أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية















المزيد.....

في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3106 - 2010 / 8 / 26 - 18:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتولد قلق عميق، وجودي إن صح التعبير، عن نوعين من الظواهر التي تبدو خارج التدبر السياسي والاهتمام الثقافي في آن. ثمة أولا ظاهرة التغيرات المناخية التي تمثلت في السنوات الأخيرة في المشرق بحرارة لاهبة صيفا وبنقص الأمطار في الشتاء والربيع. ولقد تسبب تكرر احتباس الأمطار في سورية في السنوات الثلاثة الأخيرة بنزوح مئات ألوف القرويين من منطقة الجزيرة (شمال شرق البلاد) إلى ضواحي المدن الكبرى بحثا عن أعمال بخسة تعيلهم، وتنذر أيضا بتصحر أراضيهم المهجورة. وفي المقام الثاني هناك ظاهرة التزايد السكاني الانفجارية. في العام الماضي بلغ سكان البلاد نحو 23 مليونا، متزايدين نحو أربعة أضعاف خلال أربعين عاما. وهو ما يتسبب بضغط شديد على الموارد العامة، المياه والأرض بخاصة، فضلا عن فرص التعليم والعمل، وما يسهم في تدهور نوعية الحياة على نطاق واسع.
تبدو الظاهرتان "طبيعيتان"، لا سبيل إلى التحكم البشري بهما. يمكن المجادلة في أنهما ليستا كذلك. معلوم أن التغيرات المناخية مرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري المتولدة بدورها عن ارتفاع نسبة غاز الكربون في الجو بفعل أنشطة صناعية، تتحمل القسط الأعلى من المسؤولية عنها البلدان الأكثر تقدما. إلى ذلك فإنه تشارك في المسؤولية عن الجفاف في منطقة الجزيرة السورية سياسيات مائية محلية أسرفت في استنزاف المياه الجوفية في فترة التوسع في زراعة القطن منذ خمسينات القرن العشرين وحتى وقت قريب. وكذلك الحكومات التركية المتعاقبة التي تسببت سياستها المائية في جفاف أنهار في المنطقة نفسها. فضلا عن السلطات السورية التي لطالما أهملت المنطقة الأغنى بالموارد في البلاد، لكن الأدنى نموا والأقل حظوة بالاستثمارات العامة، وقلما اهتمت بتطوير مهارات سكانها العرب والأكراد، أو بممارسة نوع من التمييز الإيجابي الضروري لصالحهم. ومثل ذلك ينطبق على التزايد السكاني. فهو متولد عن تحسن الخدمات الصحية، مع بقاء الذهنيات وأنماط الحياة دون تغيير يذكر. وكذلك مع الامتناع العام عن "أشكلة" الظاهرة. لا السلطات تهتم بالأمر، ولا الثقافة والوعي العام في البلد يوليان الموضوع اهتماما يستحقه، أما الدين فيبدو بالأحرى مواتيا لتشجيع تزايد السكان ومتأهبا للتحفظ على أية مساع موجهة نحو ضبط النسل.
القصد أن الظاهرتين المناخية والسكانية ليستا طبيعيتين. إنهما ظاهرتان بشريتان وتاريخيتان، في منشئهما كما في المعالجات المحتملة لهما. لكن بفعل الافتقار إلى أطر عالمية لا بديل عنها لمعالجة فعالة للمشكلات المناخية، وبتأثير تواضع مستوى الفاعلية المحلية التي يمكن حشدها في مواجه كلا نوعي المشكلات في الحاضر والمدى المنظور، تكاد الظاهرتان تمسيان من نصاب الطبيعة الذي لا يمكن فعل شيء في مواجهته. ومن هنا بالذات ينبعث "القلق الوجودي" الذي يحاكي ما يثيره التفكير بنهاية العالم أو بفنائنا الذاتي من رعدة في أعماق النفس. يرجح أن يستمر التزايد السكاني بوتيرة عالية بحيث يبلغ السوريون نحو 30 مليونا عام 2025، ولا تلوح في الأفق معالجات مضمونة تحول دون توسع التصحر، أو هذا الضرب المفزع من فناء الأرض. وبالمثل تبدو محدودة جدا فرص التحول نحو سياسات عامة جديدة، داخلية التوجه وموجهة نحو معالجات أكثر فاعلية للمشكلات البيئية والديمغرافية (والاقتصادية). عدا عن عوائق معروفة تتمثل في نوعية أولويات نخبة السلطة، يهيمن لدينا مفهوم ضيق للسياسة يضع القضايا المشار إلها خارج اهتمامه. ومنذ أن نتكلم على مفهوم مهيمن فإننا نتكلم على الثقافة. ثقافتنا في سورية وفي العالم العربي تقصر مفهوم السياسة على مسألة السلطة والصراع على السلطة. هذا يجعل السياسة صراعا محضا، ويقوض مفهوم الصالح العام، فلا تبقى ثمة أرضية للتسويات والحلول الوسط والتنازلات المتبادلة، مما لا يستقيم اجتماع بشري معافى من دونه. ولعل المفهوم هذا هو الأصل في تحول السياسة إلى ميدان طبيعي، بل قدري، تخاض فيه صراعات إلغائية، يحظى الفائز فيها بالسلطة كلها طوال الوقت. السياسة هنا ليست فاعلية توسيع نطاق الفاعلية البشرية على حساب "الطبيعي" والقدري، بل هي جزء مما هو طبيعي وقدري. وبدل توسيع ملعبها وجلب قضايا أكثر إليه يحرك "السياسة الطبيعية" نازع متأصل إلى تضييق الملعب وتقييد الدخول إليه. هذه سياسة لا سياسية، هشة أمام العنف، لا يحول دون وقوعها فيها كل مرة غير عجز أحد طرفي الصراع بفعل عنف سابق.
إن لم تفاقم الصفة "الطبيعية" للسياسة المشكلات "الطبيعية"، من نوع التزايد السكاني والتصحر، فإنها لا تجد ما تفعله حيالها. ولعل تلك الصفة ذاتها تسوقها نحو كل ما هو "طبيعي" من عشيرة وقرابة وعصبية ودم، وأصل وماض وميراث. وهو ما يقترن بتدهور قيمة الثقافي والصنعي والاكتسابي مما هو محقق في محيطنا.
بالمقابل، أولُ معالجة المشكلات الطبيعية هو إخراج السياسة ذاتها من نصاب الطبيعة إلى نصاب الثقافة والحضارة. وقد يكون من شأن الاهتمام بالمشكلات "الطبيعية"، المرشحة فقط للتفاقم، أن يحفز تفكيرا متجددا في مفهوم الخير العام، يتسع ليشمل نطاقات البيئة والسكان والجغرافيا (والاقتصاد.. واللغة).
وكل ذلك يندرج في حاجة تبدو لنا ملحة إلى توسيع مساحة ما يمكن التفكير فيه أو مواجهة "غزو اللا مفكر فيه" على ما عبر حسام عيتاني قبل أيام ("الحياة"، 17/8/2010)، ومن ثم توسيع نطاق ما يمكن التأثير عليه. هناك ثلاثة قطاعات من شأن تنظيم تفكيرنا في شأنها أن يكون مؤشرا تحرريا. قطاع "الماضي" (الثقافة واللغة والدين) وترتيب العلاقة معه بما يتوافق مع مزيد من استقلال الحاضر، وقطاع "الخارج" أو النظام الدولي بما يعود على الداخل باستقلال أوسع، وقطاع "الطبيعة"، أو مشكلات البيئة والسكان والجغرافيا بما يترجم الاستقلال إلى تحكم ذاتي أكبر. فضلا عن قطاع الدولة والسياسة الذي تفرط ثقافتنا تلقائيا في الانشغال به.
ولعل من شأن توسيع مجال التفكير على هذا النحو أن يتيح فصل السياسة عن السلطة، وتطوير "سياسة ثقافية" (عكس سياسة طبيعية) لا سلطوية، فتكون أيضا خطة بديلة عن الجهود الفاشلة لانتزاع السياسة من نخب السلطة الغارقة في أنانيتها وضيق أفقها. يستأهل التخيل، والتفكير والتجريب الذهني، أن ندعهم وسلطتهم، وأن نحاول بناء تصورات أوسع للعام وللسياسة. وللثقافة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟
- في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي
- في الواقع لا في النص: أيّ يسار، أين، وأية سياسات يسارية؟
- أربع صيغ للنزعة المحافظة... ثلاث منها عالمة
- من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين
- هل أوضاعنا جامدة بالفعل، لا تغيير فيها؟
- في معنى أزمة الثقافة ووجوهها وحصائلها
- محمد عابد الجابري ونهاية الموجة التراثية
- هل من الممتنع تصور إيران نووية متفاهمة مع الغرب؟
- في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة
- صراع على الألم بين أبناء الجواري، تعقيب على منهل السراج
- ثلاث استقلالات.. مستقلة عن بعضها
- من أجل نقد جمهوري وديمقراطي للقومية
- ما الذي يكفل صحة كلامنا؟
- العراق بعد سبع سنوات... مضطرب، متقلقل، لكنه حي ومتجدد!


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية