أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل دراج - المثقف والغالبية: يأتي إلى الناس ويستعير أسئلتهم ثم يجيب عنها وحيداً















المزيد.....

المثقف والغالبية: يأتي إلى الناس ويستعير أسئلتهم ثم يجيب عنها وحيداً


فيصل دراج

الحوار المتمدن-العدد: 943 - 2004 / 9 / 1 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


من الأسئلة الشائعة المنطوية على نيات حسنة وبؤس كثير السؤال التالي: ما هي وظيفة المثقف العربي اليوم؟ والنيات ظاهرة في اتجاه يتأسّى على المصير الذي آلت اليه الأمة, وجليّة في اتجاه آخر ينتظر من المثقف أن يوقف الأمة على قدميها وأن ينتشلها من الحضيض الذي استقرت فيه. والسؤال بائس في براءته, التي تضع المثقف خارج الأمة, وتنسب اليه جوهراً خارجياً لم تهتد بقية الأمة اليه. كأن في المثقف رسولاً غافياً, لم يستيقظ بعد أو صحا فترة وسقط في السبات.
يتجلّى البؤس الحقيقي للسؤال في ثلاثة مواضع على الأقل: فهو يشير الى ثقافة
مأخوذة بأسطورة الدليل المخلّص, الذي يقترح طريقاً لا شوك فيه, وتقتفي الأمة اثاره هادئة, بلا ريبة قليلة أو سؤال كبير. وهو يشير أيضاً الى ثقافة تستسلم للمراتب وترى فيها وجهاً من وجوه الوجود, كما لو كان البشر قد خلقوا من بذور متنوعة. واضافة الى هذا وذاك فإن في السؤال ما يعلن عن تقديسٍ للكلمة واحترامٍ لمن يحسن كتابة الكلمة والنطق بها في شكل مختلف. تتلامح في الإشارات الثلاث عقيدة البداهة, التي تنجذب الى الكلمة ولا تلتفت الى الفعل, وتتلاعب كثيراً بكلمة التاريخ وتلقي بها الى الماء. فالمثقف هو المثقف ووظيفة المثقف هي وظيفة المثقف, وفي المثقف ووظيفته ما يستعجل النور. والأمر كلّه كلام يخالطه الكسل, أو تربية تقليدية تحسن الانتظار ولا تحسن الأسئلة. فإذا كانت تربية المثقف المنشود جزءاً عضوياً من تربية الأمة المنكودة, فإن السؤال المزعج الذي لا يرحب به أحد هو التالي: مَن الذي يزوّد المثقف بتربية صالحة كي يستطيع أن ينشر الصلاح بين أهله الضائعين؟ أو: من أين يسقط المعلم الصالح الذي يُنشئ مدرسة صالحة يتخرّج منها طلاب صالحون؟ ينطوي السؤال الملوث ببراءة موروثة على كلمات شهيرة كثيرة مثل: الطليعة, ضمير الأمة, قدرة العلماء, أو "قادة الفكر", الذين وضع عنهم طه حسين كتاباً جميلاً في النصف الأول من العقد الثالث من القرن الماضي. مع ذلك فإن كلمة طه حسين لا ترفع عن السؤال بؤسه, لا بسبب "يوتوبيا المثقفين المتمردين" فقط, بل بسبب السياق الذي جاءت الكلمة فيه, الذي يحدّد زمن الكلمات, قبل أن تغفل عنه العقول البريئة.
وقد تعيد العقول البريئة السؤال مستنجدة بالتاريخ القريب, مبرهنة أنها لا تنطق عن الهوى واصلة, هذه المرة, بين وظيفة المثقف ونشوء الأحزاب السياسية: فقد كان للوطنيين أحزابهم ومثال ذلك المصري مصطفى كامل, واستولد المثقفون القوميون ما حلموا به وآية ذلك السوري زكي الارسوزي, وأنشأ المثقفون الماركسيون تنظيماتهم, التي احتشدت بمثقفين كثيرين, وكذا حال الليبراليين الوطنيين: ألم يكن نجيب حفوظ وفدياً ولا يزال؟ وقد يظل القول صحيحاً الى عهد قريب, حين كان للمغربي محمد عابد الجابري حزبه, وكانت الرومانسي اللبناني مهدي عامل نشطاً في تنظيمه, وكان السوري الياس مرقص, اللائذ بصمت البحر, يجري حواراً مستمراً بين أرسطو وكارل ماركس باحثاً عن "حزب ثوري" جديد, الى أن أخذ الموت بيده ورحل الى زمن آخر. يظهر السؤال هذه المرة, وقد استنجد بتاريخ لا يزال يعابث أصابعنا, تحت ضوء جديد: فللمثقف وظيفته, ووظيفته الفاضلة توليد الأحزاب السياسية, أو إعادة بنائها, ووظيفة أحزابه ايقاظ الأمة وغسل وجهها بالماء. مع ذلك, فإن السؤال يترنّح قبل أن يستقيم, أو يأتي مترنحاً, لأنه يصرّ على ابتداع صورة للمثقفين هي ليست منهم, مؤمناً بأن رياح المثقفين تُصلح المراكب المهدّمة وتبعث بها الى أقاليم القيامة والنجاح.
تسقط النيات الطيبة في أكثر من حفرة للسبب التالي: كان المثقف ولا يزال مع الغالبية. أو: كان المثقف ولا يزال رائداً في الغالبية, يرتفع ويتسلق ارتفاعها ان ارتفعت, وينخفض ويسير في انخفاضها ان انخفضت, ويتوقف صامتاً حسوباً في لحظات الانعطاف. كان المثقفون في أحزابهم حين كانت الغالبية تبحث عن أحزابها, مقاتلة من أجل الاستقلال الوطني, أو حالمة بالوحدة العربية, أو متوهّمة مجتمعاً سعيداً لا طبقات فيه. وحين وقعت الغالبية على ما وقعت عليه وارتدّت عن أحزاب خاذلة ومخذولة, عاد المثقفون الى حساباتهم الغالبة فميزوا بين الغالب والمغلوب والتحقوا بالغالبية التي غلبت غيرها, أو التي غلبت ذاتها معتقدة أنها غلبت الآخرين. بيد أن المثقفين, الذين آثروا الغَلَبة على الصحيح لم يتخلوا عن الأحزاب, ومواضيعها كثيرة, بقدر ما تخلوا عن معنى الثقافة, ذلك ان معنى الثقافة قائم في محاربة العادة ومواجهة "سلطة الإجماع", التي هي سلطة السلطة, التي تقرر معنى الإجماع والخروج عليه. لا يعود الأمر, إذاً, الى الأحزاب, أو الى الموقف السياسي في شكل أدق, بل يعود الى هزيمة الثقافة, التي تكون ما يجب أن تكون في تمردها على العادة والغالبية والإجماع, بدلاً من أن تلوذ بـ"سلطة الإجماع", أو أن تستنيم الى وعي حسوب يرتاح الى "وعي الجماهير", بلغة ليست من هذا الزمان, أو الى "روح الأمة", التي فارقت الروح وهي تنتظر الفَرَج. انه السياق الذي يضع المثقف, طوراً, في مقدمة المركب, ويجعله يركل المركب الغارق, في طور مختلف, وربما يكون حريصاً على حذائه فيكتفي بالمشاهدة.
ولكن كيف يُفسّر هذا الكلام عن غالبية المثقفين الذين يُؤثرون السير مع الغالبية؟
تأتي الإجابة من مجتمع عربي "حافظ على عاداته", وحافظ أكثر على مثقف يحترم "العادات", ويرى في "العادة" مرجعاً للقول والكتابة وتحقيق الاحترام. وهذه العادة, التي احتقبت في بطونها أزمنة عدة, علّمت المثقف, أو ما يدعى بذلك, أمرين أولهما: لا معنى للثقافة إلا إذا أخذت بيد صاحبها الى سلطة قريبة أو بعيدة, لأن السلطة هي الاستطاعة والموقع الذهبي الذي يشرف من علٍ على الآخرين. فالثقافة هي المرتبة, والمرتبة هي القوة, التي تتيح لصاحبها أن يحرك يده في شكل مختلف, وأن يظهر بمظهر يفصله عن العوام والمستضعفين. يقول الأمر الثاني بـ: التميّز الاجتماعي, الذي يساوي بين النجاح وتحصيل المعرفة وبين الثقافة والأهمية الاجتماعية. كأن الثقافة درب ناعم الى "التجمّل الاجتماعي", حيث المثقف معروف عند العامة والخاصة, ومعروف بمرونة الكلام, التي تُرضي الطرفين معاً, كما لو كان كلاماً حريرياً خالصاً يُبلسم جراح "الجَهَلة" ويحظى بإعجاب مقرّري المصائر.
وواقع الأمر ان المثقفين, بعيداً من بداهات البراءة, مقولة اجتماعية, أو مجموع من البشر لهم وظائف تقنية وإدارية خاصة بهم, حالهم حال الذين أخذوا بمهن أخرى مثل النجارة والحدادة وأعمال الزراعة... ولعل السعي الواعي الى حطيم هالة المثقف المتوارثة, أو المصنوعة عمداً, هي التي دفعت انطونيو غرامشي الى القول: كل الناس فلاسفة, وكل الناس معلّمون, وصولاً الى الحديث عن تبادلية المواقع بين القائد والمُقاد والمعلم والتلميذ. وإذا كان للمثقف من سِرّ, فإن هذا السر يقوم خارجه, أي في السلطة التي أُعطيت له, أو في نوع السلطة التي أتاحت له أن يتمتّع بسلطة لا يتمتّع بها غيره من العارفين... غير أن غرامشي, الذي لا يرضى بابتذال المفاهيم, لا يلبث أن يميّز بين المثقفين, الذين لا يختلفون عن غيرهم من البشر, و"المثقفين الكبار", الذين يأتون بأفكار نظرية نوعية, لا يستطيع غيرهم أن يأتي بمثلها. أشار في قوله هذا الى "المثقف المتمرد", الذي ينقض سلطة الإجماع على مستوى النظر, وينقض سلطة الإجماع في خيارها الاجتماعي. ليس غريباً, والحالة هذه, أن يأتي الإبداع, أي الثقافة بالمعنى الحقيقي, من هؤلاء الذين لا يرتضون بالأفكار المألوفة, ولا يقبلون بأجناس الكتابة المتوارثة, فيذهبون الى "مدن الأفكار" التي تُنشئ فلسفة, أو يقصدون أقاليم الرواية والشعر والمسرح والفنون المختلفة.
عرّف الفيلسوف الفرنسي اليوناني الأصل "كورنيليوس كوستريادس" المثقف بالشكل التالي: انه الذي يأتي الى الناس ويستعير منهم الأسئلة ثم يجيب عن أسئلتهم وحيداً. فالمثقف هو الذي يقترب من الناس ويبتعد عنهم, تُؤنسه أسئلتهم ويأنس الى اجاباته المفردة. لكنه, في الحالين, لا يعطيم أجنحة ولا يسقط من فراغ. قال بعض العارفين: لو كانت الغالبية أرواحاً من ذهب, لبحث المثقف عن منفى من تراب.



#فيصل_دراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل دراج - المثقف والغالبية: يأتي إلى الناس ويستعير أسئلتهم ثم يجيب عنها وحيداً