|
دين ( ما بعد ) العلمانية
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3110 - 2010 / 8 / 30 - 20:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل ما فعله شيخ الفلاسفة المعاصرين " يورجن هابرماس " في مقاله المعنون ( الإيمان والعلم ) ، المنشور في مجلة " فكر وفن " الألمانية يناير عام 2002 ، والذي كتبه تحت تأثير صدمة زلزال 11 سبتمبر 2001 وتوابعه، هو إثبات أن الخطاب الفلسفي للحداثة ( وهو عنوان كتاب له )، وإن كان يحرص أشد الحرص على التحرر من اللاهوت المسيحي، إلا أنه ظل سجين أفق "الإيمان" بمفهومه الديني الأعمق . لينتهي هابرماس إلي التأكيد علي أن المجتمع ما بعد العلماني ( في عصر العولمة وما بعد الحداثة ) يعترف بالدور المهم للدين. والغرب لا يدافع عن الإهانات الفردية التي توجه لما هو ديني ليس لأنه ضد الدين، كما أنه لا يدافع عن الحرية الجنسية مثلا كهدف في حد ذاته، إنما يدافع عن فضاء يعيش فيه شتي أشكال الحياة والمعتقدات بلا صراعات . وبعبارة واحدة، فإن مغزى هذه الحرية هو : " من الأفضل تحمل " التجديف " على تحمل الحروب الدينية " ، التي ذاق الغرب ويلاتها مدة ثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهت بمعاهدة " ويست فاليا عام 1648 " ، وميلاد الدولة القومية والحداثة . بيد أن ظهور الحداثة في الغرب تطلب أكثر من ترتيبات فنية ودستورية وأكثر من تسامح مشروع : وهو أن يتقبل المواطن الفرد في المجتمعات الغربية التعايش مع الآخر المختلف معه دينيا أولا ثم سياسيا ثانيا ... كيف ؟ هابرماس قدم لنا تحليلا جديدا في فلسفة التاريخ للعلاقة بين الفلسفة والدين، وللتاريخ الخاص للفظة " العلمنة " ذاتها ، في أوروبا طبعا . فقد كان لكلمة " علمنة " أولا معني قانونيا هو : نقل ملكية أملاك الكنيسة المفروض بالقوة إلى سلطة الدولة العلمانية. وقد استعمل هذا المعني تجاوزا لنشوء الحداثة الثقافية والاجتماعية في القرن السابع عشر . منذ ذلك الحين ، سوف ترتبط بفكرة " العلمنة " مجموعة من الآراء الذاتية والتقييمات المتناقضة : إما أنها التدجين الناجح لسلطة المؤسسة الدينية ( الكنيسة ) بواسطة السلطة السياسية المدنية، أو أنها قامت على عملية الاستيلاء المنافي للقانون لهذه الأملاك ( الكنسية ) . القراءة الأولي هي قراءة علمانية ( حداثية ) حلت محل أشكال التفكير الدينية في الغرب ، أما القراءة الثانية فهي تنتقد العلمانية و( الحداثة ) لأنها شيدت مجدها علي أملاك مسلوبة بطريقة غير مشروعة أو شرعية . ويبدو أن اضطراد تقدم الحداثة هو منطلق القراءة الأولى (وهو ما يعرف بنقد الحداثة ) ، أما تداعي معاني الحداثة المشردة ، فهو جوهر القراءة الثانية ( لما بعد الحداثة ) اليوم . غير أن القراءتين، بحسب هابرماس، ترتكبان الغلطة نفسها .. لأنها تعتبر " العلمنة " نوعا من لعبة أو مباراة نتيجتها ( الصفر )، تلعبها قوي المعرفة والعلم والتكنولوجيا المنتجة، المنطلقة رأسماليا من عقالها من جهة، وقوى رجال الدين والمؤسسة الدينية المحافظة من جهة أخرى . وبالتالي لابد من أن يربح طرف على حساب الطرف الآخر، وذلك ، بحسب قواعد اللعبة الليبرالية التي هي لصالح القوي الدافعة الخاصة بالحداثة. هذه الطريقة في التفكير يرفضها هابرماس جملة وتفصيلا ، ولا تناسب اليوم مجتمعا هو في طور ( ما بعد العلمانية )، اعتاد علي وجود الدين والمؤسسة الدينية وسط محيط ثقافي واجتماعي ديمقراطي ليبرالي " يتعلمن باطراد " . وجهة النظر الليبرالية هي : لا يستحق من الأديان صفة "العاقل" إلا الدين الذي يتخلى بسبب تعقله الذاتي عن الفرض القسري لما يؤمن به من قناعات، وعن الإجبار القسري للضمير الذي يمارس تجاه المنتمين إليه، وبالدرجة الأولى عن استخدام العنف والإرهاب لفرض هذه القناعات علي الآخرين . تلك الفكرة، من وجهة نظر هابرماس، تدين بوجودها لتأمل ثلاثي الأضلاع يقوم به المؤمنون، متأملين موقفهم في مجتمع كوكبي تعددي. فعلي الوعي الديني أن يعالج أولا : اللقاء المختلف معرفيا مع مذاهب أخرى وأديان أخري. ويجب عليه ، ثانيا : أن يقبل سلطة العلوم التي تمتلك في مجتمع اليوم حق احتكار معرفة العالم . ويجب عليه ، أخيرا : أن يتقبل المقدمات المنطقية الخاصة بالدولة الديمقراطية الدستورية، وهي مقدمات تنبثق من أخلاق غير دينية.
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإفلات من قبضة هيجل
-
الأسس الفلسفية لليبرالية الدينية «2»
-
الأسس الفلسفية لليبرالية الدينية (1)
-
منظمة «الفيفا» والأمم المتحدة
-
مفارقة: العلمانية ضرورية وليست كافية
-
القلق الأمريكي والخروج إلي العالم
-
كلينتون وسوفوكليس وصراع الديوك
-
لماذا المواطنة الآن ؟
-
الحصانة الذاتية
-
دروس صينية في القمع والثورة
-
جلوكل .. وأشياء أخري ..
-
شباب إيران بروكسي
-
فؤاد زكريا.. هذا الذي بدأ
-
المخلص والمنقذ والمنتظر
-
علي أبواب الحرب بالصدفة !
-
بالمصري .. ساحة أثينا الجديدة
-
الشعب صنيعة حكومته
-
الأمن العالمي.. لا يتجزأ
-
السبيل إلي إنصاف المحرومين
-
هل يمكن حماية الدين دون الحد من حرية التعبير؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية تستهدف مقر قيادة الفرقة 91 الصهيونية في ث
...
-
الخطارات.. نظام ري قبل الإسلام لا يزال يقاوم الاندثار
-
الشيخ قاسم: المقاومة الإسلامية فرضت قواعدها باستخدام الحد ال
...
-
باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع لتعجيل ظهور المسي
...
-
وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
-
لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن
...
-
قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة
...
-
” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة
...
-
الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-
-
إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|