أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - عقلهم .. ونقلنا















المزيد.....

عقلهم .. ونقلنا


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 20:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ألح هنا على ما تعلمونه جميعا عن مدى تردى الأوضاع فى بلادنا، و لعل أظهره و أخطره هو ما نراه على شبابنا الذين تتمنى أى أمة وجود مثلهم لديها،و مع ذلك لا تعرف ماذا تعلم هؤلاء ومعظمهم لاعلم لديه بالمعارف السيارة المعتادة و القوانين العلمية التأسيسية التى كنا نعرفها فى المراحل الابتدائية،،ولا يفقه معظمهم حتى فيما تعلمه وتخصص فيه و تخرج عارفا به متمرسا كي يسستحق الدرجة، و تكتظ شوارع مصر بالعاطلين بينما الشركات و المصانع تستورد عمالة هندية و كورية و صينية و يابانية،لأن تلميذنا الذى تخرج ربما بامتياز ، عندما يذهب لاختبارالتوظف فإنه لا يعرف شكل الجهاز الذى درسه ، و لا كيف يتعامل معه.و انقرضت عادة القراءة أو انعدمت تقريبا، خاصة الكتب الفكرية و الأدبية و الفلسفية و التاريخية المحترمة،و عدا ذلك فهو يقرأ تراثه بكل تقوى و يقيم الشعائر بانتظام، و منفلت قيميا بانتظام أيضا، عندما يصادفك فى التلفزيون برامج (توك شو) لشباب دول مختلفة فى قضية للنقاش أو لتعقيب تلفزيونى، ستجد أجهل و أتعس المتصلين و أفقرهم معرفيا و أشدهم تعصبا لأوهامه هوالشاب المصرى،حتى تتمنى لو يخرسه الله أو ينقطع الإرسال لأسباب مصرية ،حتى أصبحنا مسخرة الشعوب و محل تندرها،اليوم الهندى فى بلاده عندما يجد هنديا آخرا أهطلا و أبلها يتندر عليه بالقول :هوه إنت مصرى؟ شاهدت ذلك فى مقطع من فيلم هندى منشور على اليوتيوب !!
و الشئ بالشئ يذكر ،فأذكر عندما تفاقم هذا الانحدار المصرى محاولات إيقاظ و انقاذ فنية واكبت العمل العلمي المجتمعي والنقدي ، خفتت و تلاشت ،منها عمل الفنان نور الشريف حوالى خمسة أشهر على إخراج مسرحية عن مصر القديمة كتبها هو و أخرجها و مثلها شباب مبتدئين،و ذلك فى مسرح الهناجر لتعرض لمدة أيام،و هو رجل تعد ساعاته بألوف الجنيهات .و اكتفى الرجل بهذه الأيام القليلة مكافأة ،و أذكر أيضا أنه اعتمد فى مسرحيته بالكلية على كتابى (أوزيريس و عقيدة الخلود فى مصر القديمة) بل و عندما كانت تذكر نصوصا قديمة كان يذكرها بترجمتى الخاصة لها،و إبان العرض كانت الجوقة تذكر أسماء المراجع العلمية لهذا العمل العظيم،ووجدت الأستاذ نور قد عرض مراجعى التى اعتمدت عليها و أسماء أصحابها دون أن يذكرنى بكلمة.
و عندما وجدنى الرجل أمامه فى طابور المهنئين تفاجأ و تلعثم فى أدب و اعتذار و خجل قلق، حتى كاد ينحنى ،و هو قامة و نجم كبير ،لذلك يحترم القيم و يجل المفكرين، قمت ألتمس له العذر صادقا،لأن إسمى وقتذاك كان وجوده ربما كفيلا بعدم مرور المسرحية، لذلك لم أعتب على الرجل بل أنا من خفف من روعه احتراما لإخلاصه لمثل هذا العمل الغير ذى كسب و لا غرض إلا مصرنا الجميلة،كان المهم أن تصل الرسالة للناس بغض النظر عمن اوصلها.
لكن الذى ألاحظه هنا ان الفنان نور كان فيما يبدو قد فقد الثقة فى عقول المشاهدين مع انتشار ثقافة القطيع،رغم أن مسرح الهناجر هو للخاصة المثقفة،فأى حال وصل بنا حتى نتسلل وسط الصفوة و نتحايل لنقول كلمتنا بمنأى من غضب القطيع؟!
بعد هزيمة 1967 و ظهور نداءً " إن الله لا يصلح ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم"، سلمنا لأصحاب النداء مصرنا ليقيموا فيها صحوتهم الإسلامية،كبديل عن الهزيمة و تعويضا عنها،و ربما أمكنهم لو أخذوا كضرورة للتقدم بعض العلم و المعرفة عن البلاد المتقدمة ، أن يكونوا قاطرة للحداثة تأخذ معها شعبنا الطيب بإيمانه الفطرى و العميق ليسير مع مشايخنا نحو النور،و لكن ما حدث بعد الصحوة.و النداء و اعتبار أن الإسلام هو الحل الأوحد لكل مشاكلنا ، هو أننا وصلنا إلى ما ترون أمامكم من انهيار تام لكل القيم و الأخلاق و اختفاء الضمير، و أنزوى الإخلاص للعمل فالموظف إما مشغول بأداء الصلاة أو بالقراءة فى القرآن ليكسب ثوابا على حساب الخلق المعطلة أعمالهم، ثم يرتشى منهم و يسب و يلعن و يفعل كل الموبقات ،و لم يعد أحد يذكر أن من جد وجد و أن من زرع حصد ، الكل يخطف و يجرى،يحيطك علما أكيداً أنه المهندس الصالح الماهر الخبير ليدمر لك جهازاً باهظ الثمن لتكتشف من بعد أنه كان بيعمل أى حاجة كى يأخذ مالا و خلاص،و الأنكى أن يطلب بعد ذلك يوميته على الأقل بعد الخراب و بكل بجاحة! أصبح الكل يمد يده إلى جيب الكل ، مع خراب هائل فى الضمائر،و يقتلك من أجل أن يستولى على بضعة مئات أو ألوف من الجنيهات ،أو يطلب الرشوة بشكل فصيح فى طابور ينتظر تأدية الجزية أو الرشوة لينهى عملا حكوميا سليما لا غبار عليه ، لكن عدم الدفع يعنى تعطيل المعاملة حتى لو كانت سليمة ،أما فى التعليم فقد أصبحت قاعدة أن يكتب المدرس حلول الامتحان على السبورة للممتحنين و يكون هو السائد،و إذا تصادف وجود مراقب عنده ضمير يمنع الغش،يتعرض للضرب و التنكيل من أولياء الأمور، و تصل صوانى العشاء للمراقبين بالمدارس فى المراكز و القرى و النجوع فى كل ليلة لينجح الكل و يفشل الكل.
أصبحت كليات الشرطة و القانون المفترض فيها أنها تخرج لنا أهل الأمانة و أهل العدل من ابناء أصحاب المحتد الأصيل و الأصول الكريمة، كى يكون القائم على حماية الناس و العدل بينهم ، شبعان من بيته عفيف النفس ،ليمارس عمله دون انحياز و دون أن يرتشى ،أصبحت لهذه الكليات أسعار للقبول بغض النظر عن تاريخ الطالب المجتمعي والسلوكي أو الأخلاقى أو الأسرى ،و مادام قد دفع فهو يريد استرداد المدفوع مع الفوائد و العوائد عند استلام عمله ، فكان الخراب فى أبشع معانيه . تجدهم يلتحون و يؤدون الصلوات الجاهرة و يسرقون أراضى الدولة و يعتدون على المال العام و يهربون بقروض البنوك، و ينتقبن و لا يخلصن عملا فيموت المريض و تخرب الآلة ،لأنه لا يحترم العمل و لا وقته و لا الآلة، هو يحترم الشيخ أو القس فقط،لأنه لا يعرف من هو إديسون و لا من هو داروين و لا من هو ماكسويل و لا من هو نيوتن،و لا يجلهم و ينحنى احتراما أمام أسمائهم بحسبانهم العباد الصالحين حقا وصدقا، بل هو يسخر منهم وفق مبدأ العلم لا يكيل بالباذنجان، بينما هو ينحنى ليقبل يد رجل دين جاهل متخلف ، طالبا بانحنائه الخاضع دعم السماء لخيبته و عاره و الصفح عن جرائمه و آثامه ، لذلك تغرق العبارات البحرية بالبشر لأنها تسير على بركة الله دون أى عوامل أمان ،و تحترق القطارات و تضرب بعضها بعضا و يختلط لحم و عظم الناس بالعجينة الحديدة لأن منسق القطارات من جماعة سيبها لسيدك ، قد ذهب ليكسب ثواب صلاة الجماعة و لم يأخذ محموله معه ليتابع أوامر التسيير و السلامة . ترى بماذا يمكن الحكم على جريمة ضد الإنسانية يرتكبها شخص كهذا؟
حتى الفن قرر الالتحاء و التنقب بالسينما النظيفة و الفن الملتزم .قبل هذا التراجع النكير كان الفنانون الكبار لا يكتفون بقراءة الأعمال الكبرى لمفكرى الوطن،بل كانوا يتواصلون معهم إنسانيا طلبا لمزيد من الفهم و المعرفة،كان الفنان صلاح السعدنى و يحيى الفخرانى و محمود الجندى و غيرهم كثير يزوروننى ببيتى المتواضع، سألت مرة صلاح السعدنى الذى هو قامة متفردة فى خصوصايتها الفنية:متى تجد وقتا لتقرأ كتبنا و تتزاور معنا ؟ قال: إن هذا بدوره وقت مدفوع الثمن فأنا أشحن بطارياتى و أقوم بتزييت موتور مخى ، وهذا ينعكس بالضرورة على ذاتى أولا لأنه يكسبنى ثقة و زهو بالذات العارفة، و من ثم ينعكس على فنى بدون قصد و تدبير إنما بإشعاع داخلى على الأداء .لذلك لا تجد للسعدنى فناً هزيلاً بالمرة.
هذا بينما منذ أسابيع شاهدت حلقة حوارية مع فنانة إنتاج هذه الأيام هى غادة عبد الرزاق، و عندما سألتها المذيعة عن مفكريين مصريين أعلاما، أجابت بابتسامة متعالية ساخرة أنها لا تعرف من هؤلاء و انها ليست فى حاجة لأن تعرف !!
هذا هو الفرق!! و صورة للمجتمع تعكس ما حدث للفن كآلية مجتمعية.

و على المستوى الدينى يحدثنا الشيخ يوسف القرضاوى عن قيمة العلم فى كتابه العريض الغليظ فى القيم الإسلامية ص 110 "قيمة الحث على طلب العلم ،و السند فيها إلى آية: قرآنا عربيا لقوم يعلمون / 3 فصلت " !!
الرجل الذى لم يجد لديه ليعرفنا بأهمية العلم و قيمة العمل التى تميز الإنسان عن الحيوان سوى هذه الأسطر المقدسة ، التى تحث العرب لقراءة القرآن باللغة العربية كى يعلموا ما فيه و يفهموه ، و من ثم يصبحوا من العارفين.لا مكان هنا لفيزياء و لا لكيمياء و لا لكهرباء ساكنة و لا حيوية و لا لعلم جيولوجيا و لا فضاء و لا انترنت و لا لعلوم البيولوجيا . العلم شرطه يكون بالعربى و يكون من القرآن بس ، فالقرآن سيعلمه بعربيته فيصبح المسلم عالما علاما.
طبعا نحن نعلم بآيات كثيرة لحث النظر فى الوجود تبدأ بإقرأ و تكرر أنها لقوم يبصرون و يفقهون و يعقلون و لأولى الألباب ، و لكن ليس لمعرفة هذا الذى تحث فيه النظر فى ذاته و لذاته ، و كيف يعمل؟ و لماذا يصح بعضه و يذبل بعضه و يموت ؟، لنعرف قوانينه و نتدخل فيها لإستمرار صلاحية الصالح و تنميتها و الكشف عن قوانينها و أصلح السبل لتطبيق هذه القوانين ، ليس هذا مطلبنا ،طلبنا حسب مشايخنا ان نحث النظر فى السماء و الأرض و المخلوقات لتكتشف لنا عن عظمة الخالق، و جليل صناعته ، و ليس المقصود تحقيق أهداف الدرس و البحث و النظر لمعرفة كيف تعمل الطبيعة، نعم نعلم بالقول :أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد " و المقصود بدوره علوم الدين و القرآن ، و حتى عندما نعثرعلى حديث ربما يشجع على طلب العلم فى علوم الدنيا مثل :أطلبوا العلم و لو فى الصين، فليس فى الصين علوم قرآن و لا حديث ولا فقه،عقب عليه محدثونا و فقهاؤنا بأنه حديث ضعيف و هو من الموضوعات و ليس من الصحاح.
نقلب صفحات كتاب الشيخ قرضاوى عسانا نظفر بقول واضح فى قيمة العلم و العمل بموجب ماتعلمه الدنيا عن هذا العلم،
فى صفحة 110 يقول فى قيمة العلم " و قال تعالى : و علم آدم الأسماء كلها". باعتبار ذلك قيمة علمية ربانية حرص معها الرب على تعليم مخلوقه لتأسيس قيمة العلم والمعرفة ، دون أن يوضح لنا كيف نتعلم نحن بدورنا هذه الأسماء، و لا ما هى هذه الأسماء ،و هل كان بينها اسماء كالكهرباء و الفيروسات و المضادات الحيوية و التلفزيون و الكمبيوتر و المرسيدس أو الهمر؟هذا هو ناتج العلم و العمل البشرى الواضح أمام عيوننا و له مدارس و جامعات لمن أراد الفلاح، أما أن يتعلم آدم الأسماء كلها أو لا يتعلمها أو يتعلم بعضها أو ينساها دون أن يؤثر ذلك فى حياتنا إيجابيا ، فكله يصبح لا علاقة له بقيمة العلم الذى وضعها الشيخ عنوان لفصله بالكتاب المذكور ،لا علاقة لها بمعنى العلم اليوم. و يثابر الشيخ ليؤكد ما وجده عن العلم بمعناه المعاصر فى دين الإسلام قبل ان يظهر هذا العلم نفسة بأسمائه ومصطلحاته . بقرون متطاولة ، و ذلك فى تكراره ما سمعناه الوف المرات و لم يصنع علماء و لم ينتج علما ،ليس أكثر من كلمات ذات إيقاع و رنين طربا للسامعين و رقة للأرواح ، لكن دون أى فعل فى الواقع لأن الإسلام دين كريم فقط و ليس كتابا فى علوم البشر ،يقول الشيخ الآيات : "قل هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون /9/زمر"، و هى قاعدة منطقية سليمة ،لكن ما هو العلم المقصود هنا حتى نتعلمه،و إذا كان أصحاب التفسير العلمى للقرآن يؤكدون أن كل العلوم موجودة فى القرآن و الحديث، فلماذا لا يدلوننا على مكان ذلك فى مقدسنا لنكتشف و نخترع قبل الغرب الفاجر العارى و نسبقهم حضاريا ، لا يقولون لك سوى كلام ابن عم كلام، يرص الشيخ قرضاوى الآيات رصا "إنما يخشى الله من عباده العلماء /28 /فاطر"،و بعدها يشرح مستنتجا فيقول :"ان القرآن هو أعظم كتاب ينشئ العقلية العلمية التى تنبذ الخرافة و تتمرد على التقليد الأعمى للأجداد و الآباء.. و ترفض الظنون و الأهواء..و لا تقبل دعوى إلا ببرهان قاطع من المشاهد المؤكدة فى الحسيات و من المنطق السليم فى العقليات،و من النقل الموثق فى المرويات "و قد استنتج فضيلته هذه المعانى كلها من آيات ثلاث،هى على الترتيب"و إذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفنا عليه آباءنا و لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا و لا يهتدون / 17 /البقرة"،"و لمالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن/28/النجم"،"قل هاتوا برهناكم إن كنتم صادقين/111/البقرة".و الآيات الثلاث تتحدث عن علم و هدى و برهان مقابل ظنون غير صادقة، و من ثم يظل العلم المقصود هنا هو العلم بالدين و بالقرآن بالذات ،و لا علاقة لهذا العلم بالعلوم الإنسانية و الفيزيائية التى تبنى الحضارات و القيم و الكرامات الإنسانية ، إنما هى آيات كريمة لتعميق الإيمان بدين أكرم فقط ، وليس أبعد من ذلك .
و تحت عنوان القيم الإنسانية يكتب القرضاوى عن قيمة العلم الإنسانى كقيمة إنسانية، رغم أن كل ما عرضه يتعلق بالعلم بالدين وحده، و ليس العلم منشئ الحضارات ، فيقول ص 113 تحت عنوان :العلم : " و علماء الإسلام متفقون على أن طلب العلم فريضة على أى مسلم و مسلمة ، ومنه ما هو فرض عين و منه ما هو فرض كفاية ،ففرض العين مما لا بد للمسلم أن يفهم دينه و عقيدته و كتاب أمته ،و هو كل ما به قوام الدين و الدنيا للجماعة المسلمة ، لهذا قرر فقهاء المسلمين أن تعلم الطب و الهندسة و الصناعات و غيرها من فروع العلم التى تقوم عليها حياة الناس فهو فرض كفاية "
و فرض الكفاية هو ما يكفى أن يقوم بعض المسلمين ليسقطوا تحصيله عن بقيتهم.
المهم ان الشيخ يعلم أنه فى قرآننا و حديثنا أى فى جوهر ديننا لا يوجد لا طب أسنان أو قلب و لا هندسة ولا صواريخ و لا مصانع ،لذلك هو يترك تعلمها اختيارا لمن أراد فرض كفاية ،لأن فرض العين على جميع المسلمين هو العلم الذى به قوام الدين و الدنيا،هو الدين وحده.
لا زال شيخ مشايخ المسلمين يشرح ليؤكد قيمة العلم فى الإسلام فيقول ما نصه:" و لم يعرف فى هذه الحضارة ما عرف فى أمم أخرى من الصراع بين العلم و الدين،أو بين الحكمة و الشريعة أو بين العقل و النقل، بل كان كثير من علماء الشرع أطباء و رياضيين و كيميائيين و فلكيين مثل ابن رشد و الرازى و الخوارزمى و ابن النفيس و ابن خلدون ".
و مما يثير حيرتك و دهشتك مع مشايخنا أنهم يكنون أشد العداوة لتلك الأسماء الجليلة المذكورة من حكماء العرب القدامى ،و لا يتذكرونهم و يستشهدون بهم إلا من باب القرعاء عندما تتعاجب بشعر بنت أختها، و لأن هذه الكوكبة ظهروا بسرعة و اختفوا بسرعة، فى بداية الدولة العباسية عندما فصلت إلى حد بعيد الدين عن الدولة ، وجعلت الخليفة مشغولا بالسياسة نهارا و تحويل قصره من بعد إلى ملهى ليلى أحيانا و ناد ثقافى أحيانا، و جعلت للدين إماما دينيا لينال نصيبا من نعيم القصر، و لأن قصور الخلفاء كانت تعرف التسامح فى بعض العصور كما زمن هارون الرشيد و الأمين و المأمون ، و رغم ذلك فإن ابن رشد عندما عندما حاول أن يقول قول قرضاوى باتصال بين العقل و النقل أو بين الدين و العلم فى كتابه :"فصل المقال فيما بين الحكمة (أى الفلسفة و العلم البشرى) و الشريعة من اتصال " ، قام عالم المسلمين و لم يقعد إلا بعد حرق كتبه و تكفيره و نفيه بقيادة من الإمام أبى حامد الغزالى الذى تصدى للفلسفة و المتفلسفين اي للعلم البشري بمعناه الواسع ، و كانت الفلسفة هى علوم الإنسانية الفيزيائية الكيميائية و الموسيقى و الطب و الهندسة و الفلك ، يجيدها الكاهن أو الفيلسوف،و كتب لها الغزالي خصيصا كتابه تهافت الفلاسفة ،و لما رد عليه ابن رشد بتهافت التهافت ،تم القضاء على الرشدية و دخلنا غيبوبة تخشبية لم نصح منها إلا على حوافر خيول الاستعمار الحديث. و المعنى ان كلام قرضاوى هنا عن اتصال العلم البشرى بالعلم الإلهى لو قاله ايامها لحدث له ما حدث مع ابن رشد ،و ما حماه سوى أنه ألقى عبارته فى هذا الكتاب و لم يعمل بها كما عمل ابن رشد،و لم يكرس لها المؤلفات الفلسفية الكبرى وعلوم المنطق إضافة لعلوم الدين كما كرس بن رشد،الشيخ بيقول كلام و بس، مجرد كلام لا ظل له فى الواقع عندنا سوى رأى واحد هو رأى ربنا الذى يعرفه الشيخ و الخليفة، وعدا ذلك لا أحد له رأى أو قول، فماذا سيقول الإنسان أمام قول الإله و النبى ووريثهم الشيخ الفقيه؟
و فى ظل هذا المناخ قطعت أيدى ابن المقفع صاحب كليلة و دمنة ،و ذبح الجعد بن درهم يوم الأضحى فى المسجد و جلد الإمام أحمد، ولم يسلم فقيه واحد من الأذى ، والفيلسوف ابن الرواندى والرازى و المعري اعلنوا كفرهم و الحادهم وكان ذلك زمن التنوير العباسى من الرشيد الى المأمون دون أن ينالهم أذى ، وبعدها عاد الصلب وتقطيع الأوصال ، فصلبوا الحلاج و ذبحوا السهرودى و القائمة تطول.و عندما يقدم لنا شيخ المشايخ تاريخنا على غير حققيته فإنه لا يرضى لنا بالصدق و الحق،وهو بذلك يعود المسلمين على اعتقاد الباطل الزاهق،والكذب على الذات لمداراة المعايب وليس نقدها ، و يعلم هو و غيره من مشايخ انهم لو كانوا انصار علم حقا لأفرجوا عن الكتب الممنوعة فى بلادنا حتى اليوم و هى ليست أكثر من كتب .أى هى علم او فن روائي اوبحوث او دواوين اشعار لا تحمل سلاحا ، هي كلام فقط ، بل أن المسلمين هم المبدعون الحقيقيون للمصطلح المتضاد المتصارع (العقل × النقل) ،و كما كفروا العقل و منعوه من التفكير لصالح النقل ،يفعلون ذات الشئ اليوم يقتلون التعددية والليبرالية العلمانية لصالح النقل وان يصبح الكل متشابهين على نفس الملة بل ونفس المذهب ، أويكون خارجا على الجماعة نهبا لمن يطاله باللسان أو بالسنان ، بينما العلمانية التي هي المشترك لكل ملل ونحل المواطنين عل التساوى و الحامل الحقيقى للعلم و العمل و الحرية و الكرامة الإنسانية ، باختصار هى الحضارة.
لأن مشايخنا يرون أن العلم فرض العين هو الأصل وحده، لذلك يتم رفض أى طريق آخر لحل مشاكله المجتمعيه سواه ،فالثانى فرض كفاية قد تأخذ به أو لا تأخذ ،ثم إن أخذت به لابد أن تمرروه أولا على ذائقة الفقهاء و الوعاظ لتمنع او لتسمح وتحرم وتحلل أو تقتل لذلك يستحسن تركه،لأن القرآن و السنة و السلف الصالح لم يتركوا شيئا للخلف ليفكروا فيه بعد أن فكروا هم فى كل شئ و حسموا كل شأن و تركونا على الواضحة التمامية.



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستبداد الشرقي فقيه نموذجي
- هل عرف النبى والصحابة شعار الإسلام هو الحل ؟
- أنا و الاخوان
- هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟
- عار علينا أن نكون همج القرن الحادي والعشرين
- أولاد الأبالسة
- تسونامي : يد الله الباطشة ؟!
- نحن ميراث العرب
- نحن مازلنا قرودا؟!
- الدين الرسمي والإسلام الأصلي
- قانون روما وقانوننا
- لقد عادوا بنا للعصر الحجري
- الاستبداد بمساندة السماء
- اساتذة العلم فى بلادنا
- قمة السقيفة قراءة مخالفة
- تبسيط مفهوم القيم
- ما نشرتة مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية عن حوارها مع سيد ال ...
- ظاهرة التكفير في ميزان العقل و الدين
- زواج القاصرات
- اليوجينيا الوطنية


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - عقلهم .. ونقلنا