أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - المحنة ودراسة السينما في اليمن















المزيد.....

المحنة ودراسة السينما في اليمن


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 19:48
المحور: سيرة ذاتية
    



لم تمضي فترة طويلة على وصولنا إلى دمشق , هذه المرة الأولى التي أزورها , اندهشت بتحضرها , وجمال شوارعها , وأسواقها , ونظافتها , واستغرقت في رؤية جمال نسائها . ليس اندهاشي لهذه الأسباب وحدها , فقد مضى علي ما يقارب العقد من السنين لم اعش في مدينة , وكدت أنسى الكثير من ضرورات العيش في المدن . ولولا مروري في طهران , وبقائي فيها لأكثر من شهر قبل أن اصعد الطائرة إلى دمشق , لما استعدت عادة السير على شوارع الإسفلت, والتروي في عبور الشوارع وتفادي ازدحام العجلات التي لم أتعود على كثرتها وسرعتها بهذا الشكل , رغم نشأتي في بغداد . رائحة المشويات يتفنن السوريون بمضاعفة تأثيرها , الشاورمة أو ( الشارومة ) كما يسميها ابو روزا تدليلا لها, تستحل رائحتها الأنف واللسان والأذن وجميع الحواس , تجبرك على تتحسس جيوبك رغم امتلاء معدتك . الواجهات الزجاجية اللماعة لمحلات عرض الملابس في الصالحية , ولوحات النيون الضاجة بألوانها , تجعلك تتهيب في فحص الملابس المعروضة بطريقة مغرية , واكتفيت ببنطالي الجينس اللذين ابتعتهما من طهران . سلام كان يتفحص الملابس الداخلية النسائية , ويقارن بينها . تفاجئ بصوتي من خلفه وكأني لزمته متلبسا : لازم الله وفق ؟ التفت : لا والله بس نتفرج . في حياة البيشمركَة لا توجد نساء عدى الرفيقات , وجميعهن متزوجات , وطيلة هذه السنوات لم يتسنى لنا التواصل مع النساء , واغلب الرفاق اخذوا يشعرون بتقدم العمر , وبعضهم تزوج بسرعات قياسية في سوريا , وآخرون يجهدون في صداقات قد تؤدي إلى زواج , وسلام ليس من الذين تزوجوا ولا من الذين صادقوا .

سورية محطة زمنية فاصلة , جرت أثناء التواجد فيها أحداث كبيرة , أبرزها توقف الحرب العراقية الإيرانية , وازدياد جبروت صدام الداخلي والعربي باعتباره حامي ( البوابة الشرقية ) كما يردد إعلامه وإعلام العربان . وسيطرة بوادر انهيار النظام الاشتراكي بعد أن سقط النظام في بولونيا وجكيسلوفاكية , وبداية انهيار وتفسخ المرجعية الثورية العالمية بعد تطبيق البرسيترويكا , وما تركته من تهشيم لمجمل التقاليد الثورية . كانت فاصلة التحول بين مرحلتين واضحة , انهيار النظام الاشتراكي , وانتصار النظام الرأسمالي وتفرده في قيادة العالم بعد سبعين عاما من الصراع بمختلف أشكاله , وما رافق طريق الخاسرين من آلام وضحايا وخسائر كبيرة . وفي هذه اللوحة , وجدت بعض الأسماء نفسها تتصدر المشهد في دمشق , واستغلت وجودها في المنظمة الحزبية , وتاجرت باحتياجات الأنصار والرفاق. ومورست ذاتيات كانت صادمة للأنصار الذين تعودوا على التضحية بكل شئ , حيث توقعوا اهتماما يليق بهذه التضحيات.

في وقتها كان اللجوء يصور من قبل البعض على انه ارتماء في أحضان المخابرات الغربية , لان اللاجئ سيسلم كل المعلومات التي بحوزته عن الحزب والحركة إلى مخابرات الدولة التي سيلجأ إليها , على نفس طريقة نظام صدام , وهذا ما هيب الكثير من ألأدباء والفنانين والصحفيين من التصريح بنيتهم في الذهاب , رغم ان اغلبهم كانوا قد جهزوا جوازات سفرهم , وبطاقات طائراتهم , وباقي متطلبات السفر . كان اغلبهم يبقى ساكتا عندما يأتي الحديث عن السفر , وبعضهم يحاول أن يثني البيشمركَة من الذهاب , واحد الإعلاميين البارزين قال : كيف تتركون كل تاريخكم وتذهبون إلى الغرب ؟! وفي كردستان قرأت له رسالة بعث بها لأحد أصدقائه الأنصار ولا أزال أتذكر كلماته : انتم حدقات عيوننا , ونظرنا . وبعد أسبوع اتصل من لندن يطمئن على سلامة وصوله . كانت روح التشبث بالحفاظ على تأمين مصدر الرزق , والخوف من الضياع , هي التي سيطرت على الأغلبية التي عاشت في المنافي , وماذا سيعملون ؟! وأصغرهم شارف على الخمسين من العمر . ومن جهة أخرى كان اغلب الأنصار يعانون من إصابات وأمراض وإنهاك نفسي , ورغم ذلك كانت تقديرات اغلبهم إنها ليست هزيمة بقدر ما هي خسارة معركة , وقسم كبير منهم آثروا البقاء أو عادوا إلى كردستان بعد فترة قصيرة , وشاركوا مع الذين استمروا في كردستان في انتفاضة شقلاوة التي قادها الشهيد سعدون , وفي انتفاضة كردستان امتداد الانتفاضة العراقية الجبارة في آذار عام 1991. ورغم كل هذه الصعوبات تمكن الحزب من إيجاد عشرات الزمالات الدراسية للأنصار, الذين كانت رغبتهم إكمال دراستهم التي قطعوها سابقا والتحقوا بكردستان .

أبو عواطف كان من بين الأنصار ( المحظوظين ) الذين حصلوا على زمالة , وكانت دراسة فنية – اعتقد سينما – لمدة أربع سنوات في عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية , وكاد أن يطير من الفرح نتيجة الحصول عليها , وبشرنا بأنها تتناسب مع رغبته وإمكانياته الفنية . إلا أن قريبه أبو سيف سأله بعصبية : ولك يا إمكانية فنية هاي ألعندك؟! ما تعقل ؟! اكو باليمن فن ؟! وجماله سينما ؟! لو دولة اشتراكية أوربية على راسي , لكن فن باليمن ؟! وليومين حاول







إقناعه بتركها ولم يتمكن , كان أبو عواطف متمسك بحصوله على الزمالة الفنية واتهم أبو سيف بالغيرة منه . طلبت من أبو سيف أن يترك الموضوع علي كي أقنعه . صديقي رياض لم يكن نجارا , ولكنه عمل في معمل نجارة كهربائي في دمشق , بانتظار ذهابه إلى كردستان , وفي زحمة العمل بتر كفه الأيمن , فأراد الحزب أن يجد له مكانا يستقر فيه , فأرسله إلى اليمن الديمقراطية , وبعد ( استقراره ) هناك قام بمحاولتي انتحار وليس واحدة , وينقذ في الرمق الأخير في المستشفى . جلس مع أبو عواطف لساعة واحدة فقط في إحدى بارات باب توما , خرج بعدها أبو عواطف واستأجر تكسي مباشرة إلى مكتب الحزب المقابل للجامع الكويتي , واخبر الرفيق الخفر أن يتصل بمسئول المنظمة ويخبره برفضه للزمالة , وسيسلم نفسه إلى العراق ولا يذهب إلى اليمن , إن لم يلبوا طلبه .

وصلت موسكو , ووجهتي احدى دول اللجوء . منظمتي الحزب في دمشق وموسكو ساعدت الكثير من الرفاق في الوصول إلى دول اللجوء , وكذلك من الإخوة في الأحزاب الشيعية . كانت موسكو نقطة العبور إلى أوربا الغربية . في اليوم الثاني دعاني مسئول منظمة الحزب في موسكو لقضاء أمسية في احد الكازينوهات , وكان يضحك في التلفون بشكل ملفت وأكثر مما هو ترحيب , كان صديقي , ويمتلك تاريخ بطولي في البيشمركَة . بعد تناول القدح الثاني قدم لي الهدية التي وعدني بها في التلفون , وهي رسالة من احد رفاق مكتب منظمة الحزب في دمشق التي قدمت منها , يذكر فيها إنني أسافر على مسئوليتي , وهم ( الحزب ) غير مسئولين عن مساعدتي , وهذا يعني إنني اخرج بدون موافقة الحزب . وحقيقة الأمر أني لم استلف من الحزب أو اطلب مساعدته ماديا . ولم اعرف لحد الآن سبب موقفه هذا , عدى إنني في كردستان سخفت تقديره وهو عضو لجنة مركزية عندما قال : "إن النظام الصدامي أصبح ضعيفا بعد احتلال الفاو من قبل الإيرانيين" , وكنت في وقتها قادما من بغداد . رسالة عضو اللجنة المركزية هذه حملتها مع البريد الحزبي الذي كلفت بنقله إلى منظمة موسكو , وسلمته إلى الرفيق الذي استقبلنا في المطار , وحجز لنا السكن في احد ضواحي موسكو . الرفيق الثالث الجالس معنا استغرب أن يصدر هكذا تصرف من الحزب بحق رفاقه , وسألته : ما علاقة الحزب بهذا التصرف ؟! كان اغلب الرفاق يعتبر التصرفات السيئة لبعض المسئولين على انه موقف حزبي , ولهم الحق في كثير من الأحيان بسبب طبيعة العمل آنذاك , وحدثت الكثير من التراكمات بسبب ذلك.

كان البعض منا ونتيجة الظروف القاسية التي عشناها يرهن استنتاجه بالصح فقط , وينسى انه يعمل في حركة بشرية يمكن أن يكون اجتهادها أو اجتهاد الأفراد في داخلها على خطأ . كان للإصرار على هذا النهج من قبل البعض من الشيوعيين , سواء من داخل التنظيم أو من خارجه قد خلق الكثير من الصعوبات , والنتيجة هي خسارة الحزب والحركة للكثير من الطاقات الحقيقية . ومما زاد في تركيز هذا التعصب هو الإجماع على خطأ قرار إقامة الجبهة الوطنية مع البعث , وما رافق هذا الاتفاق من كشف للقواعد الحزبية , والثمن الرهيب الذي دفعناه عندما تنكر البعث لاتفاقه , وكشف عن الوجه السافر لفاشيته . هذا الفشل , والصراع الشخصي الذي استنزف القيادة, خلق عند البعض حاجز نفسي يفسر كل ما يصدر عن القيادة بالريبة , سواء للقيادة التي عقدت اتفاق الجبهة أم للقيادات التي خلفتها . لقد تخلصت الكثير من الأحزاب الشيوعية من العقيدة السياسية لهيمنة المركز العالمي ( الاممي ) , وهذا لا يعني الخروج من القيود التنظيمية القديمة بمجرد انهيار هيكل التنظيم السياسي السابق , بل تبقى رواسب العمل فاعلة بدرجات متفاوتة . ويطالب البعض بنتائج أسرع, ولا يأخذ بالحسبان تعقيدات الوضع العام, وبالذات في وضعية المجتمع العراقي , ومن الممكن ان تكون هذه الترسبات ليست عائقا فقط , وإنما قد تفشل مشروع التجديد برمته .



#تقي_الوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجبة غذاء في احد مقرات الأنصار
- حكاية نصفها أنصارية
- الدوامة العراقية والحمل الكاذب
- الحاج بابنَّكَ ونقاء الضمير المهني
- حكمت حكيم والألوان الباهرة للراية الوطنية
- ابو شروق وتداعيات الزمن المنكوب
- حكاية أنصارية
- لكي يكون الواقع هدفنا
- تسمية الاشياء بأسمائها ضرورة لابد منها
- اليسار بين التهويم والنحت في الصخر
- الاحزاب ليست جمعيات استهلاكية
- بين بشتاشان ودموية النظام
- الحزب الشيوعي والهموم النقدية
- الحزب الشيوعي ليس قبيلة ماركسية
- لكي لانبرر الخسارة, او الانسياق وراء جلد الذات
- بين زمنين
- الشيوعيون وفرح اعلان قائمتهم
- من الذي يؤمن بالدستور والعراق الفيدرالي ؟
- الضياع في كسب السلطة
- علي خليفة والاستعارة من التاريخ


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - المحنة ودراسة السينما في اليمن