أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم أمين الهيتي - آفاق في تعقيدات الوضع العام في العراق















المزيد.....



آفاق في تعقيدات الوضع العام في العراق


قاسم أمين الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3117 - 2010 / 9 / 6 - 15:42
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بمناسبة بدء المرحلة الإنتقالية بعد الرحيل الجزئي لقوات الإحتلال أطرح الأفكار والتصورات أدناه:

1- مقدمة
تصدعت وحدة الشعب العراقي منذ مدة ليست بعيدة. وأصبحت العلاقة بين مكوناته القومية والدينية والطائفية غير طبيعة، وقد يكون ذلك مرئياً أحيانا ومخفياَ أحيانا أخرى. وفي هذه الأيام العصيبة ظهرت نتائج ذلك التصدع بوضوح في تأخر تشكيل الحكومة. ولقد مسّ الضر جميع العراقيين وشعرت الغالبية المتعبة بجسامة الخطب الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل. أقول إن لحمة الشعب التي ولدت عبر قرون نالت منها بضعة عقود نفذتها دول ومؤسسات معادية وفق مخططات كارثية رسمت خارج الحدود ونفذت بأيادي عراقية. ولسنا بصدد مناقشة مَن مِن تلك الجهات التي رسمت تلك المخططات بقدر مناقشة المنفذين والوضع الحالي.
لاشك أن تقييم المرحلة الراهنة يعتمد على ما نسمعه من السياسيين عبر الفضائيات عن الحق والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والأمن وما نلمسه ونراه من معاناة الشعب على ارض الواقع الذي يعطي قرارا قطعيا بان الهامش بين ما يقال وبين الحقيقة عريض جداً. فالواقع السياسي العراقي يزخر اليوم بعشرات الكتل المختلفة على "الخلافة" وكأنهم من تركة زمن"الخلافة رأس الخلاف" ومئات المشاريع التي ظاهرها حق وباطنها باطل ولن يسمحوا بأية بادرة تطوير تخالف نظرهم المرسوم. ووقع الساسة العراقيون في عقدة اللف والدوران حول محيط دائرة. إذ صمت آذانهم ووضعوا على أعينهم ستار. والتزموا بتنفيذ مخطط لا خيار لهم فيه وجعل المحتل منهم وكلاء له وحراساً أمناء لمصالحه و"فرساناً " لحماية آبارالبترول.

2- معاناة الشعب
لقد خدعت الحكومة شعبنا وخدموا وفتحوا للمحتل الأبواب مشرعة لقهر أبناء الشعب ونهب خيراته وتحطيم قيمه. وباتت أوسع الجماهير تخضع لنيرين، نير القاهر الغريب ونير قاهريها المحليين، ونتيجة الفقر المدقع والجوع وانعدام الخدمات تفشت الأمراض المعدية بين السكان والتشوهات الخلقية في الأطفال وأورام السرطان المختلفة، وعاد الكثير يحيا حياة بدائية. فرجع الفلاح يزرع بأدوات بدائية أرضا بلا مردود ويعمل العامل بأجر غير كاف عبداً مسلوب الإرادة دون ما ضمان، وآلاف الخريجين الجامعيين جلسوا على مساطب العمل اليومي فجراً بانتظار من "يصطفى" منهم لعمل شاق لا يشبع مردوده من جوع ولا يفي بمتطلبات العيش. أما وضع المرأة فتقشعر من ذكره أبدان الشرفاء و تهتز له" بلا مبالاة" أكتف الحكام وتفتر شفاههم بلا اكتراث. فباسم الجماهير يزداد الفقراء فقراً وتمتهن كرامة المواطن وتغص السجون بالشباب اليافع المنتج واختلط الحابل بالنابل. واقترفت أبشع أنواع الجرائم تحت شعار الحفاظ على الأمن. وروت دماء الأبرياء الزكية كل شوارع ارض العاصمة وغطى دخان المتفجرات سمائها الحبيبة وراحت تغص بالمخابرات الأجنبية. فانحدر الموساد عن طريق الشمال وصعدت الكويتية من البصرة ودخلت الإيرانية من الشرق وتسللت القاعدة عبر الموصل. وأصبح الحكام رافعي شعار محاربة التكفير مكفوراً بهم. وجميع هؤلاء المسئولين"مخلصون" للوطن ومؤمنون بالله وباليوم الآخر وبالبيت العتيق وبآل رسول الله وصحبه الأبرار. لقد غطت الشعارات الكاذبة المظللة الموقف الحقيقي بالعراق، وتغلبت المقاييس الذاتية على الموضوعية وحصل ما حصل من تحجر وتوقفت الحياة عن التطور. لقد غش الحكام الشعب، فالسارق منهم يدعي الأمانة، والكاذب يدعي الصدق، والدنيء يدعي مكارم الأخلاق، وكلهم يشكون من "أزمة أخلاق". وسفهوا كل من يتعارض مع استمرار مصالحهم الشخصية بالتوسع. وضاقت تبريراتهم الذاتية وخنقت الحقائق وسيطرت ردود الفعل على سلوكيتهم السلبية إزاء الديمقراطية. وما انفك الذين يرعون شؤوننا يعملون بمراسيم جنازة الديمقراطية تحت لواء الديمقراطية. وتعلقوا بحبالها و شنقوها في حبالها وانعدم النقد. و بذر الساسة العرقيين العداوة بين أبناء الشعب الواحد ليقتل بعضهم بعضاً وفق مبدأ فرق تسد. وغدا اقل مظهر من مظاهر السخط أو الاحتجاج ينعت بأنواع التهم ويلاقي التنكيل الدموي كما جرى في تظاهرات الكهرباء في المحافظات البطلة جنوب الوطن العزيز التي رفعت شعار ارحلوا أغششتمونا فلستم منا "ومن غشنا فليس منا". وتناسى الحكام إخفاقات الماضي وعبادة الفرد التي "تباكوا" عليها ولو سئلوا المقاعد التي عليها الآن يقعدون، لأجابتهم؛ ": كان الذين اشتكيتم منهم، عليها جالسون". لقد خانوا حتى مبادئ ديانتهم وجعلوا من المحتلين أولياء لهم. فهل سيحذفون الآية الخامسة من سورة المائدة في القرآن الكريم؟ ومتى يهتدي القوم الظالمون؟ فتحوا أبواب بغداد للمحتل ودلوه عليها ونسوا أن فعلة "أبو رغال" الشنيعة لا زالت ملعونة في ضمير الأمة. لقد تشبثوا بتبريرات لا أساس لها سوى في قواميس متملقيهم ووعاظهم "لحكمة أصول المعيشة" ذوي المطامع والمصالح الذين هربوا أموال المعدمين والثكلى والأرامل واليتامى لشراء الفيلات والعمارات في الخليج ولبنان و لندن وباريس. وأصبح الرجل الأول في الدولة وكأنه المعصوم الثالث عشر، لا سامح الله.

3- صاحب القرار
في خضم هذه الأوضاع المربكة قد يطرح سائل ما السؤال التالي: هل يعرف صاحب القرار أو المتربع على عرش السياسة انه يعمل ويدافع ويقاتل عن مخطط رسم له قبل عقود وانه ليس أكثر من أداة تنفيذ بيد الأعداء الذين استهدفوا تدمير البلد؟ وإذا توفرت حسن النية" وان جهنم ممتلئة بالنيات الحسنة" وان حكامنا لا يعلمون: أن سياسة المواجهات العسكرية الخارجية "العلنية" من قبل الاستعمار ،التي تكشفت بعد الثورات الوطنية التي اجتاحت العالم في منتصف القرن الماضي والتي لم تأتي ثمارها الاقتصادية والأيدلوجية،أنها استبدلت بسياسة إسقاط النظم والقيم والمبادئ من داخلها وأنها حوربت بشعاراتها. وأن هذه السياسة الجديدة نجحت" لحد ما" في العقود الثلاث الماضية من تحقيق" نتائج" بأقل كلف مادية وبشرية ولوجستية. وإذا افترضنا أن حكامنا لم يشهدوا انهيار نظم كبرى من داخلها وأسقطت مبادئها من داخلها بهذا النمط الجديد من عمل قوى الشر في العالم التي تقوده أمريكا وإسرائيل بمساعدة القوى العميلة في الداخل. وانه ليس مفاجئاَ الردة العالمية في العزوف عن المبادئ الاشتراكية بأيدي مدعي الاشتراكية وقادتها أو الابتعاد عن الأديان بأيادي منظمات متزمتة سلفية أنشئت في إسرائيل ونادت بمفاهيم لم ينزل الله فيها من سلطان.............وكذا ما ينطبق على القومية والديمقراطية و التسامح الديني والتآخي الطائفي وغيرها. فإن لم يكن حكامنا على دراية بكل ذلك؟ فكيف يفهم صاحب القرار العراقي انه عميل "من دون" أن يعلم انه عميل؟ وانه يعمل ليلا ونهارا بكل ما أوتي من قدرة لتدمير مستقبل الأجيال القادمة لبلده؟ وأن كل ما يقوم ويصرح فيه وما يرفضه وما يقبله لا يتعدى حدود العمالة وعمالة حتى النخاع؟ لاسيما وان مرض العمالة لا يظهر على حرارة الجسم ولا على لون جلد العميل وان هيئة العميل حتى بلحيته والعمامة لا تختلف عن هيئة الوطني الشريف. فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وان كان يدري فالمصيبة أعظم. والمصيبة الأكبر عندما يكون صاحب القرار (كمحبوب القلب الله يخليه لا يندل ولا يخليني أدليه) كما تقول الأغنية العراقية. أليس هذا بكثير؟ فالعلة حالياً كيف تقنع العميل انه عميل لأن السلوك الذاتي لصاحب القرار هو من تجربته الذاتية النفسية الحياتية الشخصية الفردية الضيقة المتزمتة عبر ما اكتسبها هو فقط وهذا يقود إلى اعتبار التنبؤ بسلوكية صاحب القرار إنما يتعلق بسيمائه المخفي لا بملامحه المكشوفة.

4- عالم اليوم.
على الرغم من أن عالم اليوم لم يعد سوى قرية صغيرة إلا انه كوّن فضاءات واسعة متحدة بعضها كنتائج حتمية لغنائم الحروب وبعض "لمآسيها". أن الدول الكبرى حالياً تتكون من ولايات أو أقاليم أو دول متحدة ابتدءاً من أمريكا واليابان والصين مروراً بالهند وبريطانيا وانتهاءً بدول الاتحاد الأوربي. حتى إن الدول الإفريقية تسعى الآن لتكوين فضاءً واحداً . ولم يكن ليجمع هذه الفضاءات لا دين مشترك ولا قومية واحدة بل وحدَتها السمة الاقتصادية والاعتبارات الجغرافية والتاريخية. لكن المحتل الموحد في أربعين مقاطعة أراد تقسيم العراق الذي لا يعادل اصغر مقاطعة من مقاطعاته وانطلت اللعبة على الساسة "الكرام" لولا وقفة البصرة الشامخة التي رفضت بشدة أن تكون إقليما منفصلا عن العراق. هذا هو ديدن المستعمر فهو يجزأ المجزأ لتفتيه والسيطرة على موارده وطمس معالمه بأقل ما يمكن من تكاليف حتى وان تطلب الأمر انقراض العراق وطمس معالمه وحذفه من على خارطة العالم وهو الذي أضاء ظلام الكون عندما كانت قومياته متآخية وأديانه متسامحة. وعليه انطلاقا من المصالح المشتركة لكافة القوميات والأديان والطوائف والاثنيات في العراق يحتم التضافر الكامل لجميع الكتل والأحزاب والعمال والفلاحين ومنظمات المجتمع المدني والمفكرين والأدباء والمثقفين العمل على فضح فكرة التقسيم أو مسمياته لأن ظاهرها حلو وباطنها عنزق.

5- العوامل المهمة في وحدة العراق.
المحاور المهمة في وحدة الشعب تنطلق من العوامل المشتركة التالية:
ا- العامل العسكري والأمني: إن أي إقليم يستحيل بقواه العسكرية الخاصة أن يحمي حدوده لا الآن ولا مستقبلاَ لأننا مطوقون بدول تفوقنا من حيث قوتها العسكرية. فضرورة الوحدة العسكرية يمليها الخطر الدائم الناجم عن الوضع الجغرافي والمشاكل الحدودية التاريخية المعروفة كما لا يمكن للإقليم الواحد أن يصد هجمات ودخول فلول العصابات إلى الداخل بحكم التجزئة عندما يتفتت وتتقلص إمكانياته. وقد أثبتت أحداث السنوات الأخيرة في شمالنا الحبيب حقيقة ذلك.
ب - العامل الاقتصادي: يمتلك العراق كل ما هو ضروري لبناء اقتصاد متين. فقد وهبت الطبيعة بسخاء ارض العراق وما في باطنها ثروات لا تحصى، من معادن مختلفة ناهيك عن البترول. كما وهبته نهرين جعلا لاسمه رديفاً آخر هو "وادي الرافدين". فضلاً عن التنوع المناخي الذي أدى إلى تكامل زراعي ابتدءاً من جوز الشمال مروراً بحمضيات الوسط وانتهاءً بتمر الجنوب.
ج - العامل الجغرافي: الطبيعة الجغرافية لوادي الرافدين تقول: انه يحوي وديان ونهرين كبيرين وروافد ورواضع متعددة. وإن امتداد السهول المعتدلة والحارة ذات الطبيعة الصحراوية ومشروع إحياء الصحراء يحتم الحاجة الملحة لبناء السدود اتقاء الأخطار الطبيعية والى مؤسسات ري لتنظيم السقي وضبطه وتوزيع المياه بصوره عادلة على مدى الوادي بانتظام. أن هذه أمور ليست بطاقة إقليم يتدبرها لوحده ولذا سوف لن يكون من مناص من وجود جهاز مركزي شامل لكل سكان الوادي.
د- العامل البيئي: ثلث مساحة العراق تقريبا هي الصحراء الغربية التي تستقبل الرياح الشمالية الغربية التي تهب على العراق على مدار السنة، كما أنها بوابة الفرات الذي تجري فيه نصف كمية المياه الداخلة إلى لعراق وحدود مكشوفة لثلاث دول. ولما كان تحسين الوضع البيئي لهذه المنطقة ينعكس على مجمل العوامل البيئة والاقتصادية لوسط وجنوب العراق سواءً من درجات حرارة الجو القادم من الصحراء والأمطار التي تهطل على الوسط أو نقاوة ماء الفرات الذي يصب في الجنوب والمسطحات المائية في سد حديثة وسد الثرثار وبحيرة الحبانية والرزازة، فان هذا الحجم من العمل العظيم بحاجة إلى جهود جبارة متكاتفة ليس بمقدور إقليم أن ينجزه بسنين طوال. ومن جانب آخر تعرض العراق لحروب أدت إلى تلوث كيماوي كبير وهناك تلوث نووي ملحوظ ينعكس على مجمل محافظات الوسط والجنوب وفي جميع الأحوال تتطلب عمليات إزالة التلوث إلى إمكانات مالية وبشرية ليست قليلة،لا يمكن أن تتحملها ميزانية إقليم أو محافظة لوحدها .
هـ- العامل التاريخي والقومي والديني: ساعدت البيئة الطبيعية وعوامل الدفيء المناخي وتوافر الأرض الزراعية على الهجرات البشرية والاستيطان القديم للإنسان في وادي الرافدين. إذ يعود تاريخ استيطان العرب في العراق إلى ما قبل الميلاد حيث أقاموا دولة المناذرة. أما الجوتيون في جبال كردستان فقد استطاعوا تكوين دولة في العراق وذلك قبل ألفي عام قبل الميلاد. كما أنه من المعلوم أن التركمان هم لوحدهم أزاحوا المغول من العراق وكونوا ممالك شمال العراق منذ عام 1411 م. هذه القوميات الرئيسة في التكوين الحالي كانت وما زالت متآلفة رغم الاختلاف القومي. إنها ناضلت جنباً إلى جنب للصمود ضد التحديات الخارجية منذ القرن السادس عشر حيث لم يحكم العراق أبناؤه حتى عام 1958 عندما انبثقت ثورة 14 تموز المجيدة. وتحملت هذه القوميات شظف العيش وظلم النظم المتعاقبة ابتداءً من حكم الصفوين مروراً بالعثمانيين وانتهاءً بالانكليز بوحدة متراصة، رغم ما اكتنف تلك الفترات من كوارث وهموم ومشاكل معقدة مختلفة لا تحتمل. وابرز الأمثلة في العصر الحديث هي ثورة العشرين. إذ غطت الانتفاضة الوطنية مدن العراق كافة، من سهله إلى الجبل ومن جبله إلى الهضبة. وتبلورت تلك الوحدة في أروع صورها بمظاهر شتى منها: أن "ثويني السعدون" كان الساعد الأيمن لسماحة آية الله "محسن الحكيم" في ملحمة الشعيبة في الجنوب. وقائد الثورة في الشمال الشيخ"محمود الحفيد" الذي كان يأنف حتى من ملامسة كف الانكليز إذ لف كمَ ردن قميص يده اليمنى على كفه عندما مدّ الحاكم الانكليزي يده لمصافحته (وما كان ليلقى "بريمر" الحاكم الأمريكي القبلة الثلاثية كما حدث موخراً). وفي الهضبة رفع الشيخ "ضاري" (شيخ زوبع) بسيفه رأس "لجمن" (القائد العسكري البريطاني) من على جسده ثم دحرجه برجله أرضا وهكذا.. (هزَ لندن ضاري وبجاها). هذه الفسيفساء الذهبية الرصينة ميزت العراق بالعراقة والأصالة والثقافات التي امتزجت فيما بعضها استثناءً من دول منطقة الشرق الأوسط. مما جعل العلاقات الاجتماعية والأخلاقية والحقوقية السائدة للسكان في تطور وارتقاء مستمر يمثل ترابطاً شاملاً في إطار وحدة الوطن ضمن الدساتير المختلفة التي تعاقبت. و ما يخص العامل الديني فبعد سقوط مدينة القادسيةعام637 م بأيدي العرب المسلمين اندحر الفرس وبدأ الحكم الإسلامي في العراق. وتسود الآن الديانة الإسلامية بين العرب والأكراد والتركمان ويدين بالمسيحية قسم من العرب إضافة إلى الكلدان والسريان والأرمن والاثوريين. يشكل المسلمون 95% من السكان ويليهم المسيحيون 3% وبقية الديانات2%. وعلى الرغم من هذه النسب فإن كافة الأديان المختلفة عاشت بتسامح ديني وتآلف منقطع النظير قل تواجده في دول أخرى، إذ لم يخبرنا التاريخ عن حوادث عنف ذات طبيعة دينية في العراق.
و- العامل الاجتماعي: انطلاقاً من العلاقات التاريخية الموغلة في القدم والعوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية المشتركة توطدت علاقات اجتماعية متينة في العراق. وبات من الصعب ملاحظة أية فروق بين العربي والكردي والتركماني كما يصعب التمييز بين المسلم وغير المسلم خاصة في المدن الكبيرة. فالكل متساو إمام القانون في حقوق والكل عليه واجبات. وهذا التمازج القوي يظهر بصورة واضحة في موضوع المصاهرة وإذا جاز القول نورد أحد المعطيات قد يمثل مثال من ملايين الأمثلة على ذلك :" ففي عائلتنا المكونة من سبعة أبناء اثنان منهم تصاهرا مع قومية ليست قوميتنا واثنان تصاهرا من طائفة دينية ليست من طائفتنا". لقد رسمت في العراق خريطة وراثية جديدة وظهرت كروموسومات خاصة للشعب العراقي. ويستحيل قطعاً أن تجد من هو من أصل قومي أو من طائفة معينة مئة بالمائة. وقد يكون هذا التزاوج احد أهم العوامل التي طورت الفكر والثقافة والركيزة التكنولوجية العراقية. التي خدمت البشرية قديما إبان حكم الدولة العباسية ""عندما كانت بغداد وقرطبة في ذلك الزمن كلندن وباريس في هذا الزمن" وظهرت معالم هذا التقدم مرة أخرى في العقود الثلاث الأخيرة من القرن الماضي .

6- ما هو المطلوب.
أليس عزيزاً علينا اسم الجمهورية العراقية؟ أليس عزيزاً علينا علم العراق؟ الذي رفرف عالياً خفاقاً في سمائنا صبيحة ثورة 14 تموز المجيدة التي ناضل شعبنا عشرات السنين لتحقيقها. فما هي الأصعدة المهمة المطلوب تقويتها لنهضة العراق:
أ- على الصعيد السياسي: لا بد من توحيد الجهود وعلى جميع القوى أن تقف جبهة واجدة في نشاطاتها على الصعيد الدولي والسياسي، على الرغم من كل الملابسات التي شابت التلاحم الوطني. وإعادة تلك اللحمة التاريخية بين الناس بمختلف القوميات والأديان والطوائف التي امتازت بسمات عامة في بناء واحد، هو الشعب العراقي من خلال:
- تكاتف الجميع بشكل وثيق لحل كافة الصعوبات وعدم فسح المجال لصالح الساسة في استغلال الخلافات لتنفيذ خطط المخابرات الخارجية وعدم السماح لجعل الخلافات قي وجهات النظر اختلافا أو معضلات ليس لها حلول هدفها تمزيق البلد. وعليها إن تفرز بدقة بين الاختلاف في وجهات النظر وبين الخلاف العام .
- الرفض التام لكل أشكال البغضاء في العلاقة بين القوميات وإسقاط سياسة التعنصر والتعصب القومي والديني المتطرف كلياً، التي يغذيها الخونة لدق إسفين سواءً بين العرب وبين الكرد وبين التركمان أو بين المسلمين وبين الديانات الأخرى والعداوات الطائفية بين السنة والشيعة التي تظهر بين الفينة والفينة.
- إدانة ما يتحدث فيه قادة الكتل على شكل تظاهرات رفض واستنكار ضد المفاهيم المتعصبة التي تنم عن العدائية أو المطالب التعجيزية التي يلوحون فيها والتي من شأنها تمزيق الوحدة الوطنية بحجة استحقاقات قومية آو انتخابية وفضح تلك المفاهيم في وسائل الإعلام. والعمل على حل موضوع" المناطق المتنازع عليها" السيئ الصيت بروح الأسرة العراقية وعلى مشاكل حدود المحافظات على أساسها الجغرافي لا العرقي.
- وضع الصيغ الكفيلة لعودة المهجرين والمهاجرين الذين اضطرتهم ظروف الإرهاب والقمع التي مارستها المليشيات لمغادرة العراق، من اجل المساهمة في البناء السريع. و أن يعود ممن يرغبون بالعودة بسب الحالة الاقتصادية التي يعانون منها بعد السنوات العجاف في الخارج وآخرين بسبب الحنين للوطن بعد أن طال المدى عليهم وعودة الكفاءات منهم بقانون يحفظ لهم كراماتهم وحقوقهم وتليق بعراقة عراقيتهم بترحاب، فالعراق عراقهم وليس بمنة من أحد.
- إجراء المصالحة الوطنية والكف عن الدق على "الطبول الجوفاء". ولنكن أكثر صراحة وواقعية، ففي عام 1959 ضُرب البعثيون ضربة قاضية، وفي عام 1963 مُحق الشيوعيون كما ضُرب القوميون، وبعد 1968 قُضي على حزب الدعوة والشيوعيين والإخوان المسلمون ولكن كلهم عادوا بشكل أو بآخر على مسرح الأحداث السياسية. فإلى متى تبقى هذه "الاسطوانات" التي هي الأساس في إنهاك العراق؟ لماذا لا نتعظ من التاريخ؟ أو لم يكن التاريخ معطاءًً لأعظم العبر؟ وهل نبقى كالنعامة تخبئ رأسها في الأرض خوفاً من الصياد؟ إلى متى تأخذنا العزة بالإثم؟ ألم يكفنا دماراً من المحتل فنضيف إليه دماراً أشد؟ أليس هناك من حلول ناجحة في قانون للأحزاب لإزاحة "شبح" الخوف على الديمقراطية؟ ومتى كانت الديمقراطية تطوي في ثناياها الدكتاتورية؟ أما من مسئول شجاع ليعترف بأن المشكلة الأمنية تكمن في اجتثاث قانون اجتثاث البعث ومن سيتحمل لعنة التاريخ؟ والعبرة لمن اعتبر إذ إن تسعين بالمائة ممن حكم العراق لم يغادر الكرسي ماشياً على قدميه.
ب - على الصعيد الزراعي: الزراعة الحالية المخربة والمعطلة والقوى الإنتاجية المشلولة والموارد الزراعية المستنفذة التي تركتها فترة الاحتلال تجعل الجهود المنفردة للبناء غير كافية وتجعل الوفرة الإنتاجية المتطورة غير ممكنة. ولا يمكن إعادة زرع الحقول، وتطوير هذا القطاع الأساسي وتهيئة السبل الكفيلة بتنميته كالبذور المحسنة والسماد والماشية والآلات وتامين الحصص المائية للعراق لازدهار الريف، دون تضافر كل الجهود المتحدة المشتركة.
ج- على الصعيد الصناعي: بعث الحياة في الصناعة وتشغيل الماكينات والآلات التي علاها الصدأ في معاملنا التي دمرتها العصابات. ونمو الاستثمارات المدروسة التي لا تحطم البنية الصناعية للبلد من جانب ولا تؤثر على الطبقة العاملة سلباً في حالة جلب العمالة من الخارج وفي كافة المحافظات بشكل هادف. وتقديم المساعدة للمحافظات التي في مستوى أكثر انخفاضا من حيث التطور في خطط خماسية وتخصيص توظيفات إضافية لها للإسراع بتطور الصناعة والخدمات.
د- على الصعيد الاقتصادي: ضرورة الوحدة الاقتصادية التي بدونها لا يمكن إعادة القوى المنتجة التي دمرتها سنوات الاحتلال، وتامين الرخاء للمعدمين الذين هم تحت مستوى خط الفقر والتغلب على الصعوبات التي نشأت عن تباين في مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي في المناطق والقرى البعيدة عن مراكز المدن.
هـ - على الصعيد الخدمي: انه من الضروري تضميد الجراح من جراء الحصار وما أعقبه من دمار للبنى التحتية للخدمات جراء الاحتلال والتحرك السريع لإعادة بناء هذه الأطلال وأكداس المخلفات الأخرى من مدارس ومستشفيات ودوائر مهدمة ومصانع ومحطات للماء وللصرف الصحي وللكهرباء وتطوير شبكة المواصلات إننا بحاجة إلى حكومة ترفع الظلم عن الشعب ليحقق أمانيه وتحرير المجتمع ويدفع بالعراق إلى مصافي الدول التي سبقته، من خلال:
- وضع خطة شاملة للكهربة اعتماداً على بناء محطة كهرونووية ومحطات كهرومائية والاستفادة من الطاقة الشمسية والحرارية ومواكبة التطور العلمي الحديث في مجال إيجاد بدائل الطاقة.
- وضع خارطة للوضع الصحي الاجتماعي الجغرافي للعراق، وهيكلة النظام الصحي، وتنظيم الإدارة الصحية لكافة المنشآت الصحية، وإعادة النظر في الرعاية الصحية الأولية وفق المجموعات المتماثلة للبناء المتماثل ونوعية الكادر والمخصصات، والتدريب المستمر داخل العراق وخارجه بمعايير عادلة، وتقييم العمل وفق الخدمات التي يقرها المواطن، والتنسيق التطبيقي الانسيابي بين المراكز الأولية والثانوية والثالثية، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية بصورة دائمة ومستمرة والمحافظة عليها من التسريب وفق خطة يمكن تطبيقها عملياً،والاهتمام بمرضى الأمراض المزمنة والمستعصية ومعوقي الحروب.
- التعليم هو مستقبل البلد وهو الأساس في خلق جيل متطور واعي قادر على استيعاب المعرفة ومواكبة التطور في هذا العالم السريع التقدم في مجال العلوم والتقنيات. وهذا يتطلب الابتعاد الكلي عن سياسة التعصب والجمود الفكري وفرض الرؤى الدينية الطائفية العنصرية الشوفينية وكل ما يؤدي إلى القولبة الرجعية والتخلف. وسن أنظمة لتطوير الأسلوب التربوي بعيداً عن الأسلوب التقليدي التلقائي. وإطلاق الفكر الخلاق للإبداع الفكري والعلمي. والتدريب المستمر للكادر التعليمي داخل وخارج القطر للانفتاح على أساليب التعليم في العالم، ووضع خطط مجدية لبناء المؤسسات التعليمية في كافة مراحلها في المحافظات واعتماد التوسع لاستيعاب مدارس مركزية كبيرة مزودة بالمكتبات ووسائل التعليم وساحات الرياضة والأقسام الداخلية.

7- بمَ نبدأ:
كتب الدستور في عجالة وفي ظرف خاص وباعتراف كل الكتل كان الظرف حرجاً. وتعترف الكتل السياسية الحالية بضرورة تعديل فقراته على الأقل، إذن لا ضير من إعادته لأنه دستور وضعي كتبه البشر ولم ينزل من السماء لأن الفقرات المهمة فيه أدت إلى ازدواجية النصوص كما رأينا في تفسير الكتلة الفائزة. وعلى الرغم من أن الدستور ضمن وحدة العراق بشكل خجول، إلا انه تضمن في نصوص علاقة الحكومة المركزية مع أقاليم وفي نصوص أخرى تتناقض مع علاقة الحكومة بالمحافظات. وعليه يفترض العمل على:
أ- إصلاح الدستور من قبل ذوي الاختصاص ضمن دراسة مستفيضة للمواد 116، 122 ثانياً، 122 خامساً والى المواد 115، 110، 123، 106 من الدستور، كذلك المادتين 2 و34 من قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008. إذ أن لهذه المواد أهمية كبيرة لإصلاح الدستور. كما أن هناك العديد من المواد التي تتطلب إصدار قوانين لتفعيل تلك المواد فضلاً عن القوانين والتشريعات المهمة للأداء السليم والعادل في مرافق الدولة.
ب- ترسيخ نظام الدولة والقضاء على آثار التنابذ القومي وتصفية آثار التعصب الديني للوصول إلى الوحدة الأصيلة بين إفراد الشعب. والالتحام الراسخ في دولة متحدة قائمة على أسس الديمقراطية الصحيحة القائمة على الإرادة الحقة للجماهير وطموحات الشعب التي يجمع عليها. في نصوص صريحة منها:
- الجمهورية العراقية دولة موحدة متعددة الأعراق والأديان قامت على أساس الثقة المتبادلة لكافة المكونات وتطورت وفق الفهم الواضح لكل السمات الملازمة لتلك الأطراف.
- تمارس الدولة حقوقها بشكل مطلق التصرف على أراضيها وهي مستقلة تماماً في علاقاتها مع الدول الأخرى.
- تسترشد في مهامها الداخلية والخارجية بإرادة ومصالح الشعب العراقي. وتسخير كل الطاقات للإنسان ومن اجله في كافات المجالات الثقافية والعلمية والتكنولوجية.
- تتبنى سياسة نشطة في مجال السلم والتعاون العالمي والتحالف الوثيق مع الدول العربية الشقيقة ودول الجوار.
- تعتبر ارض العراق وما في باطنها من ثروات وخامات وعلى سطحها من مياه وتراب وما يعلوها من سماء ملكاً للدولة أي ملكاً للشعب كله.
- الانضمام في وحدة أخوية للكفاح المشترك والاعتراف بمساواة كافة القوميات وسيادة الشعب. على أساس التعاون والاعتراف الكامل بتلك المكونات.إعلان واضح ملزم أن تحقيق هذه الوحدة لا يمكن أن تتم إلا كنتيجة لإسقاط كافة الشعارات الطائفية والشوفينية والإطاحة برافعيها ومحاكمة وتجريم مروجيها مهما وأين ما كانت مواقعهم السياسية أو الدينية.
- التمتع بالجنسية العراقية يعني انتماء المواطن للوطن يحصل بمقتضاها على الحقوق والحريات كما ينفذ الواجبات والالتزامات التي ينص عليها الدستور. ويتمتع كل فرد من أبناء الشعب العراقي بكامل الحقوق وأوسع الحريات التي تكفل له المساواة التامة مع أي فرد من أفراد الشعب العراقي. وله الحق في الحصول على عمل بأجر وفقا لكميته ونوعيته والحق في التعليم والتامين عن الشيخوخة وفي حالة المرض أو فقدان القدرة على العمل. ويتمتع مواطنو العراق بحقوق سياسية واجتماعية وحريات واسعة تشمل حرية الانتخاب، الانتساب للأحزاب، الانتساب لمنظمات المجتمع المدني، حرية الكلمة، حرية الصحافة، حرية التجمع وعقد الاجتماعات، اللقاء ، المواكب، المظاهرات، الملكية الفردية، حق التوريث، حرية المسكن، سرية المراسلات والاتصالات، حرية العقيدة الدينية وكل ما تقدم ضمن مبدأ الحقوق والواجبات بوحدة متلازمة لا تتجزأ ومتساوية لكل فرد ذكر أم أنثى من حاملي الجنسية العراقية. ويتساوى العراقيون في كافة الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسة كمبدأ لا يمكن التنازل عنه. ويعاقب القانون كل من يضيق مباشر أو غير مباشر لحقوق المواطن بسبب العرق أو القومية أو الدين أو الطائفة أو الجنس كما يعاقب على كل دعاية تساهم في إثارة النعرات أو العداء أو الحقد أو الازدراء بين الملل والطوائف والأعراق . وحذف فقرة الديانة أو القومية من هوية الأحوال المدنية كما معمول فيه ببعض الدول العربية.
ج- تكفل القوات المسلحة للدولة الدفاع عن مصالح وسيادة العراق دون أي تجاوز على مصالح وسيادة الدول الأخرى ودون التدخل في شؤونها الداخلية. يمارس العراق ممثلا ومدافعا في الحقل الخارجي والعلاقات الدولية عن مصالح كافة المحافظات. وفي حالة تعرض أي ارض منه للعدوان توجه كل الجهود الداخلية والخارجية لصد العدوان. إعادة ممن يرغب العودة من ضباط الجيش العراقي الأشاوس إلى الخدمة دون قيد أو شرط واحتساب انقطاعهم بسبب الاحتلال خدمة لأغراض التقاعد والراتب بقانون شفاف ومنصف وإعادة قانون الخدمة الإلزامية كي ينصهر الفكر العسكري للجنود البواسل ببوتقة واحدة هي خدمة العراق وحب الوطن. وبناء المنظومات الجوية والبحرية والدفاعية المختلفة وفق مناهج التسليح الحديثة وبما ينسجم مع احتياجات الأمن الداخلي والخارجي.
د - توسيع صلاحيات المحافظات مع تطور البني الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة. وإمكان البدء بالاستقلالية في تحديد خطط تطوير المؤسسات وإدارتها الذاتية. وتوسيع حقوقها كأحد أساليب استكمال الدولة القومي وتوفر حرية التنسيق بين مصالح كل محافظة ومصالح مجموع المحافظات للحصول على نتائج ايجابية سريعة في تطور الاقتصاد.
هـ- وضع نسبة من المقاعد الدراسية للطلبة في كل جامعة للمحافظات الأخرى بتسهيلات مشجعة في القبول لامتزاج طلبة العراق ببعض. وتركيز الجامعات على التطور العمودي للعلوم والتوقف عن سياسة التوسع الأفقي في فتح كل صنوف المعرفة في كل الجامعات. خدمة لمواكبة التطور والبحث العلمي وسداً للنقص في الكادر التدريسي.
د- في حالة التعارض بين القانون المركزي للدولة والقانون المحلي يسري مفعول القانون المركزي.

8- مقترح لهيكلة الدولة العراقية.
لقد أفرزت السنوات التي مرّت عددا من العقبات الجديدة من خلال التجربة العملية وعرقلت حركة قرارات مهمة الجهاز التنفيذي. فمن المعلوم أن الحكومة جسد داخل الدولة وظيفتها الاتصال المباشر بالرعايا لتنفيذ الدستور وحماية الحريات المدنية والسياسية والأمنية للأفراد وحل المعضلات التي لها علاقة بعموم أفراد الشعب. مما يتطلب إعادة هيكلة الدولة وما يتناسب مع المرحلة الحالية التي بحاجة ملحة جداً للخدمات في عموم العراق وتفعيل الجهات المسئولة فيها بنظام "مركزية اللامركز ولامركزية المركز". ويتم ذلك على أساس ثلاث مجالس مرتبطة ومندمجة بعضها بعض وكالاتي: المجلس اللامركزي ويتكون من أعضاء مجالس المحافظات، مجلس النواب المركزي الذي يضم النواب والمعمول فيه حالياً، ومجلس السيادة الذي يمكن استحداثه. وعلى هذا الأساس يمكن إيجاز مهام مكونات الدولة بالمقترح الآتي:

أولا:السلطة التشريعية.
1) المجلس اللامركزي لمجالس المحافظات لتبادل الخبرات وتنسيق العمل فيما بين المحافظات ذو الطبيعة الخدمية من ذوي الاختصاص وله صلاحيات واسعة توازي مجلس النواب يخفف من أعباء مجلس النواب المركزي ويخفف الأعباء عن الحكومة المركزية أيضا. ويساهم بتفعيل دور المحافظات في الحكومة المركزية لتوفير الخدمات لأبناء المحافظة وحل مشاكلهم اليومية عن قرب وتصفية تركة الماضي.
2) مجلس النواب المركزي يعني بالسياسة العامة للبلد والشؤون المشتركة كالعسكرية والخارجية والاقتصادية والمالية والمشاريع الكبرى. وكما هو معمول فيه حالياً.
3) مجلس السيادة.
هو أعلى سلطة تشريعية في الدولة وهو المعبر عن سيادة الشعب والمفوض عن إرادته في عموم العراق. ولا توجد جهة أخرى فوق مجلس السيادة أو تساويه من حيث صلاحياته. وتخضع كل هيئات الدولة الأخرى في نشاطها لمجلس السيادة. يضم أعضاء مجلس المحافظات اللامركزي ومجلس النواب المركزي.
يقر مجلس السيادة قوانين الدولة التي تعتبر الأساس الحقوقي لجميع الهيئات الأخرى فيما يتعلق باتخاذ قراراتها الخاصة ويحدد الأسس الداخلية والخارجية والقيادة العليا والرقابة في العراق. ولا تعتبر القوانين مقرة إلا إذا وافق عليها مجلس السيدة ومن صلاحياته:
إقرار وتعديل الدستور والتشريع على نطاق الدولة وانتخاب هيئة السيادة، وتشكيل الحكومة، وانتخاب المحكمة العليا، وتعيين النائب العام وتشكيل هيئات الدولة العليا في العراق، وتقرير جميع المسائل الهامة في السياسة الداخلية والخارجية للجمهورية العراقية. ويقر بالغالبية البسيطة القوانين عن طريق التصويت العلني. أما القوانين التي تدخل على أساسها تعديلات دستورية فإنها تقر بأغلبية لا تقل عن ثلثي أصوات مجلس السيادة.
هيئة السيادة:
ينتخب مجلس السيادة من بين نوابه هيئة تسمى هيئة السيادة. تتكون من رئيس وسبعة نواب للرئيس وتسعة أعضاء ومقرر للهيئة أي بما مجموعه يساوي عدد محافظات العراق. تقوم الهيئة بتنظيم جلسات مجلس السيادة، وتنسق أعمال اللجان الدائمة في مجلس السيادة ونشر القوانين المتخذة. كما إنها تصدر المراسيم وتقدم التفسير للقوانين السائدة وتستحدث الأنواط والأوسمة والميداليات وتكافئ فيها. ومن واجباتها تحديد ألقاب الشرف للجمهورية العراقية والرتب الدبلوماسية والرتب الخاصة وتمنحها. وتمارس حق العفو، وتعيين القيادة العليا للقوات المسلحة وهي التي تعلن التعبئة العامة والجزئية. وعند الضرورة تدخل تعديلا جزئية في القوانين، وتعفي من المناصب بعض أعضاء الحكومة وغيرهم من الشخصيات القيادية. وتقر التعديلات في الحدود بين المحافظات وتعلن حالة الحرب في حالة الهجوم العسكري أو في حالة ضرورة تنفيذ التزامات المعاهدات الدولية فيما يتعلق بالدفاع المشترك ضد العدوان. وتجري مثل هذه الأمور بضرورة تقديمها إلى مجلس السيادة للتصديق عليها، إذ أن الهيئة ملزمة في كل أعمالها أمام مجلس السيادة.

ثانياً: السلطة التنفيذية.
1) مجلس الوزراء المركزي: هو حكومة الوحدة وهو أعلى سلطة تنفيذية وإدارية في الدولة. يشكل من قبل مجلس السيادة الذي يكون مسئولا في نشاطه اليومي كله أمام مجلس السيادة وفي الفترة بين جلسات مجلس السيادة يخضع مجلس الوزراء لهيئة السيادة ويحاسب أمامها. ومن واجباته:
- يوحد ويوجه عمل وزارات الجمهورية العراقية وجميع المؤسسات الأخرى غير المرتبطة بوزارة والتابعة لمجلس الوزراء. ويحقق الرقابة على نشاطاتها ويدرس تقارير الوزارات والهيئات المركزية الأخرى لإدارة الدولة في عموم العراق ويقر النظم الخاصة بهيئات الإدارة التابعة له وينسق عملها.
- يتخذ الإجراءات الخاصة بتحقيق خطة الاقتصاد الوطني وميزانية الدولة وتدعيم نظام النقد والتسليف وخطة صندوق بنك الدولة. ويقود وضع الخطط الاقتصادية ويراقب تنفيذها.
- يقود البناء العام للقوات المسلحة ويمنح الألقاب العسكرية ويقرر تركيب هيئات القيادة العسكرية ووضعها القانوني. ويتخذ الإجراءات الخاصة بتأمين النظام الداخلي في البلاد والدفاع عن مصالح الدولة وحماية امن وحقوق المواطنين.
- يعين القيادة العامة في مجال العلاقات الدولية، ويبحث مقدماً المعاهدات والاتفاقات القابلة للإبرام واهم المسائل السياسية الخارجية.
- تعد كل وزارة مركزية لجان مركزية فرعية لإدارة الدولة بنوعين: لجنة المركز تقود عمل الوزارة المركزية مثل: الدفاع، الخارجية، المالية، والصناعة. ولجنة المحافظات تشرف على عمل الوزارات الفرعية اللامركزية المماثلة لها في المحافظة مثل:وزارة التعليم العالي، التربية، الصحة،الثقافة، البلديات، الزراعة ،الري...الخ. وتخضع كل وزارة في نشاطها لمجلس الوزراء
- وعند الضرورة يعين مجلس الوزراء ويعزل بعض المسئولين مثل نواب الوزراء والممثلين في السفارات العراقية في الخارج وبعض القادة في الهيئات التابعة لمجلس الوزراء. ويصدر لكل المسائل المختص فيها قرارات وأوامر على أساس القوانين المعمول فيها وتنفيذاً لها.
2) مجلس المحافظة اللامركزي:
يشكل مجلس المحافظة حكومة المحافظة وتمارس أعمالها بعد مصادقة مجلس السيادة عليها. وتتكون حكومة المحافظة من السكان المحليين الأصليين الذين يعرفون جيداً ظروف المعيشة واللغة والخصائص الاجتماعية لسكان المحافظة، ويتمتع سكانها بإمكانية كاملة للمساهمة المباشرة في كافة النشاطات. ولكل محافظة خصائصها البيئية والثقافية بشكل يتفق مع خصائصها القومية والاجتماعية وتقاليدها وأسلوبها في نمط الحياة. وتتسم الأعمال الكتابية في مؤسسات المحافظة باللغة المحلية القومية المفهومة لغالبية سكانها وتضاف اللغة الثانية إذا احتوت على مكون قومي آخر بنسبة لا تقل عن 20% من عدد سكان المحافظة. ومن واجباتها:
- تتكفل حكومة المحافظة بالمحافظة على امن مواطنيها انطلاقاً من الأسس التوجيهية لحكومة المركز.
- تضع حكومة المحافظة الخطط السنوية والخماسية والطويلة الأمد، التي تحدد وثائر واتجاهات تطور اقتصادها انطلاقا من الخصائص والإمكانات المحلية مع مراعاة مصالح جميع سكان العراق.
- تقر حكومة المحافظة ميزانيتها الخاصة والتقارير الخاصة بتنفيذها. وتتحصل الضرائب والمبالغ وغيرها من إيرادات وفقا للتشريعات المركزية.
- تقوم بالقيادة اليومية للمؤسسات التابعة لها والمؤسسات ذات الطبيعة المزدوجة مع الدولة المركزية التي تقع ضمن حدودها مثل: الشركات والمصانع الكبرى ومشاريع النقل السريع والسكك الحديد والنقل المائي وغيرها من الأمور التي تتطلب الإدارة المزدوجة مع الحكومة المركزية.
- لحكومة المركز إقامة علاقات واتفاقات مع حكومات المحافظات الأخرى في مسائل التبادل التجاري والمقايضة والعمل لدرء المخاطر الطبيعية أو الأمنية المشتركة.
- تمتلك المحافظة حق السيادة على أراضيها. وحدود المحافظة تعبير عن التفاهم الأخوي المتبادل متعني أكثر من مغزاها السابق طالما أن جميع المحافظات متساوية في الحقوق وتقوم على نظام اقتصادي واحد بشكل يسد الحاجات المادية والثقافية لكل المواطنين وتوحدها مصالح حيوية مشتركة وتسير معاً إلى هدف واحد هو رفع المستوى الاقتصادي لعموم العراق. لذا لا يمكن تعديل حدود أراضيها دون موافقتها هي نفسها. وان تبدي المحافظات ذات العلاقة موافقتها ولا يتم التعديل إلا بمصادقة مجلس السيادة.

ثالثاً: السلطة القضائية.
1) المحكمة العليا.
ينتخب مجلس السيادة محكمة تسمى المحكمة العليا تمثل أعلى سلطة قضائية في الجمهورية العراقية. يقع على عاتقها الإشراف على النشاط القضائي للهيئات القضائية كافة في حدود قانون يشرع بهذا الخصوص. ووفقاً لقانون المحكمة العليا الخاص فيها، تحدد وظائف الإشراف بالهيئة القضائية العليا في البلد بشكل يجعل النظر في القضايا على سبيل الإشراف ينتهي عادة في الهيئات القضائية للمحافظات. ويحق للمحكمة العليا وللجانها القضائية أن تنظر في الطعون في القرارات والإحكام الصادرة عن المحاكم والمحاكم الكبرى في المحافظات. والمحكمة العليا مسئولة إمام مجلس السيادة من الجانب الإداري والمالي.
2) النيابة العامة.
النيابة العامة هيئة ذات نظام واحد مركزي مستقل عن هيئات المحافظات. يرأسها النائب العام للجمهورية العراقية الذي يرأس كافة النواب العامين في المحافظات. يعين مجلس السيادة النائب العام لمدة سبعة سنوات ويكون مسئولاً مسؤولية مباشرة أمام مجلس السيادة ويحاسب أمامه. ويقع على عاتق النائب العام الإشراف على دقة تنفيذ القوانين من قبل الوزارات والمؤسسات العراقية كافة ومن مواطني العراق.



#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضوء على عتمة نفق الانتخابات
- حقوق الإنسان
- الصناعات النووية: هلع أم قلق مشروع؟
- الديمقراطية والانتخابات البرلمانية
- مسيرة حقوق المرأة ..الجزء الثاني
- مسيرة حقوق المرأة
- سجن الحوت .. معسكر التاجي
- التأثير البايولوجي والوقاية من الأشعة السينية.
- البيئة الإشعاعية
- حين يرحل الكبار
- هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟
- استنساخ لبنة بناء الأحياء
- تساؤلات حول لبنة بناء الكون
- النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم أمين الهيتي - آفاق في تعقيدات الوضع العام في العراق