أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - العرب والحضارة الغربية..تبعية أم مشاركة (3)















المزيد.....

العرب والحضارة الغربية..تبعية أم مشاركة (3)


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 22:51
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


«إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر احواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وتنقاد إليه إما لنظرة بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتصل لها اعتقاد فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به وذلك هو الاقتداء أو لما تراه – والله اعلم – فيما أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة، إنما هو بما انتحلته من العوائد والمذاهب تغالط أيضا بذلك عن الغلب وهذا راجع للأول، ولذلك نرى المغلوب يتشبه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه، في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله» ابن خلدون في مقدمته.
أثار مصطلح الحضارة التباسا لدى المثقفين العرب، إذ اخذ القسم الأكبر منهم دلالة المصطلح من خلال المفهوم الغربي المقابل الذي يعني ثقافة، بينما مفهوم الحضارة لدى العرب أكثر اتساعا إذ يشمل المنجز المادي والمنجز المعنوي، حيث أطلق على المنجز المادي “العمران” وعلى المنجز المعنوي “الثقافة” . هذا الارتهان للمفاهيم والمصطلحات الغربية، يمثل في دلالته إحدى آليات التبعية والاستلاب الحضاري، والشعور بالدونية إزاء الغرب، وهناك إشكالية أخرى، تتمثل في التصورات والأطروحات المختلفة في توصيف ظاهرة التخلف، والفاصلة الحضارية التي تفصلنا عن الآخر الذي هو الغرب المتقدم وعواملها وسبل تجاوز هذه الهوة. لقد وضع الغرب وحضارته بمثابة الأيقونة المقدسة التي يجب التوجه إليها باعتبارها الطريق الوحيد للخلاص، وتجاوز واقع التخلف والانحطاط المادي والمعنوي الذي يعيشه العرب، وبدلا من إرساء علاقة صحية والاندماج في الحضارة المعاصرة من خلال عملية المثاقفة والحوار والتفاعل والتلاقح الحضاري، الذي يستند إلى مراعاة واحترام الخصائص والمكونات الحضارية والثقافية للأطراف كافة، والعمل على ردم الفجوة الحضارية وتجلياتها الاقتصادية والعلمية والتقنية والفكرية والثقافية مع الآخر (الغرب) من خلال تحفيز الإمكانيات والقدرات الذاتية، غير أن الواقع رشح عن اتجاهين قد يبدوان مختلفين من حيث المقدمات والمنطلقات لكنهما يلتقيان من حيث النتيجة والمآل، وهما الرفض والممانعة وتجاهل الآخر (الغرب) ومنجزاته الحضارية والإنسانية كلية وبالمطلق، من خلال الانكفاء والتكور الثقافي والتقوقع على الذات، والهروب إلى الماضي لاستحضار أجوبة وحلول إزاء تحديات واستحقاقات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وفي المقابل هناك محاولة ارتماء وهروب إلى الآخر (الغرب) والذوبان والتماهي معه، هذان التوجهان يؤديان في النتيجة والتحليل الأخير إلى إبقاء وتأبيد التخلف من جهة، وتجديد رباط التبعية للغرب بمختلف مستوياتها من جهة أخرى. لقد راجت فكرة أو وجهة النظر القائلة إنه بالإمكان اختزال وطي المسافة الواقعة بين حالة التخلف، ومجاراة الموقع والتقدم الحضاري الذي أحرزه الغرب (الرأسمالي) من خلال تقمص منهجه، واستعارة مساره وأدواته، غير انه من خلال الواقع والتجربة والأمثلة التاريخية الدالة، ثبت انه مجرد وهم إذا أخذنا بعين الاعتبار الشروط التي تحكم علاقة الغرب بالمجتمعات المتبوعة والمقموعة في في جل بلدان العالم الثالث . المجتمعات البشرية لم تنطلق جميعها من نقطة وبداية واحدة، ولم تتخذ مسارات متماثلة وبالتالي قد شهدت نموا للحضارات ( الخراجية وفقا لسمير أمين ) بصورة متوازية أحيانا مثل الحضارات الصينية والهندية والإغريقية، ومعظم الحضارات القديمة تقريبا وأحيانا تتخذ مسارات متقاطعة، وهذا ما يدفع إلى إعادة النظر في الرؤية الأحادية التي تؤكد على أن المسار البشري يسير وفق خط تطوري واحد، إذن من الواضح أن مسيرة الحضارة الإنسانية العامة اتخذت مسارات والتواءات متعددة، أما الحضارة الغربية (الرأسمالية) فتزعم لنفسها الادعاء بأنها تمثل نهاية لتنوع الحضارات، وبأن الحضارة الغربية هي الحضارة التي يجب على الجميع الانتظام فيها، ووفق نسقها وقيمها ومفاهيمها، ومن منطلق علاقات السيطرة والهيمنة الاستعمارية / الامبريالية قديما، ومن خلال نظام العولمة التي هي امتدادها والشكل المعاصر لها، والتي تعني فرض التبعية الشاملة على الأغلبية الساحقة من البشر، ومن هذا المنظور فإن العرب في وضع التابع عمليا، على جميع المستويات وهذا يشمل التبعية الحضارية في المقام الأول ، فقد احدث الغزو الاستعماري الغربي للبلدان العربية حالة انقطاع لتطورها الخاص (منذ أواسط القرن التاسع عشر) في ما سمي بعصر النهضة، مما أدى إلى تدمير المكونات الاقتصادية والإنتاجية والثقافية الخاصة بها ، لكي يلحقها بنيويا بالمراكز الغربية الاستعمارية كدول (مترو بول) والإشكالية هنا هل التبعية سبقت أو هي سبب التخلف أم التخلف سبق أو سبب التبعية (مفهوم القابلية للعبودية لفرانز فانون ومفهوم القابلية للاستعمار لـ«بن نبي»). والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : هل الحضارة الغربية هي بالفعل المنارة، وقمة الرقي المدني ، والمسارات الأخرى لبقية الشعوب تمثل التأخر الحضاري الشامل ؟ لنأخذ على سبيل المثال الحضارة الأمريكية وهي حضارة غربية من حيث الجوهر، بل وتمثل قمة هذه الحضارة في الوقت الراهن، فقد أبادت تلك الحضارة السكان الأصليين الذين أطلق عليهم مسمى “الهنود الحمر” وجلبت السود من إفريقيا كأرقّاء مستعبدين، وتعاملت معهم، ومع البيئة الطبيعية بطريقة استغلالية ووحشية . والإشكالية الأخرى تتموضع كالتالي : ما هو المعيار الذي من خلاله نستطيع الحكم على حضارة ما بأنها تمثل الحضارة الأرقى والأفضل إزاء الحضارات الأخرى، في ضوء التنوع الحضاري المفترض ؟ إذا كان بالإمكان تلمّس المنجزات المادية والعلمية والثقافية للغرب الرأسمالي فهل نستطيع تلمس منجزاته المعنوية والأخلاقية وخصوصا إزاء شعوب العالم الثالث. هناك منجزات للحضارة الغربية لا شك فيها تتعلق بالحريات السياسية والشخصية وهناك ضمانات حقوقية وقانونية وتشريعية، وهي بأية حال ليست من صلب الحضارة (الرأسمالية) بل هي منجز إنساني أسهمت فيه كافة الحضارات والثقافات والشعوب، كما ناضلت من اجل تحقيقها والوصول إليها أجيالا متعاقبة، قدمت تضحيات جسيمة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات، وبالتالي فإن هذه القيم مع أنها ثمرة الحضارة الغربية المعاصرة، إلا أنها تأخذ صيغة وصفة عالمة كونية، وليست لصيقة بحضارة معينة، ويكفي أن نشير إلى أن الهند وهي تنتمي إلى بلدان الجنوب، تعتبر اكبر دولة ديمقراطية في العالم ، وهذا يقودنا إلى نتيجة منطقية وهي انه كان بمقدور الحضارات الأخرى أن تصل إلى نفس تطور وتقدم الغرب، بالاستناد إلى مساراتها الخاصة وتجربتي اليابان والصين، وبدرجة اقل تجارب بلدان جنوب شرق آسيا أمثلة شاهدة على ذلك، غير أن ذلك لم يحدث بفعل الاحتلال والغزو والسيطرة الذي حدّ من تطور تلك المجتمعات والبلدان، وقد اتخذت التبعية الاقتصادية التي فرضها الغرب الاستعماري أشكالا مختلفة، ففي البداية كانت هناك التبعية الكولينيالية المباشرة عن طريق الغزو والحرب، وحيث التحكم المباشر بالموارد والثروات الوطنية، التي دمرت المقومات الاقتصادية والمادية للمجتمعات ضحية الغزو المباشر، مما أنهى إرهاصات النمو الكامنة في تلك المجتمعات، وتحويلها إلى مستعمرات متخلفة وتابعة. بعد ذلك، ونتيجة للحروب التحررية وانتفاضات الاستقلال الوطني، استبدلت أشكال الهيمنة الكولينيالية القديمة بأساليب الهيمنة الامبريالية الجديدة، التي تعتبر العولمة امتدادا لها والشكل المعاصر لهيمنة الرأسمالية الكونية، التي تعني إعادة دمج وتبعية اقتصاديات الدول المتحررة بمتطلبات اقتصاديات دول المركز، بما يعني وضعها في مركز التابع اقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا وثقافيا في إطار التقسيم الدولي، الذي بموجبه تبقى تلك البلدان معنية بإنتاج المواد الأولية والخام، بينما تعتمد على البلدان الرأسمالية في كل شيء، وهذا يعني إبقاءها أسيرة الدائرة الجهنّمية من فقدان الاستقلال الوطني، واستعادة دورة التخلف في إطار التبعية والارتهان للغرب، وتبدو هذه السيطرة باعتبارها ظاهرة طبيعية نظرا لتفوق الغرب في هذه المجالات، إلا أن السؤال المشروع الذي يُطرح: هل يكفي لحضارة تتسم بالسبق والتقدم في حضارة الأشياء والسلع أن تزعم لنفسها حق السيادة على العالم، في الوقت الذي تدمر البيئة المادية والروحية للبشر وحيث عالم الجريمة المنظمة والقتل المجاني وتجارة الجنس والمخدرات والعنصرية والفقر والبطالة الهيكلية وغياب اليقين الذي يعبر عنه بانتعاش السحر والشعوذة والخرافة والأسطورة كملاذ “روحي” وأفيون للمجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء ؟ وبالتالي كيف نتصور الحضارة وفقا لبعد واحد مهما كانت أهميته، وهو البعد الصناعي/التكنولوجي/العلمي على حساب القلب والضمير والمعنى، والذي يستهدف الإنتاج من اجل الإنتاج ، والاستهلاك من اجل الاستهلاك، في عملية عبثية مصيرها وضحيتها الإنسان الذي أصبح مُشيّأ وذا بعد واحد , بفعل هذه الآلية الرهيبة التي افقدت الحضارة الغربية السيطرة حتى على نفسها.



#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل المفكر الكويتي الدكتور أحمد البغدادي
- العرب والحضارة الغربية.. تبعية أم مشاركة ؟ (2)
- هل تموت النخلة في غياب غازي القصيبي؟
- العرب والحضارة الغربية.. تبعية أم مشاركة ؟ ( 1 )
- خطة التنمية التاسعة .. وتوطين العمالة السعودية
- التساؤل حول جدوى قانون التأمين ضد البطالة ؟
- ڤالا - لا تزال الزهور تبحث عن آنية - +
- التأمين ضد التعطل
- لقاء خاص مع وزير العمل البحريني
- تساؤلات حول البطالة النسائية ؟
- القطاع الخاص وتوطين العمالة
- هل سوق العمل بيئة طاردة للعمالة السعودية ؟ ( 2)
- هل سوق العمل بيئة طاردة للعمالة السعودية ؟
- هل البطالة السعودية هيكلية فقط ؟ - 4 -
- هل البطالة السعودية هيكلية فقط ؟ (3)
- هل البطالة السعودية هيكلية فقط ؟ «2»
- هل البطالة السعودية هيكلية فقط ؟ ( 1 )
- الذي يأتي ولا يأتي
- المثقف العربي .. بين سلطان السياسة وسلطة المجتمع
- التحرر من سطوة - الأبقار المقدسة -


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - العرب والحضارة الغربية..تبعية أم مشاركة (3)