأية سياسات يسارية؟
- أربع صيغ للنزعة المحافظة... ثلاث منها عالمة
- من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين
- هل أوضاعنا جامدة بالفعل، لا تغيير فيها؟
- في معنى أزمة الثقافة ووجوهها وحصائلها
- محمد عابد الجابري ونهاية الموجة التراثية
- هل من الممتنع تصور إيران نووية متفاهمة مع الغرب؟
- في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون