أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار محمد - العابرون نحو مدى الحرية














المزيد.....

العابرون نحو مدى الحرية


صالح جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 22:39
المحور: الادب والفن
    



تغلغل النور في مساماتي ليشعلني تبغا في لفافته
ومن فرط صبري ينوء الليل في جلباب اضلاعي
ثمة اشتهاء لرؤية وجه ولدي فقد يتمكن مني الحنين الساعة فتنهمر دمعة ساخنة تكوي خدي , لا ادري كم سيمر من الوقت لأرى طفلي العزيز ؟
اشعر بالغربة من دونه اتذكر كيف يتصارع معي بعضلاته الغضة يبذل قصار جهده ليريني قوته الفتية. اتبادل النظرات مع المارة لعلي اتطلع الى وجه بريء يمسح ندبة شوقي وامتطي جذوة اللهفة لعيون الاطفال الذين يمضون بتكاسل في هذا الغبش البارد نحو مدارسهم حاملين حقائبهم المدرسية على ظهورهم الصغيرة بقيت انظر اليهم يندفعون باقدامهم الضعيفة قرب الجسر الذي تطل هياكله الحديدية وقد لفها برد الشتاء بلون الضباب الآتي من الحقول المترامية على اطراف المدينة الرابضة , بين بساتين النخيل وجداول المياه المناسبة بهدوء ووداعة , عند نهاية الشارع استدرت نحو الا زقة المتعبة حيث المطاعم الرديئة والمقاهي المتهراة بكهول وشباب تحلقوا حول المواقد ا لمتسخة . لمحتها تسير باتجاهي شعرت انهاتريد ان تخبرني بامرما , اقتربت تحت وطئة معاناتها الثقيلة , وجهها الجميل يبدو شاحبا , بادرتها :
ما الامر
بحثت عنك طويلا
لابد من امر خطير دفعك للبحث عني سحبتها من مرفقها بهدوء لابعدها عن منتصف الطريق . با لقرب من باب الدكان الموصد رأيت دمعتها تنهمر بصمت , تمنيت الخرف يصيبني الساعة وينسيني ارتجاف شفيتها تحت وابل النشيج .. اخبريني ماذا حدث ؟ اجابتني بصوت استفز الجدران الواهية من الخوف المتراكم على الاسطح الصدئة ويلم انكسارات يصعب جمعها . لقد اعدمو ولدي في لحظة التلاشي تتساوى الموازين لا شيء اجدر من العويل لابل الضحكات العالية . تجاذبتني مشاعر شتى , عيونها الدامعة وشاح حزن يخط ابهامه على شفتيها , تشبث خيط الحنين لرؤية وجه ولدي , لم اعد ارى التلاميذ الصغار يعبرون , بدا الجسر كائنا خرافيا يلتهم المارة ويلقيهم في احشاء الرهبة المتفردة برؤوس نصال تذبح العابرين نحو مدى الحرية ليس في الافق سوى عينيها الحزينتين بلوعة الام الثكلى المطعونة في امومتها . من اخبرك ؟ قالت : شرطي الامن
قلت منفعلا : الم تخبريه بانه ولد صغير السن رمقتني وارنبة انفها محمرة من كثرة البكاء , احسست ان شيئا داخلي يضعف . سرت امام كتل كونكريتية متراصة كجدار طويل فتحةضيقة تطل على الشارع الرئيس , استوقفني رجل بدين بصوت اجوف بلا مشاعر انسانية سوى النبرة المتساءلة بغلظة : ماذا تريد ؟
أخبرته .. رمقني بنظرة تتطايرشررا , أشار نحو الفراغ الموارب , دخلت البناية الكئيبة , عيون تحاصرني , ترسم خطوط الاشمئزاز , في لحظة أدركت أنها نهاية عمري .
الغرفة تحوي منضدة حديدية , لرجل مقرف , صوت مذياعه يبث أغاني جذلة عن حب مستحيل , افواه مفتوحة , نظرات مزدرية , تهشم عظام صبري , حنجرتي متيبسة بجفاف صخرة , الغثيان يتمرى داخلي حاولت الرجوع لكنهم منعوني ..
أصطحبني أحدهم في ممر طويل يتوسط حديقتين مزروعتين بالزهور , تساءلت داخلي :
هل أنهم يعشقون الورد ؟
صعدنا سلم يقودنا نحو دهليز معتم , ليس سوى ضوء مصباح يقع في الطرف الاخر , اضطراب مفضوح يغزوني , ترتعش أعضائي المنهارة , سمعته يهمس بمقت : قف
وقفنا امام باب المدير , دلف الحجرة , سمعت همهمة لم أفهمها , خرج سحبني الى الداخل , من ينقذني من الورطة ؟ شبح مخيف يستلب أحلامي , قلبي يتمرغ في وحل الخوف ,لحظة مجنونة أشعلت في خاطري رغبة لرؤية ولدي , هذيان يحمل أوصالي المنسابة فوق جحيم الانسان المتعالي , تمنيت لحظة عطف , تمنحني الثقة باني بشر لازال يعيش تحت الشمس .
لفني البرد بمعطفه , هواء بارد أجتاح جوفي , حينما كنت أوقع على حزمة اوراق ملأت مكتب المدير الجالس خلف منضدة سوداء بشارب كث وقمصلة جلدية , قدح سؤال في خاطري : ترى من أي أنواع الجلود خاطها ؟
لابد أنه سلخ جلد بني أدم مثل أبن أختي المغدور !
لم أسمع طيلة حياتي , مثل السباب والشتائم التي تقذف بوجهي ,من الرجل ذي الملامح القاسية , نهض من كرسيه , بدا قصيرا وبدينا مثل مهرج متهور . كتمت داخلي ضحكة تترنح , صاح بصرخة مدوية : أخرجوه
تابع سبابه المخجل , فكرت : يظن نفسه أله غاضب !
جمعت قواي الخائرة , لأحرك قدمي خارج الغرفة التي شعرت بها وكر للشيطان , متمتما : لاشيء يساوي العذاب الذي أدفعه بلا ذنب .
ما زالت عينا أختي تدمعان بلا توقف , متشبثة بملابسي تتسائل : ماذا أخبروك ؟
أردت أخفاء أنفعالاتي وشعوري بالمهانة فالتجربة قاسية طحنت كبريائي وكرامتي ,أجبت بصوت واهن :
لاشيء .. لاشيء
أحتجت مزيدا من الوقت , لأجمع شجاعتي المبعثرة , من بين جفاف فمي , نطقت : أخبروني بان لانعمل مجلس عزاء .
أشتد البرد القارس في الظهيرة الشتائية مخيما على مفاصلي الموجوعة , المدفأة النفطية أنطفأت لنفاذ الوقود لكن شعور الامل يقتحم دوامة الانتظار رغم اليأس , عدت الى لفافة التبغ لابعد الملل .



#صالح_جبار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصة التفاعلية – التداولية
- قراءة في (همس الدراويش) لصالح جبار
- في حوار خاص مع القاص المبدع صالح جبار محمد
- توما هوك
- دثار القرابين
- صناعة ألازمة الثقافية
- صدى العصي
- السلام عليكم
- صاحب اللحية الكثة


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار محمد - العابرون نحو مدى الحرية