أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيدة خوازم - رسالة إلى هنري ميللر، ولكن.. بعد الفاصل















المزيد.....

رسالة إلى هنري ميللر، ولكن.. بعد الفاصل


رشيدة خوازم

الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 20:08
المحور: الادب والفن
    


رسالة إلى هنري ميللر، ولكن.. بعد الفاصل
بقلم: رشيدة خوازم
فجأة، أجدني أمام مساحة بيضاء مقدارها 500 كلمة، بالملحق الثقافي لواحدة من أعرق الصحف في النصف الجنوبي للكرة الأرضية.. "الشعب"، بعد أن انقضى عليها عمر كامل، بأصيافه وشتاءاته، عمر معجون بالرجال والأقلام والمواقف.
لذلك، هذه المساحة ليست بيضاء تماما. فيها كل هذه الأشياء، وليس فيها شيء.
الآن عندي هذه المساحة، فجأة أجدني أملك كل هذه الحرية المكبلة (بكسر الباء). وسأستغلها إلى أقصى حدود الاستغلال والانتهازية.
ولكن لا أعرف كيف.. خاصة وأن الأمر يتعلق بواحدة من أعرق جرائد النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، بعد أن انقضى عليها زمن بأكمله..
ماذا بقي بعد ذلك..
ما الذي يبقى بعد انقضاء زمن ما..
ماذا يتبقى سوى الحكمة التي تتبطن أدنى حركاتنا وتعابيرنا، بدءا بالسلوك اليومي، ووصولا إلى أكثر أشكال التعبير تعقيدا.. الكتابة.
الحكمة في هذا "العصر" لم تعد ذلك الشكل التعبيري المتبجح والمتعالي الذي يدعي المعرفة المطلقة، معرفة الخبايا بفعل الإلهام أو المناهج.
الحكمة في هذا "الآن" المتأرجح المنزلق، هذا الآن الذي ينتهي قبل أن يبدأ، هي معرفة الحدس المستشري مثل المرض في العقول المقدحة الباهتة.
الحكمة لم تعد قادرة على أن تكون نتيجة أو محصلة، بل هي المسار، والانكسار. هي الكينونة المتفردة، هي المقاربة المشحونة بالقلق. هي الانتظار المتكئ على اليأس، والأحلام المذبوحة بالكبرياء.
تلك هي الحكمة، حقول لا تزهر إلا بالشوك والأسئلة اليباب.
تبقى هذه الحكمة/ الأسئلة، نجرجرها عندما نكون سنغادر هذا العالم، في تلك اللحظات الأخيرة، عندما نشتم رائحة الانعتاق من هذه البوتقة الضيقة، لنضيء بشكل مختلف في قداحات المراهقين وهم يشعلون النار، أو في عنفوان زنبقة لا تطير.
تبقى هذه الحكمة كلها، نجرجرها كما نجرجر قدمنا المثقلة بشيخوخة الأحلام المستحيلة، باتجاه الانطفاء.
تلك هي قدم الحكمة. هي هذا الشيء، واللاشيء.. الذي نخرج به بعد عمر كامل.
أدخل في الموضوع، ويلزمني لأجل ذلك الكثير من الجهد، فأنا محرجة من هذه الحكاية، ولكن لا بأس..
المقولات النقدية القاعدية والمبدئية وإن كانت تدرج القراءة ضمن منظور يمنهج هذه القراءة ويحددها. إلا أنها في الجانب الآخر من المعادلة، تحيط الإبداع بهذا المنظور نفسه، وتقتل فيه غريزة التجاوز بخلق آفاق محاطة بهالة العلم والمنطق وقداستهما.
إذن، لا بد من كتابة إبداعية تحرج العلم والمنطق والنقد، ليس إلى درجة الاستهانة بها، ولكن لا بأس إن لعبت معها لعبة الغميضة، أو حتى لعبة اللص والسارق.. أؤكد: اللص والسارق وليس لعبة اللص والشرطي.
سأدخل في الموضوع، ولكن قبل ذلك، أريد أن أسوق مقولة لريفاتير تؤكد هذا الكلام، هذه المقولة صارت شائعة كالعشب: "إذا كانت هنالك مرجعية، فهي مرجعية تحيل إلى نصوص أخرى وليس إلى الواقعي" (ميشال ريفاتير)
في روايتي "قدم الحكمة" ظلال نصوص كثيرة لم يكن ممكنا بترها، لأنها شريان الحياة، وضمان جنيالوجية النص.
لم يعد ممكنا قتل هنري ميللر، ونسف ما بناه فينا من قدرة على تخطي حواف الكلمات، والقفز بحوافر الجن على الأصول والقواعد في سبيل تأصيل الذات وتأصيل أحلامها النافرة، وجعلها قاعدة جوية للتحليق منها باتجاه الآخر الذي دائما يوجد في مكان بعيد، حتى ونحن معه في مكان واحد.
هذا ما ربما أكون قد تعلمته من تجربة ميللر النسخية، هذه التجربة التي تجعل الأشياء أشياء.. ولا شيء منها يستحق التأمل العميق والاستغراق والاستيهام. فكل شيء في ذهن من قرأ هنري ميللر من الزاوية التي قرأته منها، وفي عصر فات فيه ميللر بالقدم والعين اللتين أعرف وأحب، هو شيء فقط.
لا يوجد في "قدم الحكمة" فقط هنري ميللر، هنالك كل النصوص التي قرأتها، وكل النصوص التي يكون قد قرأها من أوصلني عبر الطاكسي إلى هناك، أو من باع لي علبة سكر وكيس حليب. أنا متأكدة.. كلهم.
ولكن لا توجد فقط هذه النصوص، بل أوجد أنا أيضا، يوجد شارع ديدوش مراد، توجد الطائرة ونصيرة والثلج ومونتمارتر والبواخر والياسمين والأوبي والفيزياء والحليب والكافور والهوية والهزائم والبورجوى وناتالي إيفانوفنا واللاجئون والملوك والكاراميل والقنيدلات والبيتلز وآلجي.
في "قدم الحكمة" الكثير من آلجي والكثير من الحدس.
فيها كل هذه الكلمات، كلمات وحسب، قد لا تحيل إلى أي شيء، وقد تحيل إلى كل شيء، بحسب مقدار القراءة وطولها وعرضها، وقاموسها.
إيه.. هنالك شيء آخر: فربما باستهلالي الرواية بمقولة بيتور، أكون قد انطلقت من مفهوم محدد للأشياء والكلمات والسرد: "الرواية لم تعد تعبيرا عن مجتمع يتفكك، هي تعبير عن مجتمع يدرك أنه يتفكك" (ميشال بيتور).
ذلك أن روايتي لا تريد أن تكون رواية جديدة، ولا أن تكون رواية قديمة. هي رواية الغياب والحضور، حضور الإصغاء، وغياب الرحابة. ومستوى الشعر فيها لا يخوض حربا، وهو يخوض مغامرة الحياة بكذب هو صدق الحواس، وحيوية هي حيوية الموت.
والمعنى داخل الرواية لا ينفتح على عالم محكم ومنسجم، وهذا ما قد يبرر تفكك خطاب الرواية وانشطاره، فهي لا تفهم السؤال الذي يريد أن يعرف ما إذا كانت الكتابة محاولة لفهم الواقع أو محاولة لتغييره. روايتي لا تفهم هذا السؤال، ولكنها ربما تعرف أن الكتابة هي تحول على صعيد الذهن والوعي والمعرفة والأمزجة، تحول يوازي مختلف التحولات الأخرى. يوازيه ولكن لا يعادله، بل يتجاوزه.
كلام الشخوص داخل الرواية ليس "دردرشة مثقفين".. "قدم الحكمة" لا تريد أن تكون رواية انتلجنسيا. فكلام الشخوص هو كلام منسوج من لغة التخاطب اليومي ومملوء بهواجس الآني الخائفة من قدوم الموت والسكينة. هو كلام لا يحيل إلى مفهوم دلالي محدد سلفا، ولكنه يحيل أحيانا إلى اكتناز اللحظة بعنفوان الحلم تارة، وتارة إلى زخم التدمير، وأخرى إلى الأفازيا والهوس، وفي كل الأحوال، هو يحيل إلى ذاته. "قدم الحكمة" تراشق بالكلمات المثخنة بعصور من الدلالة وبدهشة الخيبة، ولعنة الغفران.
هنالك داخل كلام رشا وميلود ورنا وسيدة وفاطمة وباسم وجميل ومحمود (هي الأصوات الرئيسية داخل الرواية)، هنالك وعي ملغوم بأن أي مفهوم للعالم في هذا "الآن" وفي ظل التشققات والتكسرات والانكسارات الصغيرة اليومية، هو بالضرورة مفهوم متشقق ومتفكك.
ولكن ما من صوت داخل الرواية يقبل أن يكون مكسور الخاطر، هنالك توق إلى الانخراط في هذه الكينونة ولو بعين واحدة هي عين الرجاء، وبيد واحدة هي يد العطاء، وقدم واحدة، هي قدم الحكمة.
ها انا ذي أعرف إذن كيف نكون انتهازيين بامتياز. وعرفت كيف أستغل تلك المساحة التي كانت مشوبة بالبياض، بعيدا عن الصالح العام وخدمة الوطن والمواطن.
والأكثر من هذا، عرفت كيف أستغل هنري ميللر.
اللهم سترك، وعفوك، ومغفرتك
الهوامش:
+قدم الحكمة: رواية صادرة عن اتحاد الكتاب الجزائريين بداية هذا القرن
+الأوبي: العباءة اليابانية التقليدية
+البورجوى: ماركة ماكياج
+ناتالي إيفانوفنا: إحدى شخوص رواية الموسكوفيت (ابن موسكو) (رواية)
+القنيدلات: حلوى جزائرية
+آلجي: صحراء الروح
[email protected]



#رشيدة_خوازم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذات الكلام
- نشوة الانتظار الذي لا ينتظر


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيدة خوازم - رسالة إلى هنري ميللر، ولكن.. بعد الفاصل