أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - هل هناك عقلانية زائدة؟















المزيد.....



هل هناك عقلانية زائدة؟


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 20:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عند العرب مشكلة الناس غياب العقلانية بينما مشكلة معظم المثقفين العلمانيين هو العقلانية الزائدة عن اللزوم.

ان كل مشكلات ما بعد الحداثة ناتجة عن العقلانية الزائدة وكذلك هي مشاكل التطرف اليميني المعاصرة في الغرب سواء كانت دينية أو عنصرية أو غيرها.
كثيرا ما نسمع الدعوات إلى العقلانية وان البشرية دخلت مرحلة من النضوج تستدعي منها كامل الاعتماد على العقلانية وتنحية الأفكار التي تقوم على المشاعر إلى مكانها الطبيعي إلى الزاوية. لكن هذا ليس ممكن فالانسان لا يمكنه أن يكون عقلانيا بالكامل ولا في أي يوم من أيامه.
العقلانية الكاملة شديدة السواد فهناك الموت المحتوم الذي ينتظرنا في نهاية أعمارنا بل هو قد يفاجئنا قبل ذلك بكثير هناك المرض والفقر والعجز والهجر وعشرات المنغصات التي تحيط بنا ولن تستطيع العقلانية فعل أي شيء تجاهها.
هناك السوداوية التي قد تكون فسيولوجية أو بيئية وفي الحالتين تسيطر على حياة الكثير من الناس دون أن يجدوا لها علاجا. وقبل كل ذلك ما هو الهدف المادي للحياة؟ في الواقع لا شيء هي مسبوقة بالفناء متبوعة به.
الروحانية وحتى لو كانت نوع من الكذب على النفس شيء لا بد منه حتى تصير هذه الحياة مقبولة ومحتملة خاصة للضعفاء والفقراء الذين لا أعتقد أن الأرض ستخلو منهم فعندما يصبح متوسط دخل الفرد في بلد ما مائة ألف دولار يصير الذي يحصل على ثلاثين ألف فقيرا مع أن هذا مبلغ كبير في أماكن أخرى فالإنسان يفكر بطريقة نسبية. امتلاك سيارة في سوريا علامة رفاه وفي كندا هناك متسولين عندهم سيارات وعندما يصير عشر الناس يمتلكون يخوتهم أو طائراتهم الخاصة فالذي لا يمتلك سيعتبر نفسه مظلوما.
العقلانية والروحانية كالذكر والأنثى وكل الدعوات إلى العقلانية الكاملة أو شبه الكاملة ليست إلا رد فعل على سيطرة المشاعرية أو الروحانية الزائدة معظم تاريخ البشرية حتى الآن وهذا تصرف غير صحيح، هو تماما مثل محاولة إلغاء دور الرجال بسبب أن دورهم كان المسيطر معظم التاريخ. بدلا من إنصاف المرأة قد يطالب البعض بإلغاء دور الرجل. لا بد من إنصاف العقلانية مع تأكدنا أن إلغاء المشاعرية أو الروحانية هو أمر غير ممكن وجميع محاولات التمرد في القرن العشرين التي عكستها ما بعد الحداثة في الفن والأدب وفي السياسة النكوص اليميني الديني والقومي ليست إلا لأن العالم المتقدم وصل إلى حد من العقلانية التي لا يتحملها البشر.
لنتصور أن العقلانية هي الجانب الصارم من الحياة الذي يفرض علينا ان نرى الحياة كما هي في الواقع وهي حتما ليست بالجمال الذي يمكن ان نتصوره فمشكلة الانسان ان لديه مخيلة خصبة بينما الروحانية هي ذلك الجانب الرحيم الذي يمكننا من تصور الحياة كما نرغب بها أن تكون، والإنسان يظل إنسان ما دام قادرا على الجمع بين الجانبين فالروحاني الصرف أقرب لأن يصير حيوانا منتشيا يعيش في داخل نفسه بينما العقلاني الصرف مجرد آلة أو جهاز كمبيوتر.
عندما تصطدم العقلانية الصرفة أو الروحانية الصرفة بالإنسانية الحقة التي هي مزيج متوازن من كلاهما فان الأخيرة هي التي يجب أن تنتصر.
المشكلة أن العالم العربي الذي ظل مغرقا في الروحانية لحد النعاس دهرا طويلا وبينما هو يحاول اعتماد العقلنة تفاجأ بالجو العالمي الذي أغرق في العقلنة أكثر من اللزوم يحاول استعادة بعض الروحانية. سيتأثر العالم الثقافي العربي بالاتجاه العالمي الجديد حتما وهذا التأثير ضار لأن ما يحتاجه العرب هو المزيد من العقلانية فهم مازالوا غارقين في كم مبالغ فيه من الروحانية ما يجعل أن لا مفر من توضيح الصورة كاملة من جانبيها حتى لا يلتبس عينا الأمر.
العلمانية هي المظهر الأكثر جلاء للعقلانية، والدين في جميع أشكاله هو مظهر للاعقلانية؟ لكن هل يمكن التقدم في هذا العالم اعتمادا على العقلانية المطلقة؟ بتقديري لا.
لن تجد تصرفا أكثر عقلانية من الطريقة الهندية الصوفية الزاهدة في الحياة. على الأقل هي تهرب من عناء الحياة وتحدياتها إلى حياة تأمل صوفي روحاني. حتى لو كانت تلك الروحانية وهم أو خيال فهل الحياة سريعة الانقضاء كثيرة التقلب شديدة القسوة حقيقة؟ واذا كانت هكذا أليست من أقسى أنواع الحقيقة؟ وما الضير في الهروب من قسوتها إلى نشوة الوجدان؟
السبب في ذلك هو أننا إذا تمعنا في هذا العالم وجدنا أنه لا عقلاني، خصوصا وجودنا وعملنا نحن البشر فيه. إن العقلانية المفرطة تقودنا إلى عبثية أي جهد في هذا العالم. أيامنا في هذا العالم تمر بسرعة وتنقضي، فما هو الهدف الفعلي لأي عمل ما دمنا سنترك هذا العالم يوما بكل ما فيه؟ تتعزز هذه النظرة كثيرا إذا فكرنا أنه بشكل عقلاني لا يمكننا أن نجد أي هدف فعلي يستحق العناء على الصعيد الفردي. ولما كان تحقيق الذات هو الهدف العقلاني الوحيد لأي عمل فالنتيجة هي ضياع كامل. إن أهداف كتقدم البشرية ومصلحة الأجيال اللاحقة ليس من الصعب تبين أنها ليست عقلانية بالمعنى البحت، فما الذي يهمني من عالم أنا متيقن من أنني سأغادره إلى دون رجعة وأي تفكير بالعودة إلى هذا العالم أو غيره من العوالم هو تفكير لا علاقة له بالعقلانية. لو كان العمل الذي سأقوم به في هذا العالم نابع من رغبتي الغريزية للعمل مثل الذي يعمل بهدف المتعة لكانت المعضلة محلولة، لكن الوضع ليس كذلك فالغالبية الساحقة من البشر تكابد الكثير من العناء في عملها، إنها تحول الوقت القصير المتوفر لها في هذا العالم إلى معاناة من أجل تحقيق ذواتها هذه الذوات التي هي أصلا ليست ملكا لأصحابها فالأيام تنقضي قاتلة معها العمر. تزداد عبثية وجود الفرد في هذا العالم إذا أخذنا في اعتبارنا أنه حتى أيامنا القصيرة الآخذة في النفاذ بسرعة منذ لحظة وعينا، هي الأخرى غير مضمونة فالموت قد يفاجئنا في أي لحظة بل ما هو أمر من الموت كالعجز الجسدي أو النفسي إلى ما هنالك.
عند التفكير في الطريقة الصوفية المتحررة في العيش يجد المرء نفسه مضطر للتسليم بعقلانيتها الكاملة. وما أعنيه بالصوفية المتحررة التي لا تفرض موانع غيبية بل موانعها تنبع من ذاتها. الزهد الصوفي الذي يستمتع به الصوفيون المتحررون مقروناً بالشعور الروحاني أو الشعري والذي يستغني به الزاهدون ليس إلا أجلى أشكال الحياة العقلانية، والمفارقة أنه غير منتج فلو زهد الناس كلهم لتوقف تقدم البشرية. هذا الزهد لا ينبع البتة من مصدر غيبي أو أخلاقي وإنما من منبع مادي عقلاني. يتجلى هذا الزهد بالزهد في الجنس والمال والسلطة لأنه ببساطة لا يمكن الحصول على أي من المتع السابقة إلا ببذل جهد، هذا الجهد نتيجته غير مضمونة وفي حال بذل الجهد والحصول على لا شيء أو على الخسارة؛ المحصلة مؤلمة للغاية.
الزهد هو الاستغناء عن الألم والمتعة منذ البداية وبما أنه من السهل الاتفاق على أنه ليست كل محاولة تنجح وإلا لما سميت محاولة ولو فرضنا أن نسبة النجاح في الظروف المواتية تماما هي في حدها الأعلى واحد من ثلاثة وهي نسبة عالية جدا أعتقد أن معظم الناس سيوافقني على أنها مبالغ فيها، فالزهد هو عملية استغناء عن ألمين اثنين مقابل كل لذة واحدة هذا في الظروف المثالية الكاملة للنجاح لكن في الظروف العادية لن يكون من المبالغة أن نقول الاستغناء عن لذة واحدة مقابل كل تسعة آلام. أليست هذه عملية عقلانية؟ في مجتمع فعال وعملي ومتقدم إذا نجح شخص ما في محاولة من كل ثلاث محاولات وخاب في اثنتين لاعتبرناه كفؤا ومحظوظا، فما بالك بالإنسان الذي لا نعتبره محظوظ أو الذي جاء إلى هذا العالم أصلا مع بعض العجز وكيف إذا كان ذلك في مجتمع غير فعال ومتخلف.
إذا تركنا المثاليات جانبا فإننا مضطرون للتسليم بعاملي الحظ والإمكانيات البدائية التي تزود بها الطبيعة كل منا منذ البداية، منذ قدومه إلى العالم وهذان العاملان لا يمكن التحكم بهما، كما أنهما متفاوتان بشكل كبير من شخص إلى آخر. بدون أن نقفز إلى طريقة الاستدلال الخاطئة التي نستعملها كثيرا، بأن نشير إلى شخص ولد في ظروف سيئة ونجح وننسى عشرة بل مائة فشلوا، فان أي إحصاء منصف سيبين بجلاء أن الإمكانات البيولوجية والبيئية للفرد تلعب عاملا حاسما فيما يحققه. أبدا ليست الفرص التي تعطيها الحياة لمولود جميل سوي جسديا ولد لعائلة غنية متماسكة ومتعلمة في السويد هي نفسها الفرص التي تعطيها الحياة لمولود ولد معتل الصحة لعائلة فقيرة غير متعلمة ومفككة في بنغلادش مثلا.
الحظ هو الآخر عامل لا يمكن تجاهله. انشغال الأمم الأوربية بالحرب العالمية الأولى كانت فرصة لتحسين كبير في حياة نحو مائتي مليون أميركي وياباني لم يدفعوا مقابلها شيئا وليس لهم أي يد فيها. اكتشاف النفط في الخليج والذي لم يبذل أهل الخليج جهدا فيه جعل مستوى حياة السعودي أو الكويتي أفضل بعشر مرات من مستواه للسوري أو المصري خلافا لأي منطق عقلاني.
هذه الحالة كما نصادفها على مستوى الدول نصادفها أيضا على مستوى الأفراد وبكثرة. هرون الرشيد كان قد أوصى بالخلافة من بعده لثلاثة من أولاده ليس من بينهم محمد المعتصم وبعد أن قتل المأمون أخيه الأمين واستقل بالخلافة لم يكن له ولي عهد ولم يكن المعتصم يعتبر أهلا للخلافة فهو شبه أمي لكن وفاة المأمون المفاجأة أثناء الغزو في بلاد الروم وضع الجيش أمام أمر واقع حيث كان المعتصم موجودا فبويع خليفة وحدث أن أصبح خلفاء بني العباس التالين كلهم من سلالة المعتصم. الملك حسين ملك الأردن الراحل الذي تعرض لعدد كبير من محاولات الاغتيال لو مات في أي منها لكان الرجل الذي ظل وليا لعهده لعقود أقصد الأمير الحسن ملكا ولتغير مجرى الأمور بشكل كبير.
الزهد ليس إلا محاولة عقلانية لتوفير عناء الفشل الذي يقترن بجميع المحاولات أكثر من النجاح حتى بالنسبة للأشخاص ذوي الإمكانيات الجيدة وفي المجتمعات الفعالة فإذا انتقلنا إلى المجتمعات غير الفعالة وإذا كنا قد افترضنا أن نسبة النجاح هي واحد من ثلاثة فإنها تصبح واحد من ثلاثين أما إذا تحدثنا عن الأشخاص عاديي أو قليلي الإمكانات في مثل تلك المجتمعات فان نسبة النجاح تنخفض أكثر من ذلك بكثير. فهل من يلجأ إلى الزهد مفضلا إياه على بذل الجهد والعناء وتحمل الألم في سبيل محاولة حظها من النجاح واحد إلى خمسين أو أقل من ذلك هو عقلاني أم لا؟ انه وبالتحليل العقلاني البحت في غاية العقلانية.
الإيمان؛ ذلك الدافع غير العقلاني سواء كان ما ورائيا أو دنيويا؛ هو المحرك الأعظم للنجاح في معظم إن لم يكن كل حالات النجاح في هذا العالم. هل كل الأميركان العاديين باستثناء لنكولن لا عقلانيين، في الواقع العكس هو الصحيح لقد كان لدى لنكولن ما يشبه الرؤيا الروحية بأنه سيصبح رئيسا للولايات المتحدة رغم أنه كان أميركيا عاديا وهذا ما جعله يحقق ذلك. ملايين بل عشرات ملايين الأميركيين ممن كانوا أفضل حالا من لنكولن بكثير لم تكن عندهم رؤيا، ببساطة كانوا عقلانيين ولم يصيروا رؤساء للولايات المتحدة. نفس الكلام ينطبق على الاسكندر ومحمد ونابليون كل منهم حقق حلما من الجنون مجرد التفكير فيه، فهل هو عقلانيا أن يفكر راعي مثل محمد بأنه سيصير أنجح شخصية عرفها كل التاريخ البشري باعتراف الصديق والخصم وأنا لا أتحدث عنه كنبي بل كأكبر مؤثر في تاريخ الإنسانية.
أشعر بتأنيب ضمير وأنا أكتب السطور السابقة لأنني أعرف أن بلية العرب الأولى هي عدم العقلانية ومع ذلك فأنا أبررها والذي يضطرني إلى ذلك هو هذا الفصام الكامل والمضر الحاصل بين العربي العادي وبين المثقف العربي. بينما ينفر العربي العادي من العقلانية ولا يقيم لها وزنا، يسعى المثقف العربي إلى عقلانية بحتة والواقع أن كلا الطريقين لا يقود إلى نتيجة. العقلانية غاية في الأهمية لسبب أنها معدومة لدينا ولكن كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، وبين عدم إيمان المواطن العادي بالعقلانية واحتقاره لها وعبادة المثقفين للعقلانية المطلقة أخشى إن نصير إلى ما صارت إليه قبلنا شعوب أميركا اللاتينية والروس والذين بعد عدة قرون عجزوا عن التحول إلى أمم كاملة الحداثة بينما احتاجت كوريا الجنوبية إلى أقل من نصف قرن وقبلها اليابان.
الإيمان بكل أنواعه ليس عقلاني فإيمان الماركسي بالحتمية التاريخية وحتى لو تمت صياغته بشكل يبدو عقلاني فهو لا علاقة له بالعقلانية، فكيف يمكن إيجاد أي برهان عقلاني عليه وحتى لو كان برهانا مهلهلا؟ الواقع لا يمكن.
حقيقة الأمر أن الإيمان اللاعقلاني، وكل إيمان هو لاعقلاني، هو الذي صنع مجد الأمم والأشخاص ولكن شريطة استعمال العقلانية لتحقيق أهدافه وليس لتحقيقه هو، حيث لا بد من استعمال العقلانية في جميع جزئيات الحياة بعد أن يتم إرساء الكليات أو المبادئ على أسس متينة وثابتة من الإيمان الذي أسلفت أنه وبكل أشكاله لا عقلاني. وهذا يقودني إلى الفساد الكامل للنقد الذي يوجه خاصة من قبلنا نحن العرب للناجحين أفرادا وأمم. الغطرسة الأميركية نابعة عن إيمان عميق لدى الأميركان بعظمة وتفوق أميركا، وهذا الشيء الذي نرفضه لأنه غير عقلاني ونحن محقين تماما في أنه غير عقلاني هو بالضبط ما يجعل أميركا ما هي عليه وهو نفسه الذي جعل كل الأمم العظيمة في التاريخ من الرومان إلى العرب إلى الأتراك إلى الانكليز ما كانوا عليه.
ببساطة لا يمكن إقامة أي بناء شامخ إلا على أساس إيديولوجي لاعقلاني، لكن بعد تأسيس الأيديولوجيا أو الإيمان أو حتى سمه الوهم واعتناقه يمكن اللجوء بل يتحتم اللجوء إلى العقلانية في سبيل تحقيق ذلك الإيمان أو الحلم. بالعقلانية البحتة ما هو الدافع الذي يجعل شخصا ما يضحي بحياته الهانئة من أجل أي شيء؟ ملايين البشر كانوا يعيشون حياة هانئة ثم ضحوا بهناءة عيشهم وتكبدوا أفظع المعاناة والألم في الحروب ثم هم في النهاية ضحوا بأرواحهم من أجل شيء ما سواء كان إيمان أو وطن، هل هذا تصرف عقلاني؟ أنا أتحدث هنا من منطلق عقلاني بحت لأن مثل هذا المنطلق لا يمكن أن يؤمن بأي نوع من أنواع الحياة الثانية. يتطلب كسب الحرب في أفغانستان التضحية بعدد من الناس يقل عن عشرة آلاف ومع ذلك تكاد الدول المتقدمة المشتركة في تلك الحرب تخسر الحرب بسبب عجزها عن تلك التضحية رغم أن مجموع سكان تلك الدول يصل إلى مليار إنسان. السبب البسيط الواضح في ذلك أن الناس في تلك الدول قد صاروا أو كادوا يصيرون عقلانيين بشكل مطلق.
ليس من الصعب معرفة أنه كلما زاد وضع الفرد والمجتمع سوءا كلما زادت الحاجة للإيمان، فالايمان ليس أكثر من تصور العالم كما نريده لا كما هو، لذلك تتقدم العقلانية بتقدم الأمم لكن سيطرتها الكاملة لا يمكن أن تؤدي الا إلى العدمية الكاملة كما أسلفت وهذه هي تماما مشكلة ما بعد الحداثة في العالم المتقدم والخطورة أنه لما كان الايمان هو الذي يمكننا من تصور العالم كما نريده ولما كانت الأمم المتخلفة تحتاج من أجل التقدم إلى تصور لعالم جيد ثم الايمان بذلك لأنه لا يمكن السعي إلى عالم أفضل دون تصور مثل هذا العالم والايمان به ولما كانت العقلانية تقتل الايمان قتلا فان المشكلة هي:
عندما تصبح أمة متخلفة عقلانية فإنها تصير غير قادرة على الإيمان القوي بعالم أفضل وبالتالي هي تصير غير قادرة على تحقيق مثل هذا العالم. هذه هي المشكلة التي سقط فيها الروس واللاتينيون(جنوب أميركا) وبما أن تحديث الأمم الايديولوجبة كالمسيحيين والمسلمين هو في العمق عملية عقلنة لأن أكبر معيق لتحديث هذه الأمم هو الفكر الغيبي اللاعقلاني فان الأمر في غاية الصعوبة والحرج.
اذا ظلت هذه الأمم في لا عقلانيتها فهي لن تحقق شيئا واذا اندفعت بسرعة إلى عقلانية زائدة فهي تفقد الايمان والحماس الذي لا يمكن تحقيق الأشياء الكبيرة دونها! لذلك أقول أن الأمم المسيحية والإسلامية من الصعب جدا تحديثها بشكل علماني أو عقلاني بحت أو حتى مبالغ فيه لأنها واقعة أصلا في جو فكري لا عقلاني والايمان هو أيضا لا عقلاني لكن صنع الأشياء الكبيرة يحتاج ايمان، بعكس أمم الشرق الأقصى مثل اليابان والتي هي أمم علمانية وبالتالي عقلانية أصلا لذلك ما إن احتكت تلك الأمم بطريق الحياة والتفكير الأميركية والتي تقوم على الايمان الحماسي حتى أخذت منه المركب الذي كان ينقصها وانطلقت بسرعة كبيرة إلى الحداثة.
روسيا وأميركا اللاتينية وربما مصر بدأت مسيرة التحديث قبل اليابان ولا تزال تتعثر حتى الآن للسبب السابق حيث يمكن تشبيه الوضع بالتالي:
الشرق الأقصى كالشخص المصاب بنقص تغذية شديدة وقلة غذاء ما أن وجد الغذاء الغني حتى صح جسمه بينما الآخرين كالشخص المصاب بالسمنة مع سوء التغذية وفقر الدم فان هو أقل من الأكل ساءت حالته بسبب النقص الموجود لديه بالعناصر الهامة كالمعادن وبعض الأحماض الدهنية والأمينية ومعلوم أن مصدرها جميعا هو الغذاء وان هو أكل فالغذاء يحوي تلك العناصر التي يحتاجها جسمه وغيرها من النشويات والدهون التي تزيد سمنته وبالتالي تزداد حالته سوءا؛ اذا لم يعرف هذا الشخص كيف يأكل فهو سيموت لأنه يحتاج إلى برنامج غذائي دقيق بعكس الأول الذي كل ما عليه هو أن يأكل وتتحسن صحته آليا.
لقد شغلت بالي قضية فشل روسيا في التحديث بعد ثلاثمائة سنة من بطرس الأكبر الذي حاول تحويل روسيا إلى دولة أوربية حديثة بينما نجحت اليابان في فعل ذلك خلال أقل من قرن واحد ودون عناء.
ما لم يكن العرب والمسلمين عامة أذكياء ويستفيدوا من تجربة الروس واللاتين فإنهم سيسلكون نفس الدرب: ستهدأ الفورة الدينية الحالية وربما تتلوها فورات عنفية غير دينية كما حدث في أميركا الوسطى لكن قرونا من المراوحة في المكان هي التي تنتظرنا وحالة روسيا بعد ثلاثة قرون أكبر دليل. ربما تكون روسيا حاليا في طريقها للخروج من وضعها والتحول إلى دولة متقدمة بمعنى الكلمة – ومع أن هذا لا دليل عليه – الا أنه لو كان صحيحا فهي احتاجت وقتا طويلا جدا جدا. السيارات الكورية الجنوبية تتفوق على السيارات الروسية بشكل كبير والرئيس الروسي يتحدث عن اقتصاد قائم على المواد الخام وعن نقص الابداع وغياب المجتمع المدني وبينما تحفى أقدام العربي أمام سفارات أوربا الغربية وأميركا الشمالية للحصول على فيزا أو من أجل الهجرة تمتلئ فنادق دولة عربية غير ثرية كسوريا بالفتيات الروسيات الذي يعرف الجميع ما هو عملهن. هذا كله في عام 2010 بالنسبة لدولة بدأ التحديث فيها مع بطرس الأكبر عام 1705 وتملك أكبر مصادر للثروات الطبيعية في العالم كله من نفط وغاز ومعادن وغابات الخ....
تحويل مجتمع متخلف إلى مجتمع حديث منتج يحتاج إلى شبه معجزة أو إلى عمل ضخم والأعمال الكبيرة لا يمكن صنعها الا بالايمان وفي حين لا يملك الياباني ايمان فانه يسهل عليه تعلمه بتأثير الغرب خاصة الأميركي لكن الروسي والعربي يملكان ايمان والمشكلة أنه ايمان سيء وسأصيغ الحالة في المثال التالي:
لنشبه الايمان بالبيت فإذا احتاج شخص من أجل تقدمه إلى بيت فان البدوي المقيم في الخيمة يمكنه إن يتعلم بناء بيت حديث لكن الذي لديه بيت قديم جدا توزعت أقسامه وغرفه بشكل عشوائي مهلهل ومتداعي سيواجه ثلاث مشاكل عندما يحتاج إلى بيت حديث: الأولى انه يصعب عليه هدم البيت القديم الذي اعتاد على الحياة فيه وارتبط به عاطفيا وهو سيقول عندي بيت حتى أفضل من البيوت الحديثة وهذا طبيعي فهو يراه هكذا. ولكن حتى لو تجاوز تلك المشكلة فان المشكلة الأكبر أنه سيحاول إصلاح بيته وليس هدمه لأنه بيت وهذا على الأغلب مستحيل. والمشكلة الثالثة والأصعب من سابقتيها هي أنه حتى لو هدم بيته وهذا يتطلب شجاعة فوق عادية فانه سيقيم بيته الجديد على غرار القديم أو على اقل تقدير سيظل البيت القديم في ذهنه وروحه أثناء بناء البيت الجديد مما سيجعل البيت الجديد يأتي مصنوعا من مواد حديثة ولكنه في الروح يمتلك نفس الروح التي كانت في البيت القديم ولكن ما نحتاجه للتقدم هو بيت ليس فقط ذو شكل جديد ومبني من مواد حديثة بل ذو روح حديثة!

لا تصلح العقلانية هدفا ولا منطلقا للحياة ولكنها وسيلة ناجعة، بل الوحيدة، لتحقيق أهداف الحياة. لا يمكن تكوين أسرة على أساس عقلاني بحت كما أن أي أسرة تكون لهدف عقلاني بحت ليست أسرة فمن المسلم به أن الحب، والذي هو نوع من أنواع الإيمان، غير عقلاني. الأسر الناجحة تتأسس على الحب ومن أجل الحب فالإيمان بكل أشكاله والتي الحب أجلاها ليس له منطلق ومستقر، ليس له وسيلة وغاية فهو غاية ذاته وبالتالي لا يمكن تبريره أي أنه لا يمكن أن يكون عقلاني.
مشكلتنا نحن العرب اذا ليست انعدام العقلانية بل هي تحديدا محاولة تحقيق أهدافنا بوسائل غير عقلانية. وهذا غير ممكن. الهدف يمكن أن يكون لا عقلانيا بل يجب أن يكون كذلك لأنه كما أسلفت لن نجد أي هدف عقلاني لحياة سريعة الزوال كثيرة التقلب تحكمها ظروف لا نتحكم بمعظمها، لكن بعد تأسيس الهدف فلا يمكن تحقيقه الا بالعقلانية الكاملة. وهنا بالضبط تكمن مشكلة الأمم التي تعثرت مسيرة التحديث فيها فهي انتقلت بسرعة من اللاعقلانية في الأهداف والوسائل إلى العقلانية في الأهداف والوسائل وكلا المعادلتين غير قابلة للنجاح؛ لأننا نحتاج إلى لا عقلانية فيما يخص الأهداف فنحن لا يمكننا أن نجد هدفا عقلانيا للحياة، كما نحتاج إلى العقلانية في الوسائل لأننا لا يمكن إن نحقق شيئا بوسائل لا عقلانية هذه المعادلة السحرية أتقنها الانكليز وربما الألمان ومعظم شعوب شمال أوربا لكنهم دفعوا ثمنها غاليا جدا اكثر من ألف سنة من التطور القاسي البطيء.
من الواضح أن قسوة العقلانية تزداد كثيرا بازدياد الفقر الشخصي والاجتماعي ففي المجتمعات الفقيرة حيث كما أسلفت تصبح نسبة النجاح متدنية لأن نسبة نجاح محاولات الأفراد ترتبط حتما بالجهد المبذول من قبلهم لكن أيضا بالظروف المواكبة ولما كان معنى أن يكون مجتمعا موصوف بأنه متخلف هو أن هذا المجتمع يفرض على أبنائه ظروف سيئة بل أحيانا سيئة للغاية تعيق تقدمهم فمن المسلم به أن نسبة نجاح محاولات الأفراد هنا أقل بكثير وبالتالي عندما يتخلون عن العزاء الروحاني الذي يحققه لهم أي نوع من الايمان فهم يعانون كثيرا: هم تماما كالذي صحا من التخدير أثناء الجراحة، بالتالي يصير مفهوما لماذا تزداد العقلانية بارتفاع مستوى المعيشة وتنخفض بانخفاضها. مهما قلنا فان أول ما يعطيه الأطباء للمريض هو مزيل او مخفف الألم حتى قبل أن يبدؤوا بعلاجه وهذا شيء طبيعي فقدرة البشر على تحمل الألم محدودة. قول ماركس إن الدين أفيون الشعوب صحيح لكن من قال أن هذه الحياة ليست قاسية خاصة بالنسبة للشعوب المتخلفة لحد أنها تحتاج ولو بعض الأفيون المخدر.
لقد أصبح الروس عقلانيين وتركوا أوهامهم الإيمانية بينما لا تزال ظروفهم المعيشية قاسية فاستعاضوا عن الايمان بالفودكا ونحن عرب المشرق من الممكن أن نستعيض عن الايمان والفودكا بالعرق.
إن التقدم المادي وتحسن ظروف حياة الناس هو الهدف الحقيقي واذا كان الايمان يساعد على ذلك فلا بد من قبول ذلك بل تشجيعه. بالله عليكم دلوني على وصفة طبية لمريض لا تحوي على مخفف ألم. بالطبع مخففات الألم القوية وتلك التي تسبب الادمان يمنع استعمالها عادة الا في حالات الضرورة القصوى، ولكن هل هناك أسوء من حال العرب الراهن مما يعني أن هناك حاجة حتى إلى المورفين؟
ازدياد التدين في العالم العربي هو نتيجة لعملية جارية وليس هو السبب، فالسبب هو تدني الحياة المادية للناس : تدني الدخل وانعدام الحرية وازدياد صعوبة الحياة لذلك اظن أن العلاج لا بد أن يكون بتدين أفضل من الموجود حاليا ولكن اختراع تدين جديد عند شعب متدين أصلا شيء صعب للغاية كما أسلفت. هذه هي المهمة التي أنجزتها البروتستانتية حيث حافظت على الايمان اللاعقلاني فيما يخص الأهداف وتخلصت – أو حدت كثيرا – من اللاعقلانية عندما يأتي الأمر إلى الوسائل.
من الوهم أن نظن اننا سنصبح مثل أوربا خلال عقود قليلة فستكون هناك معجزة اذا تم انجاز ذلك خلال قرن أو قرن ونصف هذا اذا كان ذلك سيتم انجازه. خلال تلك المدة، مدة العمل من أجل التقدم وحتى في أوربا نفسها استخدم الناس مخفف ألم واهم مهمة تواجهنا نحن العرب هو الحصول على ذلك النوع من مخففات الألم غير المؤذية كثيرا: لا تسبب كثيرا من الادمان ولا تفقد الوعي أو القدرة على التفكير الصحيح. نحتاج إلى دين بالتأكيد لكن من النوع العملي الذي يحض على العمل لا على انتظار فرج السماء مثل الفكر الذي تبناه يوما المعتزلة والذي يقول للناس أنتم مسئولين عن أعمالكم لا الله. ايمان يحض على الحب والالفة لا على الكراهية كذلك الايمان الصوفي عند ابن عربي وابن الفارض وغيرهما. نحتاج إلى ايمان يحض على العدالة بما في ذلك تسوية الرجال بالنساء وهذه النقطة أظن أنه يجب استيرادها ولا ضير في ذلك فالثقافات كلها تأخذ من بعضها.

ما أريد الوصول إليه هو أن سبيل الخروج من الوضع العربي الراكد المزمن ليس هو العقلانية البحتة كما أنه من المؤكد ليس الخرافية التي نعيشها ونستعملها في ثقافتنا وتفكيرنا، انه تدين يتم السعي إلى تحقيق أهدافه بشكل عقلاني. من هنا ومن كل ما تقدم أجد أن أي بداية يجب أن تمر بإصلاح ديني حقيقي؛ عميق وشامل لأنه من الصعب جدا في ظروف العرب الراهنة تبني أي نوع من أنواع الإيمان الدنيوي علاوة على أن مثل تلك المحاولات فشلت كثيرا لدينا ولدى غيرنا. ما صنع قوة أميركا هو الأميركي العادي وقبله الانكليزي وكذلك الألماني الذي يذهب كل يوم إلى عمله مملوءً بتفاؤل وإيمان عميق ويتكبد جميع الصعاب برضا وسرور.



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأشراف والتهجين
- الايمان الأصيل والإلحاد وجهان لحالة واحدة
- رب شرير أم إسلام قديم؟
- الرغبة والفكر
- حلم مزعج وحذاء
- لماذا يغيب الابداع والاختراع في العالم العربي؟ ( الإلحاد كحا ...
- أسأل نفسي، متى مت؟
- القاعدة السمائية الثالثة
- سماء وصدر
- الزواج والاحتشام عند البشر والحيوانات
- نظام الإدارة والتقويم في القرآن
- المدلى من فرج الزمان
- النسيان كعلاج
- آخر الشموس
- مرحبا أيها القدر
- لا تبحث عن السعادة
- القذف دون التعري
- اللذة الجسدية والدين
- ماركس والأنبياء
- حرية بلا ثمن


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - هل هناك عقلانية زائدة؟