أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - البلطجة تخرج لسانها للقانون!















المزيد.....

البلطجة تخرج لسانها للقانون!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 3105 - 2010 / 8 / 25 - 16:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فى بداية القرن الماضى كتب الشاعر العبقرى بيرم التونسى قصيدة لاذعة عن "المجلس البلدى" لمدينة الإسكندرية، لأن هذا المجلس الذى لم تكن له فائدة واحدة تعود على الأهالى بالنفع وتخصص فى "العكننة" على خلق الله وإرهاقهم بالرسوم والغرامات.
فجاء عقاب بيرم التونسى لهذا المجلس المسخ شديداً من خلال قصيدة رائعة يقول فيها:
قد أوقع القلب فى الأشجان والكمد
هوى حبيب يسمى المجلس البلدى
أمشى وأكتم أنفاسى مخافة أن
يعدها عامل للمجلس البلدى
**
إذا الرغيف أتى فالنصف آكله
والنصف أتركه للمجلس البلدى
وإن جلست فجيبى لست أتركه
خوف اللصوص وخوف المجلس البلدى
وما كسوت عيالى فى الشتاء ولا
فى الصيف إلا كسوت المجلس البلدى
كأن أمى بل الله تربتها
أوصت فقالت أخوك المجلس البلدى
**
أخشى الزواج إذا يوم الزفاف أتى
أن ينبرى لعروسى المجلس البلدى
وربما وهب الرحمن لى ولدا
فى بطنها يدعيه المجلس البلدى
**
يا بائع الفجل بالمليم واحدة
كم للعيال وكم للمجلس البلدى
ومرت الأيام والسنين، وتبدلت الأحوال، وسقط النظام الملكى وغادر الملك فاروق الأول البلاد وقام النظام الجمهورى، وتغير العلم والنشيد الوطنى.. لكن "المجلس البلدى" لم يتغير ولم تتغير خصاله القديمة ولا تخصصه فى العكننة على خلق الله.
الشئ الوحيد الذى تغير هو إسمه الذى أصبح "المجلس المحلى" بدلاً من المجلس البلدى.
***
وتحت هذه اللافتة الجديدة واصلت المجالس المحلية دورها "التاريخى" فى التسلط على الناس وتعطيل مصالح المواطنين وضرب القانون بالحذاء واستبداله بالبلطجة والرشوة التى فاحت رائحتها لدرجة جعلت أحد أقطاب النظام الحاكم، وهو الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية بجلال قدره، يطلق صيحته الشهيرة "الفساد فى المحليات وصل إلى الركب".
ومع أن صيحة الدكتور زكريا تبدو جارحة للوهلة الأولى، إلا أن الأمور فى الواقع قد تجاوزت مرحلة "الركب" بمراحل.
فلم تعد المسألة مجرد ممارسات "مألوفة" و"معتادة" للفساد وبخاصة فى منح ومنع تراخيص البناء والهدم وتراخيص المحال التجارية وغيرها.. وإنما وصلت إلى البلطجة والتنكيل بالمواطنين الأبرياء و"الافتراء" عليهم عينى عينك وفى وضح النهار، ليس فقط لتمرير صفقات "بيزنس" غير قانونية وإنما أيضاً لأشباع الغرور الشخصى – فى بعض الحالات – لبعض أعضاء "المجلس البلدى" أو "المجلس المحلى" – سمه كما شئت – وتضخم ذواتهم دون سبب مبرر اللهم إلا غرور القوة الغاشمة .. سواء قوة المال أو قوة العضلات فى ظل تراجع سيادة القانون وهيبة الدولة.
***
والأمثلة على هذا الانفلات المروع أكثر من الهم على القلب وتحدث فى الريف والحضر، فى قبلى وبحرى، فى الأحياء الشعبية والمستوطنات الراقية على حد سواء.
أحد هذه الأمثلة الفجة حدثت منذ أيام، أى فى شهر رمضان الذى تسلسل فيه الشياطين، ويفترض بالتالى أن نوازع الشر لدى البشر تتراجع فيه أو تحصل على أجازة قصيرة. ووقعت أحداثها فى أحد أحياء القاهرة التى كانت راقية حتى عهد قريب وما تزال محلاً مختاراً لبقايا الطبقة الوسطى المستورة.
بداية الأحداث تافهة .. بل بالغة التفاهة .. أطفال فى سن التاسعة والعاشرة يلعبون الكرة فى الشارع قبيل مدفع الافطار، يحدث احتكاك بينهم لأسباب طفولية لا تستحق التوقف أمامها أو البحث عن مخطئ ومصيب.. لأن المسألة مجرد "لعب عيال" ..
المهم .. أسفر لعب العيال عن إصابة أحد الأطفال إصابات جسيمة أدت إلى نقله إلى المستشفى.
وكان من الممكن أن يتم استيعاب الموقف كما يحدث عادة فى مثل هذه الأحوال لكن أم الطفل المعتدى فضلت اللجوء إلى أسلوب الهجوم المضاد عملاً بالحكمة الاستراتيجية القائلة أن "الهجوم خير وسيلة للدفاع". فذهبت إلى أسرة الطفل المجنى عليه وسبقت الجميع بالاحتجاج على أن المجنى عليه شتم المحروس إبنها، مهددة بأن لجوء أسرة المجنى عليه للشرطة ستكون له عواقب وخيمة لينطبق عليها المثل القائل : ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى!
أما سبب هذه العنجهية .. فهو ببساطة أن زوجها عضو بالمجلس البلدى .. عفواً "المجلس المحلى".
لم تكتف "الست" بالتهديد اللفظى لجيرانها بل اتصلت بسيادة عضو المجلس المحلى " زوجها المحترم، وأبلغته أن إبنها المدلل قد تعرض للسباب من إبن الجيران، وطالبته بالثأر له.
لم تمضى سوى بضعة دقائق جاء بعدها عضو المجلس المحلى المحترم على رأس سيارة نصف نقل محملة بالفتوات والبلطجية من الصنفين : رجال ونساء. وبسرعة البرق انقضت القوات المحمولة براً على أسرة الطفل المجنى عليه وأوسعتهم ضربا وإهانة.
وقبل انسحاب هذه القوة الضاربة مالت زوجة عضو المجلس المحلى على المحروس إبنها وقالت له بحنان : كفاية كده يا حبيبى والاَّ نضربهم كمان؟!
بعد هذه الموقعة غير المتكافئة جاءت الشرطة وتم فتح محضر تضمن أقوال المجنى عليهن، لأن معظم أفراد أسرة الطفل المجنى عليه من السيدات.
ماذا حدث بعد ذلك ؟
لا شئ .. أحد رجال القسم الذى تم تحرير المحضر فيه قال للمجنى عليهن: بعثنا لاستدعاء الرجل الذى تتهمونه خمس مرات لكنه رفض الحضور ، متذرعاً بانه عضو مجلس محلى، وأنه إذا كان لديكن بضعة شهود فإنه قادر على حشد عشرات من شهود النفى الذى يؤكدون غيابه عن مصر كلها وقت وقوع حادث الاعتداء.
وبالتوازى مع ذلك بدأت رسائل التهديد الصريح والضمنى تصل إلى كل من الشهود الذين وردت أسماؤهم فى محضر الشرطة قبل تحويله إلى النيابة. والرسالة واضحة وبسيطة: إما أن تغيروا شهادتكم أو أن تحرق قلوبكم على أبنائكم؟!
ومازال الطفل المجنى عليه وأسرته التى تعرضت للاعتداء فى انتظار الفرج وإنصاف القانون .ز وفى نفس الوقت الذى يغمرهم فيه الخوف من أن تنجح البلطجة والفبركة فى شل يد القانون . وهو ما نرجو ألا يحدث.
***
ومع انتظارنا لنتيجة هذا الصراع التقليدى بين الخير والشر، بين سيادة القانون وشريعة الغاب، لا نملك غض النظر عن تساؤلات أساسية (علما بان كل التفاصيل تحت أيدينا ويستطيع كل من يعنيه الأمر الحصول عليها):
أولاً: لماذا يحمى الحزب الوطنى هذا النوع من البلطجية؟ ولماذا يفتح لهم أبواب الكجالس المحلية، ثم النيابية، لكى يستغلوها لمصالحهم الخاصة وترويع خلق الله؟
ثانياً: إذا كان هذا النوع من الانتهازيين قد نجح فى التسلل إلى هذه المجالس فى أوقات سابقة، فهل يسمح الحزب الوطنى ببقائهم فى مواقع "جماهيرية" فى الوقت الذى يتأهب لخوض انتخابات برلمانية ويحتاج فيها إلى إبراز وجوه شخصيات لا غبار عليها ولا مطعن على عفة يدها ولسانها؟
ثالثا: أليس التسامح مع هذه النوعية من الشخصيات غير السوية هو بداية استفحال مؤسسة الفساد التى تغولت حتى أصبحت أكبر مؤسسة بطول البلاد وعرضها وأصبح وجودها أحد أهم أسباب الخلل الهيكلى فى السياسية والاقتصاد والثقافة وكافة القضايا الاجتماعية؟!
رابعاً: أين هيبة الدولة؟ وأين هيبة القانون ومؤسساته وآلياته؟ وما هو مصير هذا المجتمع إذا استمر ما نراه من بلطجة واستهتار واغتصاب لحقوق الدولة وحقوق المجتمع وحقوق المواطنين، عينى عينك؟ وإلى أين نحن ماضون بعد أن وصل الحال إلى أن تقول أم لابنها : مبسوط كده يا حمادة والا نضربهم كمان؟! .. أى جيل ننتظر وأى مستقبل تخبئه لنا الأيام فى ظل هذا الجنون والظلام والعطش.. وانفلات المجلس "البلدى" الذى جعل بيرم التونسى يمشى ويكتم أنفاسه مخافة أن يعدها عليه أعضاء مجالس وصل فيها الفساد فوق الركب؟!



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومة »الإظلام التام«.. والموت الزؤام!
- رداً على إحراق القرآن فى فلوريدا .. هل نحرق قلوب أقباط مصر؟!
- أصل الداء دون لف أو دوران: »الساركوسيست« الهندي.. صناعة مصري ...
- المغربي.. في »وادي كركر«
- ملتقى الجونة (2)
- ملتقي الجونة (1)
- رغم تقرير الانجازات: الممارسات الاحتكارية.. تخرج لسانها للمن ...
- تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!
- -التميمى- فى النار سبعين خريفاً
- دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر
- التعذيب .. بنظام »خدمة التوصيل إلى المنازل«!
- رسالة عاجلة للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة .. هل وصل التمييز ...
- قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر
- نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل
- هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني-؟!
- وراء كل -نصر- .. ابتهال
- فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين ...
- احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!
- حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لح ...
- لماذا اشتعلت الفتنة فى عهد سيطرة محاسيب الحزب الوطنى على الم ...


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - البلطجة تخرج لسانها للقانون!