أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير زعبيه - قريبا من البحر ( قصص قصيرة )















المزيد.....

قريبا من البحر ( قصص قصيرة )


بشير زعبيه

الحوار المتمدن-العدد: 3122 - 2010 / 9 / 11 - 11:17
المحور: الادب والفن
    



- لنلق به فى البحر ..
صاح أحد الهائجين معززاً ما يعنيه بحركة إيمائية من يده ..
- جرجروه ..
وبدأ باليدين معاً يفسح بعنف مجالاً وسك الحشد الساخط وكأنه يؤكد للجميع أن ماسمعوه لم يكن رأياً في الهواء بل هو قرار ملزم .. وها هو يتجه نحو الجسد الذى انتفض فى هذه اللحظة كديك يذبح ناثراً رذاذاً من دم حار على الوجوه التي لازالت تأخذ شكل التحفز شاهرة هرى وحجارة ، ثم تصدر عن الجسد بحة مكتومة وتتقلص عضلاته حتى ليكاد الرأس أن يصدم الركبتين قبل أن يهمد وينقلب على ظهره فارداً ذراعيه وهو فى عريه الفاضح كما المسيح أنزل لتوه من على الصليب ..
***
عاد قبل صيف .. همّ في القلب ووهم فى الرأس وأِشياء حملتها الحقائب،قال ستكون والبحر مآلي الممكن وموطن الملاذ،قال لن يكون للأصدقاء رائحتهم القديمة ولا أتساع الفرصة قائماً للمسرة .
اعوذ بالبحر .. حمل الصنارة وجلس .. استهوته العادة فى الأيام الأولى ونشوة التمكن من الفريسة ..لكنه الآن فى هذا المكان المطوق بالصمت إلا من خرير خافت يحدثه تشعب الماء فى تجاويف صخور قريبة ، ويصخب الصوت كلما زحفت موجة ، ويشتد عند انكسار الموج على الموج ثم يخفت ، ويخيل إليك أنك تسمع إيقاعا بطيئا منتظما كذلك الصدى الذى يأتيك من بئر عميقة كلما ألقيت حصوة واصطدمت بالماء ..
لاسمك فى مدى الرمية .. ولاصيد فى الرأس كما كان يحلم ..لكنه نفسه الأفق امامه غائم او هكذا ينتبه اليوم إلى ان لوناً ما صار يتشكل واضحا هناك .. أزرق باهتاً ..رمادياً .. أو الاثنين معًا ..
لاسمك .. يدرك ذلك رغم هذا الطقس البوذي – بجلسته وجوعه .. وتلك الحكمة التى ترسمها العينان المتأملتان مع الصمت الساكن على الوجه ..
يدرك أيضا أن مايفعله الآن – القصبة المتأهبة وإغراء الطعم والرمية الخبيرة – لم يعد يعني بالضرورة أن شيئا محدداً فى الماء يعنيه .. لاأهتزاز الخيط الساقط من رأس القصبة نحو العمق ولا تلك الرعشة الساحرة فى البداية .
كم زمن مر ..
كم شكل للبحر ..
كم رائحة ..
كم همّ ..وكم صديق ..
***
رائحة البحر طاغية فى هذه العصرية من منتصف صيف .. تلك الرائحة التى تداهمك لتوقظ فى كل خلاياك ذكرى شئ ما فقدته وتدفعك بشوق مباغت لأن تتطلع نحو ذلك المدى الأزرق الجليل الذى يأخذ فى مثل هذه الحالة لوناً قاتما يذهب نحو الرمادي الغامق ..
وهناك على مسافة مائتي متر وانفصاد الدم ينحسر الحضور المفاجئ للبحر . وكأنما المكان غير المكان .. وكأن حركة الموج قد تراجعت إلى الخلف وانكمش البحر فى لحظة مذهلة حول نفسه ليستجمع كله فى بقعة قرب المنتصف ثم يستحيل إلى عمود من بخار ضبابي يمتد من تلك البقعة متلاشياً نحو السماء .. ولايبقى سوى مدى هائل من الطين الرمادى الموغلة أطرافه فى سواد بعيد ..
لكن هذا الصوت الهائج :
- جرجروه على بطنه وألقوا به فى المالح هناك ..
ويخترق الحشد المتحفز ويندفع حاني الظهر ورأسه إلى الأمام كخنزير بري اكتشف مصدر الرصاصة المهلكة ..
وينقض ليفسد شكل الصليب فى الجثة .. وبنفس الاندفاع الخنزيري يسحب اليد المفرودة التى ارتخت فى نصف إغماضة .. وبقوة كأنه استجمع فيها هيجان الحشد المحيط يجرها ، فينجر وراءه باقي الجسد وتدور الجثة غصباً حول نفسها حتى يأخذ الرأس اتجاه مساحة الطين التى كانت بحراً قبل قليل .. وبدت اليدان الساحبتان وكأنهما قد أنبتتا فروعاً من الأيادى . . عشرات .. طوقت معصمين مستسلمين .. لو أتيح سترى الكفين قد حال لونهما إلى أصفر مبيض وحافظت الأصابع المرتخية على نصف الإغماضة ..
وينجرّ الجسد العاري .. ويتزحلق أحياناً على الظهر فوق تراب أحرقته شمس هذا اليوم الجحيمي .. ويتعثر حيناً عندما يعترضه حجر او نبتة من تلك الأعضاب التي اعتدت أن تراها كحزم صغيرة مبعثرة فى أرض تجاور البحر ، فيأخذ الجسد وضعا جانبيا ليعود مرة اخرى على الظهر .. فيبدو المشهد من فوق كحشد نملي يجر فتات شيء نحو مغارة ليست بعيدة ..
بالحياة فيه وتلك الصخور شاحب لونها ونحتت عفوية الريح من بعضها وجوها مرعوبة وأخرى غامضة .. فى اليوم الأول سكنته لذة الاكتشاف والاستسلام لشمس له وحده وكأن البحر هنا لم يكن هو فى المدينة .. وقبلها :
- ضاقت الخيارات با أصدقاء ..
بدا متعباً حين قالها وكأنه يستكمل بملل فكرة أعلنها .. فىآلية .. تحركت الأعناق بحركة جماعية بطيئة نحوه ثم عادت إلى وضعها السابق .. ولاحظ خلال ذلك بلادة في العيون استفزته فلوح بحركة من يده فى الهواء وارتسمت على وجهه ملامح عابسة .. فسروها اتهاما فردوا بصوت جماعي وبمبررات محفوظة كان يستجيب لها فى أول الصدام كأنها اكتشاف يخضعه للاقتناع ، لكنها اليوم بدت كوجوه أصحابها لاتحمل لونا واضحاً سوى ما يرسمه العجز ومحاولات الهروب اليائسة .. تلك هي القناعة التي حولها إلى قانون يفرض أحكامه المسبقة دون تراجع على هكذا مواجهة .. لاتهم معطيات الدفاع ولا المبررات .. كل شيء مهيأ ليبرر ..كل خراب .. كل حبل يطوق العنق .. كل أمرأة تتلوى وحيدة إلا من بقايا قهر ؛ ومشهد الدم الواضح بين الجسد وليونه القميص .. ما من احد لا يستطيع استحضار عشر حجج للدفاع عن موقف .. وأنت إما ان تسحب قانونك وتكتب بخط عريض فى الهواء ( الجميع على حق ) او أن تقل كلمتك وتذهب .. وها أنت ذاهب ..
لازال فى الوقت متسع لقرار الخطوة التالية .. ستكتشف هشاشة الحصار والزاويا التى تضيق ..ابدأ بهذا الحذاء ، خلقت القدم الحافية لهذا التواصل بين دفء التراب وتسرب النشوة إلى الأطراف .. ثم إلى الرأس الذى يميل نحو احد الكتفين ليسمح لحركة الذراعين بالتخلص من القميص الوحيد .. خيل إليه أن قامته قد زادت انتصاباً لابد أنها لفحة الشمس على الصدر العاري اوانتظار ما سيكون .. أصابع اليدين تسقط زاحفة نحو الجذع .. أسفل البطن .. وينزلق آخر ثوب ..
يخطو خطوتين او ثلاث فى الاتجاه المعاكس للبحر ثم يتوقف ويسحب بكل ماتستوعب الرئتان شهيقاً ، ويشعر خلاله أن قامته قد تمادت حقيقة فى الارتفاع .. تتحرك القدمان الى الأمام وكأنهما تلقتا أمراً واضحا ومحددا ، وتنصاع الساقان فوراً فينتظم إيقاع الخطى ، ويبدو هو بهذه الضخامة العارية كتمثال إله إغريقي جاء به البحر فدبت فيه الروح مذ لامس دفء الرمل على الشاطئ وخطر له أن يستكشف وهم ماكان فيما مضى خاضعاً لمشيئته ..
عري فاضح يستفز الوجوه المنحوتة على الصخر و يهيج وجوهاً شبيهة تلفظها الكثبان الشاحبة .. تنتفض فيتطاير بعض غبار ويبقى بعضه ساكناً ليصنع تآليلا من التراب عند زوايا العينين والفم .. لايراهم أو هو انسدال الجفنين فى بطء مع كل استنشاقة تطول لرحيق البحر .. تتأرجح تفاصيله العارية فى الهواء إذ يتسرب إليها الانتشاء .. تقتلهم هذه اللامبالاة من مكامن بدت أقرب إلى شكل القبور الأثرية .. تهيجهم أكثر خطوته التي ازدادت وثوقا وطولاً .. للوجوه الهائجة الان أياد تتشنج وةأٌدام بنطحن تحت ثقل اندفاعها الحصى باتجاه عريه الطاغي .. كيف تكاثرت .. وأفواه ينقذف من تجاويفها رذاذاً من ريق وتراب .. في القبضات المتشنجة هرى وحجارة متربصة وصوت يصوب حجارته الأولى :
- على الرأس تماماً .. انسفوه ..
ويستنجد الرأس بكفين تقاومان خدر الارتخاء وعنف رتطام الحجر الثانى بالرأس الذي بدأ مستسلما للثالثة فتتخلى عنه الكفان تلقائيا لتهبط إحداهما نحو الركبة وتحاول الثانية إسناد الظهر حين تفقد القدمان صمودهما الواثق يوتحول ثقل مباعت فى الأطراف إلى انهيار شامل يتغلغل فى نسيج الجسم كله ويسقط دفعة واحدة على مرمى حجر مصوب وفم مهيأ لصرخة آمرة :
- لنلق به فى البحر .....



#بشير_زعبيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابتسامة أعرض (قصة قصيرة)
- درس كاليغولا
- هل لنا أن نحلم بغير هذا ؟!
- لبنان المختصر في (لعبة) أو (ورقة) !
- ماالذي ينتظر في الأفق هناك ?!
- اختطاف مشاهد !!
- اعلام يخاطب نفسه وآخر يسمع نفسه !
- سيرة ذاتية للمفاوضات العربية الاسرائيلية !!
- قصة قصيرة : الهاتف
- السّلام الأخير
- اللهمّ أرزق الصومال بنفط من عندك !!
- -القتل رميا بالشائعات-
- سؤال الصحفى ورد الرئيس
- قصة قصيرة : اش ..
- سباق مغاربي مقلق: التسلح يتقدم والتنمية الى الخلف
- ايران الثورة .. كنت هناك : ( 2 ) ذلك الثوري صاحب قاموس الممك ...
- ايران الثورة.. كنت هناك: (1) حكاية الرجل الثاني
- مليارات القلق
- قصة قصيرة : سيجارة
- الأشجار لا تموت دائما واقفة


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير زعبيه - قريبا من البحر ( قصص قصيرة )