قراءة في كتاب عامر عبد زيد والمتخيل السياسي

كامل حسن الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 3106 - 2010 / 8 / 26 - 13:15
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

وجدته ومن خلال معرفتي به مشغولا دائما في الحفر في التراث العراقي القديم مستلهما منه العون لفك شفراته التي يمكن محاكاتها والإفادة منها للحاضر ، الباحث الدكتور عامر عبد زيد صدر له مؤخرا ومن دار الينابيع في دمشق بحثا موسوما (المخيال السياسي في العراق القديم) وفي قراءة أولية لهذا المنجز الفكري ذهب الباحث فيه لماهية المخيال بوصفه خروجا عن المحسوس الى قدرات العقل التي يمكن ان نصطلح عليها "بالاجترارية " مصنوعة كانت ام مطبوعة ونقصد هنا ان الصورة المتخيلة تاتي بوجهين وفق مفهوما البسيطط فاما ان تكون صورة حقيقة حدثت في وقت ما فاستحضرها العقل وهذه تعد حقيقية ولكنها غير ملموسة واما صورة متخيلة من نسج العقل دون ان يكون لها شكل سابق فهي من صنعه أي انها متخيلة وفق رؤية الفرد وبيئته (وزمكانه) ومن خلال استقرائنا لما خلف الظاهر نجد انه يسعى لان يعطي الشكل المتخيل للصورة الحقيقية والمتخيلة لما كان عليه المخيال السياسي القديم وقد بدا بحثه بالتنقيب في اللغة عن ماهية المخيال من خلال استعرضه لقاموس اللغة اىلعربية وبعد فراغه من ايجاد المداليل اللغوية ذهب الى ايجاد المفاهيم الاصطلاحية من خلال اعتماده على بعض المصادر التي عنيت بالبحث الاصطلاحي عن مفهوم المخيال السياسي وتشعبه وهو يقول في تعريف المخيال : هو وجود العقل اللاشعوري أي ان المفهوم البسيط للخيال هو التخيل في غياب المحسوس وفي تعريف اخر يورد الخيال بانه "الكبت" وهو الفاصل بين الماضي المتخيل والواقع المحسوس فيما يورد في تعريف اخر للمخيال بانه القادم من سن الطفولة ما بعدها فيظل المخيال هو الحال الغير محسوسة أي المستقات من الادبيات العتيقة او ضرب من التوقع للاحداث المستقبلية بناءا على معطيات فكرية تختلف من شخص لاخر ومن بيئة لاخرى وهنا يؤسس الباحث للصور المتخيلة في ذهنية أي شخص مسحوبة في ذلك الى الداخل او الخارج تبعا للمتخيل وبهذه الطريقة ترتسم الصورة المتخيلة في الذهن من خلال وقائع ماضية تختلف هذه الصورة باختلاف معطياتها فاما ان تكون صورة متخيلة ايجابا او متخيلة سلبا ولا يحدث المتغير في اطار هذه الصورة النمطية الا من خلال وقائع جديدة تدخل الى الذهنية من خلال احداث ووقائع تتشكل من خلالها صورة جديدة بالمعنى الزخرفي وعلى مساحة تنسيق المدركات وترتيبها وتصفيفها بحيث تكون مستعدة لتشكيل صورة متخيلة مزيج بين الواقع والمتخيل .
اعتمد الباحث على العديد من المرجعيات في هذا الشان خصوصا ما جاء به جون لوك في نظرية التأمل وايجاد الصورة المتخيلة كذلك فقد احال بعض الافكار الى جيل بار ديران حيث ذهب هذا الى ان الوعي يؤسس بطريقتين لاستحضار الصورة .
مساهمة السلطة من تاسيس المخيال السياسي
في راي الباحث ان السلطة تعد الية من اليات تاسيس المخيال من خلال اساليب الاقناع والاكراه المعتمدة من خلال ما تعرض السلطة السياسية من نظرية مؤسسة لمخيال جمعي وفي هذا اعتمد الباحث على ما ذهب اليه "ماكس ذي بر" فالسلطة السياسية في هذه الحالة تسعى لتاسيس مخيال سياسي اجتماعي في اطار اهداف ترسمها السلطة السياسية من اجل بلوغ اهداف معينة وهذه الاحالة تعد من الاحالات الموضوعية التي اعتمدتها تلك السلطة سواء كان ذلك في البلدان الغربية ام بلدان المشرق العربي وقد لعب المخيال السياسي والاجتماعي في العديد من الدول دورا كبيرا في تنظيم الحياة السياسية .
ومن هنا فان المخيال السياسي الذي تسعى السلطة السياسية لصناعته في مكان ما فان هناك جهات اخرى تعمل بالضد وتؤسس لمخيال مغاير "معارض" يعمل بالضد من المخيال الذي صنعته السلطة وهنا تجد ان هناك العديد من التيارات المتصارعة والتي تتضارب في مفاهيمها التي تسعى من خلالها للوصول الى اهدافها المرسومة فتفضي بالنتيجة الى الصراعات والحروب ، والحروب تعد وسيلة اخرى من وسائل التاسيس لمخيال السياسي .
ان السلطة السياسية تلعب دورا كبيرا في صناعة وتوجيه الفهم الجمعي للمجتمع لما يحقق أهدافه سلطوية بعينها .
السرد التخيلي
تناول الباحث في الفصل الثاني السرد التخيلي وعالج موضوعا أخر (الزمان والمكان في المتخيل السياسي) ان السرد التخيلي الذي ذهب الى تسليط الضوء عليه الباحث يتمحور بالسرد التخيلي كفن بل هو جزء كبير من دائرة الفن يتاثر دائما هذا الفن في الرواسب الفكرية فتنتشأ من خلال ذلك الرواية ، الحكاية ، الاسطورة ، الملحمة ، فيتشكل لدينا فنا سرديا يمكن ان نحيله الى الادب وهذا ما نلمسه في المتخيل السردي في الموروث العراقي فمن خلال الملاحم والاساطير التي اشتغل عليها سوى الباحث العديد من الباحثين وحفروا في ماهياتها ساعين في ذلك الى ايجاد علاقة موحدة من السرد بوصفه ارثا سياسيا واجتماعيا وهذا تم التاسيس له منذ القدم أي في الحضارات القديمة كحضارة( بابل وسومر واكد ) ممثلة بشخوص من ذلك الموروث وقد تناول الباحث في ذلك الحفر في ملحمة كلمكامش كذلك فهو لم يغفل الاشارة الى حمورابي وتناول مقدمة تشريعه وذكر نتفا منها للاستشهاد وقد عالج في موضوع اخر الزمان والمكان بوصفهما ركنين بارزين من اركان السرد التخيلي فمن ضرورات السرد التخيلي (الزمكان فضلا عن الشخوص التي تعد واحدة من اركان البناء السردي لاي نوع من أنواع الأدب والفن التخيلي المذكورة سابقا .
اورد الباحث في اغلب مقولاته استشهادات كثيرة من ملحمة كلكامش فيما يتعلق بالبقاء والفناء والخلود وما الى ذلك.
اما في باب التطبيق فقد تناول الباحث المتخيل السياسي في مهيمنات عديدة نذكر منها مهيمنة المدينة ومهيمنة القرية من خلال تناوله البعد التكويني لكل مهيمنة من هذه المهيمنات والبعد السياسي ومهيمنة الدولة او الامبراطورية في العهد البابلي .
إن الباحث قد بالغ في استخدام النصوص البابلية والسومرية واتخذ منها مادة أساسية لتطبيقاته العامة لصناعة المخيال السياسي في العراق وقد أعطى مفاهيم الدولة – الامبراطورية – القرية – المدينة – بوصفها امكنة حضارية قديمة مبرزا من خلال ذلك اليات صناعة المخيال في هذه الاطر .
ولا يمكن لنا بهذه العجالة ان نحيط بكل تفصيلات هذا البحث الذي يعد من البحوث الحداثوية التي تعاملت مع المخيال درسا وتحليلا واحالة للفكر السياسي العراقي القديم لاسيما ان هذا البحث قد اخذ طريقه الى المكتبات العربية و جهد الباحث واضح من خلال توصلاته الفكرية التي تستحق كل الاحترام والتي تثير لدى التلقي رغبة متابعتها وتحليلها والإفادة منها إن المخيال السياسي في العراق القديم للدكتور عامر عبد زيد قدم فكرة جديدة وبأسلوب ابتعد عن التعقيد في فهم آليات التأسيس للمخيال السياسي العراقي ولا ننسى بأي حال من الأحوال أن هذا البحث يعد إطلالة جديدة على المتخيل السياسي العصري في العراق من خلال استنباط ما ذهب اليه وما رمز له بين السطور الباحث .
شكرا للباحث عبد زيد على هذا الجهد ونتمنى له المزيد من النتاج الفكري الذي يصب في خدمة الحراك الثقافي في البلاد العربية ويرفد المكتبة بالجديد.

#كامل_حسن_الدليمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات