أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نذير الماجد - لا تبن لك بيتا














المزيد.....

لا تبن لك بيتا


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 3116 - 2010 / 9 / 5 - 09:39
المحور: المجتمع المدني
    


المثقف برفقة إدوارد سعيد

أستنطق البيت هنا لا بمعنى الطمأنينة الخادعة التي تخفي قلقا، أو الأصالة التي تشي بامتداد وتجذر في موروث ثقافي يشكل مكونا أساسيا للذات أو "النحن"، وإنما بمعنى الاجترار، الإجترار الذي يسجن المثقف في قراءة تسجيلية للواقع، فالبيت بهذا المعنى هو زنزانة تكبل المثقف وتمنعه من التحليق والخروج: من أن لا يكون هو.

"لا تبن لك بيتا" استعارة من الشاعر والروائي الألماني غونتر غراس، واللابيت ليس هو اللامعني أو العبثية ، فخلف الأنقاض التي تهدمت يكمن انتفاض المعنى ضد عقلانية زائفة وتعميم مختزل يحيل الصورة إلى بعد أو لون واحد.

لا أنساق تحكم المثقف المشرد في المنافي، بهذه الصيغة يحاول إدوارد سعيد كتابة المثقف. فأن تكون مثقفا يعني أن تكون منفيا، أن تكون مهمشا مغامرا لا تعبأ بتمزق النسق أو الكلي أو الأفكار السائدة. يعني أن تصطدم بمائدة فتتهشم ثم لا تتوقف رغم ذلك بل تستمر في المشي، في القفز إلى اللاسكون، إلى الاشتباك بالقابع في جنته هناك..

أن تبدأ حياة الثقافة والفكر وكل نشاط يرمي إلى فهم الواقع أو اتهامه أو تخييله يعني قبل كل شيء الدخول إلى الصخب، إلى عالم من الاحتجاج والتمرد والرفض والمشاغبة، المثقف هنا هو الثوري ولا شيء آخر، يصطدم بالسلطة "بمعناها المعرفي الأعم من السياسي المباشر" مثلما هو لا ينتمي إلى الثابت أو الأيديولوجيا، أو باستعارة ادوارد سعيد: الآلهة التي تفشل دائما.

أسوار حديدية تحيط بالمثقف العلماني وتحكم عليه بالنفي الدائم حيث لا بيت أو بيت اللابيت أو وطن اللاوطن، أو حيث الفضاء اللامتناهي من الاحتمالات والتراجعات وأسئلة الأسئلة.

قدره هو أن يصطدم، يواجه، والمواجهة التي تصير المثقف مصلوبا فاديا لاستقلاليته هي في الآن نفسه باعثا لتعالقات قدرية لا تنتهي مع السياسة "أيضا بمفهومها العام" إن كل ما هو ثقافي هو سياسي في جوهره، ثمة اتصال عضوي بين الأقنومين، والفصل هنا بالنسبة لادوارد سعيد يقود حتميا إلى قتل وإفناء كامل لكينونة الذات المفكرة: "فما إن تكتب مقالا يعني دخولك مباشرة في السياسة" فالسياسة في كل مكان ولا مجال لأي نشاط ثقافي لا يستدعي أثرا سياسيا والعكس بالعكس.

هذا يعني أن الفعل الثقافي هو في الصميم فعل مخاطرة وتهور، لا ينفك يطرح الأسئلة المربكة ويكسر الجمود، والجمود قد يكون سلطة أو دين أو ثقافة أو عادات أو تقاليد أو سياسة دولية، لكنه في كل هذه الحالات يستمد سطوته من قدرة التعميم الماثل اليوم في إمكانات اتصالية جبارة تستحوذ عليها وسائل الإعلام والصحافة، مما يشكل مزيدا من التحديات والضغوط للمثقف العلماني والحر، لأن التعميم يرتبط بنشاط مماثل يحد من الإمكانات المفتوحة للذات المفكرة، فإلى جانب التعميم تكمن القولبة والنمذجة والتنميط، المثقف هنا هو ذلك الكائن الذي يشاهد السينما ويدخن السجائر ويقبل الجباه ويقرأ رواية أو شعرا أو نصا فلسفيا ويحترم الاختصاص، أو كائن منتم يؤمن نسقيا بجملة من المبادئ أو الأفكار أو القيم العابرة للتاريخ والثقافات، أي تلك المجردة عن الأزمنة والأمكنة.

كيف يرى إدوارد سعيد المثقف؟ هل هو المثقف العضوي كما يتبدى لغرامشي، أم هو المبدئي المتعالي؟

هل هو المتخصص أم المحترف أم الهاوي؟

بإزاء هذه الأسئلة وغيرها يحاول صاحب الإستشراق أن يرسم صورة صادمة أو غير مريحة لدور ومهمة المثقف تحيله إلى متسكع بين الأرصفة، لا يقبل إلا ببيت اللابيت أو وطن اللاوطن.

مع إدوارد سعيد يكون الفكر سياحة ممتعة وشيقة في عوالم المثقف الداخلية والخارجية، في توجسه واشتباكه مع السلطة أو ضدها، في احترافه أو خروجه عن القولبة والتصنيف، في قلقه أو طمأنينته، في تبعيته أو استقلاليته..

احتمالات وصور عديدة تحتشد في صورة مركبة تنسجها ريشة الكاتب اللامع إدوارد سعيد، صورة ستنحاز إلى المثقف المفارق المتجاوز لذاته أبدا، المثقف بصفته الكائن اللامنتمي إلا لتلك الآلهة التي تجمعنا والتي هي وحدها لا تفشل: الحرية والمعرفة !!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البغدادي يلقي الضوء ويرحل
- سعودة الحداثة !
- المشروع التغييري والمسكوت عنه: الشيخ الصفار أنموذجا
- حين يكون -جان كالاس- سعوديا !
- التصوف كخطاب تنويري
- التشيع والشيرازي وفلسفة التاريخ *
- عندما يتحول التاريخ إلى دين -3-3-
- عندما يتحول التاريخ إلى دين (2-3)
- عندما يتحول التاريخ إلى دين (1-3)
- ماراثون القطيف وصديقي المتشائم
- تمرين على السياسة الشخبوطية !!
- من اللاهوت إلى علم الأديان: محاولة للفهم
- ما وراء كلمات العريفي
- السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي
- بين المتدين الأصولي والشامان
- البطولة الزائفة
- أنفلونزا التبشير المذهبي
- ذهنية التحريم في العقل الشرعوي
- عيد وطني ينقصه وطن !!
- حول اشكالية العلمانية في الاسلام


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نذير الماجد - لا تبن لك بيتا