أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - حول الموضوعات من أجل نقاش هادئ لمنهجية و لرؤية - مناقشة لموضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري















المزيد.....



حول الموضوعات من أجل نقاش هادئ لمنهجية و لرؤية - مناقشة لموضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 941 - 2004 / 8 / 30 - 08:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


سوف أتناول المنهجية العامة التي حكمت الموضوعات، و بعض المسائل الأخرى التي أرى من الضروري تناولها، نظراً لإتِّساع الموضوعات التي تتناولها من جهة، و لأن طبيعة السرد التي تحكمها تجعل مناقشة كل المسائل أمراً مرهقاً، رغم أن النص يتضمّن الكثير من الأخطاء و الأحكام المطلقة و التصوّرات الخاطئة التي تحتاج كلها إلى تدقيق. لقد وقع النص في خطأ الأحكام السريعة في مسائل تحتاج إلى تحليل، و إلى ما يمكن أن يسمَّى " التلطيش" في مسائل جادة، و إلى تحويل ما يحتاج إلى نقاش إلى بديهيات. و بدا أنه عبارة عن فكرة وحيدة ( هي الإستبداد/ الديمقراطية) تُكسى بكتلة هائلة من الأفكار التي تخدمها حيناً و لا تخدمها حيناً آخر، و التي تبدو زائدة في أحيان كثيرة، أو يمكن أن تفضي إلى إستنتاجات معاكسة أحيان أخرى. هذا الإنطلاق من المباشر ( الذي هو الإستبداد) ، و في شكل " سطحي" حوّل التكتيك إلى منهجية و أيديولوجيا و هدف وحيد. ليبدو الفكر كمروِّج للحظة، و هو هنا أصبح تبريرياً.

النظري/ السياسي و السياسي/ الحدثي
مناقشة في المنهجية
الملاحظة التي تلفت منذ البدء هي أن الموضوعات هي ليست موضوعات، بل هي عبارة عن، أو هي أقرب إلى أن تكون تقريراً سياسياً، ربما يحاول أن يلمس بعض القضايا النظرية أو الإقتصادية/ الإجتماعية، لكنه يظل يدور حول السياسة بما هي جملة أحداث متوالية، تتخللها أحكام قيمة هي مواقف غير مبنية على تحليل.
و لاشك في أن الطابع العام الذي حكم الحركة الشيوعية في هذا المجال هو سيادة " عقلية" التقرير السياسي، الذي يتضمَّن أحداثاً و مواقف منها هي في جوهرها أحكام قيمة، الأمر الذي جعل التراث الفكري لهذه الحركة يساوي صفراً. و أفضى إلى أن يصبح النشاط السياسي هو ذاته ملاحقة الأحداث و تحديد الموقف منها،بمعنى أن الحركة إفتقدت الرؤية و إتَّسمت بأنها تُحكم بردود الفعل، و من ثمَّ بالعجز عن تكوين حركة مجتمعية فاعلة. و هنا يُطرح السؤال حول معنى السياسي، و علاقته بالمجتمعي و بالدولة و بالطبقات، حيث يبدو في الغالب أن معنى السياسي مضيَّع، نتيجة طبيعة الوعي السائد و المنهجية التي تحكم الذين يعملون في السياسة، التي تؤسس لتناقض عميق بين النظري ( الفكري) و السياسي، و بالتالي بين المثقَّف و السياسي. مما يجعل الحركة السياسية حركة " خارجية"، و الحزب السياسي " فئة مميَّزة" عن المحيط الإجتماعي.
و يبدو أن الموضوعات إنحكمت للطريقة الماركسية التقليدية في تناول الرؤية التي توجِّه الحزب، و القائمة على السرد السياسي و تضمينه " أحكام قيمة" ( مع أو ضد، رافض أو مؤيد). و إذا كانت الموضوعات، أية موضوعات، يجب أن تتسم بالتركيز النظري، لأنها موجِّ الحزب و الأساس الذي تنبني عليه التصوّرات المباشرة ( و بالتالي التكتيك)، فإن الموضوعات هنا تتسم بإشكالية من حيث " الشكل" و أخرى من حيث " المضمون"، إضافة إلى أن الكثير من التصوّرات هي بحاجة إلى نقاش جدِّي و حوار هادئ، رغم أن المرحلة الزمنية الطويلة جداً ( تساوي قرنين) تجعل الكثير من المسائل خارج الضرورة لأنها تتعلق بمسائل لا تناقش في سياق بلورة رؤية لحزب، حيث يمكن أن تبقى مجال خلاف دون أن يتغيَّر شيء في الواقع، و لهذا سوف يجري إهمال مناقشتها ( مثل هل أن الحركة الوهابية هي حركة تجديد ديني، أو كيف نشأت الرأسمالية و مراحل تطوّرها ).
إن وسم الموضوعات بأنها تقرير سياسي يفرض تحديد الطبيعة التي تجعل هذا الحكم منطقياً، حيث يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
1) من يتابع النص يلاحظ مدى التركيز على التاريخ و التأريخ، فهو يتناول الرأسمالية منذ نشوئها و مسلسل تطوّرها مثلاً ( بغض النظر عما يمكن أن يكون التصوّر حولها)، و أظن بأن الأساسي هنا التكوين الراهن للرأسمالية و طبيعة تناقضاتها و الآليات التي تفرضها عالمياً. أما تاريخها فهو يقع في إختصاص المؤرخين، إلا ما فرضت الضرورة الراهنة إستدعاءه. و كذلك الأمر في ما يتعلق بالنهضة العربية التي جرى " البحث " فيها منذ محمد على باشا بداية القرن التاسع عشر. و أيضأ تناول سوريا منذ بداية القرن العشرين. و إذا كان البحث هنا هو بحث إجمالي فقد إتَّسم بأنه مبتسر و متسرّع، و هذا أمر حتمي حينما يكثَّف في صفحات معدودة لا تحتمل الموضوعات أكثر منها.
2) رغم هذا الطول في الزمن فإن البحث يتَّسم بسيطرة السياسي، أو بالتركيز على السياسي ( أو ما يعتبر أنه سياسي)، حيث أنه في الغالب يتناول النشاط السياسي و الحركة السياسية و التحوّلات السياسية. و بالتالي غياب " العمق" المتعلق بالأسس التي تحدِّد كل ذلك النشاط، حيث يغيب كل التكوين المجتمعي بمستوياته، ليظل التاريخ هو " تاريخ الدول و الملوك" كما كان قديماً. وهذه مسألة تحتاج إلى تأمل لأن تطوّر الفكر الحديث، و خصوصاً مع الماركسية، قد أفضى إلى نشوء الآليات التي تفضي إلى الإنتقال في البحث إلى كلية التكوين المجتمعي بمستوياته الإقتصادية/ الإجتماعية و الأيديولوجية/ السياسية. و لهذا فإن تناول " السطح السياسي" وحده لن يسمح بفهم الواقع، إضافة إلى أنه لا يقود إلى فهم السياسي ذاته، وربما كان رأي ماركس في هذا المجال مفيداً، حيث يقول " إننا نقوم بعمل علمي حينما نردُّ الحركة المرئية، أي الحركة التي هي مجرّد حركة ظاهرية ( أو تجري في الظاهر – س) إلى الحركة الواقعية الداخلية"، و خصوصاً أن إدراك الواقع هو شرطٌ لتغييره، لهذا سيكون التمحور حول " السطح" عاجزاً عن تأسيس الرؤية القادرة على وعي الواقع و تحديد دور القوى الذاتية في تغييره .
3) لهذا فإن النص " يمتاز" بالتوصيف مما جعله يفتقد الإجابة على كثير من الأسئلة التي يطرحها السرد ذاته. حيث أن مهمة التوصيف هي محاولة الإقتراب من الإشكالية من أجل البحث فيها، لكننا هنا نلمس أن السرد أشار إلى العديد من الإشكاليات دون أن يعنى في بحثها، مما أظهرها كمسلمات، و أحياناً كديكور. رغم أن التوصيف يعاني من إنتقائية شديدة، لأنه يعاني من الإبتسار كما أشرت قبلاً، حيث أنه يتأسس على مسبقات تخلُّ بالتوصيف من جهة، و يجمع بين الأحداث و نتائج التحليل المستخلصة من بعض المصادر " الإنتقائية"، و بين الأحكام غير المؤسسة.
4) أشرت إلى أن النص يُكثر من " أحكام القيمة"، التي تعني " التحديد" دون تحليل. بمعنى أن إطلاق الحكم يفترض تحليل " الواقعة" أولاً، من أجل الوصول إلى تحديد طبيعتها ( أو كنهها). فمثلاً يمكن الإشارة إلى مفهوم الإستبداد كحكم قيمة، حيث يجري البحث في جذوره و أسباب نشوئه و بالتالي إختلاف أسبابه من تجربة إلى أخرى ( استبداد النظم الرأسمالية في مراحل نشوئها الأولى – البونابرتية مثلاً- ثم في القرن العشرين – الفاشية و النازية و التجربة اليابانية- ، الأنظمة الدكتاتورية في أميركا اللاتينية و في النمور الآسيوية، النظم الإشتراكية، حركات التحرُّر ، الخمينية ...). و بالتالي تجاهل البحث في الأسباب التي أسست للإستبداد في سوريا، هل هو نتاج سمات شخصية، أو نتاج مصالح؟ و ما هي؟
و يمكن كذلك الإشارة إلى أن تقييم التجربة الإشتراكية قائم على أحكام قيمة، مثل الشمولية التي تحتاج أولاً لتحديد جذورها، و الأسباب التي أوجدتها، الأمر الذي يفرض البحث في التكوين الإقتصادي الإجتماعي في روسيا، و من ثمّ في المهمات المطروحة، و بالتالي في الشكل الذي إتَّخذه تحقُّقها. و كذلك الأمر في تحديد طبيعة النظام السوفييتي بأنه " رأسمالية دولة" دون التحديد لماذا هو رأسمالية دولة. و أيضاً ربط فشل الإشتراكية " الكبير" بعدم الأخذ بفلسفة التحديث الأوروبية، لكن هل هذا ممكن في وضع روسيا؟ إذن كيف هو ممكن؟
5) ثم أن النص يقوم على التوصيف الذي يحكمه " منطق إرادوي"، حيث " الموضوعية" المفرطة و " الذاتية" المفرطة. فمثلاً، جرى التعامل مع التجربة الإشتراكية ( و مع التجربة السورية كذلك) من منطلق أنها " حرق للمراحل"، و بالتالي تغيير إرادي في مسار التطوّر " الطبيعي"، هل تستطيع الإرادة فِعل ذلك دون أن يكون الواقع الموضوعي مؤهلاً لأن يقبله؟ و بالتالي ما هي المشكلات التي أسست لهذا المسار بالتحديد خلافاً ل" المسار الطبيعي"؟ في المقابل تصبح الديمقراطية هي هذا المسار الحتمي الذي " يجب" أن نبدأ به بغض النظر عن أن الواقع الموضوعي يحمل ممكناته أم لا يحملها.
لهذا فإن النص يثير إشكاليات هائلة، و إذا كان يطرح مسائل كثيرة تتعلّق بقرنين من الزمان، فإنه لا يشكِّل أرضية جيِّدة لمناقشتها، منها مثلاً نشوء الرأسمالية و تطوّرها و منها كذلك طبيعة عصر النهضة العربي، و أيضاً مسألة الإشتراكية و أسباب إنهيارها.... ألخ. و من ثمّ فهو لا يشكِّل موضوعات ( التي يُفترض أن تكون نظرية، أو نظرية/ سياسية)، رغم أن فيه ما يشير إلى موضوعات ،هي بحاجة لأن تحدَّد لكي تناقش و لكي تتبلور المواقف حولها من أجل حسم الخيارات فيها.

هذا التحديد يؤسس لتناول المنهجية التي حكمت الموضوعات، حيث أن النظر إلى " السياسي" يؤشِّر على منهجية في التحليل تتمركز حول الشكل، الذي يسمى في الماركسية البنية الفوقية، بمعزل عن المضمون، الذي هو الأساس الإقتصادي/ الإجتماعي. الأمر الذي يغيّب الواقع الإقتصادي و مصالح الطبقات، و يتجاهل أن السياسة هي نتاج ذلك، و رغم تأثيرها في مجمل التكوين إلا أنها تبقى منحكمة لأساسها، بمعنى أن دورها يتطابق و الحدود التي يفرضها الواقع الإقتصادي الإجتماعي. و بالتالي فإذا لم نرَ المصالح لن نكتشف السياسات. و سيكون هدف التوصيف هو تشكيل المدخل الذي يفضي إلى الوصول إلى العمق، أي إلى المصالح. و هذه الخطوة تجعلنا قادرين على أن تحدِّد إحتمالات السياسات و بناء الممارسة على أساسها، مما يجعلنا ننتقل من ممارسة ردود الفعل إلى الفعل ذاته، أي إلى تحديد الرؤية ( التي يمكن أن تسمى الإستراتيجية) و تحديد المهمات المستقبلية، و التحوّل إلى " قوة مستقلة" لأنها تعرف دورها ليس بناءً على الراهن فقط بل على الصيرورة كذلك.
و لاشك في أن " التمركز" حول السياسي قد أنتج ما يمكن أن نطلق عليه: السياسوي، لأن هذا التعامل مع السياسة أفضى إلى التعامل مع " الحدث"، أي مع ألنشاط الذي تقوم به السلطة و الأحزاب السياسية، و التصريحات التي تطلقها و الممارسات التي تقوم بها، الأمر الذي جعل السياسة هي رصد للأحداث و تعليق عليها. و هنا غدت السياسة هي الحدث، و أصبحت الممارسة تعني ملاحقة الحدث، لأن هذا هو الواقع. لكن إذا كان الواقع أوسع من ذلك لأن الحياة اليومية تشهد ملايين المواقف و الممارسات و العلاقات في الإقتصاد كما في المجتمع، و كما في السياسة، التي لا نسمع بها أو نشاهدها، لكنها أحداث تجري في الواقع، و ربما يكون الكثير منها أكثر أهمية من النشاط السياسي و التصريحات و المواقف. إن السياسة وثيقة الإرتباط بالإستراتيجية، أما المواقف فهي إما أن تكون معبِّراً عن الإستراتيجية أو مموِّهاً لها، و هذا ما يقع في مجال التكتيك. و بالتالي إذا لم تبنَ السياسة على الرؤية الإستراتيجية وقعت في مجال ردود الفعل ، لأنها حينها سوف تكون رداً على تكتيك الخصم الذي ربما يكون مضللاً، لكن الأهم أن هذه الردود سوف تقوم على أرضيَّة الخصم/ العدو لأنها رد مباشر على ما يفعل دون رؤية أهدافه كما دون رؤية إستراتيجية مقابلة. مما يحوِّل السياسة إلى تكتيكات ليس من ترابط بينها، و تنحكم في الغالب إلى التناقض، مما لا يجعلها تشكِّل تراكماً هو مهم للحركة السياسية.
إذن يمكن تلخيص الإشكال هنا في إنفصال السياسي عن المجتمعي و سيطرة ألحدثي على السياسي. لتصبح السياسة هي جملة أحداث متتابعة دون وعي الرابط بينها، و يصبح النشاط السياسي هو " التصدي" لهذه الأحداث كل " في لحظته"، حيث يشكّل كل منها ما كان يسمى " الحلقة المركزية". الأمر الذي يحوِّل الهم الأيديولوجي المبني على " اللحظة الراهنة" إلى مدخل منهجي و نظام معرفي، يصبح هو " الكل"، فتغيب الرؤية و تتلاشى الأدوات المنهجية، و يصبح الفكر وسيلة تبرير للسياسة المتَّبعة في " اللحظة".
تترابط هذه الإشكالية المنهجية مع إشكالية أخرى مكمِّلة، تتعلّق في طبيعة العلاقة بين الفكر و الواقع، حيث تميل في الموضوعات إلى إعطاء الأولوية للفكر تحديداً. و هنا يمكن التمثيل، حيث يشير إلى أن فشل الإشتراكية في روسيا كان لأن تطوّرها لم يستند إلى فلسفة التحديث الأوروبية، و سيادة المنطق البراغماتي مثلاً . أو في إعتبار أن مبدأ حق تقرير المصير هو الذي ولَّد حركة التحرر. و النص مليئ بهذا النمط من المقدمات التي تؤسس لتحليل مقلوب. فمثلاً نلحظ أن أسس التحديث الشامل في أوروبا هي: " موقع الفرد في المجتمع، و التخصص في العمل...... و الإعتماد على القوانين و المعرفة العقلية المجرَّدة التي تنتجها التجارب الملموسة"، لكن أليست هذه نتاج التطوّر الصناعي و تشكُّل الطبقات الجديدة و بالتالي التكوين المجتمعي الجديد؟ و لقد تحققت خلال قرنين من تطوّر الرأسمالية بعد نشوء الصناعة؟ لهذا فهي نتاج تطوّر و ليست محدِّدته. و من ثمّ ليس الأخذ بها هو الذي يطوِّر المجتمع رغم أهمية هذه المسائل و ضرورتها، بل أن الأخذ بها يجب أن يستند إلى تحقيق التطوّر الصناعي من أجل إعادة بناء الطبقات و العلاقات المجتمعية التي تسمح بأن تصبح سيادة هذه الأسس ممكنة. و بالتالي فإن رؤية "البنية الفوقية" يفرض أن يطال الحل البنية الفوقية، و أن يصبح هو محدِّد التطوّر.
في هذا الوضع أصبح مفهوم الشمولية مفتاح منهجي، رغم أنه توصيف لبنية سلطة هي نتاج تكوين قائم. و من ثمّ بدلاً أن يُفسَّر بات هو أداة تفسير، يفكّ الغاز كل المشكلات التي عانت منها المجتمعات الإشتراكية. و بات الإستبداد مدخلاً منهجياً و نظام معرفي، الأمر الذي جعل الديمقراطية كمفتاح لتحليل التاريخ، كمفتاح منهجيٍّ، إضافة إلى كونها حلّ يوتوبيّ كذلك، بدلاً عن الإشتراكية التي كانت هي المدخل المنهجي و الحل اليوتوبي، و في إطار الآليات الذهنية ذاتها.
من هنا أشير إلى أن التحوّل في " الرؤية" طال " الأفكار" و " الكلمات" و لم يطل " العقل" و " العقلية"، حيث ظل محافظاً على مثاليته المفرطة، و ظلت الفكرة هي مسيّرة التاريخ.
و سنلمس هذه المسألة حين نبحث في رؤية الموضوعات لمسألة التطوّر ذاته. إن المدقق يلمس أن الموضوعات تعاني من الإنحكام للمنطق الشيوعي القديم فيما يتعلق بطرق التطوّر، أو إرتقاء المجتمعات، الذي يقوم على الخضوع للحتمية المطلقة، حيث تظل الرأسمالية هي الراهنة لأن التطوّر يجب أن يمرَّ بها حكماً. لقد أسست الماركسية السوفييتية ( أي بالتحديد الستالينية) صيغة ذهنية مجرَّدة عن التطوّر، مستندة بلاشك إلى ماركس، أصبحت هي التطوّر الواقعي في كل دولة حتماً ، حيث الإنتقال من المشاع إلى الرق إلى الإقطاع و من ثمّ إلى الرأسمالية قبل العبور إلى الإشتراكية. و حيث أن الرأسمالية هي مرحلة ضرورية و حتمية و مطلقة، ليس من الممكن تجاوزها أو القفز عنها، و أي تجاوز هو " حرق للمراحل" و " حرف لمسار التطوّر"، الذي هو هكذا حتماً، و من ثم ليس من الممكن تجاوز هذا " المسار الطبيعي" في صيغة أخرى. و إذا كان التطوّر الرأسمالي مستحيلاً؟ هنا تنفى الإستحالة لأن هذا المسار حتميّ، طبعاً دون البحث في ممكنات الواقع لأن لا ضرورة لذلك لأن الفكرة مطلقة، و بالتالي من غير الممكن خدشها حتى عبر التفكير بخيار آخر.
إذن لقد " خلق" ماركس صيرورة هي ما سيتحقّق في الواقع، فما الحاجة للبحث في الواقع إذن؟ الفكرة هنا هي ما يؤسس الواقع و ليس الواقع هو ما يُنتج الفكرة، و مهمتنا أن نحقّق الفكرة، أو نطبِّق الفكرة . و من هنا أتت مسألة النظرية و التطبيق، و من ثمّ البحث في هل أن الخطأ في الفكرة أو في التطبيق. حيث سيؤكّد المطلق أن المشكلة في الدنس الذي ينتج عن التطبيق،بينما سيقود الدنس إلى الكفر في المطلق ذاته لكي يفتح باب الضياع.
سيفضي الإنطلاق من الفكرة إلى سياسة مفارقة للواقع، تؤسس لتكتيك في غاية الخطأ و الخطيئة، يقوم على السعي لتحقيق التطوّر الرأسمالي الذي بات بعد إنتصار الرأسمالية في أوروبا ثم أميركا و اليابان، و تحوّلها إلى نمط عالمي، و بالتالي قوّة تأثير في الأمم التي لم تستطع اللحاق ( الأطراف) أفضت إلى أن يصبح التطوّر محتجزاً عبر دور الأمم الرأسمالية الإستعماري أولاً، ثم المسيطر في إطار علاقات لامتكافئة ثانياً. الأمر الذي فرض أن يكون التطوّر متناقضاً مع الرأسمالية في المراكز، و بالتالي ليس رأسمالياً في الأطراف. هذه المسألة التي يحتاج وعي أبعادها البحث في واقع الأمم المخلّفة من أجل فهم طريق تطوّرها، و من غير المفيد التعلُّق بفكرة حتى و إن كان ماركس هو قائلها. فهذه الفكرة التي حاولت رصد سياق تطوّر أوروبا ( رغم أنها في كل الأحوال تحتاج إلى مراجعة) ليست مدخلاً منهجياً، و لا يمكن أن تكون برنامجاً سياسياً، أو هدفٍ عملي، أو تحكم التكتيك، لأنها عامة بما فيه الكفاية و بما يجعلها تجريداً، أو فرضية مجرّدة. وهي بحاجة إلى أن تُثبت من خلال الدراسة العيانية للواقع العالمي، و في كل أمة.
هنا سوف نشير إلى التداخل بين " السياسي" و " الفكري"، حيث أن الإنطلاق من أن الفكرة هي مسيِّرة الواقع ( و هو ما يجلب الإرادوية ) يفرض تناول " السطح" الذي هو " السياسي" لأنه يمثِّل " الإرادي"، ليصبح التاريخ هو صراع " إرادات" ، لكن بالمعنى الشخصي و الفردي و ليس المجتمعي. ليتحوّل الصراع إلى صراع سلطة سياسية/ حزب سياسي بعيداً عن الطبقات و مجمل الحركة المجتمعية، أو لتتحوّل الطبقات و الحركة المجتمعية إلى مادة صراع لا قوّة لها مصالحها و مطامحها، وبالتالي ليصبح الصراع هو صراع بين خيارات طبقية، و ليلعب الحزب الشيوعي دور المبلور و المنظم لخيار بديل و الطامح لتأسيس سلطة بديلة. و لاشك أن الحركة الشيوعية ظلت تعاني من أنها لا تطمح لأن تصبح قوّة تغيير، حيث حصرت " نضالها" في " السياسي" و المطلبي.
ما وددت قوله هو أن المنهجية العامة التي تحكم الموضوعات، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون،هي المنهجية ذاتها التي حكمت الحركة الشيوعية العالمية منذ هيمنت الستالينية، من حيث العرض ( توصيفي/ سردي) و من حيث المنطق ( الثنائيات الساكنة، مثل ديمقراطية/ إستبداد، و إشتراكية/ رأسمالية. و الشكل/ السطح دون المضمون. و الفكر/ الواقع.....). و إذا كنت أتفق مع ما ورد في النص حول أن المنطق الجدلي هو " آخر و أظهر" أشكال المنطق حتى الآن، و أن " الثنائيات الساكنة ( المادية في مواجهة المثالية مثلاً) إستطاعت تجميد الفعالية الفلسفية طويلاً، لا في حركة التقدم العالمي و حسب، بل أيضاً في منطقتنا، في النخبة السياسية و الثقافية"، و بالتالي فإن " الجدل وحده كان قادراً – و مازال- على جعل هذه الثنائيات حيّة أو مصدراً للحياة...... في حين أدى المنطق الميكانيكي إلى ثورية مبتذلة و إلى تقدمٍ ملتبس، و إلى نسبي تحوَّل مطلقاً، و إلى تاريخ نختزل في خطٍّ بسيط متصاعد" ( ص 17)، فإنني أطلب أن يُقرأ النص إنطلاقاً من ذلك لأنه لم يستطع أن يبني على هذه البديهية المنطقية، و من ثم لم يمتلك " أدوات تفكير جديدة و مفتوحة" ( ص 12)، كما يدعو.
لقد أشار النص إلى " تطوير أدوات الفكر القديمة التي ثبت شبابها الدائم، و التخلي عن تلك التي شاخت و تشيخ ويتجاوزها الزمن، و تسبقها الوقائع المعاصرة"، و إلى " تحرير الفكر من القيود" و " فتح باب الإجتهاد و التفكير" ( ص12)، و إلى " ضرورة مراجعة مفاهيم التقدم و الإشتراكية و الشيوعية" ( ص13). و أكد " على أن جوانب مهمة من هذه – النظرية- و العديد من المقولات و المفاهيم التي تعتمدها لم تعد تنسجم مع معطيات و ظروف و خصائص العصر الحديث" ( ص12)، إنطلاقاً من التأكيد على أن الماركسية " هي مرجعية التفكير و القياس " في الحزب " طوال عمره الماضي"، و أنها " من أدوات الفكر التي أبدعها الإنسان... تكتسب قوّتها من إنفتاحها الدائم على النقد و الفكر النقدي. لذلك كانت و ستبقى جزءاً رئيسياً من مكونات نبع المعرفة و الحياة، مع غيره من منجزات التراث الإنساني و القومي " ( ص14).
على ضوء ذلك، و إذا كانت قد سادت في الحزب النسخة السوفييتية التي تتعامل مع الماركسية كعقيدة و طقس ( ص12)، فما هي الماركسية التي تدعو الموضوعات إليها؟
الماركسية هنا تبدو مبهمة، و مكرِّرة ل " النسخة السوفييتية" كما حاولت التوضيح قبلاً، و إن كانت تحاول تجاوزها من حيث الشكل. و ربما كان الأجدى أن يكون المنطق الجدلي هو أساس رؤية الواقع، و بالتالي أساس بناء الموضوعات. لكن بدا أن التطوير و الإجتهاد اللذين تدعو اليهما الموضوعات، يقومان على التأكيد على شيخوخة العديد من المفاهيم و المقولات دون تحديدها و توضيح الأسباب التي توجب ذلك، كما يقومان على إعتبار الماركسية " جزءاً رئيسياً من نبع المعرفة و الحياة" طبعاً " مع غيره من منجزات التراث الإنساني و القومي". هل تستطيع هذه " الماركسية أن تتجاوز " النسخة السوفييتية"؟ لقد كانت النسخة السوفييتية هي التخلي عما شاخ في ماركسية ماركس كما إعتقد ستالين، و شطب العديد من المفاهيم و المقولات التي لم تعد تنسجم مع معطيات العصر، لكنها تبلورت ك" نص مقدس" بلا " روح" لأنه إفتقد الجدل المادي. ليبدو التطوير الجديد و كأنه شطب لعديد من المفاهيم و المقولات و ما شاخ من هذه الماركسية، بينما المطلوب هو تجاوزها كلياً، لأن المسألة لم تكن في ما شاخ منها، أو من الماركسية، بل أن المسألة في كيف تحوّلت الماركسية من منهجية هي الجدل المادي المفتوح و المتجدِّد و النقدي و الذي لا يني يعيد إنتاج المقولات و المفاهيم بما يؤكد بعضها و ينفي الآخر، و بالتالي لا يني يعيد إنتاج الواقع الذي هو في تغيُّر و تحوّل دائمين. تحوّلت إلى " نص مقدس" يُستخدم كأداة قياس، و بالتالي يعيد ترتيب العلاقة بين الفكر و الواقع بما يجعل الفكر هو محدِّد الواقع.
المسألة هنا تتمثل في تحديد ماهية الماركسية، و ما شاخ منها، و كيف ترى متحوّلات العصر؟ و كيف نفهم الماركسية؟ هل هي نصوص و " قوانين" و " أفكار" مولَّفة في " أيديولوجيا"، وبالتالي يمكن شطب بعضها و إبقاء الآخر في عملية هي في واقعها " ذاتية". و من ثمّ يمكن " جمع" الباقي مع " منجزات التراث الإنساني"؟ أم هي منهجية تؤسس لقوانين و أفكار و وعي بالواقع، و بالتالي يمكن أن تتضمَّن كل منجزات العلم ( البرجوازي) و كل القيم الإنسانية؟ المنطق الأول نصّي و بالتالي إنتقائي و من ثمّ غير علمي. و الثاني هو المنطق الماركسي لأنه يقيم التضمُّن على أسس علمية هي المنهجية الماركسية، و يصرُّ على الوعي المستمرّ بالواقع و تضمّن كل ما هو علمي من منجزات البرجوازية. الأمر الذي يجعل الماركسية وفقه " فلسفة مفتوحة" تعيد إنتاج الواقع بشكل مستمر.
لهذا يجب شطب الماركسية السوفييتية كلها، و إعادة بناء الماركسية إنطلاقاً من أنها منهجية ( أدوات تحليل) تدرس الواقع و الوقائع بشكل مستمر و تنتج التصوّرات المطابقة بشكل دائم. و هذا يفرض إعادة النظر في مفاهيم عدّة مثل الأيديولوجيا و الطبقة و الثورة، حيث يبدو النص و لا كأنه يرفض مفاهيم سادت مشوّهة بل يرفض المفاهيم ذاتها كما هي في الماركسية، ليتجاوز المنظومة الماركسية ذاتها و ليس المفاهيم كما عمّمتها الماركسية السوفييتية، أو كما كانت رائجة في الماركسية العربية. إن عدم التمييز بين الماركسية السوفييتية و الماركسية أوقع في مشكلات منهجية، و قاد إلى إلتباسات لم تسمح بتحديد المسائل التي شاخت و المفاهيم التي تجاوزها الزمن، و بالتالي لم تسمح بتحديد ما الجديد، و لم تؤسس – بالتالي- لتصوّرات جديدة.
و ربما كانت هذه النتيجة بحاجة إلى بحث ملموس في الموضوعات، لكن سعة الموضوعات الزمنية و الشكل التوصيفي الذي يحكمها تجعلان ذلك أمراً صعباً، حيث سيبدو أننا نحتاج إلى مناقشة مسائل تاريخية ليس هنا مجال بحثها ( تقييم تجربة محمد على باشا مثلاً، تاريخ نشوء الرأسمالية، تاريخ سوريا القرن العشرين...)، و كذلك مسائل نظرية هناك ضرورة لمناقشتها لكن يمكن أن يتم ذلك في سياق آخر. لكن يمكن تناول بعض المسائل هنا من أجل إلقاء ضوء على بعض الإشكاليات المنهجية التي جرت الإشارة إليها. و ربما يكون من الضروري تناول مسألة الإشتراكية و الديمقراطية، و أيضاً المسألة القومية العربية و الحزب، و كذلك الوضع السوري، من أجل توضيح " الأحكام" التي توصلت إليها سابقاً من جهة، و من أجل تحديد تصوّرٍ حولها من جهة أخرى.
الإشتراكية و الديمقراطية:
إذا كان معنى الماركسية بحاجة إلى بحث و تحديد، حيث أن " النسخة السوفييتية" قد أضاعت الفارق بين " الفلسفة" و الأيديولوجيا، أو بين المنهجية ( أداة التحليل) و " النص" ( أي بين أداة التحليل و نتائج التحليل)، و بالتالي كان من الضروري التمييز بين الماركسية كمنهجية ( التي هي الجدل المادي) و كنصوص كتبها ماركس/ إنجلز و لينين، و الماركسية كنسخة سوفييتية ( الستالينية)، من أجل التمييز بين الماركسية و الأفكار التي كانت متداولة ( و لازالت) في الحركة الشيوعية العربية، عبر التحديد الدقيق للفارق بين الماركسية و الستالينية ( أي الماركسية السوفييتية التي هي ماركسية الحركة الشيوعية العربية). فإن التعامل مع " ماركسيتنا" على أنها هي الماركسية قد أدى إلى إختلاط الموقف من تقييم التجربة الإشتراكية و تجربة الحركة الشيوعية العالمية، و بالتالي الخروج بإستنتاجات ليست صحيحة.
لقد حدَّد النص أن الماركسية تعيش أزمة منذ أوائل القرن العشرين قادت إلى الإنقسام إلى إشتراكيين ديمقراطيين و شيوعيين أولاً، و إلى " مجتهدين" و " النسخة السوفييتية" ثانياً (ص12). و إذا كان النص يوحي بأن المجتهدون هم أحزاب الإشتراكية الديمقراطية، فإنه يجعلها " المثل" خصوصاً و أنها ترتبط بالديمقراطية، و أن فشل التجربة الإشتراكية الذي يقتضي مراجعتها " يقتضي الهدوء و العودة للينابيع أحياناً" بعد الهجوم على مفهوم الإشتراكية الديمقراطية في الربع الأول من القرن السابق. بينما يتم " الهجوم" على " الرؤية و التفسير اللينينيين أو الروسيين" للماركسية، اللذين " يدققان" بأنهما " القراءة الستالينية للينين و ماركس" ( ص14) و هما الشيوعية التي نعرفها. و لاشك في أن هذا الخلط بين ستالين و لينين هو الذي سمح بإلقاء كل مظاهر الأزمة التي يوردها النص ( و هي صحيحة كمظاهر فقط، و بالتالي لا تحدِّد سبب الأزمة) على الخط الآخر المقابل للإشتراكية الديمقراطية، و الذي مثَّله لينين ثم ماو تسي تونغ ( و كل الماركسية المنتصرة)،و بالتالي عدم لمس التحوّل الذي أحدثه ستالين و الذي قاد إلى تأسيس الماركسية السوفييتية.
و لاشك في أن تجربة الإشتراكية في القرن العشرين بحاجة إلى مراجعة، لأننا بحاجة إلى إعادة رسم مسارات الماركسية و التحوّلات التي شهدتها، و بالتالي الأسباب التي أدت إلى إنقسامها إلى: الشيوعية و الإشتراكية الديمقراطية. و ما تعانيه الموضوعات أنها تقفز عن " الظروف الموضوعية" التي أنتجت الشيوعية ( التي هي هنا الستالينية، و بالتالي التجربة الإشتراكية التي إنبنت عليها) و الإشتراكية الديمقراطية التي وصلت إلى السلطة في معظم بلدان أوروبا في مراحل مختلفة. و إذا كانت تُصدر على الشيوعية حكماً سلبياً " مطلقاً" بالإستناد إلى الطابع الشمولي للسلطة، الذي بدا أنه " كل" التجربة الإشتراكية، فإنها تقفز عن أن الأمم التي إنتصرت فيها هذه التجارب هي أمم متخلفة، و أن المشكلة التي كانت بحاجة إلى حل هي مشكلة تطوّرها الإقتصادي الإجتماعي ( الذي كان أسس في أوروبا الأرضية التي سمحت بتحوّلها الديمقراطي)، و أن الإشتراكية إستطاعت ذلك عكس كل التجارب الرأسمالية في الأمم المتخلفة ( بإستثناء كوريا/ تايوان).
بمعنى أن إبتسار الحكم على مسألة الديمقراطية/ الإستبداد لا يسمح بفهم الواقع و المشكلات الواقعية، و بالتالي بالعجز عن وعي تجربة الإشتراكية في القرن العشرين. إن المدقِّق الآن في إنقسام الحركة الماركسية في الربع الأول من القرن الماضي، يلمس تمايز الظروف بين الأمم الرأسمالية و باقي العالم، حيث كانت الرأسمالية قد تحوّلت إلى إمبريالية. و هذه مسألة في غاية الأهمية لأنها أساس فهم العالم منذ إذ. و هي أساس نشوء الإشتراكية الديمقراطية في أوروبا و كل الأمم الرأسمالية و نشوء الشيوعية في باقي العالم. لقد أدى تحوّل الرأسمالية إلى نمط عالمي بتحوّلها إلى إمبريالية، و بالتالي تحوّلها إلى قوّة نهب عالمي من جهة، و إنتصار ثورة أكتوبر و توسّع " المد الشيوعي" من جهة أخرى، إلى لجوء الرأسمالية إلى " ترتيب الوضع الداخلي" عبر تحقيق ما أسمي " المساومة التاريخية" مع الطبقة العاملة لترتيب آليات " الصراع" على أساس سلمي من أجل " تحسين ظروف العمل و وضع العمال". هذه الواقعة قادت إلى تنازل قطاع من الماركسيين عن سياستهم الهادفة إلى " قلب" النمط الرأسمالي و الإقرار ب" النضال السلمي" و ب" التحويل الديمقراطي" للمجتمع نحو الإشتراكية. ثم قادت إلى تخلي هؤلاء عن الماركسية و صياغة تصوّر إشتراكي" لا يسعى للإلغاء الرأسمالية، بل يعمل من أجل تقليل " التمايز الطبقي" عبر سياسة ضريبية تسمح بزيادة رفاه العمال و تأكيد الحقوق الإجتماعية ( ضمان العمل، الضمان الصحي، ضمان الشيخوخة، أي الضمان الإجتماعي الشامل). و لقد وصلت هذه السياسة إلى حدّ التأميم من أجل ذلك.
لهذا فإن الواقع الموضوعي هو الذي سمح بأن ينشأ هذا التيار الإشتراكي، و هو الواقع الموضوعي الذي منع نشوئه في باقي العالم. حيث أن المساومة التاريخية أدت إلى تقلُّص حدّة التناقضات في المراكز مما جعل حلّها ممكناً في إطار ديمقراطي. لكن النهب الإمبريالي الذي تكرّس حينما أصبحت الرأسمالية نمطاً عالمياً، أفضى إلى تفاقم التناقضات في الأطراف، و لأن هذه الأطراف متخلّفة أصبحت الثورة هي الخيار الممكن، وأصبح التطوّر فيها مرتبط بتجاوز الرأسمالية و ليس ب " النضال الإجتماعي" و "الديمقراطية" كما طرحت في الأمم الرأسمالية. و هذا ما أسس التجربة الإشتراكية و كان أساس نشوء الستالينية، مع ملاحظة أن هذا التحديد لا يعني القفز عن مشكلاتها ( و في أساسها الإستبداد) بل يعني رؤية الواقع الذي أنتجها، و بالتالي منجزاتها كما مشكلاتها و ليس إصدار أحكام قيمة حولها، لأن الإستبداد مرتبط بتكوين و ظروف يجب أن تلاحظ و نحن ندينه، و إلا دخلنا في مجال الحكم الأخلاقي. و ربما كان هذا الموضوع بحاجة إلى مناقشة هادئة، لأن التجربة الإشتراكية باتت مجال رفض فقط إنطلاقاً من نظرة أحادية هي الإستبداد، بينما إستطاعت التجربة تحقيق تطوّر هام جعل الأمم المتخلفة في روسيا و الصين و شرق أوروبا أمم حديثة، و حداثتها هذه هي التي جعلت الديمقراطية مطلباً ملحاً، ففي ظل الإستبداد تحقّق المستوى الأول من التطوّر الصناعي ( القائم على التوسّع الأفقي)، و هو المستوى الذي حققته الرأسمالية في ظل نظم إستبدادية كذلك. و رغم أن الإشتراكية تمحل قيماً إنسانية أعلى وبالتالي يجب أن لا " تقارن" بالرأسمالية، إلا أن المسألة لا تتعلق " بالنوايا" أو بالقيم فقط بل تتعلق بممكنات الواقع كذلك. لهذا أقول أنه في ظل " الحلم" بتحقيق الإشتراكية فقد تحققت المهمات الديمقراطية السابقة على تحقيق الديمقراطية ( أي التكوين المجتمعي الديمقراطي)، و هذه نقلة كبرى لم تعد رأسمالية الأطراف قادرة عليها.
لقد إلتقط لينين " روح العصر" و توصّل إلى أن التطوّر في الأمم المتخلفة هو من مهام الطبقة العاملة التي هي هزيلة و بالتحالف مع الفلاحين الذين كانوا يشكلون أغلبية هائلة، في إطار دور فاعل للحزب الماركسي. و لقد كان ذلك صحيحاً و قاد إلى تحقيق التطوّر الصناعي و الحداثي، لكنه أنتج الإستبداد كذلك. و أيضاً كان الخيار الذي تعمم في الأطراف لأنه يعبّر عن حاجاتها. لكن هنا يجب أن نميّز بين " اللينينية" و الستالينية، لأن إمتداد اللينينية هو الماوية و كل الثورات التي إنتصرت، بينما كان إمتداد الستالينية التي جرى تعميمها تحت مسمى " الماركسية اللينينية" هو الأحزاب التي فشلت و لم تستطع أن تحقّق شيئاً يذكر سوى بطولات أفرادها. الأولى كانت الشيوعية المتَّبعة خطى لينين، و الثانية التي هي ما يتناولها النقد غالباً، و هو نقد محقّ في الغالب، و التي عبّرت عن أيديولوجيا السلطة السوفييتية و رؤيتها للتطوّر و العالم و النظام السياسي. و هي الماركسية التي حكمت الأحزاب الشيوعية العربية و التي تحتاج إلى تجاوز. حيث أنها أعادت إنتاج الإشتراكية الديمقراطية و إن بشكل مشوّه، لأنها ألغت دور الماركسية التطوّري، و حصرته في " النضال المطلبي" و " الديمقراطية" على أسس الملكية الخاصة كما يؤكد خالد بكداش منذ سنة 1937، ( مع وضع مرحلة سلطة البعث بين قوسين الآن). و الفارق بينهما ( و هو هائل) ناتج عن الفارق في مستوى التطوّر في أوروبا و في سوريا و الوطن العربي. لكن هذه السياسة فشلت لأن التناقضات المتفاقمة كانت تفرض أن يقود الحزب عملية التغيير لا أن ينتظر أن تحقِّقها البرجوازية، و هو ما كانت الماركسية اللينينية ترفضه لأن التطوّر " جبري" و بالتالي يجب أن تنتصر البرجوازية لكي يقود الحزب الثورة الإشتراكية.
و بالتالي فإذا كانت الديمقراطية هي ثمرة التطوّر، فإن جعلها مدخله يؤسس سياسة وهمية لا تحقق الديمقراطية و لا التطوّر لأنها تكرِّس الرأسمالية التابعة التي هي إستبدادية. لكنها ضرورية لتحقيق التطوّر في برنامج الماركسيين الذي يسعون هم أنفسهم لتحقيقه، و بالتالي تسعون لتأسيس سلطة ديمقراطية. و في هذا السياق يجب أن يعبِّر الماركسيون عن أقوم التصوّرات الديمقراطية، و أن يعملوا على تحقيق المهمات الديمقراطية المؤسسة لذلك. لهذا يجب أن يرتبط التخلي عن " الماركسية السوفييتية" بإعادة صياغة الرؤية الديمقراطية في الماركسية، لتعاد صياغة الإشتراكية على أساس ديمقراطي، هو ضروريٌّ لإستمرارها و تطوّرها. ليس المطلوب هنا " تقليد" الحركة الإشتراكية الديمقراطية الأوروبية لأن ظروفها مختلفة كثيراً،بل المطلوب الإفادة من التجربة الإشتراكية من أجل بلورة تصوّرٍ للدولة و السلطة يكون ديمقراطياً حقيقة.
إذن حين التأكيد على التقدّم يجب أن أنه تقدّم مجتمعي، و بالتالي يفرض بلورة رؤية متكاملة تنطلق من الحاجات الواقعية التي يمكن قسمها إلى: التطوّر الصناعي و الإقتصادي عموماً، أي التطوّر الذي ينمّي القوى المنتجة. و إشكاليته أنه لا يتحقَق رأسمالياً الأمر الذي يتطلّب تجاوز الرأسمالية. تطوّر الظروف التي يعيش فيها البشر، أي تحقيق الضمان الإجتماعي الشامل. النظام الديمقراطي الذي يؤسس لآليات صراع سلسة. و هنا يُطرح السؤال هل الديمقراطية هي المدخل؟ و لاشك في أن الخلاف يتركّز هنا، حيث بدت الديمقراطية هي " المفتاح السحري"، و أنها " المثال" الذي يُصدر الحكم بالإعدام على التجربة الإشتراكية. فالديمقراطية شرط سابق و مولِّد لمفاهيم التقدّم الأخرى و تطبيقها الأسلم ( ص17). لكن الرأسمالية حققت بناء القوى المنتجة ( الصناعة) على حساب الطبقة العاملة و في ظل سلطات إستبدادية، إلى أن أسست تكوينها المكتمل الذي سمح بإعادة بناء العلاقة مع المجتمع على أساس ديمقراطي. و الإشتراكية حققت بناء القوى المنتجة و مصالح الطبقة العاملة و المجتمع في ظل سلطة إستبدادية كذلك، لكنها فشلت في الإنتقال إلى الديمقراطية بعدما أفضى التطوّر لأن تصبح الديمقراطية ليست مطلباً فقط بل ضرورة من أجل الإستمرار في التطوّر.
بمعنى أن تجاوز البنى الإقطاعية العتيقة كان ضرورة من أجل أن تصبح الديمقراطية ممكنة، حيث يجب أن تتأسس البنى التي تفكك الطوائف و تلغي إنعزال الريف و تهمّش العلاقات القبَلية و العوائلية، من أجل أن يتكرّس مبدأ المواطنة و أن تقام العلاقات على أساس مديني حديث. و كان ذلك يفترض إنتشار الصناعة و العلاقات الإقتصادية الجديدة. هذا ما فعلته الرأسمالية و ما فعلته الإشتراكية. إن بنية ليست حديثة عاجزة عن أن تنتج الديمقراطية، و هذا هو أساس إستبدادية الرأسمالية في مراحلها الأولى، و هو أساس إستبدادية الإشتراكية و ليس أفكار لينين أو بعض أفكار ماركس كما يشار عادة.
طبعاً هذا لا يعني " حتمية" الإستبداد، و إلا لا نكون جديرين بالإفادة من التجارب و من التطوّر. بل يعني أن لا نتجاهل ممكنات الواقع، و بالتالي نؤسس أحكامنا إنطلاقاً من " مثال"، لأننا حينها نكون مثاليين، حيث نطلب من الواقع أن يُطابق هذا المثال، و نعتقد أن الفكرة هي مسيّرة الواقع. فالديمقراطية تتطلّب التطوّر، لكن يجب البحث في الصيغة التي تسمح بتحقيق التطوّر في إطار ديمقراطي. و لاشك في أن تحقيق مصالح الطبقات الشعبية ضروري من أجل تشكيل بنية تناقضاتها ليست متفجرة، و هذا يتنافى مع سيطرة الرأسمالية ( وهنا أتحدث عن الأطراف)، نتيجة إستغلالها و نهبها و تسهيلها الوضع لنهب رأسمالية المراكز، مما يجعل التناقضات متصاعدة و متفجرة. الأمر الذي يفرض تجاوزها، خصوصاً أنها لا تحقِّق التطوّر كذلك. هنا الرأسمالية لا تحقِّق إلا " الديمقراطية" التي تشلّ ممكنات التغيير عِبرها كما توضَّح في تجارب ديمقراطيات الرأسمالية التابعة، التي بدورها تزيد النهب و الإضطهاد و الإستغلال، لكنها تحوّل الديمقراطية إلى متنفَّس فقط، و إحتجاج فحسب، و تمنع تشكّل حركة مجتمعية قادرة على أن تصبح هي السلطة ( و هنا يلعب التخلف و البنى ما قبل حديثة دوراً في تمرير " اللعب الديمقراطي" و إستمرار دور القوى التقليدية).
و لما كان الماركسيون يسعون للتعبير عن الطبقات الشعبية، و يحملون مشروع تطوّر، و يعملون على تجاوز الرأسمالية، فهم الذين يجب أن يحقِّقوا المشروع الديمقراطي، بما فيه السلطة الديمقراطية. حيث ليس من الممكن أن يلتقي التطوّر و الديمقراطية ( في الأمم المتخلفة) إلا معهم، بعد الإفادة من مشكلات التجربة الإشتراكية و من التطوّر الذي تحقّق في التكوينات المجتمعية في الأمم التي كانت إشتراكية ، و إلى حدٍّ ما في بلدان " حركات التحرُّر. و هذا يفرض الحوار من أجل بلورة " تصوّرٍ" ديمقراطي ماركسي.
و لقد حاولت الموضوعات تلمُّس ذلك. لكن مَنْ يدقّق يلاحظ أن " الخطاب الديمقراطي" هو خطاب " عصر الأنوار"، الذي يقوم على الحديث المجرَّد عن الديمقراطية و المواطنة و الحق و الحريات...ألخ. و لاشك في أن هذا الخطاب ذو فائدة على الصعيد الدعاوي، و كرسم ل" مثال" يكشف فظاعة الواقع، لكنه يؤسس لحلم هو أقرب إلى الوهم نتيجة تجريده الشديد و عموميته و بالتالي " أيديولوجيته". المسألة هنا تتعلق في بلورة برنامج ديمقراطي من جهة و تحديد الآليات التي تسمح بتحقيقه من جهة أخرى. كما أنها تتعلق بربط الديمقراطية بالأهداف المجتمعية التي تتعلق بتحقيق التطوّر ( وبالتالي برنامج التطوير الإقتصادي) و بمصالح الطبقات الشعبية. و إذا كانت الديمقراطية أولوية فإنها بصفتها كذلك لا تهمّش مجمل الأهداف، أو تتحوّل إلى مطلق، إلى " كل"، بل تبقى جزءاً من رؤية تعبِّر عن طبقات. إن " إطلاق" الديمقراطية يفرض تحويلها إلى أيديولوجيا، حيث تُستجلب كل المبررات الفكرية التي تساعد إعطاءها هذه السمة المطلقة. كما يفرض أن تتماهى القوى التي تطرحها، و بالتالي تذوب الفروقات، التي هي جوهرية، بين القوى " الديمقراطية"، لتذوب الحدود بينها و تُختزل في إطار مشروع برجوازي، لأن تغييب الرؤية و المصالح و الأهداف التي يخصّ الطبقات الشعبية يعني تمثُّل الرؤية البرجوازية و التماهي معها.
الديمقراطية إذن يجب أن تكون جزءاً من رؤية متكاملة و برنامج شامل، و أولويتها تعني أن تتحقٌّق التقاطعات مع القوى المختلفة على أساسها دون تجاهل الأهداف الأخرى، و دون إخفاء الإختلافات بين القوى و الخوف من ظهورها خشية تفكك التحالفات. وفي الوقت نفسه عدم تجاهل إمكانية تشكيل علاقات متعدِّدة و تحالفات آنية و إستراتيجية متنوِّعة. و بالتالي فأولاً يجب أن تتحدَّد الرؤية و الأهداف، و من ثمّ يجرى تحديد الأولويات و السياسات، حيث دون ذلك تضيع الحدود بين الطبقات و القوى.
و في هذا الإطار يمكن تلمُّس أن التكتيك المبني على أولوية الديمقراطية، قد جبَّ الإستراتيجية و الرؤية و بالتالي مصالح الطبقات، و تحوّل إلى رؤية و أيديولوجيا لأنه تحوّل إلى " أوحد"، و أصبح هدف الفكر تبريره، و تهمّشت مصالح الطبقات بحجة أن تحقيق الديمقراطية يقود حتماً إلى تحقيقها، أو بحجة أن تحقّق الديمقراطية يسمح ب" النضال" من أجل تلك المصالح، رغم أن تحقُّق الديمقراطية يفترض تنشيط تلك الطبقات التي تلمس مشكلاتها المباشرة التي هي مشكلات إقتصادية إجتماعية بالتحديد، و لاشك أن تلمُّسها لأهمية الديمقراطية يفترض حركتها على ضوء تلك المصالح المباشرة، لكي تكتشف أن السلطة تمنع نشاطها، الأمر الذي يقنعها بأن الديمقراطية مرتبطة بمصالحها و أنها الأولوية. لهذا يجب تحديد البرنامج الإقتصادي الإجتماعي المطلبي لكي يكون أساس نشاط تلك الطبقات في سعيها لتحقيق الديمقراطية. و سيبدو هنا أن مفهوم الإستراتيجية و التكتيك بحاجة إلى نقاش و بحث، لأن الغالب هو سيادة " العقل التكتيكي" الذي يرسم السياسة في حدود التكتيك، و يحوّل الفكر إلى مبرِّر. إن غياب تحديد دور الماركسية " العام" سوف يجعل التكتيك هو المسيطر، و يعيدنا إلى بيرنشتاين حينما أشار إلى أن الحركة هي كل شيء أن الهدف النهائي لا شيء. و ليس الهدف النهائي هو البديل، بل أن إرتباط الحركة بهدف نهائي مسألة حاسمة، الأمر الذي يفرض أولاً البحث في التكوين الواقعي و المهمات التي يطرحها، و بالتالي أهداف الطبقات الشعبية، ليصبح ضرورياً تحديد التكتيك المناسب في كل لحظة.
و هدف الحزب الشيوعي الآن أن يحقِّق التطوّر الإقتصادي الإجتماعي، و مصالح الطبقات الشعبية التي تتعلق بحياتها، و أن يؤسس نظاماً ديمقراطياً، و أن يحل المسألة القومية و يحقّق الإستقلال. لكن الواقع الراهن يفرض أولويات يجب تحديدها لكي يفضي تحقيقها إلى الإنتقال إلى مجمل الأهداف. و هنا موقع الديمقراطية في سوريا الآن، و مقاومة الإحتلال في فلسطين و العراق هي الأولوية كذلك.. ألخ.
إن وضع " المجهر" على الديمقراطية جعلها هي " الكل" و أخفى مجمل الأهداف، و بالتالي حوّلها إلى مطلق و مدخل منهجي و حلم يوتوبي، و إستراتيجية و تكتيك. لكن المجهر يجب أن يرى كلية الواقع أولاً في تاريخيته و أبعاده و مستوياته، لكي يصبح ممكناً الرؤية الصحيحة للديمقراطية. و إذا لاحظنا أن الديمقراطية تقع في المستوى السياسي، فإن الأساس الواقعي ( أي التكوين الإقتصادي الإجتماعي) يكون قد تهمَّش رغم تأثيره الحاسم في تحديد أسباب الإستبداد و بالتالي آليات إنتصار الديمقراطية. لقد غابت المنهجية الماركسية عن التحليل، و إختفت مقولات و مفاهيم جوهرية ( مثل المستوى الإقتصادي الإجتماعي، البنية التحتية و البنية الفوقية...)، و سيطر التصوّر الذي يبدأ من " الواقع" الذي هو " المباشر"، أي الجزء المباشر من الواقع الذي يقوم على أساس غير ظاهر، تكون مهمة التحليل كشفه. و المباشر يؤسس للتكتيكي، كما أن النشاط المباشر للطبقة العاملة مثلاً هو إستغلالها المباشر و ليس الطبقة البرجوازية و سلطتها. و المباشر على الحزب السياسي الآن هو الإستبداد، لهذا فإن الديمقراطية هي " كل شيء" الآن كذلك، إلى أن يتغيّر المباشر فيتغيّر التكتيك، و هكذا دون رؤية، أو دون رؤية مصاغة و معممة لكي تكون معروفة.
المسألة القومية:
إذا كان الحزب قد حاول تجاوز البكداشية فيما يتعلق بالمسألة القومية، فسنلحظ كيف عاد إليها. فقد تأسس الإنشقاق في الحزب الشيوعي السوري على إختلاف جدّي تمثّل في المستوى السياسي بالمسائل التالية: 1) الإستقلالية عن المركز السوفييتي، 2) الوحدة العربية و الحزب الشيوعي العربي الموحّد، 3) رفض قرار تقسيم فلسطين و التأكيد على تحرير فلسطين، 4) الدور القيادي للحزب في تحقيق المشروع النهضوي العربي. و قد شكّل ذلك إعادة للحزب لسياسته الأولى التي تبلورت أواسط الثلاثينات من القرن الماضي، و حاول فرج الله الحلو أن يحمل لواءها بعد ذلك. ولقد كانت الديمقراطية في صميم ذلك، و جزء من المشروع الذي بدا أن أقسام من الحركة الشيوعية العربية قد أعادت تبنيه. و هو المشروع الذي شكّل تفارقاً مهماً مع الخط التقليدي لهذه الحركة، و الذي إنبنى على أساس قطري رغم دعوته إلى الوحدة العربية و إلى " التضامن العربي" و " العمل المشترك"، و على أساس الإعتراف ب" إسرائيل"، و بالحل السلمي.
و إذا كانت الموضوعات قد أسهبت في البحث في أسباب إخفاق النهضة الأولى ( تجربة محمد علي باشا) و الثانية ( رغم الحاجة للتدقيق في هذه الأسباب لأنها تُرجع إلى ما هو فكري – ص 19 مثلاً، و إلى الإستبداد – ص 22)، و بدا أنها تدافع عن المشروع النهضوي العربي، فقد وصلت إلى أن " المهمة الحيوية و الأكثر إلحاحاً في هذا السياق، تتحدد في البحث عن مداخل واقعية و موضوعية تتيح تأسيس حركة سياسية معارضة و ديمقراطية، تستمد وجودها و قدرتها على النمو و الفعل من إلتحامها بنسيج مجتمعاتها على توّعها و خصوصياتها. مثل هذه المداخل، سوف تكون بذاتها مدخلاً لإحياء العمل القومي المشترك و تقدُّمه، و لكن على أسس واقعية و ممكنة، تنطلق من المصالح المشتركة، و لا تُبنى على الرمال" ( ص 25).
إذن تحت مسمى الإلتحام بنسيج " مجتمعاتها" ( التي هي قطرية الآن) سقطت موضوعة الحزب الشيوعي العربي، و أسست لأن يكون " العمل القومي" هو النشاط المشترك بين أحزاب في أقطار، المنطلق من " المصالح المشتركة"، و القائم على " بناء موقف عربي موحّد" و " رسم سياسات عربية موحّدة من القضايا الكبرى"، و ليس من ضرورة توحيد الأمة، هذا الخيار الذي لم يعد راهناً ( ص 28). و إذا كان الإلتحام بالمجتمعات أمر ضروري و حاسم، فلا يُعقل أن يكون " العمل القومي" هو سبب عدم تحقُّقه، على العكس فقد كان من الأسباب الأساسية لإلتحام الأحزاب القومية بمجتمعاتها و من أسباب تهميش الأحزاب الشيوعية. و بالتالي فإن المشكلة في عدم الإلتحام كانت في مجمل سياسات الحركة الشيوعية، و في رأسها التخلي عن الدور التغييري للحركة و تجاهلها الأهداف القومية، و عدم طرحها لأهداف الطبقات الشعبية ( الإصلاح الزراعي كمثل).
لكن هنا سنلمس العودة إلى الرؤية الشيوعية التقليدية للمسألة القومية. بمعنى أنه جرت إعادة إنتاج الرؤية التي كان الحزب في صراعه مع بكداش يعمل على تجاوزها. لماذا هذه العودة؟ و ماذا تمثّل؟ أعتقد أن " التكتيكي" قاد إلى هذه العودة، لأن التركيز على المباشر فرض القطري و أعطاه الأولوية، و بالتالي بدا القومي مؤجلاً. لكن هذا منطق خالد بكداش كذلك و كانت حجة الواقعية و الموضوعية في أساس تلك الرؤية، طبعاً دون أن يتحدّد معنى كل من هذين التعبيرين. و إذا كانت الإنهيارات العربية قد عزّزت الميل القطري لدى الحركة السياسية و قطاع من المثقفين، فإن الوقائع تؤكد العكس حيث توضّح كم ساهم التقوقع القطري في أزمة التطوّر الإقتصادي، و في مواجهة الوجود الصهيوني، و الزحف الأميركي الذي بدأ بإحتلال العراق. كما أن الميول " القومية" توضّحت في التحركات الشعبية سواء من أجل الإنتفاضة الفلسطينية أو العراق.
كان على الحزب إذن أن يطوّر برنامجه القومي، و أن يبلور المشروع النهضوي العربي، و يؤكد على دوره في تحقيقه.
هذا الإنكفاء عن الموقف الذي أسس نقطة التناقض مع الرؤية الشيوعية التقليدية طال المسألة الفلسطينية كذلك. حيث يؤكد على " توفير الدعم اللازم لكفاح شعبنا الفلسطيني و لحقه في تقرير مصيره و إقامة دولته المستقلة، في هذه اللحظة التاريخية من نضاله، على كامل الأراضي المحتلة في عام 1967 بما فيها القدس" ( ص 28). بمعنى أن الموقف هنا بات منسجماً مع مواقف الأحزاب الشيوعية العربية، كما في المسألة القومية. و لا أقول ذلك من موقع " المقارنة بالشر" ، بل لكي أوضّح أن إشكالية منهجية تحكم الموضوعات، هي الإشكالية ذاتها التي تحكم الحركة الشيوعية العربية، و هي الإشكالية التي تحتاج إلى نقد جاد و جدّي قبل البحث في المواقف و السياسات.
إن الوقائع الراهنة تشير إلى أن كل " الخيار السلمي" و " الدولة المستقلة"، و بالتالي كل السياسات التي رسمتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ سنة 1974 بانت كوهم، و وهم مدمّر، لأنها أسهمت في تدمير المقاومة ( و لا يكفي هنا التركيز فقط على النظم العربية) و إجهاض الإنتفاضة الأولى عبر إتفاق أوسلو، و إرباك الثانية. فقد توضّح أن المشروع الصهيوني لا يحتمل هذا " الحل الوسط"، لأنه يسعى للهيمنة و للتحوّل إلى قوّة إقليمية مسيطرة، أكثر مما يسعى إلى أن " يتنازل " عن جزء من فلسطين، و هو يسعى لأن يفرض وجوده بالقوة أكثر مما يسعى لقبول العرب به، لأن ذلك هو ضمانته لإستمرار وجوده.
و إذا كان الوضع العربي قد سار نحو الإنهيار المريع، فإن إمكانات القبول الصهيوني بأنصاف الحلول تصبح أكثر إستحالة. و لهذا فإن الحل لا يكون بالعودة لقبول حل " السلام" و " الدولة المستقلة"، بل بالتفكير العميق بكيفية إعادة بناء القوّة العربية، و بالتالي تحقيق التغيير الضروري في البلدان العربية، و إعادة بناء الحركة المجتمعية العربية بما يعيدها قوّة فِعل.
الصراع مع المشروع الصهيوني هو جزء عضوي من الصراع مع المشروع الإمبريالي، و هو صراع من أجل التطوّر و الوحدة، و بالتالي يفرض إعادة بناء الحركة السياسية العربية، الماركسية خاصة، كقوّة مواجهة، قبل الحديث عن الحلول الممكنة و الحلول غير الممكنة. لأن ما هو ممكن الآن هو لا شيء نتيجة الإختلال المريع في ميزان القوى، و بالتالي فإن تعديل ميزان القوى يفترض تطوير الحركة المجتمعية، التي بدورها تستلزم إعادة بناء الحركة الماركسية.
إذا كانت " الشعارات الكبيرة" لم تتحقّق، فذلك ليس لأنها كبيرة، بل لأن القوى التي حملتها لم تكن بالتوافق معها و إن كانت تعتقد ذلك. و هنا يمكن لمس واقع الأنظمة " القومية" الذي تبدّى كسعي من قبل فئات إجتماعية لتحقيق مصالحها هي بالذات، مصالحها في النهب و تحقيق التراكم الأولي، الأمر الذي جعل إستبداديتها ضرورة لكي تنهب دون رقيب، و بالتالي أن " تتجاهل" الأهداف القومية التي بدت كغطاء لممارساتها فقط. و بالتالي فإن الإنهيار الراهن، الذي لا يؤسس لتحقيق الأهداف الكبيرة و أيضاً الصغيرة، يفرض أولاً العمل على إحداث تغيير واقعي ينطلق من تنشيط الحركة المجتمعية عبر إطلاق الأهداف " الصغيرة" و " الكبيرة"، التي تعبِّر عن الحاجات الواقعية – الحاجات القومية العامة و الحاجات الطبقية و الديمقراطية- ، لأن " الهدف المحدّد" في ظل غياب الحركة لا يقود سوى إلى تنشيط قطاعات محدودة، هي معنية مباشرة بهذا الهدف، أما بلورة الأهداف العامة التي تعبِّر عن رؤى و مصالح الطبقات الشعبية، و السعي لتنشيط وضعها، فيقود إلى بدء تأسيس حركة مجتمعية حقيقية. و الصراع مع المشروع الإمبريالي الصهيوني عنصر تفعيل حقيقيٍّ، و كذلك الأهداف القومية و المطالب الطبقية و الديمقراطية.
حول الحزب:
هذا يُدخلنا في مسألة الحزب. إن إشكالية التجربة الماضية تلقي بظلالها على " الرؤية الجديدة"، لهذا يجري نقد " المركزية الديمقراطي" و بالتالي شطبها من أجل حزب ديمقراطي هو بديل " الحزب الثوري" و " الطليعي" و " القائد". إن مفهوم الحزب الديمقراطي يتناقض مع مفهوم المركزية الديمقراطية. لكن اللائحة الداخلية تؤسس " حزب المركزية الديمقراطية"، لأنها تؤسس حزباً هرمياً. و لاشك في أن الحزب كمؤسسة لا يمكنه إلا أن يكون ذو هرمية معينة، و الفارق هنا هو في طبيعة العلاقات التي تحكم هذه الهرمية: هل هي مؤسسة على الأوامرية، و بالتالي تحكُّم الأعلى؟ أم أنها تقوم على التساوي و التعدُّد و التفاعل و " تحديد الإختصاص"، و بالتالي على الديمقراطية، إنطلاقاً من طوعيِّة الإنتماء و تقسيم العمل و الإنحكام للائحة متوافق عليها و الثقة؟ المحاولات الأولى في الماركسية إنبنت على محاولة تأسيس تنظيم ديمقراطي، لكن الصيغة التي سادت منذ الستالينية ( و ليس اللينينية)، و التي أصبحت الصيغة " الشرعية" إنبنت على " المركزية" التي يعيد إنتاج البنى التقليدية القائمة على " المركز السلطوي" و المنفِّذين، و هذا ما كان يحتاج إلى " التأكيدات القاطعة على – التنظيم الحديدي- و – الإنضباط الصارم- مما يؤدي آلياً إلى – عسكرة- الحزب" ، الذي يقوم على أساس علاقات الأوامر و الطاعة و الإمتثال، و يتجلى مفهومه " بصورة واضحة في أسس و قواعد تنصّ خضوع العضو لهيئته و على خضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا الأمر الذي يُخضع عضو الحزب إلى سلطات متراكبة لا يستطيع إختراقها" ( ص 49).
و بالتالي من الضروري صياغة تصوّر للحزب يقوم على أساس ديمقراطي. لكن المسألة البارزة هنا هي تجاهل تحديد، ما الحزب؟ حيث أن هذا التحديد يرتبط بآلياته الداخلية و بأشكال صراعه. و الملاحظ هنا أن الحزب المقدَّم هو حزب مكوَّن من أفراد " من جميع طبقات الشعب"، و يناضل من أجل الديمقراطية، التي هي " خيار نهائي" ، و هي هدف له. و هو يؤمن بأساليب النضال الديمقراطي وينبذ العنف و العمل السرِّي ( ص 49). و أن هويته تتجسّد " في قدرته على تمثيل طبقة بعينها، أو طبقات من الشعب" ( ص 50). لكن ما هي الطبقة التي يعبِّر عنها، أو ما هي الطبقات التي يعبِّر عنها؟ و كيف يعبِّر عنها؟ هذه مسائل مربكة في النص، حيث يبدو الحزب و كأنه حزب الديمقراطية الذي يقبل في عضويته كل من يعتبرون هذا الهدف هو هدفهم " من كل طبقات الشعب". ليبدو الحزب كبنية " مستقلة"، فوق الطبقات، و ليس حزباً معبِّراً طبقة أو طبقات من الشعب. و هذا ما يتوضَّح أكثر حين الإنتقال إلى المهمات، حيث يغيب " الجانب الإجتماعي" المعبِّر عن طبقة بعينها أو عن طبقات من الشعب، رغم " أن ديمقراطيتنا إجتماعية، سليلة فكر إشتراكي و نضال طويل الأمد من أجل مصالح الشعب و الفئات الإجتماعية الأكثر تعرُّضاً للإستغلال و الإضطهاد: فنحن نناضل دائماً من أجل أن تكون المساواة في قلب الديمقراطية، لا تنفصل عن الحرية، و تتعلق بالعدالة رابطاً و ضامناً لهما. لذلك، ننظر إلى قضايا الحرية و السلام و البيئة و الصحة و الثقافة و الفن و التعليم، و الضمان الإجتماعي و الحرب على الفقر، على أنها قضايانا المباشرة، في برنامجنا و تحالفاتنا المحلية و الإقليمية و العالمية" ( ص46). حيث أن هذه المهمات ترد في البرنامج الليبرالي، و ليس فقط في البرنامج الإشتراكي الديمقراطي ( الأوروبي)، الأمر الذي فرض تسمية الحزب الجديدة، التي هي الحزب الديمقراطي الإجتماعي ( و ليس حتى الحزب الإشتراكي الديمقراطي، أو حزب اليسار الديمقراطي كما سرت العادة منذ إنهيار النظم الإشتراكية).
إذن الحزب هنا هو حزب لتحقيق هدف و ليس حزب لتحقيق برنامج، هو برنامج طبقة أو طبقات من الشعب. و هذا ما يجعله " مؤسسة مستقلة" لها مهمة محدَّدة، الأمر الذي يجعل الإختيارات التنظيمية و تلك التي تتعلق بالأساليب الواردة في النص في الشكل الذي وردت فيه. حيث سيكون العمل العلني و السلمي ضرورة، و يصبح " الحزب الثوري" تهمة، و العمل السرّي سُبَّة. و يُسقط الدور الفاعل ( الذي يسمّى طليعياً) للحزب، و يُشكك في الدور " القيادي" لأن أحزاب الحركة القومية أسمت نفسها " الحزب القائد"،رغم الفارق بين الدور القيادي الذي يفترض الفاعلية و الهيمنة ( و هنا وفق مفهوم غرامشي) من أجل تحقيق مصالح طبقة أو طبقات ( و بالتالي مصلحة الأمة في اللحظة المحدَّدة). و ليتحوّل الحزب إلى " قوّة ضغط" من أجل مطلب محدَّد بدل أن يكون " إتحاد كفاحي" من أجل تحقيق تلك المصالح. لهذا غاب عنه " النضال المطلبي" و بالتالي دور النقابات و الإتحادات، كما غاب عنه هدف التطوّر الإقتصادي الإجتماعي و بالتالي المجتمعي، و بدا أن الديمقراطية سوف تستدعي تحقيق كل ذلك " آلياً"، هذا إذا كانت مطروحة كأهداف. رغم أن " النضال المطلبي" هو جزء من النضال الديمقراطي، و أن إنتصار الديمقراطية لا يكون في مجتمع متخلفٍ، يفتقد القوى المنتجة التي تؤمِّن حياة الطبقات، و تسمح أن تطوِّر من مستوى حياتهم. و بالتالي فإن إنتصار الديمقراطية مرتبط بأهداف متكاملة، حيث يجب تحقيق مستوى لائق من الحياة للطبقات الشعبية ( حق العمل، حق التعليم المجاني، الضمان الإجتماعي، و تحديد ساعات العمل. مع ملاحظة أن هذه الأهداف متحرّكة)، و يجب تحقيق صيرورة للتطوّر المستمر في القوى المنتجة ( في الزراعة و الصناعة و البنية التحتية).
و بالتالي فإذا كان تحقيق الديمقراطية يستدعي إستنهاض الحركة المجتمعية، فإن ذلك يفرض أن تُطرح أهداف الحركة المجتمعية ذاتها، و التي لا يمكن إختصارها في الديمقراطية فقط. كما يفترض تحقيق التحوّلات الإقتصادية الإجتماعية التي تضمن تحقُّقها و إستمرارها.
من هذا المنطلق من الضروري النظر إلى الحزب ليس كمؤسسة مستقلة، بل كحزب طبقي، حزب يعبِّر عن مصالح طبقة ( أو طبقات) و عن رؤيتها للتطوّر و الحداثة و الديمقراطية. و للسياسة و الثقافة، و للعلاقات مع الأحزاب و الطبقات الأخرى، و بالتالي رؤيتها للتحالفات على ضوء التقاطعات العامة و اللحظية. و لهذا سيكون حزباً " كفاحياً" لأنه يسعى لتحقيق مطالب الطبقة ( أو الطبقات) المباشرة، أي المطالب المعيشية التي يترابط تحقُّقها مع تحقيق الديمقراطية، و المطالب " التاريخية" التي يتقاطع تحقُّقها مع مطالب الأمة.
و المشكلة التي حكمت الحركة الشيوعية لم تكن هنا، بل كانت في أنها حوّلت الحزب إلى مؤسسة منعزلة عن الطبقات، و منغلقة و بالتالي " حديدية" تقوم على الطاعة و الإمتثال و الأوامرية. لقد ناضلت أولاً من أجل الديمقراطية و المطالب العمالية و الفلاحية، رغم أنها لم تكن ديمقراطية، و أقامت سياساتها على مركزية التحالف مع البرجوازية، و بالتالي كانت قد تجاوزت مفهوم " الحزب الثوري" و " الطليعي" و " القائد"، كما تجاوزت الطابع الكفاحي للحزب من أجل حزب يناضل من أجل الديمقراطية بشكل سلمي. و حين وصل البعث إلى السلطة ( في سوريا و العراق) أصبح " النضال من أجل الإشتراكية" هو أساس سياستها، إنطلاقاً من أن ما يتحقّق هو إشتراكية، و بالتالي قبلت الإلتحاق بالسلطة و بالدفاع عنها من أجل " بناء الإشتراكية معاً" كما كان يؤكد الحزب الشيوعي العراقي و كذلك السوري. لكن ما كان يتحقّق ليس الإشتراكية بل هو شكل من أشكال التطوّر الرأسمالي الذي فرض ظهوره الطابع الهيمني للنمط الرأسمالي العالمي، و لقد سار في صيغته الإستبدادية من أجل توفير الظرف المناسب للنهب الذي مارسته الفئات التي حكمت.و لهذا أرى أن الموضوعات التي بنت كل تحليلها على هذه المرحلة و على نقدها، تعيد إنتاج تلك السياسة الخاطئة التي سادت في الحزب الشيوعي السوري ( و الحركة الشيوعية العربية) في الفترة التي سبقت سلطة البعث، و إن كان في " خطاب" يبدو مختلفاً بعض الشيئ، حيث يؤدلج الديمقراطية مستعيراً " عصر الأنوار" و يتخلى عن " العقيدة الشيوعية" و كل مفرداتها في ميل ليبرالي واضح. و إذا كان من الضروري إنتقاد تلك العقيدة، فإن ذلك يجب أن لا يقود إلى إعتبار كل مفهوم ماركسي و كل تعبير مسألة يجب تجاوزها، بل يجب إعادة بناء التصوّر حول الماركسية من أجل وعي الواقع بشكل أفضل، و تجاوز مشكلات الحركة الشيوعية بما يعطي نتائج مختلفة، و ليس تكرار ما كانت تطرحه في المستوى السياسي. إن عدم وعي إشكالية الحركة الشيوعية فرض تكرار سياساتها، لكن في إهاب " أيديولوجي" آخر. و لاشك في أن كل " الوخزات" للماركسية التي يتضمّنها النص هي نتاج هذا " الأيديولوجي".

حول سوريا:
و سنلمس كل ذلك حين البحث في وضع سوريا. لقد جهدت الموضوعات في تبيان الواقع الإقتصادي، و في توضيح المشكلات الإجتماعية و وضع الطبقات، و رغم العديد من الأحكام الجازمة و الأفكار المخطئة، فإن التحليل يمكن أن يكون أساساً لرؤية حقيقية، تقود إلى بلورة برنامج محدّد. لكن الموضوعات تسارع إلى وضع النهاية التي إبتدأت بها و كأن كل هذا التحليل زائداً و تفرضه الحاجة التكميلية. حيث أن " ضرورة عدم تقييد الحركة الديمقراطية في سوريا ببرنامج تفصيلي تنتج عنه إختلافات لا معنى لها........ ألخ" فإن " الهدف الجامع للقوى و الشخصيات الوطنية و الديمقراطية، و للشعب السوري من ورائها ( و حتى من أمامها أيضاً)، هو الإنتقال بالبلاد من حال الإستبداد إلى الديمقراطية" ( ص46).
لكن ما هي مهمات الحزب إذا كان هذا هو الهدف الجامع؟ ما هو تصوّره للأزمة الإقتصادية الإجتماعية التي يشير إليها؟ ما هو الموقف من " القطاع العام" و من إقتصاد السوق؟ أي بالضبط ما هي نقاط الإختلاف مع تلك القوى؟
و إذا كان يقسم المجتمع إلى طبقة الأغنياء و طبقة الفقراء ( ص 36)، و يشير إلى أن الطبقة العاملة قد تعرّضت للإفقار أكثر من غيرها و يتناول وضع الفلاحين، فعن أيٍّ من هذه الطبقات سوف يعبِّر الحزب؟ و الذي على ضوء الإجابة عليه يُطرح السؤال عن مدى تقاطع مصالحها مع الطبقات الأخرى؟ هل الأغنياء هم مافيا السلطة فقط أم أنهم كذلك البرجوازية التقليدية التي – و إن كان تراجع دورها- قد مالأت السلطة و " تشاركت" مع مافياتها؟ و بالتالي إذا كان لهذه البرجوازية " ميل ديمقراطي"، كيف يمكن أن يجري التعامل معه؟ حيث أنه خارج هذه الفئة، يمكن أن يجمع الطبقات الشعبية برنامج أشمل من الهدف الديمقراطي، على العكس فإنه ضروريّ لجمعها و تنشيطها من أجل تأسيس حركة مجتمعية فاعلة، و من أجل الديمقراطية. و ربما كان هذا البرنامج الأشمل هو الذي يسهم في ذاك التأسيس و في تطوّر الحركة الديمقراطية.
عادة كان " الحرص" على دور البرجوازية هو الذي يمحور البرنامج حول الديمقراطية، لأن أي هدف آخر قد يؤدي إلى " هرب البرجوازية" التي تبدو محورية في دورها السياسي من أجل التغيير. و تصبح أكثر أهمية من الطبقات الشعبية كلها. هذا ما يسكن في أعماق الوعي " الشيوعي التقليدي"، و هو ما يني يتكرّر. الأمر الذي يقود إلى تجاهل البرنامج الإقتصادي و الإجتماعي، و يجنِّب طرح المطالب المعيشية. و هو ما يجعل البرنامج برنامجاً ليبرالياً صرفاً، يهمِّش الشيوعيين ( عكس ما يُطرح الآن)، و يجعلهم ملحقاً للبرجوازية. إذا كان من ضرورة للتحالف مع البرجوازية فهي ضرورة لحظية، و لأنها لحظية لا يجوز أن تشطب مصالح الطبقات الشعبية و رؤيتها للتطوّر من برنامج الحزب. حيث يجب تشكيل تحالف طبقي سياسي يمثِّل الطبقات الشعبية أولاً، و من ثمَّ تحديد التقاطعات مع " الليبرالية" إذا كانت موجودة هذه التقاطعات، و مع " الإسلام السياسي" إذا كان ممكناً ذلك. و هي تقاطعات لحظية و تطال هدفاً واحداً هو الديمقراطية، و ليس إزالة الإستبداد فقط.
لقد إرتبط الإستبداد، ليس بميل شخصي فقط، بل بميل تاريخي تأسس على مصالح فئات ريفية حلمت بالمساواة، لكن مع الفئات المالكة ( الإقطاع و البرجوازية)، الأمر الذي جعلها تميل نحو النهب من أجل تحقيق " التراكم الأولي". و كان تحقُّق ذلك يفترض كبت المجتمع و تعميم الرعب من أجل أن يتحقّق دون معارضة أو مقاومة أو كشف. لهذا في ظل الإستبداد تشكلت المافيات التي نهبت و راكمت مليارات وضعت معظمها في بنوك خارجية. كما تسعى الآن لأن تصبح هي القوّة المسيطرة إقتصادياً، عبر التحكُّم بمفاصل الإقتصاد الذي يسير نحو الخصخصة. وكانت هذه العملية تُفقر الطبقات الشعبية ( الطبقة العاملة و الفلاحون و الفئات الوسطى المدينية – الموظفون و التقنيون و المهندسون و الأطباء و المحامون .... -). مما أسس لبدء تململٍ إجتماعي، و ميل للإنشقاق عن السلطة و التمرّد عليها.
لكن لا يجوز أن ننسى أن البرجوازية التقليدية لا زالت تمارس دورها، و إذا كانت تسعى لتغيير معادلة العلاقة مع السلطة من أجل أن تتحكّم في الإقتصاد و تصبح هي القوّة المسيطرة، فإنها تنهب جزءاً مهماً من الطبقة العاملة من جهة، و تميل من جهة أخرى لأن تنمّي أكثر قطاع التجارة/ الخدمات/ المال، هذا القطاع الذي جرى التحكّم به من قِبل الدولة من أجل الإستثمار في القطاعات المنتجة. و بالتالي تسعى لربط الإقتصاد المحلي بالنمط الرأسمالي العالمي من موقع التابع، الأمر الذي سيزيد من النهب و الإفقار و البطالة و التهميش. و لهذا ستسعى من أجل الإفادة من التناقضات الواقعية من أجل تعزيز مواقعها، و الدفع نحو سيادة إقتصاد السوق، و التكيُّف مع " الإقتصاد العالمي". و لاشك في أن التسابق بين البرجوازية التقليدية و الجديدة يهدف إلى تعزيز كل طرف موقعه المسيطر في إطار علاقات السوق القادمة.
لهذا سيكون التحالف مع البرجوازية التقليدية إشكالياً، لأنه يدعم مواقفها و بالتالي مواقعها. و إن كان يمكن الإفادة من " مقاومتها"، لكن دون جعلها هي القائدة، حيث أنها ليست البديل للمافيا الحاكمة، على العكس فإنها تدفع للتخلي عن مسائل ذات فائدة للطبقات الشعبية مثل حق العمل و الضمان الإجتماعي و مجانية التعليم و ضبط الأسعار، لأن سياستها تقوم على الإنفتاح و بالتالي زيادة الإختلال بين الأجور و الأسعار، الأمر الذي يعني تعميق الإفقار و البطالة و التهميش.
إن التحالف يجب أن يتحدّد في الطبقات الشعبية أساساً. و أن يجمع القوى الديمقراطية و اليسارية. الذي بدوره يمكن أن يقيم " تحالفات" مؤقتة مع قوى تتعارض مع الفئات المسيطرة الآن، سواء بسبب الديمقراطية أو بسبب تعارض المصالح المؤقت. المسألة تتعلق بالكتلة الشعبية الواسعة التي هي أساس تشكُّل الحركة المجتمعية، و أساس إحداث التحولات الضرورية. إذن جبهة الفقراء ضد جبهة الأغنياء، دون تجاهل الإفادة من تناقضات جبهة الأغنياء.
و إذا كان السياسي ( الذي هو إستبداد السلطة) يكبِّل كل التناقضات الأخرى ( الإقتصادية و الإجتماعية )، و بالتالي إذا كان التناقض السياسي ( تناقض سلطة/ مجتمع) هو المهيمن على مجمل التناقضات، فإن حلّه لا يتحقق إلا بحلحلة تلك التناقضات. لهذا فإن تفعيل التناقضات في المستوى الإقتصادي أساسيٌّ من أجل حسم التناقض السياسي. حيث أن الطبقات الشعبية " تعيش" التناقض الإقتصادي ( المتعلّق بوضعها المعيشي) و تعتبر أنه التناقض الأساسي، نتيجة إفقارها و إضطهادها و نتيجة البطالة و التهميش، و بالأساس لأن كل ذلك يُشعرها أنها تنحدر نحو الموت. و لهذا فإن تفعيل دورها يقوم على البرنامج المتعلّق بذلك، و بالنشاط الداعم و المحفِّز لتحقيقه، فهو " الملموس" و " المباشر" الذي يحكم وعيها، و بالتالي إمكانية نشاطها. رغم أن حلّه يستند إلى حلّ التناقض السياسي ( و لهذا هو التناقض الأساسي)، لأن السيطرة الطبقية التي تؤسس النهب و تقود إلى الإفقار، تتدعَّم بالسيطرة السياسية، أي بالسيطرة على الدولة و تأسيس سلطة إستبدادية.
لهذا يجب أن يتبلور برنامج يتناول مصالح الطبقات الشعبية، و أهداف التطوّر و تطوير الإقتصاد، و الحداثة ، و الديمقراطية و المسألة الوطنية، إضافة إلى البرنامج العربي و العالمي. و إن كانت الأولوية فيه هي للديمقراطية، لأن كل ذلك هو الذي يفعِّل الطبقات الشعبية و يزجُّها في النضال الديمقراطي.
و في هذا الإطار يطرح السؤال حول التكوين الإقتصادي الذي يجب أن يحكم المجتمع، ما دام التطوّر و الديمقراطية ومصالح الطبقات الشعبية لا تتحقّق في الإطار الرأسمالي. و هل لازال للدولة دور في تحقيق التطوّر و في تحقيق مصالح الطبقات الشعبية؟ ( و لقد لمست ذلك في مداخلة سابقة نشرت في العدد الخامس).
ربما يشار إلى أن في ما قلت تكرار لرؤى عتيقة. نعم، لكنها ليست الرؤى التي حكمت الحركة الشيوعية العربية، حيث أنني فيما أشرت كنت أنتقد أيضاً الحركة الشيوعية القديمة، لأنها حملت ذات المشكلات، و أسست رؤاها إنطلاقاً من الخلفية ذاتها. و لهذا أشير إلى أن الحركة الماركسية يجب أن تنتقل من " المبسطات" إلى الوعي العميق بالواقع، أن تنتقل من أرسطو إلى هيغل فماركس، من اليقين اللاهوتي إلى شك ديكارت و بالتالي الشك العلمي. و أن تنتقل من المباشر إلى ما خلفه، إلى العمق. و من التكتيك إلى الإستراتيجية المؤسسة على رؤية و تصوّرات و أفكار.

لكل ذلك أرى أن يجري التمييز بين الموضوعات، كونها موضوعات، و بين التصوّر للتاريخ العالمي أو تاريخ الوطن العربي ( و سوريا)، و كذلك بين رؤية الوضع السياسي ( خصوصاً الوضع الدولي). فالنص هو خليط من كل ذلك، لهذا فهو مربك حين المناقشة و متناقض في الكثير من الأحكام و التصوّرات، و يبدو كجمع لآراء مختلفة و متخالفة. لهذا و لكي يوصل الحوار إلى نتائج جدية أعتقد أن يتركّز حول موضوعات أساسية، هي تلك التي تشكِّل مفاصل رؤية عامة و تؤسس لبلورة برنامج واضح. و أعتقد أن الموضوعات الأساسية هي التالي: 1) الماركسية و التصوّرات حولها، 2) الإشتراكية و مشكلات التجربة الإشتراكية و التصوّر الذي يمكن أن يصاغ على ضوئها و بالإستفادة منها، 3) الرأسمالية و النمط الرأسمالي العالمي و ممكنات التطوّر الرأسمالي في الوطن العربي ( و بالتالي سوريا)، 4) المسألة القومية العربية، و بضمنها مسألة فلسطين و الأقليات و الإستقلال القومي، 5) مسألة الديمقراطية و علاقتها بالماركسية و طبيعة التصوّر لآلياتها كنظام سياسي وكعلاقات، 6) الوضع السوري، 7) الحزب و طبيعته، علاقته بالطبقة و دوره و تكوينه الداخلي. و ربما كانت هناك مسائل أخرى تحتاج إلى طرق و بحث لأهميتها مثل: مفهوم الأولويات و ما كان يسمى " الحلقة المركزية"، والإستراتيجية و التكتيك، و القطري و القومي، و التحالفات، و السياسة و علاقتها بالإقتصاد و بالتكوين المجتمعي، و الأهداف السياسية و الرؤية السياسية. فهذه كلها مسائل جديرة بأن تحظى بإهتمام من أجل تتبلور رؤية ماركسية واضحة، و يتحدَّد التكتيك الضروري في هذه اللحظة، من أجل إنهاض الحركة الماركسية من جهة و تحويلها إلى قوّة فِعل، و من أجل تشكيل حركة مجتمعية و سياسية فاعلة من جهة أخرى. حيث سيبدو دور اليسار أساسياً في تشكيل الحركة المجتمعية و في تشكيل الحركة من أجل الديمقراطية معاً، لهذا من الضروري السعي لتطوير الحوار من أجل التأسيس الماركسي، حيث يجب أن يتبلور التصوّر الذي يسمح بتوحيد كل الشيوعيين و الماركسيين في حزب واحد، أو على الأقل في تجمّع يوحِّد نشاطها.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الرأسمالية باتت - إنسانية-؟ مناقشات حول العراق
- من أجل المقاومة العراقية الشاملة- 3 - الحركة الشيوعية و مشكل ...
- من أجل المقاومة العراقية الشاملة 2 -3 المقاومة العراقية و ضر ...
- (من أجل المقاومة العراقية الشاملة(1-3 - وضع أميركا في العراق
- الخطاب -الديمقراطي- الأمريكي في -الشرق الأوسط الكبير-
- -g8-ال
- مقدمات الشمولية
- - وعد بوش- و السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني
- عفوية الجماهير و دور الحركة السياسية في الوطن العربي
- دراسة الآليات التي تسمح بتحقيق المقاومة والمواجهة
- آفاق الصراع و دور الماركسية بعد حرب الخليج
- التبشير بالخصخصة
- الطبقة العاملة واليسار في عصر العولمة
- اليسار السوري في واقعه الراهن
- مناقشة لفكر ملتبس المادية والمثالية في الماركسية
- المفكر والباحث الفلسطيني سلامة كيلة :المجتمعات المعاصرة تميل ...
- حول مشكلات السلطة والديمقراطية في الأمم التابعة ملاحظات في ص ...
- الاشتراكية أو البربرية
- العراق حدود-الوجود- الأمريكي والاستراتيجية البديلة -1
- نقاش حول العولمة في موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الس ...


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - حول الموضوعات من أجل نقاش هادئ لمنهجية و لرؤية - مناقشة لموضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري