أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - كتابي الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الأول للشاعر صبري هاشم















المزيد.....



كتابي الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الأول للشاعر صبري هاشم


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 3104 - 2010 / 8 / 24 - 00:04
المحور: الادب والفن
    


***
الديوان الأول
***
عازف الرباب
شعر
صبري هاشم
***
1 ـ عازف الرّباب
***
لعازفِ الرّبابِ البدويِّ
حُمْرةٌ مِن شهقةِ المساءِ الأخير
ورشفةٌ مِن صهيلِ النبيذِ الأسير
تكفي لمَن يذرفُ فوقَ الوجوهِ الباردةِ ذاكرةَ المشتاق
لعازفِ الرّبابِ لوعةُ الأبْنوس
عروشُ أباطرةٍ ما أجفلتْها الرّمالُ
ومِن مراشفِ صبيةٍ مِن صباياكم له رشفتان
تأتي عاصفةَ العريِّ في أحلامِ فتىً لم يطرق بابَ الرجولةِ
قبلَ المنامِ في هودجِ الماء تأتي
وبعد المنامِ في شباكٍ تأسرُ الهواءَ تأتي
أو إلى سطحِ سفينةٍ ذاهبةٍ إلى آخرِ البحارِ تأتي
مِن أجلِ عازفِ الرّباب تمطرُ عينُ الذّاكرة
رشفةٌ تستفزُّ مهدَ البدايات
رشفتان مِن إناء اللوزِ الهمجيِّ
لعازفٍ سكنتْه نَفْسٌ يبابٌ تتوسلُ ندىً
وعن صلاةِ الإستسقاء لا تكفّ
ستعزفُ إذن
عن طقوسٍ للصلاةِ
برشفةٍ مِن نبيذِ المساءِ الأرجوانيِّ ستعزفُ واثنتين مِن المراشف
مِن خوفي .. آه
على الليلِ العاصف انتصرتُ
منذ ألفِ صيحةِ حبٍّ سومرية
ومنذ أولِ رفّةِ جنحٍ للضوء
حضرتُ شروقاً في أقاصي الكلامِ
ومنذ ألفِ ليمونةٍ مشاكسةٍ إعتصرتُها في نهر نهديك عزفتني الرّيحُ ، على سعفِ النخلِ الراجفِ كالمذعورِ ، لحناً بحرياً حزيناً .
أنا عازفُ الرّبابِ
نغّمتني الذاكرةُ مطراً خريفياً هطلَ ذاتَ ليلٍ مُدْلَهمّ فوق جسدِ البلادِ
أدهشني المشهدُ
وضعني أمام نافذةٍ مفتوحةٍ على الخلاء
وخلاءٍ مُشرعٍ أمام البحرِ
أنا ابن الصحراء
بالمصادفةِ أصحرتُ
وبالمصادفةِ رأيتُ الأشباحَ تعبرُ قارّاتٍ موحشةً
وبالمصادفةِ يلمُّها الغبشُ
حتى تعودَ زرقةَ موجٍ
أو همسَ هيامٍ خارجاً مِن همهمةِ القافلة
رشفةٌ مِن عصيرِ رمّانةٍ هجرتْ أرضَ بابل منذ ألفِ عام
قيل اختطفتْ نفسَها مِن أجلِ صاحبٍ وخليل
وواحدةٌ مِن كرمةٍ نبتت قسراً في أرضِ أوروك
أثناء نزهةِ السيدة عشتار على ضفّةِ الفراتِ
بالقربِ مِن أسرارِ مكنونِها المجنون
في مكانٍ ليس مُباركاً وليس مُقدساً
ربما صار شجرةً مذمومةً سكنها الطيرُ والعفريت والأفعى
أنا عازف الرّباب
وغير صوتِكم لا صوت لي
ولا بادية أرتضي غيرَ بواديكم
أمامي تتلوى جواري المَلك الصنديد شهوةً
ومِن اللذّةِ يستغرقْنَ في البكاء
ثمة ندلٌ درْنَ في الخفاء
أشرفْنَ على ليلتي وأسكرنني مِن شهدِ حليبِ الرغبةِ
فلتمطرْ ذاكرتي زرقةَ بحرٍ رَكَبَنا ما رَكَبْناه
وصفرةَ صحراء جاءت على آثارِ أقدامٍ
كانت لنا ذاتَ رحيلٍ وغارتْ في الرّمالِ
وأحلاماً تباعدت في الغيابِ
أنا عازف الرّبابِ
احتسي الليلَ مِن كأسي
ومنها أرتشفُ النهار

10 ـ 10 ـ 2008

***
2 ـ الوسادة الأولى
***

خُذْ معك ثوباً للموجة
و سفينةَ أحلامٍ ترقصُ على جسدِ الماء
حين تصلُ عدنَ
طهّرْ بنظرةٍ من عينيك زهرَ التفاح
واغسلْ بإشراقةٍ من روحِك البحرَ
فأنا رأيتُ عروسَ البصرة بالبَرَدِ
في آخر الليل تغتسلُ
وبشفتيها تُطهِّر كأسَ نبيذٍ
أنا رأيتُ العاشقَ من صدرِ اللوعةِ يرضعُ
خُذ معك وردةً لوسادةِ الحبيبة

1984 عدن

***
3 ـ بماء عين الحمام اغتسلي
***
بمطرِ العمرِ اغتسلي
بندى الوجدِ ، حين تبرحين المكان ، اغتسلي الليلَ كلّه
بماءِ النبعِ المُحرّم ، تحت شجرةِ المُشتهى ، اغتسلي
بنورِ الجمرِ وعطرِ السّدْرِ اغتسلي
وأوقفي قبل أنينِ الصّباح
هديلَ الرّياح
أطفئي ناراً أُوقِدت فوق هامِ الجبال
ثم أطلقي ، مِن هنا ، راحلتَك
لكي لا تأخذك في الغفلةِ صيحةُ غادر
يا هذا المُطْلِقُ تحت الأمطارِ خيولَ الفجيعة
وصهيلَ البرقِ
عليك التفَّ مئزرُ الخيانةِ
وبانت عورةٌ لأشباهِ رجال
بانت خدعةُ الحجرِ
..........
..........
بماءِ نبعِ الليلِ اغتسلي
وهيّجي وردَ حنيني
مشّطي رائحةَ الشجرِ بضحكةٍ طاهرةٍ
أو بفرحةٍ طائرة
ثم انثري في المدى رصاصَ ثأرٍ
يا أنتِ يا وطن الأحزانِ
اعصفي موتاً في سماءِ القبائل
كوني إعصاراً مُهلكاً لأرضٍ
أسميناها في لحظةٍ متفجرةِ الدماء
أرضَ بشتاشان
**
بندى الذاكرةِ تحت ضوءِ القمرِ اغتسلي
ونادي :
افتحوا الرسائلَ
ففيها ينطقُ طيرُ الدليل
ومنها تعبقُ رائحةُ الغدرِ
بشتاشان هجرتْك سحابةُ الأمان
و امتنعتْ عنك حياةٌ
**
بما تبقّى من ثلجِ الصباح اغتسلي
واتركي لنا القصصَ وشهوةَ الكلامِ :
قيل إنّ امرأةً خرجتْ في ليلِ البصرةِ
تبحثُ عن صبيٍّ أخذهُ النهرُ
وحين أدمنتْ على ضفافِه النحيب
خرجَ النهرُ عارياً معتذراً :
لم أغدرْ بحبيب
قال النهرُ
إنما ابتلعتْه جبالُ الوقيعة
قيلَ عن امرأةٍ غصّتْ باسمِ حبيبٍ وماتت
كان ذلك بالقربِ من جامعِ الفقيرِ
في البصرةِ التي
لم تعُد جديدةً ولم تعد قديمةً
يا أيها الرجاءُ إنْ عاد بك الغمامُ
فعند أولِ خفقةِ روحٍ ترجّل
**
اغتسلي في بِركةِ الرَّبِّ
قبلَ نزولِ ملائكةِ السماء
فلقد خرجتْ حورياتُ الخابورِ في ليلةِ عيدِ الميلاد
وضعْنَ طوقاً مِنْ رياحين الأعماقِ فوق رؤوسِ الجبالِ
وعادَ نحو الأعماقِ بهنّ الدليل
هنا امكثْنَ حتى تتلونَ الدُّنيا بقطراتِ الوفاءِ
قال دليلُ الأعماق
ذهب الصبيُّ في قافلةِ الرفاقِ
ولم يعُد حين عادَ الرفاق
**
يا امرأةَ النحيبِ اغتسلي
قبلَ مرورِ الغمامِ
فأنا لم أرَ في المدى غيرَ حمرةِ الوداع
والأحبابُ خلفَ التخومِ غابوا
أسدلوا ثيابَ الريحِ وناموا
كأنهم لم يناموا إلاّ للمرّةِ الأخيرة
**
اغتسلي للمرّةِ الأخيرة
فالفارسُ الذي انتظرتِ
لم يرَ في الطريقِ سوى حطبِ النهاية
خُذ جمرةً للطريقِ أيها الفارسُ
ربما احتجت إليها
أو إليها احتاجَ الصحبُ
خُذْ متعةً للطريقِ وضحكةً للقرويّ الصديق
خُذ إنْ شئت الطريقَ
فربما مشيتَ في اللاطريق
**
اغتسلي يا امرأةً عشِقتْ ريحاً
اغتسلي قبلَ فواتِ الأوان
فربما لم يعُد بعد الآن عاشقٌ
وربما تبِعَ روحاً
حجراً ألقينا في نهرِ الوداع
وضاعَ في القرار
لم يعُد بعد الذي انتظرناهُ
أخذهُ البرقُ وسجّانُ السماء
**
اغتسلي بنهرِ الأحزانِ
ففي تلك الأيامِ لم نعرفْ حدودَ الموتِ
لم نرمِ نحو السماء حجرَ الأسئلةِ
ولم نرشقْ بطلِّ الدهشةِ
طابورَ الأحلامِ
في تلك الأيامِ
كانت الأقمارُ على مقربةٍ من أيدينا
أو على مبعدةٍ من مناقيرِ الطيرِ
في تلك الأيامِ
كنّا بالجَمالِ نحلمُ
فأغوانا نحو قنديل الدليلُ
ولنا تنكّرت عينُ الحمام
اغتسلي بماءِ عينِ الحمام

27 ـ 4 ـ 2008


***
4 ـ العازف في الليل
***
خُذْ مزمارَك واعْتلِ صهوةَ ريحٍ
أو اطلعْ قمّةً ترضع أثداءَ الشمسِ
خُذْ مزمارَك وأطلقْ في الزمنِ الهادئ
صخبَ الأحزانِ
خُذْ وأتحفْنا يا هذا
فنحن إليك عبرْنا جنونَ الغيمِ
وتحت لهاثِ الريحِ وقفْنا
يا هذا خُذْ مزمارَك وزَمّرْ
زَمّرْ يا هذا

8 ـ 12 ـ 2007

***
5 ـ العبيد
***
نحن العراقيين
من سلالةِ مُربي الجاموسِ العظمى
التي انتسبتْ إلى حضارةٍ ليست لها
معدان اللهِ في أرضِ السواد التي
فيها انتشرْنا وتلاقحْنا ودخلْنا مُدناً كبرى
فلوّثْنا البرَّ ونجّسْنا الماءَ
نحن المعدان نزرعُ في الأرضِ أينما حللنا خبثاً وخيانةً
هم رعاةُ بقرٍ
كاوبوي مثلنا تماماً ، دخلوا قارةً وأبادوها
هم مثلنا تماماً
هَمَجُ الدُّنيا
فلنتناسخْ و إياهم نحن المعدان
ولهم نُبدي كرماً ونبسطُ يداً
ولنا
كرماً يبدون و يداً يبسطون
نحن من سلالةِ مُربّي الجاموسِ العظمى
معدان الله في أرضِ السوادِ
هم رعاةُ بقرٍ ، همجُ الله في أمريكا
هم مثلنا.. نحن مثلهم
هم ونحن
نحن وهم
دخلْنا وسخَ التاريخِ

8 ـ 12 ـ 2007
***
6 ـ سفر في بريّة
***
مضت بنا الحافلةُ وصرنا إلى تدمرَ أقربَ
احتوتنا بين ذراعيها بريّةٌ
ثم داهمنا نسيمٌ عليلٌ
ثانيةً دمشق فاتنةً ترقصُ في حضنِ الريحِ
خُذي يا حسناء الغربةِ ياقوتةَ العقلِ
وزهرةً من غصنِ الرّمان
ولوّني بالحمرتين أحلامَكِ الأسيرة
ثانيةً عدن
منفى يتلو منفىً وأعوامٌ تتلو أعواماً
ثانيةً أغاني الجحيمِ
والطرائدُ نحن نصطادُ أرواحَنا التي تسفُّ في عيونِ الشمسِ
نصطادُ بقايانا الطائرةَ
ثانيةً مدنٌ مازالت طيَّ التصوّرِ
وأخرى مُتخيّلة
مضت بنا الحافلةُ وبنا مضى الزمانُ

1984
***
7 ـ النهر العدواني
***
لا ذاكرة لنهرِ الخابور
فالأحداث يجرفُها التيّارُ الغاضبُ دوماً
لم نترك أثراً ، رغم الأعوام ، في كلِّ الوديان
فنحن لسنا من المكانِ وهذا ليس بمكان
لم نترك رائحةً أو حرفاً محفوراً على صخرةٍ
لم نترك رسماً على جذعِ شجرةِ الجوزِ أو البلُّوطِ
إنما نحن في هذه الوديان
وعلى قممِ هذه الجبالِ
تركنا جثثَ موتانا نهباً للطيرِ
أو نسينا أين ماتَ أحبتُنا
مع الخابور لا نتوهّم صحبةً
فالنهر بلا صاحبٍ
منذ الأزلِ النهرُ يمضي وحيداً

1983

***
8 ـ وطن من رماد
***
لم تكن لي فوق الرمالِ بلادٌ
ولا زورقٌ يمازحُ الموجَ
لم تكن لي في السماء نجمةٌ كي أسامرَها
ولا فرسٌ تطيرُ في صحراء
لم تكن لي حوريةٌ تقطنُ قصراً في الأعماقِ
فتغريني إلى عالمٍ مجهولٍ إنما لي
مُخيلةٌ مُجنّحةٌ تطوي المسافاتِ
وفي آخر الليلِ تعودُ بكأسٍ ممتلئةٍ
لم يكن لي وطنٌ في الخيالِ

1983

***
9 ـ في وداع الكلمات
***
سكنتُ الجمالَ وسكنني الجمالُ
لكم سأتركُ المكانَ ممتلئاً لكي لا تسكنه بغضاؤكم
أنا الذي شادَ عالماً من كلماتٍ
بها افتتحتُ البلدانَ والمدائنَ
سأتركُ لكم عوالمَ في الرفعةِ ترفلُ لكي لا تشوّهوا سرائرَها النقيةَ
أنا الذي غنّى للأقمارِ العاشقةِ
لكم سأتركُ نوراً لا يطفئه الظلامُ
لكم عالمكم فاسبحوا به ما شئتم
أنا الذي ارتفعَ بالمكانِ وبه ارتفعَ المكانُ
سأتركُ لكم أرضاً وطيئةً بها تنغمرون

1992

***
10 ـ صديقتي الموجة
***
صديقتي هذا الصيف
عاتيةَ الموجةِ كانت
وكانت عاصفةَ الأنوثةِ
صديقتي هذا الصيف
جاءت بكلِّ جمالِ الدنيا

1992

***
11 ـ أسرار النجوم
***
ما بعد السَّحرِ قمرٌ تعرّى في غفلةِ المدينةِ
هبطَ بمظلةٍ من نسيمٍ
وفوق جسدِ النهرِ حطَّ عاصفاً
موجةٌ عذراءُ أخذتْهُ صوبَ البحرِ
ممتطياً ظهرَها
هناك عند أبوابِ الخليجِ استوقفته شهقةُ الدليلِ
قمرٌ تعرّى في غفلةِ المدينةِ
دخل من ناحيةِ الظلِّ قصرَ الأميرةِ التي
راحت مِن أعلى نقطةٍ في سطحِ القصر تُراقصُ أسرابَ النجومِ الهاربة
أو تقتنص في لحظةِ وجدٍ ضحكةَ عاشقةٍ
قمرٌ دخلَ موكبَ الوصائف اللاتي سبحْنَ في نسيمِ الذاكرةِ
فأدخلنه نحو مخدعٍ يتنفسُ رائحةَ الأنثى في غيابِ الأميرةِ
قمرٌ لم يأتِ سرّاً
فأشرقَ ببابِ حَيْرَتي

23 ـ 12 ـ 2007
***
12 ـ برلين هذا المساء
***
برلين هذا المساء
أنثى في أتمِّ نضجِها
في أعتى شهوتِها
في ذروةِ نشوتِها
برلين هذا المساء
قمرٌ يسيلُ على جسدِه الندى
ذاهبة إلى الفراشِ بلهفةِ عاشقةٍ
بكلِّ الشبقِ الجسدي هي ماضية
بلا استئذانٍ من أحدٍ
برلين هذا المساء
أرقُّ ما في الدنيا
أشهى ما في الكون
برلين هذا المساء

30 ـ 10 ـ 2007
***
13 ـ تلك البلاد
***
البلادُ التي أنجَبَتْنا ولم نسكنْها
البلادُ التي في لحظةِ طيشٍ منّا خاصمتْنا
البلادُ التي بحبِّها جاهرْنا
البلادُ التي للريحِ أسلمتْنا
فأسلمْناها للذبحِ
البلادُ التي عانقتْ منافينا
ولم نُعانقْ منفاها
البلادُ التي بكيناها
والتي تكاثرَ عليها الجزارون
والتي حول رقبتِها لمعت سكاكينُ الموتِ
البلادُ تلك التي ألقينا عليها المراثي
كانت بلادَنا

1991

***
14 ـ عقوق
***
على أثداءِ البصرةِ نقتاتُ ومثلنا
يقتاتُ العراقيون
وفي وعاءِ حليبِها الطاهر نبصقُ
البصرةُ لم تتعلّمْ الزعلَ كسائرِ الأمهاتِ
إنما نحن العراقيين
تعلمْنا الجحودَ كالعراقيين

1991
***
15 ـ اجتهاد
***
في الليلِ تجتهدُ الممرضةُ كي تُشبعَنا نوماً
ثمة مَنْ يوقظُ أحلامَها في الخلوةِ حين ننامُ
في الليلِ ينامُ المرضى قبلَ النومِ
لكي لا يوقظ النومُ آلامَهم

5 ـ 12 ـ2007
***
16 ـ أسئلة مرّة
***
تسهرين
لماذا
وقد أهديتكِ النومَ كلَّه ؟
تسهرين
لماذا
وقد أهديتِني الأرقَ كلَّه ؟

5 ـ 12 ـ 2007
***
17 ـ اعتصام
***

إلى الساحةِ التي اعتصمت فيها العاصفةُ
كفّتِ النساءُ عن المجيءِ
وغادرَ القمرُ
في الساحةِ التي عبثت فيها الرياحُ
اقتنصت أصباحُها الندى

5 ـ 12 ـ 2007
***
18 ـ الباخرة الأمريكية
***
تقولُ الممرضةُ ، مِن أصلٍ عراقيٍّ ، وهي تُشيرُ إلى صورةٍ تُزيِّنُ الجدار :
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ علماً أمريكياً ، فيه خمسون ولاية وولاية من حريرِ تبريز ، وإعلاناً عن ماكدونالد منه يندلقُ لسانٌ وشطيرةُ البقرِ المعروفة " هامبورغر " .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحمل علماً أمريكياً وإعلاناً ممزوجاً بلعابِ أطفالِ أمِّ قصر يكفي لسدِّ الجوعِ المزمنِ في أنحاء البصرةِ فالباخرةُ ألقت في الميناء مرساها .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ فتوىً من مراجعَ عظامٍ ، من آياتِ اللهِ الخمس أو الست لا يهمُّ فالعددُ ليس بيِّناً بعد وعلى صاريتِها تدورُ مع الريحِ كطاحونةِ هواء عمامةٌ سوداء .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ على حيزومِها رُسم بالأسود الفاقعِ علمُ العصمةِ الشيعيُّ وشروالٌ كرديٌّ من نوعِ الجينس الفاخرِ أو مِنْ كتّانِ أصفهان .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ علماً أمريكياً وخطبةَ جمعةٍ مكتوبةً بماء الذهبِ على سيدارةِ خائنٍ استبدلها بعمامةٍ بيضاء سنيّةٍ .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ حطّت توّاً في ميناء أمِّ قصر وفتحت فخذيها لفحولٍ سبقوها في المجيءِ على أعجازِ الدباباتِ .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ فليهنأ العراقيون ، جاءت محملةً بالطاقةِ الكهربائية وقناني الماء وبآبار النفطِ وبنوعٍ فاخرٍ من الشوكولاته الشهيرةِ " ماكنتوش" ، تحملُ مرسوماً من البيتِ الأبيض ينصُّ على توزيعِ الشحنةِ في أعراسِ بناتِ البصرة وعرسانها .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ جاءت تلهجُ بالأسماءِ الحسنى لتنثرَ على أحزانِ الفلّوجةِ بركاتِ السيد ديك تشيني على هيئةِ قطع الكيت كات .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ علماً أمريكياً وشعار إتحاد أدباء العراق يتوسّدُ نهديها فينزل الشِّعْرُ مِن الحلماتِ لبناً مُسكراً ، ممزوجاً برضابِ العَلَويةِ البتولِ كوندي القديسةِ المعصومةِ عند آل حكيم ، آلهة النار الأزلية عند آل برزاني و ملكةِ السِّحرِ والجمال عند أبطالِ مذبحةِ بشتاشان مِن آل طلباني ومَن لفَّ لفَّهم في مضمارِ الخيانةِ ومَن والاهم أو مَن شاركهم غمرَهم المنعش هذا .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ دخلت ميناء أمّ قصر توّاً وجنحت بالقربِ من التماثيل المُفترضة لمحرري العراق العظام الذين تمددوا على أرائك النصر في مجلسِ الحكمِ ، تحملُ لأبنائهم ولأحفادهم من بعدهم رُقىً تحميهم من عيونِ العراقيين الحاسدة .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحمل علماً أمريكياً دخلت مِن بحرِ العربِ بمباركةِ أشقائنا العربِ ، تحملُ بلطاتٍ مغمسةً بزيتٍ مقدسٍ لأعزائنا في شركةِ بلاك ووتر مِن أجلِ تسهيلِ مَهماتهم القذرة على أرضِ العراقِ العربي .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ لنا بلسماً شافياً مِن كلِّ أمراضِ العصرِ كمرضِ شدّةِ الحنينِ الجارفِ إلى العراقِ وحبِّ الأوطانِ والدفاعِ عن الأرضِ والذودِ عن العرضِ والاستماتة من أجلِ الكرامةِ والعزّةِ والشرفِ والدفاعِ عن حياضِ الأمةِ وكلّ هذه الأمراض التي لا قيمة لها سوى المعنى .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ علماً أمريكياً وشحنةً كبيرةً من لقاحاتٍ معقمةٍ لأهلِ عرب العراق .. أكررُ لعربِ العراق .. أكررُ لعربِ العراق .
هذي باخرةٌ أمريكيةٌ تحملُ علماً أمريكياً وفوق صاريتها يتنطعُ كالقردِ تمثالٌ فهل نسألُ الرّبّانَ عن صاحبِ التمثالِ أم نسألُ المثّالَ عن تمثالِه ؟ نسكتُ . سكتْنا ولم نسألْ أحداً واكتفينا بالخيراتِ التي جلبتْها مِن أجلِنا باخرةٌ عبرت القارّاتِ ، فمرحباً سيدتي الباقرة .. سيدتي الباخرة .. سيدتي الفاجرة .. مرحباً سيدي الرّبّان .

الثلاثاء 5 ـ12 ـ 2007 مستشفى الشارتيه

***
19 ـ مُهاجر
***
أنا مِن قافلةٍ أدمنتِ الرّحيلَ
أدمنت طريقَ النجومِ

5 ـ 12 ـ 2007

***
20 ـ أنا الريح
***
أنتِ عاشقةُ الرّيحِ
لا شيء في قبضتِك حتى الآن منّي
أنا الريحُ التي لا تعرفها الجهاتُ
بلا جدوى وراءها تسافرين
وتلهثين
أنتِ سيدةُ العشّاقِ حين تولعين وحين تُنجمين
أنتِ أُبّهةُ الحبِّ حين يتصدّرُ الدنيا

5 ـ 12 ـ 2007
***
21 ـ وطن الغوغاء
***
يا للدهشةِ هذا السّوقيُّ انْتَخَبَتْهُ الغوغاءُ
هذا المُرابيُّ قادَ إلى الهلاكِ بلاداً
يا لسوء طالعِ العباد
هذا المُتخمُ حوله اجتمعَ أشباهُ رجال فمِن أخلاقِ الرجال
أنْ تواجهَ الخصومَ
ومِن كرمِ الرجال أنْ لا تستأجر لغريمٍ غريباً
يا للدهشةِ هذا وطنٌ يزحفُ نحو قبابٍ على ركبتيه
يا للوحشةِ ما أبخسني
حين عليه نزفتُ حنيني

5 ـ 12 ـ 2007
***
22 ـ شيء ما طوّقني
***
شيءٌ ما يعومُ في النهرِ لا يشبهُ كلَّ الأحياءِ المائيةِ
ليس سمكةً أو حوتاً وليس تمساحاً أو قرشاً
النهرُ السادرُ نحو منفاه الأخيرِ في ولهٍ شديدٍ لا تعنيه
رائحة الأجسادِ الغريبةِ ولا أوزانها ولا يسألُ عن وجودِ غريبٍِ يوماً
النهرُ شاحنةٌ عظمى تحملُ كلَّ الأشياء
إنما شيءٌ ما مازال غريباً على أنفاسِ المخلوقاتِ
يعومُ بسخريةٍ منّا نحن الرقباء
يستفزنا بوقاحةٍ فادحةٍ
فجأةً تعثّر النهرُ وعن الجريانِ كفَّ
فجأةً جفَّ النهرُ وصار أخدوداً في الأرضِ غائراً
فجأةً ماتت كلُّ الأحياء
إلاّ الشيء ظلَّ على اليابسةِ يعومُ
ثمة مسٌّ أصابنا حين علمنا أنه شربَ النهرَ كلَّه

5 ـ 12 ـ 2007
***
23 ـ أجواء
***
مُطَيّنة سماء برلين
لا تعرفُ غيرَ اللونِ الرماديّ
وأحياناً تعرف لوناً أزرق
طقسُ برلين لا تفكُّ طلاسمَه الأزمانُ
هذا طقسُ المحّاراتِ السوداء
هذا طقسٌ للضياعِ

5 ـ 12 ـ 2007
***
24 ـ ندى النَّفس
***
في مستشفى الشارتيه
يبدو العالمُ جافّاً
إلاّ أنا
أظلُّ مُبللاً بالحنينِ

5 ـ 12 ـ 2007
***
25 ـ فتوّة
***
في مستشفى الشارتيه
كلُّ الردهاتِ طاعنةٌ في السّنِّ
إلاّ ردهتي مازالت فتيةً

5 ـ12 ـ 2007
***
26 ـ رغوة
***

الطبيبةُ الفاتنةُ
التي استنزفت شبقَ زميلِها الأفريقي
الطبيبةُ الألمانيةُ الساحرةُ العينين
والتي اغتلمت منذ يومين
أطلقت ساقيها هذه العاصفة نحو الجذورِ

6 ـ 12 ـ 2007
***
27 ـ سائق الشاحنة
***
السيد فايس بيرغر سائقُ الشاحنةِ وصديقي المُفترض هذا اليوم ، جُنَّ البارحةَ وغادر المستشفى ليلاً .
ارتدى أجملَ ثيابِه وتعطّر بعطرِ جيز ثم حملَ حقيبةً تحتوي على أشياء مهمةٍ لديه : روايةٌ تجاريةٌ يتباهى بكبرِ حجمها ، ملابسُ داخلية ، بضعةُ قمصان ، بنطلون إضافيّ ، بيجامة صفراء ، أدواتُ حلاقة ، منشفة واحدة ، قنينةُ ويسكي قال سأمصمصها في البيت.
السيد فايس بيرغر افتعلَ مع الممرضةِ شجاراً
حين ودّعني غمزني : هذه أخلاقُ سائقي الشاحنات
نسيتُ أنْ اذكرَ أنَّ السيدَ فايس كان في الثامنة والستين .

6 ـ 12 ـ 2007

***
28 ـ جليد
***

إلى المستشفى لا تأتي المُغنياتُ
فلقد انطفأ في ألمانيا زمنُ الغجر

6 ـ 12 ـ 2007

ِ ***
29 ـ شهوة
***
بائعةُ الوردِ في بابِ المشفى
أحلى من الوردِ وأشهى

6 ـ 12 ـ 2007

***
30 ـ بذخ
***
في السوقِ الكبيرةِ
ما بعد بيتي ببيتين امرأةٌ تبيعُ رائحةَ القهوةِ بالفنجان
اليومَ اشتريتُ القهوةَ وفنجانين
ودعوتُها هذا المساءَ لشربِ القهوةِ
قالت حين تقرأني لن أقرأَ فنجانَك

6 ـ 12 ـ 2007

***
31 ـ الصنّارة
***
السمكةُ التي لبطت في صنّارةِ الصيّاد
لم تكن نهريةً
فالنهرُ فوجئ بها
السمكةُ قالت حين سُئلت :
ضيّعني الدليلُ .

6 ـ 12 ـ 2007
***
32 ـ رقّة
***
الفتاةُ التي جاءت لزيارة جدِّها في مستشفى الشارتيه كانت تغطّي الكونَ جمالاً. قالت :
كيف تراني ؟
قلتُ :
مثلك لم ترَ الأكوانُ

6 ـ 12 ـ 2007
***
33 ـ مُشرقة
***
إنْ وضعتْ قدماً على الطريقِ
أينعت ورودُ المدينةِ

6 ـ 12 ـ 2007

***
34 ـ هجرة
***
في حديقةِ المستشفى تُهاجر المصاطبُ شتاءً
وتبقى الحديقةُ التي
ستعودُ إليها المصاطبُ ذات صيفٍ

6 ـ 12 ـ 2007
***
35 ـ وجه في الغياب
***
وجهُ الشاعرِ الذي تجلّى بعد رحيلِه في سماء الكسندر بلاتس
لم أعثرْ عليه في اليومِ التالي
لكنني رأيتُه عند الظهيرةِ
في سماء بغداد
من على شاشةِ التلفزيون

7 ـ 12 ـ 2007

***
36 ـ رائحة غريبة
***
السيدة الفاجرة لم تأتِ منذ أمدٍ بعيد
إنما وجدتُها في صندوقِ البريدِ مراراً
ثمّة رائحةٌ تعبقُ منها في كلِّ مكان

7 ـ 12 ـ 2007

***
37 ـ دخول
***
طرقتْ البابَ
كانت باذخةَ الخجلِ
مثلما هي باذخةُ الجمال

7 ـ 12 ـ 2007
***
38 ـ المغولي العظيم
***
شحبَ وجهُ الطريقِ والشمسُ تخفي عورتَها تحت غلالةٍ مِن دهشةِ النخلِ وعلى الكَتفين تُرخي مِن فيءِ الصّباحِ شالاً ممزقاً . شحبَ وجهُ الطريقِ ونحن نستدرجُ أخيالاً مِن وهمِ عودتِنا نحو بحيراتٍ سماويةٍ كلّ ما فيها يباب ونهمهمُ : هنا ارتوي وارقصي يا خيلَنا النافقة .. ثم نُطلقُها صوبَ أشواقِنا الملتهبة فيُبردها اللقاء .
منذ الليلِ جئنا
نَطرقُ باباً في " بابِ سليمان"
نرى النخلَ في صفحةِ السماءِ يُبحِر
يسبحُ في المرايا
وعلى امتدادِ المدى يَحرِسُنا النّجم
في الليلِ جئنا
تُخَضِّلُنا الذاكرةُ التي على أكفِّها تفتّحت زنابقُ الهُيام
جئنا نُعْلِنُ ، أمامَ الوجهِ القرويّ الغارقِ في الحلُمِ ، الرغبات
وبه نهتفُ :
أيُّها المغوليُّ الكئيبُ خُذْ " مومسَك العمياء "
وعن ديارِنا فارحلْ
هذه أرضٌ لم تخترْ أفراسْياب* مثلَ روحٍ شرّير
أيها المغوليُّ لنا بقعةٌ أخرى بها عاثت " دوندي سلطان "** فساداً حين اغتلمتْ وحين أطلقتْ فجورَها المشهور : قتلتْ ولداً وكسرتْ جيشاً عربياً ثم ارتقتْ أقصى أكتافَ الذروةِ.
يا للشهوةِ العارمة !
سقطت في وحلِ الإمارة
أيها المغوليُّ ارحلْ
خُذْ عشقَك العربي وارتحلْ
خُذْ الغَزَلَ والغَزَالَ وفتاةَ المبغى
خُذْ سحرَها البرونزيّ وريقَها المُسكر
" كالقمحِ لونك يا ابنة العرب ،
كالفجر بين عرائش العنب "***
و ارحلْ أيها المأزوم
خُذْ انتماءك الرّوحي زاداً للرحيلِ جميلاً
فنحن ـ ما أجملنا ! ـ عاشرْنا سلالاتٍ نامتْ على أسرتِنا وبالتْ على تأريخِنا:
ايلخانيون
جلائريون
بويهيون
صفويون
عثمانيون
ثم عاطلون و متسكعون على أرصفةِ الدولةِ الأعظمِ أمريكا
سلالاتٌ حَصَدَتْ في أرضِ السّوادِ نصرَها الأكبر
وعلى التابعين أغدقتْ ما درّت عليها السّيوفُ
في الليلِ نأتي
نفترسُ بعيونِ الذئابِ طريقاً
وندخلُ الغابةَ
نُطالبُ المغوليَّ العاشقَ بالرّحيلِ ويَرْحَل
كان النّخلُ على أنفاسِ أبي الخصيبِ المُتْعَبةِ ساهراً
والتمرُ كان لصاحبِه الطير وفياً
سيأتي البُلْبُلُ الغرّيدُ فجراً
سيأتي مِن غزوةٍ فتكت بالعاشقةِ الأشهى
ومِن تَمْرَةٍ مجهولةٍ لنا سيشربُ خمرتَه
سيُغني الفاسقُ ويبددُ الصّباح
ونحن في الليلِ جئنا
نطرقُ باباً في " بابِ سليمان "
نحن بلا دليلٍ وصلْنا
أحدٌ لم يُرشدْنا
ومِن أحدٍ ما قَبِلْنا المشورة
فزنابق الذاكرةِ تفوحُ ليلاً
وصدورٌ لنا بالقولِ تختلجُ :
في عيني السياب المغوليتين لا تنظرْ
احذر .. احذر
فالسيابُ عربيُّ الهوى وهو رجلٌ عاشق
في أنفِه شَمَمٌ
وللمغوليّ منخارٌ أفطس
منذ الليلِ جئنا نَطرقُ باباً في جيكور
طرقْنا .. طرقْنا
حتى عصفَ في المدى يأسُنا
سمَعَنا الراكبُ سحابة
والعابرُ في الرّيح
سمعَنا الموجُ السادرُ وأعماقُ الماء
سمعَنا القاصي والداني
إلاّ السياب أعظم المغول
لم يسمعْنا
إلاّ السياب أعظم الشعراء
لم يسمعْنا

27 ـ 1 ـ 2007

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أفراسْياب : هو أفراسياب بن أحمد بن فرخشاد بن أفراسياب بن سنادست كان كاتباً للجند عند والي البصرة علي باشا الذي عجز عن دفع رواتب الجند فباع الولاية لأفراسياب بثمانية أكياس من الذهب وأسس هذا الأخير إمارة في البصرة حكم فيها هو من الفترة 1596م ـ 1603م. وأفراسياب بن بشنك سبط تور بن فريدون بن ابثين روح شرير في الأسطورة الفارسية ورد ذكره في الشاهنامة .
** دوندي سلطان : هي بنت السلطان حسين الجلائري .. امرأة محبة للرجال حكمت البصرة مع ابنها أويس في 1411م ثم دبرت مؤامرة ضد ابنها وانفردت بالحكم حتى العام 1419م.
*** من قصيدة المومس العمياء

***
39 ـ الشاعر المطر
***
في مقهى يشرفُ من برجٍ في برلين
على أسرارِ المدينةِ
جلسَ الشاعرُ يحدِّقُ في المدى البعيد
بالقرب منه مرّت غيمةٌ فتيةٌ ممتلئة الأنوثةِ
همست بأذنِه فتعلّق بها وغاب
بعدئذٍ لا ندري أين أمطرتْه تلك الغيمةُ
ثمة مَن يقول:
هطلَ فوق أرضٍ يباب !

28 ـ 1 ـ 2007
***
40 ـ طائر السَّحر
***
أنا طائرُ الأسحارِ العاصفةِ
تأخذني نشوةٌ في الريحِ
وضحكةُ نجمةٍ آفلةٍ
أنا طائرُ الأسحارِ الفاجرةِ
أبحثُ عن أيكةٍ في شموخِ الشجرِ
عن خَلوةٍ للبهجةِ العاتيةِ
أنا طائرُ الأسحارِ العاشقةِ
لا وقت عندي للنزولِ
فاتركوني مُحلِّقاً

29 ـ 1 ـ 2007
***
41 ـ شبق
***
لشجرةِ الرُّمّانِ شهوتان عارمتان في
خضرةٍ فاجرةٍ
وفي زهرٍ شبقيِّ الحمرةِ
يتسكعُ في حارةِ الشعراء

1984
***
42 ـ لسنا سبياً
***
على مياهِ بابلَ لن نبكيَ أقداراً بها تحكّم الغرباءُ
أو أحلاماً ضاعت في البرّيِّةِ
لن نبكيَ معابدَ بأنفاسِ الغزاةِ توشّمت
لسنا أساراكم ولا مِن سباياكم
ونبونيد نام في جنائنه المخمليةِ نومةً أبدية
نبونيد أخذ قرصاً مهدئاً
كأساً قاتلةً
ونحن مِن قمحِنا أخذنا حفنةً وإلى أرضِ السوادِ لم نعُد
تهنا في المفاوزِ التي
في سرابِها الجميلِ تجلّت البغيُّ أستير
نتناوبها كلّما عَوَت أوساطُنا
وقتٌ مضى ونحن نستعجلُ اللقاء
ونُدْني مِن جمرِ المواقد قلوبَنا
هذا هروبُنا المُبَجّلُ ، الأزليُّ
نحن كرماء الزمانِ
هذي عودتُنا الزاهية
26 ـ 12 ـ 2007
***
43 ـ قمرُ الشارتيه
***
قمرٌ مُتَبجحٌ
قمرٌ يزدريني فلا ازدريه
هذا قمرٌ مخبوزٌ لأنوثةٍ مُتَدفقةٍ
آتيةٍ مِن شرقٍ أصيل

***
تحت قمرٍ عاشقٍ جلسْنا جمعاً ومِن حولِنا خيامٌ نتوزعُها ، إنْ أردْنا ، فرادى ، ولمّا بنا يصرخُ القمرُ ننزو على خيمةٍ في الجوارِ تنزو على أخرى في الجوارِ . كنّا بشرَ الإباحةِ في فيافي الإمتاعِ لا نفهم غيرَ ديمومةِ اللذّةِ فتركْنا الحالَ واصطفينا ملاذاً في الهواء .
الليلةَ جمعاً خرجْنا تحت وعودٍ راقصةٍ
الليلةَ استقبلنا النسيمَ
في طريقٍ سالكةٍ
امتشقْنا منها جانباً وأصحرْنا
بهم أصحرتُ
أنا المفزوعُ المُرَصّعُ بالشموسِ الجنوبيةِ ، بالأصدافِ والأسماكِ المُملّحة . أنا المُهلهلُ في الصادحاتِ ، المُغَيّبُ تحت الأضواءِ لا أروق لأحدٍ ولا يُقربني أحدٌ كأنني ابنُ المَهْلَكة . أنا النائحُ المجنونُ العابرُ في صحاريكم .

28 ـ 12 ـ 2007
***
44 ـ أتوسلُ نداك
***

على صخوري الرشيقةِ أنزفي بعضَ هواك
فمِنْ عليها سوف تنبجسُ وردةُ الروحِ
من كلِّ مسامٍ أنضحي نداك
فأنا لدمعةٍ منه أتوسلُ
أسكبي إنْ شئتِ
على لهفتي ماءً ليس مُبترداً
ولنحترق متعةً أول العام

1 ـ 1 ـ 2008
***
45 ـ وداع
***

اذهبي لستُ آسفاً عليك أيتها السنةُ الحاقدةُ
اذهبي ومِن الذاكرةِ انطفئي
مني أخذتِ كثيراً
صادرتِ زمناً
وأوقفتِ ما استبدّ بي مِن حنين
أيها العامُ فارحلْ
لُعنتَ مِن خاطر

1 ـ 1 ـ 2008
***
46 ـ وليمةٌ في ريح
***


في شرفةٍ تجهشُ فوقها شهوةُ الذاكرةِ أوْلَمْتُ
تحت زهوِ سماءٍ مُتَبَرِّجةٍ تتلمظُ أقمارُها شبقاً أوْلَمْتُ
للطيرِ الآبقِ أوْلَمتُ
وناديتُ : أيُّها الطيرُ السادرُ في الحَيْرَةِ تقدمْ
ها هي شرفةٌ أسلمتْ نفسَها للريح
سيأتي الطيرُ الضال يا سيّدَ الوليمة
مِن شرفةٍ سبحتْ في ليلٍ ضاحكٍ ، أسْرَيْنا
بلا متاعٍ لأحلامِنا الصغيرةِ رحلْنا
حتى إذا أخذتنا ما بين عدنٍ وحضرموت المسافة
وتوسّطنا عُريَ الطريقِ
استوقَفَنا ، بالقربِ مِن خرائبَ عاد ، عشقٌ
فصرنا نمسحُ برائحةِ البحرِ جسدَ الصحراء
وحين اشتدّت بنا الرغبات
صلّينا ، ولم ننسَ ، صلاةَ العُشاقِ
ثم مع هبوبِ النّسيمِ تَوحّدْنا
هنا بالقربِ مِن أنفاسِ التواريخِ احتَطَبْنا الهُيام
وفوق زهرِ الذاكرةِ
سكبْنا أمام البرّيّةِ عطرَ الكلام
هنا تحت طلٍّ مُتساقطٍ مِن سقفٍ سماويٍّ
انفرجت لتهويمة القمرِ شفتان
ومِن حيائه تجرّدَ نهدٌ
هنا ما بين عدنٍ وحضرموت
ارتشفْنا مِن كأسِ الندى
عذوبةَ الليل

26 ـ 2 ـ 2008
***
47 ـ فقدان ذاكرة
***

لعشرينِك الشاهقاتِ تعود
تطرقُ أبوابَ البصرةِ وتدخل
تعودُ لليلٍ أنتَ فيه نجمةُ الميزان
أما زلت تحلُم بعد ؟
وحين ينكرُك القريبُ
هل تُوقِفُ مسير الذّاكرة ؟
**
منذ انبثاقِ الماء في جسدِ البوادي
منذ النطفةِ الأولى
منذ الصرخةِ الأولى
و الدمعةِ الأولى
منذ خلقِ الكوابيسِ وأنتِ تُخَرّبين
يا بصرُ ضاعَ
في زحمةِ المنافي زمني
وانطفأ يا بصرتي العمرُ
12 ـ 04 ـ 200
***
48 ـ إغواء
***

إنْ أغريتني بفردوسِك الموعود
وتركتَ في الفراشِ حوريةً
تظلُّ تُغويني بالدخولِ إليه
اخبرْها أنْ تتركَ سقفَ البابِ عالياً
فأنا لن أدخلَ محنيّ الظهرِ

6 ـ 3 ـ 2008
***
49 ـ خليل السّحاب
***

خُذْني يا هذا المجنون
إليَّ اجلبْ هولَ البرِّيّةِ
وبلهفتي اعبرْ ليلاً مِن خوف
خُذْني غيمةً في ريح
في متاهةِ ليل
خُذْني أيها المجنون
إلى بحارٍ باسمِك تلهج :
هو ذا طائرٌ مسحور
يسري في ليلٍ
خُذْني وهذا الليل
خُذْني وهذه الوحشة
وحين تمرّ مِن فوق شجرةٍ تشمخُ وحيدةً في فضاء
تنهضُ عاريةً في يباب
حاولْ أنْ تتمهّل
خُذني
فها نحن لا نرى غيرَ سرائر الأشياء
قُلْ قولةَ كريمٍ
ثم مرني :
اهطِلْ
اهطِِلْ يا هذا
لتُقبلْ كما السماء
أنتَ المُلَبّدُ بغيومِ القبيلة
للحَيْرَةِ يا طائرَ الرّحيلِ طربتُ
أنا الذي لم يطربْ لحظةً طربتُ
ولعودتِك يا أسيرَ الرعودِ يوماً ما طربتُ
لأيِّ نداءٍ ما طربتُ
لكني لحكمةٍ خارجة مِن أفواهِ الطيرِ طربتُ
فعانقتُ يا ربَّ الأسفارِ شبحي و هتفتُ :
يا هذا الطيرُ المسحورُ ، المجنون
أنا ومضةٌ تُضيء الليل
برقةٌ أنا أجهشت ذاتَ غياب
فانكشفت أسرارُ المدينة
يا طائرَ الرحيلِ
يا عاشقَ البروقِ
أيّ الهمساتِ التي جُنّت أنا ؟
أهدرَها الصحبُ
وعليها لم يأسفْ خِلٌّ
و الأبناءُ
سيندمُ ، بعد لأيٍ يا هذا المسحورُ ، الأبناءُ
نسمةٌ عليلةٌ أنا
هبّت ذاتَ صيفٍ وضاعت في سموم
نجمةٌ في سماء البلادِ
اختلجتْ عند مساءٍ نديٍّ وغابت
أهملَها الأهلُ
وأنكرَها الأغراب
قمرٌ أنا يا طائرَ الجنونِ
قمرٌ غريبٌ حطّ على دهشةِ أبوابٍ غريبة
هل تراني يا صريعَ الرحيلِ طروباً ؟
وأنا لستُ الطروبَ يا هذا المسحورُ
و كأسي شاخت وشحّت خمورُها
فاصحبني إنْ شئت
وخذني للطريقِ رفيقاً

10 ـ 4 ـ 2008
***
50 ـ حورية النهر
***
امرأةٌ ارتدتْ نهراً
فاضطربَ مِن حولِها الموجُ
امرأةٌ مِن فرطِ عشقِها
ابتلعت شطَّ العربِ
وطلبت عصا موسى
قالت اعبرْ مِن تحت العصا تنجُ
امرأةٌ بادلتني الصمتَ
فضعتُ في تفاصيل الكلامِ

1991
***
51 ـ أشياؤنا
***
هي أشياؤنا التي أُهمِلتْ
تركناها مُعلّقةً على أسيجةِ العراق
لشجنِ العراءِ تركناها ولفح الرياحِ
لم نَعُد نسألُ عنها
وعنها لم نُسأل
أشياؤنا التي كانت يوماً ثمينةً
لم نودِعْها في بيتٍ
ولم تضمها حقيبةُ الرحيل
أشياؤنا التي استصرختنا ذاتَ جحودٍ
مازالت تتذكرنا
مازالت تسألُ عنا
أخبرَنا عنها الوافدون

الثلاثاء 27 ـ 5 ـ 2008 مستشفى الشارتيه
***
52 ـ تحليقٌ أثيريٌّ
***

مُحلِّقاً في سماواتٍ بعيدةٍ
أبحثُ عن مثيلٍ عاشرَ كوكباً همجياً
فابتنى له هذا قصراً مِن نور
مُحلِّقاً أحملُ بحاراً فيروزيةً
وسفائنَ مِن ياقوت
وأصيحُ بمثيلي :
يا هذا ابتن لي كوخاً
مِن حجرٍ كريمٍ
أو تأخذ أحمالي هذي لسيِّدك السماويّ هدية

27 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
53 ـ حبيبتي والصمت
***

أنتِ دهشةُ الصباح
أنينُ ياسمينةٍ مُغمّسةٍ بالندى
صمتُ فيءٍ صيفيٍّ في ثراءِ الحدائق
أنتِ اللهفةُ الأولى إلى صدرِ حبيبٍ
أنتِ أعزُّ إشراقةٍ
من شمسٍ عزيزةٍ
أنتِ تَنَهُّدُ النسيمِ في وجهِ المُتعبِ
أنتِ
ما أنتِ ؟
أنتِ خياري الجميل

الأربعاء 28 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
54 ـ وفاء متأخر
***

في العراق البهيِّ غصناً ما زرعتُ
تحت أشواقِ الحديقة
ولا نزلتُ نحو الجذورِ قطرةَ ندى
ولا قبّلتُ لزهرةٍ خدّاً
به الشمسُ تنبهرُ
في العراقِ المشاكسِ نهطلُ عليه زمناً مِن شتائم
في الليلِ مرّةً وفي النهار مرّات
وفي طريقِه نضعُ العصا
أو نرمي العجلات
في العراقِ الخالدِ منذ الأزل
نعاتبُ صيفَه حين لا يعجبُنا
ونلومُ الشتاء
وهو المُتسامحُ أبداً
يسمعُ الغيظَ ويضحك
في العراقِ الذي خسرناهُ
والذي خسرنا إلى الأبد
فقدْنا لغةَ التفاهمِ بيننا
في عراقِ الأحزان
وجدْنا المسرّةَ متدليةً بحبلٍ
من فوقِ أعلى منارةٍ في بغداد
في عراق الأرامل
لم نجدْ ضحكةً في طريق

الأربعاء 28 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
55 ـ امرأتي
***
عاصفٌ هذا الليلُ
باذخةٌ هي الذّاكرةُ
و ساعاتٌ بدونِك لا تمرُّ
أنتِ زهوي القادمُ بكلِّ جلالِ الحبِّ
أنتِ صوتي المُنبعثُ في البريّةِ
ولحني الرشيق على جسدِ الكلمات
أنتِ ذاكرتي العابثةُ في المكانِ الذي به مررنا
ذاتَ زمان
صبواتي الجميلاتُ أنتِ
وخلجاتُ نَفْسي المتمردة
طبيبُ روحي الماهرُ أنتِ
ومِن دونك لا يطيبُ عيشٌ
آه أنتِ
في غيابِك لا قمر يدرجُ في سماء
ولا موجة ترتدي البحرَ ثوباً للمساء
أنتِ .. أنتِ .. يا أنتِ
يا وردةً مِن عواطف لم تعرفْها الحدائقُ بعد

الشارتيه 28 ـ 5 ـ 2008
***
56 ـ شجنٌ شخصيٌّ
***
أنا المُشاعُ في كلِّ المنافي
الموزّعُ بين القبائل
أنا المُطْعَمُ للموجِ وأحياء البحرِ
المنثورُ في كلِّ صحاري الدُّنيا
أنا النارُ المُضرمةُ في رأسِ جبالٍ
لم يصلْها الطيرُ المُعاند
أنا ابنُ النخلةِ التي أعطت تمرَها والفسيلَ
ثم اكتفت بأنينِ ليل
أنا العابثُ بقلبِه فأسلمه لمَن لا يعرفُ وفاءَ القلوبِ
أنا الذي ضيّع نفسَه وضاع
أنا المُرتجفُ الليلةَ على سريرِ المرضِ في مشفى الشارتيه ببرلين ، وحيداً بلا صديقٍ أو رفيق كأنني ابنُ الأسيرة .
أجل .. أجل
أنا ابنُ الكسيرة

28 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
57 ـ اليمامة
***
هي توأمي الأجملُ منسوجةٌ من عبير
هي ابتداءُ الكلامِ إنْ أردتُ الكلامَ
وهي جُنحي الذي به أطير إن نويتُ الرحيل
هي قرنفلةُ القلبِ إنْ عُبثَ به أطلقَ الرحيقَ
تأتي عَبْرَ محطّاتِ الشّرقِ ببطاقةِ طريقٍ واحدةٍ
ليس فيها أملٌ في عودة
تعلنُها أمامَ المحافلِ : هذه بطاقةُ الرحلةِ
ومزقتْ ما كان فيها من كلام
أنا ذاهبةٌ لسيِّدِ الأحلام
هي قلبي الذي بعاطفتِه أتلفَ نفسَه وحيَّر الحكماء
هي نفسي الحائمة
التي لا تحطُّ على بيتٍ أو شجرة
هي لغتي الهائمة

29 ـ 5 ـ 2008

***
58 ـ مدينةُ السِّحر
***
لمّا البصرة استضافت الأنهارَ
أَولَمت لها في صحراء الرؤيا
على نارٍ أضاءت ليلَ البحارِ
هي البصرةُ ملكةُ الكبرياء
سيدةُ الكرمِ الأرضي
أمّ السِّحرِ والأساطير
هي المدينةُ التي عبقت رائحتُها في الأقطار
امرأةُ الدفءِ القاري
عشيقةُ الرّحالة
عذراء الدُّنيا هي البصرة

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***
59 ـ غريبان كغرابين
***
بالقربِ مِن مِهبطِ الطائراتِ في مشفى الشارتيه
وعلى ممرٍ كأنه بالوجودِ يضيق
التصقتْ بفحْلِها مرمورةٌ تركية
هنا في الخَلوةِ القسريةِ تُغادرُ العيون
وينامُ صاحبُ البرجِ
هنا
بالنارِ التحفي يا امرأةً للنشوةِ
غادر زوّارُ المساء
وأنتِ ما تبقّى مِن حمرةِ الشمسِ تحطبين
تحت فرحِ أشجارِ الكستناء
بفحلِك التصقي
مثلَ غُرابين في أعالي الكستناء
مثلهما يتعاشقان
وأنتِ عاريةُ الفخذين بالخصرِ تتشبثين
يا امرأةَ الشهوةِ
خُذي فأرَكِ الجميلَ تحت إبطِ المساء
اعبري به حدودَ العزلةِ
ارتشفي ما شئتِ الليلةَ
واجعلي الأجسادَ تلتحم
بالقربِ مِن مدرجِ الإنقاذِ يزدحمُ في الأعالي نعيق
وتحت الكستناء يُدرُّ الحليب

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
60 ـ اعتذار لابنتي
***

هو الزمنُ يا بُنيتي مَن ألقى بنا في هذي المنافي
فاعذريني لو تركتُك في منتصفِ الطريقِ
هو الوطنُ الذي كلّما مددنا له يداً راح يبتعدُ
يا بُنيتي هذا وطنٌ مسحورٌ كأنهُ السراب
وحين رأيتُ يا بُنيتي البشرَ في أوطانِهم يمرحون
رأيتُ الوطنَ في قلوبِنا يمرحُ
نحن يا حبيبتي لا نسكنُ وطناً
بل فينا يسكنُ الوطنُ
اعذريني يا حبيبتي لو
تركتُك في منتصف الطريق

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***
61 ـ مساء بَصْريٌّ
***

خَضِلٌ هذا المساء
النهرُ في أتمِّ فحولةٍ
والبصرةُ خرجت في أعقابِ المشهدِ عاريةً
هو الشَّطُّ فانزلي
أو أعيريني هذا العُرْيَ
لأغويَ ، بفتوتي ، ملائكةَ الموجِ
ولتندلعَ بوجهِ الرِّيحِ حرائقي
فأنا تعلّمتُ ، منذُ انبثاقِ الفسيل ، الغوصَ بقلقي نحو الصهيل
تعلّمتُ أنْ أدْمنَ الحكايا ورائحةَ السمكِ المسحورِ وشيئاً مِن عبيرِ الطينِ
تعلّمتُ أنْ أزرعَ لؤلؤةً في جسدِ قوقعةٍ شبقيةِ النّزعةِ غريبةِ التكوين
وعن حوريةٍ اغتصبها دليلُ المَرْجان ذاتَ رقصةٍ همجيةٍ فاحشةٍ،
قصَّ علينا الماءُ مِنْ نسجِ الخيالِ وقال :
كانت في ذروةِ الشّوقِ تبحثُ عن عشقٍ ضاع في القرارِ
ثم بصق في زيقه الفضفاض خوفاً من الغِيْبةِ وأضاف :
كانت مشبوبةً استغفرُ الله
في تلك الأثناء اندلعَ كومٌ مِن رذاذٍ
لسانُ نار
مُتْعَبٌ أنا هذا المساء
وتلك سويعاتٌ معطوبةُ المعنى ،
عبّتْ بشغفٍ أُسطوريٍّ ما تبقّى مِن الظلالِ ومَضَتْ
إلى آخرِ القعرِ في هذيانِ الكأسِ مَضتْ
تبيعُ الهوى في ليلِ القيعانِ
يا زهرة الكأس الكريمة لا تتعرقي
يا أديم الكأسِ أنّا مازلنا في محرابِ الشّتاء
اشربي ما استقرّ لديك مِن خلاصةِ الوجدِ
اثملي .. فتلك سويعاتٌ مترنحةٌ
ثملت وعاثت باشتياقي
مَنْ يُعيرُني صحوتي ؟
مَنْ يُعيدُني إلى أولِ المشهدِ ؟
مَنْ يُدني مني زورقي المعطوب ؟
مُتعَبٌ أنا الليلة
وقبل المساء سأغيِّرُ هندامي
سأستقبلُ ثياباً مِن عطر جاء بها النسيمُ
تلك سويعاتٌ سكرى
تلك ضفافٌ نشوى
وهذه الكأسُ لا تعرفُ مِن أسراري
غيرَ ما يعرفُ القرارُ عني
وما توحي به حركةُ الشّفاه في لحظةِ اشتياق :
بضعُ كلماتٍ تأتي كأنها مِن غورٍ سحيقٍ تأتي
بلا رائحةٍ شهوانيةٍ أو طيفِ رحيقٍ تأتي
طاب نسيمُك أيها المساءُ
تنهّد في صدرِ المشهدِ طلٌّ وقال :
الندمانُ شجرٌ في العراء
الندمانُ توزّعوا تحت نجومٍ كثرٍ في آخرِ العمرِ
آه لهذا المساء
مُتعبٌ أنا هذا المساء
لا عطر يفتك بغَيبةِ روحي
لا دعوة تغويني لاعتناقِ شبحٍ زار المخيلةَ
لا أنا أدمنتُ الخيالَ
آه لهذا المساء
ودون البصرةِ أوصدتُ نوافذي
وسرّحتُ بوجهِها كلَّ أبوابي
ثم شمختُ مُكابراً
هي غلطةُ الأجدادِ غلطتي
مَن يُعيرُني صحوتي ؟
مَنْ يبعثُ في شهدي الكلامَ حتى أوزعَه وخبزَ النّهارِ ؟
يا لهذا المساء
وقد انزرعتْ ، تحت قدميّ المستقرتين فوق جرفِ المشهدِ ،
بضعُ نرجساتٍ يتضوعْنَ عشقاً
وينشدْنَ لوعةً :
ها قد دبَّ الخصبُ
يا بنات الحيِّ
يا أسيرات الظلالِ الطيبة
خُذْنَ مِن الرحيقِ جسدَهُ العاري واعبرْنَ الأزلَ
ضَجِرٌ أنا
والبصرةُ في أعقابِ المشهدِ عاريةً تجوبُ الأنحاء
خُذي مِن كأسي رشفةً لعلّكِ مِن الجنون برئتِ
لعلّكِ مِن نبيذِ الوجدِ سُقيتِ
لعلّكِ بددتِ الحزنَ الكامنَ في زهوِ المكان
ضَجِرٌ أنا هذا المساء
فمَنْ يطعنُ غيمتي بضحكةٍ عابرةٍ ؟

12 ـ 9 ـ 2008
***
62 ـ سؤالٌ افتراضيٌّ من ابني
***

لو سألتني يوماً يا بُني
لو أطلقتَ عاصفةَ السؤالِ :
لِمَ نحن في الغربةِ انزرعْنا ؟
هل تظن أنني سألجأُ للجوابِ
وبماذا أُجيبُ ؟
لو سألتني يا بُني :
أين العراق الذي على حُبّهِ ربيتنا ؟
هل تظن أنني أُجيب ؟
أما الآن
سأجيبُ .. نعم سأُجيب
لقد كبرتَ يا ولدي
وها أنتَ تراه عَبْرَ شاشةِ التلفازِ خراباً
ها أنتَ تراه عبرها يحترق

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
63 ـ هل تعلمين ؟
***
هل تعلمين يا حبيبتي كم أنا مشتاقٌ لرشفةِ ماء ؟
لنبعٍ أدمَنَ سحرَ المساء
لفمٍ يتخضّلُ كلّما صوّبتُ نحْوه نظرةً
آه كم اشتقتُ
لمدينةٍ صيّرتُها في الحلمِ فردوساً
وهي بالدمعِ تسبحُ
هل تعلمين كيف نكونُ لو جفَّ جوفُنا ؟
وكيف نكونُ لو لم نجد
ما يروي ظمأَ المُسافر ؟

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
64 ـ سفينةُ المجنون
***

السفينةُ القادمةُ مِن آخر المجهول
اختارت قبطانَها المجنونَ
ستحملُني إلى مكانٍ
لا تعرفهُ السفائنُ
السفينةُ التي انتظرتُها منذ أولِ الأحلامِ
رفعتْ نحوي أشرعتَها
وهبّت عليها ريحُ الرحيل
السفينةُ التي استسلمت لها البحارُ
عُزفت فوق ظهرِها لعرائس السماء
موسيقى اللقاحِ الجميل
السفينةُ لقبطانِها الوسيمِ استسلمت
حين جُنّت في مياهي

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***
65 ـ مساء استثنائي
***

كلُّ الجميلاتِ يَغْتسلْنَ بطلٍّ لا تُنْزِلُه سماء
فتنتفض عصافيرُ المُشتهى تحت القمصانِ الشفيفةِ
كلُّ الحالماتِ
يحصدْنَ الآن زغبَ الرغبةِ
الآن ... الآن
يالعذوبةِ رائحةِ المساء
حين تتضوّعُ مِن صدورِ النِّساء

28 ـ 6 ـ 2008
***
66 ـ أثرُ الغزاةِ
***
قالوا عن غزاةٍ ، تربّصوا بالطريق
حتى اختطفوها وكانت
عليها قوافلُ الرّغبةِ تسير
وزهورٌ على الجانبين بسقتْ أغصانُها خِلسةً
وأمام السماء زهواً ما تفتّحتْ ،
ما عادوا غزاةً وهم في جلدِنا دخلوا
قالوا وفي القولِ أطنبوا
ضاعتْ على الطريقِ بلادٌ


13 ـ 8 ـ 2008
***
67 ـ لا تغِبْ عني حبيبي
***
عن خاطري ساعةً لا تَغِبْ
فأنتَ سيِّدُ الحرفِ
وإنْ شئت فسيِّدُ الكلامِ أنتَ
يا هذا العراقُ الجليل
امنحني شيئاً مِن صمتِك الجميل


15 ـ 8 ـ 2008
***
68 ـ رشفات
***
مِن عينيك يغترفُ البحرُ زرقتَه
والنارُ مِن شفتيك أخذت كلَّ شهوتِها
أنتِ يا أنتِ يا زورق الياقوتِ الصاهل في اللّجةِ
أنتِ يا أنتِ يا لذّة الكؤوسِ الفردوسية
أنتِ يا أنتِ يا خيول الرغبةِ المُغيرة نحو قلعةٍ في السماء
أقطفي أعناقَ النجمِ
واصنعي قلائدَ نورٍ لأعراسٍ وهميةٍ
أنتِ يا جموح المسافرِ
صادري البحار
وفي زمنٍ قاحلٍ اتركينا
**
حبيبتي
لا تنسي ، نحن أبناءُ الغفلة
إنْ صدرت آهةٌ منّا
استعذبتها ملائكةٌ في السماء
**
بقلقِنا دائماً نذهبُ نحو الأعماقِ
كلّما كان الموجُ عاتياً
**
في عدن
اندلعت حرائقي
وبعد ثلاثين عاماً مازلتُ ملتهباً
**
خلف الصورةِ الأبهى مازلتُ مُحلقاً
ربما اصطدتها بعد فواتِ الأوان
**
دعاء
دعاء
يا ربّ أنقذني من جمالٍ فتك بالرؤية
يا ربّ أنقذني من جمالٍ سكن الخيالَ
**

2 ـ 10 ـ 2008

***
69 ـ خيانة الجسد
***

ملاحظة : لم يَخنّي أحدٌ كخيانةِ جسدي لي.
أحرقوا هذا الجسدَ الخائن
ولا تتركوا لقنينةِ الرّمادِ مَدْفَناً

10 ـ 10 ـ 2008
***
70 ـ حظ
***

عندما همَّ بالطيران
غادرتِ السّماء

10 ـ 10 ـ 2008
***
71 ـ بائع السمبوسة الهندي
***

في أعالي عصرِ كلّ يومٍ يأتي مِن وراء الأفقِ صوتٌ ملتاعٌ
نسمعه بوضوحٍ خائفاً ، مرتجفاً :
" سمبوسة هار .. هار السمبوسة "
عرفناهُ غريباً في هذي الأنحاء
سجّاد بائع السمبوسة الهندي
يخترقُ الحيَّ مثل أرنبٍ مذعورٍ
قصيراً كان و نحيفاً
ربما لم يبلغ الخامسةَ والثلاثين بعد
ربما تجاوزها قليلاً
ربما أخفى وراءه سنواتٍ مِن نارٍ
وشجرةً عظيمةً للسلالةِ
ومدناً لم نعرفْها على وجهِ الخرائط
ربما أخفى وراء بريقِ عينيه زمناً مِن الحكايا
مِن على كتِفِه اليمنى صندوقٌ من الألمنيوم تدلّى
فيه ازدحمت سمبوساتُ لها طعم نشتهيه
مِن على كتِفِه اليسرى كيسٌ مِن الكتّان الأبيض تدلّى ، فيه
صموناتٌ حُشرت لها نكهة العراق
لكنه يأتي
محملاً بالعوزِ والخوفِ
يأتي بالبهار متضوعاً كما يتضوع عود البخور
سجّاد هذا لا يفهم غير : زين بابا زين .. الله كريم بابا .. الحمد الله بابا
وحين نتحلّقُ حولَه نحن الصبيان نثرثرُ معه كثيراً معتقدين أنه سيفهمُنا كما نفهمُ نحن حركاتِه السريعةَ
سجّاد حذرٌ مِن غدرٍ
مِن أين ؟
وبالكادِ يسدُّ رمقَ عياله الأربعة
ننفضُّ مِن حولِه آمنين وبالسمبوسة والفلفل السائل الحار مستمتعين .
إنما مأبونان مِن الحيِّ ، كانا فوق العشرين ، تربّصا به .. أشبعاه ضرباً مُبرحاً .. استباحا صندوقَه وسفحوا المالَ القليلَ .. بينما سجّادُ يستغيث .. بطفولتِنا يستنجدُ ونحن الصبيان لا نملك إزاء خصومِه الأقوياء سوى الشتيمةِ .. سوى اللعناتِ . أهلُنا الكبارُ لم ينجدوا سجّاداً . كيف لقومٍ لم يتعودوا نجدةَ القريبِ أن ينجدوا الغريبَ ؟
سجّاد بعدئذٍ كفَّ عن المجيء
سجّاد آثر الغيابَ .


12 ـ 10 ـ 2008

***
72 ـ وقفات
***

أنا وفنجانُ القهوةِ
على طاولةٍ واحدةٍ التقينا ذات مساء
الفنجانُ أكرم مني كان
فمِن أجلي بذلَ ما في جوفهِ
**
كلّما مررتُ بمقهى السِّيْف
استوقفتني رائحةُ الشاي الساخنِ
وتقدّمت نحوي
**
عشتار لم تعشقْ جلجامش
لم تصنع مزماراً
عشتار بالنهرِ تغزلت
وجلجامش مثليٌّ
**
على ساحلِ أبْين مشّط البحرُ شعورَ النساء
وبضحكِهن سافر الموجُ
على ساحلِ أبْين زرعْنا
شجرَ الياقوت
لحورياتٍ حلمْنَ بالقلائد

13 ـ 10 ـ 2008
**
على ساحلِ أبْين ذات ليل
ما بين عدنٍ والعلم
تعلمت الأسماك أنينَ الذروةِ
ثم أودعتْه الموجَ
**
أنتَ الأجنبي الوحيد
الذي لا يكفّ عن الغناء
أنتَ أحلى الغرباء
**
لا غريب بلا بكاء
ولو ادّعى غيرَ هذا
**
هذا القمرُ
علِق بشبكةِ الصّياد
ذات ليلةِ عشقٍ

14 ـ 10 ـ 2008
***
73 ـ عزفٌ على أوتار الجسد
***

1

كلما عاد مِن رحلتِهِ النهرُ
وجدني على ضفتِه منتظراً

2

عندما مرّت قافلةُ المهرِّج
بها التحقَ الجمعُ إلاّ أنا
آثرتُ المشاهدة

3

العصفورُ الذي ظلَّ يتيماً
أراني مِن عينيه
دموعاً بصمتٍ
على وجهه انحدرت

4

العاصفةُ التي هبّت هذا الصباح
حملت على ظهرِها اشتياقي

5

الشّباكُ الذي ظلّ بالنورِ ضاحكاً
أسدلَ الليلةَ
وإلى الأبد ستارةً سوداء

6

الأزهارُ التي احتشدت في الشرفةِ
تركها الصيفُ عاريةً
حتى آخر الشتاء

7

أمام بابِ بيتي
الذي فارقتُه مجبراً
سكبتُ عبرةً مازالت تجري
منذ ثلاثين عاماً نهراً رقراقاً

8

القمرُ الذي كان
في تمامِه الليلةَ
والذي صار نديمي
لم تتسع له المقاعدُ
فاتسع مِن أجله قلبي

9

بابُ بيتي الزرقاء
مازالت منذ ثلاثين عاماً زرقاء
هل هي قطعةٌ من السماء ؟
16 ـ 10 ـ 2008
***
74 ـ عودةُ الجسدِ
***

هل عُدتَ ثانيةً وعن مُدنِ الخيالِ تبحثُ ؟
هي الصحراءُ تسيرُ عاريةً
لا نبت فيها وجدْنا ولا ماء
على مشارفِها احتفرْنا بئراً لبهجةِ العابرِ في الحُلمِ
وبشجرِ الآسِ أحطْناها
وحين علينا انفلتَ الصباحُ لم نرَ بئراً
ولا شجراً لاح لنا
هي الصحراءُ كما خُلِقتْ مِن رحمِ بحرٍ
أو مِن أديمِ ثرى
لم تكتسِ برمادِ الثّيابِ يوماً
ولا تغنّت بموجِ الجحودِ
هي الصحراءُ بِحَيْرَتِنا تغنّجت وبصبرِنا طوّحت
عوْرَتُها تُغوي الصاهلَ وجداً في الليلِ
والطاعنَ وجهَ الفجرِ
هي الصحراءُ كما تركتَها منذ انبعاثِ ألفِ زاحفٍ برّيٍّ
أو ألفِ ملاكٍ بحريٍّ
لا تقبلُ غيرَ خِفافِ العيْسِ لحناً
وصوتِ الحداءِ الجميلِ
هل عُدتَ تنتقي مِن الخطواتِ مَنْ
نحو أبوابِ البصرةِ توصلُك
نحو شهقةِ النخيلِ وحسرةِ النهرِ
والسماءُ لم تحتفِ بالنجمِ بعد ؟
اطلعْ يا هذا كثبانَ الرّملِ لتعرفَ وجهَ الله
لتُميّز رائحةَ الطريقِ التي منها ابتعد الدليل
هل عدتَ ثانيةً
وقد عصفَ بك الخيالُ ؟
لتمحوَ الأثرَ
أم تتوسلَ أشباحاً
مرّت مِن هنا ذاتَ جنون
خطفتْ وجهَ القمرِ
وغارت في الغيابِ ؟

17 ـ 10 ـ 2008
***
75 ـ رقصةٌ على ساحلِ ليل
***

على ساحلِ ليلٍ ما ألفته وكنتُ مُشتعلَ الهوى
عذبَ الهديلِ
ألقيتُ شيئاً مِن جنوني
وأرخيتُ فوقَ الرّمالِ رداءَ عريِّ
على ضفّةِ ليلِ
وقد انزلق بعضُ خطوي إلى حافّةِ نجمٍ راقصٍ وهويتُ
أدمنتُ التنهّدَ والأنينَ
وقلتُ مِن هنا ستمرُّ سفائنُ الغيمِ عابرةً
وبحيزومِِ المُشتهى الصقُ لهفتي
ثم بالأدنى مني أتوسلُ حتى تغيثَني فأهتف:
عليَّ اهطلي وعمديني
فوقي اشهقي وارشقي وجهَ ورودي
عليَّ انزفي عطرَك الفتّاك وبه ضمخيني
أنا رغبةُ الغسقِ الأخيرِ للهديلِ
فإنْ شئتِ خذيني
وأنا لوعةُ طيرٍ مفارقٍ عشّه
وأنا سِحْرِكِ الجميل

18 ـ 10 ـ 2008
***
76 ـ لقاربي هذا الجناح
***
لهذا الليلِ شجرٌ أعمى
ويدان شاردتان في بريِّةٍ مُطْلَقةٍ
وله جسدٌ مِنْ طينِ العشّاق
وأنا في هذا الليلِ أتنزّهُ وحيداً
على ظهرِ قاربٍ مِن بلُّور
أحاربُ قراصنةً مُدججين بنبالِ مِن زَبَدٍ بحريٍّ
أو مِن أسنانِ الرِّيح
أو مِن ريقِ المُشتاق
أطوي أعماقَ بحارٍ اختطفت أشرعةَ الخليقةِ الأولى
وأمواجاً تلهثُ وراءَ الماضي الأزرق
أنا العابرُ في زورقٍ مِن ورقِ التوتِ
جئتُ وحيداً
أبحثُ عن مأتىً للجمالِ
وأصواتٌ خلفي مِن لومٍ تسألُ :
لماذا أتيتَ وحيداً
تتنزّه وحيداً
وتحثُّ الخطى نحو ملجأ الآلهة ؟
على ظهرِ قاربٍ مِن بلُّور
أعصفُ في برلين تيهاً
وضياعاً أبدياً

24 ـ 10 ـ 2008
***
77 ـ لقاء في مطعم الأعداء
***

في مطعمٍ هامشيٍّ
يطلُّ أحياناً على أماسي برلين
التقى غريمان .. ندّان
وقيل غيرُ هذا
ولولا الأوحالُ الفاصلةُ بين خريفين
لأصبحا عدوين لدودين
على حافّةِ العاصفةِ
الشاتمُ منهما مِن المشتومِ يتقدّم
ينافقُ ويُطلقُ في ضحكةٍ هوجاء أسناناً صفراء
المشتومُ منهما يحاولُ قهرَ الأشياء
يلجمُ خيولَ نصرهِ
هما تواجها .. تغامزا .. تغازلا .. بالصمت تراشقا
ثم مصادفةً تعانقا
الشاتمُ نسيَ الشتيمةَ
والمشتومُ لحسَ الشتيمةَ
في برلين
كلُّ شيءٍ ممكن
كلُّ شيء مباح
أنْ تُصبحَ شيوعياً أولاً
وأنْ تُصبحَ شيوعياً أخيراً
أنْ تُصبحَ خائناً في الشمسِ ووطنياً في الظلِّ
في برلين
كلُّ شيء مباح
هنا بين ثيابِ العاهرةِ برلين مُباحةٌ هي الأشياءُ
مِن النُّباحِ
حتى جسدِ النّكاحِ

22 ـ 10 ـ 2008

***
78 ـ زجاجةُ عطرٍ لامرأةِ الخيال
***
في قطارِ الأنفاقِ
داهمت المقاعدَ فتنةٌ
وتهتكت أمامَ الخلقِ صدورٌ
ثلاثُ صبايا ألْهَبْنَ العربةَ جمالاً
وامرأتان شاهقتان
على الرؤوسِ سكبْنَ طيباً شهوانياً
نسوةٌ بأنفاسِهن موسقْنَ المكانَ
وبكلِّ زجاجاتِ عطرِ الدُّنيا
أنعشْنَ الصّباحَ
أشعلْنَ الصّباحَ
كلَّ الصّباحِ
حريقاً

22 ـ 10 ـ 2008
***
79 ـ هجرةُ الشاعر
***
إلى مدينةٍ في بلادِ السويد
شدَّ الشاعرُ رحالاً
وصلَ في ليلٍ حجريٍّ ولم يصل
ففي تلك الأيامِ أنعمَ اللهُ على أبناءِ تلك البلادِ
بليالٍ بيضاء
الشاعرُ ظلَّ يعاني
مِن حصارٍ جائرٍ عانى ومِن المعنى
كان مُحاطاً بالفراغِ فعانى
والفراغُ الحاضرُ الغائبُ كان مأجوراً
في مدينةٍ مِن بلادِ السويد
أسودَّ وجهُ الشاعرِ
وضجّت به الشكوى
فقرر العودةَ
إلى بيتِ الطاعةِ عاد
يعاقرُ الفودكا وينادمُ كما كان ، في الحظائر ، قطيعاً
و لراقصةِ الباليه الروسية استبدَّ به الحنينُ
لضحكاتِ رئيسِ الدولة في عدن البركانية
ولحقيبةٍ منفوخةٍ بأموالٍ صدقةٍ
وصلتها يدُه ذات يومِ هروبٍ
فأنعشت سفينةُ الشاعرِ
الواصلة توّاً مِن بلادِ العجائب
في مدينةٍ مِن بلادِ السويد بات الشاعرُ كالفراغِ المأجورِ جائراً
وكالقطيعِ ثغّاءً


24 ـ 10 ـ 2008
***
80 ـ موجة عذراء
***
إلى فندقِ البحّارةِ المُثقلِ بالأسرارِ
تأتي البحارُ
وتأتي بأشواقِها السفنُ
ثمَّ تأتي الرِّيحُ كالعادةِ مسالمةً
تأتي بعطورِها وتوابلِها آسيا
بحيواناتِها وغاباتِها أفريقيا تأتي
تأتي بشقراواتِِها أوربا وحروبِها تأتي
تأتي الأمريكتان بضجيجِ الهنودِ الحمرِ
استراليا لا تأتي بشيءٍ سوى بالكنغر الفتّان
وتأتي قارّاتٌ أُخر لم نسمعْ بها مِن قبل
تصهلُ في بابِ المندبِ
أو تجرّها نحونا إلى حيٍّ في التواهي سوقطرة
على حافّةِ بحرِ العربِ الذاهبةِ إلى فندق البحّارةِ
نجلسُ ليلاً
نتزوّدُ بكؤوسٍ لا حصرَ لها
ربما بالعشراتِ
ومِن أجلِ سهرةٍ مع الأقمارِ
نَنْدهُ على الموجِ ليبتلَّ مِن مائنا قليلاً
نرى الموجاتِ يدخلْنَ خجولاتٍ :
موجة في أعقابِ موجة
وكلُّ واحدةٍ تحتسي كأساً ثقيلةً
وتمضي سعيدةً
حتى لم تبقَ موجةٌ عذراء
في تلك الساعةِ من الليلِ


31 ـ 10 ـ 2008
***
81 ـ ابن المسلة
***

أنا روحُ المسلّة وتاجُها المنزوع
أنا صراخُها الأزليّ
أنا طينُها
أنفاسُها
وسرُّ بقائها
أنا بابلُ
ونهرُها المستغرقُ في النحيبِ أنا
أنا طيفُ أبراجِها
أنا الآمرُ فيها
و الناهي أنا

30 ـ 10 ـ 2008
***
82 ـ الساعة العاشرة
***

في كلِّ عاشرةٍ مِن كلِّ صباحٍ
تُطلُّ مِن شهقةِ شبّاكِ الحمّامِ
تغتسلُ بأنهارٍ تجري في المرآةِ طويلاً
تسبحُ في بلُّور الموجِ الهمجيِّ
وأمام صفحةِ سماء مكتظةٍ بالعيونِ وبالشموسِ
يتهتك نهدُ
يتمردُ وينتزعُ زجاجَ الماء
ثم يخرجُ معلناً عصيانَه ومع الرِّيحِ يمضي
في كلِّ عاشرةٍ مِن كلِّ صباح
تتجرّدُ مِن ثيابِها سمكةُ الله
وتلبطُ في عيوني

30 ـ 10 ـ 2008
***
83 ـ أشواق
***
صباحاً ارتدى البحرُ قمصانَ المنافي
واحتجز أشواقَنا
قال سأوصلها للأهلِ
صدقناه
لكن البحرَ الغادرَ الذي على أسرارِنا أمّناه
سرّحَ الموجَ وغادر المكانَ
في المساء
صرنا نقولُ قبل البكاء:
هنا كان البحرُ ذات صباح

12 ـ 12 ـ 2008

***
84 ـ السارق
***
لقيثارةٍ أجهشت على تخومِ الأَبُلّة أشواقَها وآثرت الصمتَ
أسرقُ نغمةً
بها أداعبُ أوتاراً نائمةً
ثم أُدندنُ :
هي الليلةُ الموعودةُ يا قيثارتي الجميلة
فانطقي لأقمارٍ تزورنا هذا المساء
هي ليست كالضيوفِ
أشعلي مِن حولِنا السكونَ
وناراً لم يبقَ منها سوى جذوةٍ مِن حنين
أسرقُ موجةً
لأنهارٍ كفّت عن الجريان
وطلعاً لنخلتي اليتيمة
وردةً لشرفةِ جارتي العاتية الشهوة
ناراً أسرقُ لتنورِها العجيب
ومنفىً استدرجُ
لمَن لا يعرف حزنَ المَنْفيّ
لقيثارةٍ حطّمت أوتارَها ذات صهيل
أجلبُ من أقصى الضياع نغمةً

فجر 16 ـ 12 ـ 2008
***
85 ـ أنفاس المكان
***
في وسطِ الظلامِ وقفْنا
هنا على أنقاضِ إرم ذات العماد
فوق بقعةٍ مِن حجرِ التاريخ
على الطريق ما بين أَبْيَن وحضرموت
نعومُ في الوحشةِ
تحت سطوةِ نجومٍ لا تبدو حنونةً
هنا أمام الله والخلاء وأنفاسِ البريّةِ
وقفنا عراةً متلاصقين
كأننا روحان مُنغمسان في حوارٍ جسديٍّ طويل
كانت أَبْيَنُ بحراً ورمالاً
هباءً ورماداً
عقيقَ التواريخِ وزهرَ الخيالِ
وأبْيَن في الختامِ
وطنٌ في ريح

14 ـ 1 ـ 2009
***
86 ـ تَحْذير
***

على بيتي لا تَرْمِ أَحْجارَك المُتْعَباتِ
فبيتي مِن قهرِ الزمانِ مُشَيّدٌ
وبيتُك أوْهن من بيتِ العنكبوتِ

***
87 ـ لا ندّ لي
***
لي لا تحسب نفسَك ندّاً
فأنا لا ندّ لي
وإنْ أردتَ مقاماً مقابلاً
فأئتِ بما أتيتُ به
***
88 ـ لحظات عامرة بالوفاء
***

كلما ناحت اليمامةُ
في الأرجاء
صمت الطيرُ
إكراماً لحزنِها

**
عندما أيقظتها
أشرقَ في عينيها
البحرُ

**

كلما أقبلت نحوي
أحرقني
لقاؤها
**
لا تسل البحرَ
عن زرقتِه
إنما سله
عمّا يخفي وراءَها



15 ـ 1 ـ 2002
برلين ـ بُخ
***
ـــــــــــــــــــــــــــــ


الديوان الثاني

لنشوى معبد في الريح


شعر

صبري هاشم

***
1 ـ نشوى قبل الربع الخالي
***

لا تَعْبَثي بالريحِ لقد نام الصحبُ بأرديةِ الماء
لا تسدلي ستاراً على ليلِ الألم
فأنا مقيمٌ الليلة في هذا الحيّ
مقيمٌ وليلتي يُراقصُها ضوءان
ضوءُ أقمارٍ استنفرت جمالَها
وضوءُ وجهِك الشمس
مقيمٌ أنا ولا تسكرُني خمورُ الأرض
لا يسكرُني غير ثغرِك يا نشوى
فتمرّدي لحظةً على النافذةِ المشحونةِ بالضوء المنسكبِ بدلال .
تمرّدي على النجمةِ المُسافرةِ في سماواتٍ بعيدة على صمتِك المثيرِ يا ضعفي الجميل
أنتِ صاحبي الوحيد في وحشةِ المسافة
أنتِ شهقةُ الروحِ
كعبُ آخيل
أنتِ الزمنُ المُتضوعُ بأنفاسٍ سِحْريّة
لا تَلْعَبي بأنهارِ الدمعِ
فعيناكِ مهما أجهشتْ بريقاً أوْهَنَهُ السفرُ
ستبقى بحاريَ الهادئةَ التي إليها أعود
ونشوى عَبَرَ لهاثُها قامتي
طوّقتْ أنفاسُها مساحتي
وسكنتْ تدفُّقي
ما ألذَّ لهاثَكِ يا نشوى !
ما أجملَ ذبولَ عينيك !
ما أطيبَ رائحتَكِ !
دعي نسيمَك يُصافح صفحةَ وجهي
قبل أنْ تُطلقي مِن صدرِك جمراً يُحفِّز الكلامَ
متى افترقْنا ؟
تسألين
عندما أشرقتْ عيناك قبل الربعِ الخالي أسفاً
وعندما داعبَكِ الرملُ في ظلامِ الصحراء
وأثخنَ في مداعبتِكِ
فهل أغلقتِ نوافذَ المدى بعد الوصولِ ؟
لا تسأليني عن الوصولِ وعمّن وصلَ قبلاً
بل سلي مدنَ الصقيعِ عن قطاراتٍ توقّفتْ في هيامِ المحطاتِ
أنا وصلتُُ قبلكِ
أنا أطلقتُ قافلةَ البدايةِ
أنا صرخةُ التيهِ
فبعد أنْ أشرقت عيناكِ أسفاً في ظلامِ الليلِ ،
عوَّلتِ الرياحُ وانشطرتْ بنا السُّبُلُ إلى أوردةٍ هائمةٍ في الآفاقِ ، فتمسكت بوريدٍ حذَفَني إلى بلدٍ لم تؤَسَسْ فيَّ ملامحُهُ . دخلتُهُ على عربةٍ مِن ورقٍ أُسطوريٍّ ، أحثُّ خيولي على أنْ تطيرَ بأجنحةِ اللوثةِ وأنْ ترشقَ البوّاباتِ المسحورةَ بومضِها الأخّاذ .
دخلتُ بلدةً لا تهمسُ مُرحبةً بأُذنِ غريبٍ ولا تنطقُ ورودُها أريجاً بوجهِ المدى . دخلتُ وكان الزلتسيون يجمعون رمادَ حروبِ فتنتهم .
تسألينني :
لمَنْ جئتَ ؟
جئتُ وليس لي قمرٌ أُطْلِقُهُ كي يبحثَ في الديجورِ عن لوني الضائع .
ليس لي صوتٌ أُرسِلُهُ كي يهتفَ وسطَ هديرِ الطبول .
ليس لي عينٌ أبعثُها كي تسبحَ في فراغِ الأشياء الأسود .
ليس لي غيرُ صاحبٍ لم يتريثْ كثيراً .. لم يمكثْ طويلاً ، فاختارَ الفراقَ سبيلاً .
صاحبي الذي كان
في الوحدةِ سلوةً
في الخمرةِ نديماً
في الوحشةِ أنيساً
لكنه في الزحمةِ تمرّدَ وغادرني قبيل أنْ يتنهدَ الضحى في شارعِ دانتسغر المُعتكفِ في أطرافِ مدينةِ زلتسا .
تسألينني
لم تفهمي !
غادرني ياسين..قضى حزناً أو ربما قضى ندماً.
كان صمتُهُ رهيباً وكانت بسمتُهُ ساخرةً و نظرتُهُ غاضبةً .
مِن قبل لم يَقُلْ شيئاً محدداً ، لكنه في ذاك
الصباحِ قال ـ بموتِهِ ـ كلَّ الأشياء التي ينبغي أنْ يقولَها سابقاً .. وسابقاً كان يحلُمُ بامرأةٍ تأتي مِن بين الأدغالِ .. تقطعُ بحاراً سبعة .. سماواتٍ سبع .. تضعُ أجنحةً مِن نارِ وتُسابقُ الريحَ .
في ذاك الصباحِ تحطّمَ بَلُّورُ حُلُمِه وسيُدفنُ معه .
فأيّ وفاءٍ سأمنحُ هذا المُسجّى على سريرٍ غريبٍ وأنا لستُ قليلَ الوفاء ؟
أيَّ دمعٍ سأذرفُ وأنا لستُ قليلَ الدمعِ ؟
أيّ خبرٍ أُلقي به إلى أفواهِ الطيرِ ليصلَ الأهلَ ؟
باطلٌ هو الموتُ ولتنطفئْ عينُ الباطلِ
مصابٌ هو الرحيلُ ولتُلعنْ لحظةُ الرحيلِ
حدّقتُ في وجهِ ياسين
رأيتُ في دهشتِهِ اختزالاً لسؤالِ العمرِ .
سبقت لسانيَ دمعةٌ طافت مآقي العين .. انكسرَ في صدري صوتي وإلى جوارِهِ تهالكتُ .
في تلك الأثناءِ يا نشوى
في تلك اللحظاتِ القاتلةِ
الخارجةِ على الزمنِ
دخلتْ كائناتٌ مِن الجنِّ ـ أنتِ لم تري مثلَها ـ حملتْ ياسين .. وضعتْهُ في سيارةٍ بلا لونٍ وبه انطلقت .
التفتُّ إلى جميعِ المنافي علّني أرى منفىً يتجاوبُ مع حزني
وجدتُ المنافيَ بالهمِّ لاهيةً .
فتّشتُ في الجهاتِ جميعاً عن وجهٍ أعرفُه ينجذبُ إلى حَيْرَتي .
لم أجدْ سوى نَفْسي وظلّي المختبئ بقامتي .
لقد انفلقتْ يا نشوى رئتاي .
أجهشتُ في بكاءٍ طويلٍ وانطلقتُ ، في أَثَرِ السيارةِ التي بلا لونٍ ، مُدوياً :
تمهلْ ياسين لا تعبرْ قنطرةً لستَ واثقاً مِن خشوعِها .
احذرْ ياسين هذا النهر بلا قرار .
توقفْ ياسين عند بكاءِ الريح .
وياسين يتركُ صوتي
ياسين يُغلق أُذنيه
ياسين يهملُني كما أهملَني في الماضي وأطاعَ نسوةً عطوفاتٍ يصرخْنَ مِن عمقِ الضيمِ :
لا تأخذوا أيّها الأولادُ حصّةَ ياسين
فبعد حينٍ يُهاجمُهُ الجوعُ
وبعد حينٍ تكفُّ اللقمةُ عن المجيء
ففي وسطِ هذا البستانِ مِن الحنانِ لا أحد يظنُّ ما سوف يحدثُ لياسين
أصرخُ يا نشوى خلفَ موكبِ ياسين المحمول بصمتٍ مُطلقٍ :
هذه الكائناتُ لن ترحَمَك ياسين .
ثم تعثّرتُ .. هويتُ
تسألينني :
هل شهدتَ طفولتَه ؟
أجل منذ أنْ تحسّرَ جارُنا الموغل في الشهوةِ
المُنهمك في استدراجِ طيفِ أمِّ ياسين .. متغزلاً:
ما أبهاكِ أمَّ ياسين كأنك طيرٌ مِن الجنان !
لأمِّ ياسين شفتان ناريتان
كَرَزَتان ناضجتان
لكنّ أمَّ ياسين منشغلةٌ بالكدحِ
أمُّ ياسين لا تعبأ بالردحِ
أمُّ ياسين تُكحِّلُ عيونَ الفوانيسِ بغية إبقائها بوجهِ الليلِ ضاحكةً .
أمُّ ياسين تُطلقُ صوتاً يُداعبُ نسماتٍ خفيفةً هبّتْ
قبيلَ الغروبِ :
أُدخلْ يا ولدي لقد حلَّ المساءُ
أيّها الصبيُّ هل تدخلُ بيتاً تُسافرُ في سمائهِ أسرابٌ ملونةٌ مِن طيورِ الألُفةِ ، وفراشاتِ الشوقِ التي لا تُفارقُ مجرى الريحِ ؟
أيّها الصبيُّ هذا البيتُ تحتلُّ زواياه الرياحينُ وخفقاتُ الضوءِ الباحثةُ عن جسدٍ شفيفٍ كي تتعبدَ على سطحِهِ .
إذن لا تقطعْ أشجارَ التوتِ المهاجرةَ
ولا شوقَ الفسيلة
هل تدخلُ ياسين بيتاً دائرياً كوطنٍ مدهشٍ ؟
بيتاً ورثتَهُ عن أبٍ لم يمتْ لكنّ الدهشةَ الخارجة مِن أُبّهةِ الخلقِ لجسدٍ لم ترَ البشرُ مثلهُ
صَلَبَتْهُ ..
سطوةُ الدلالِ
صلبتْهُ
هل طبعتْ أُمُّكَ ياسين قبلةً على جبينِكَ ؟
هل كان في شفتيها خوفٌ كبير ؟
أكانتا خضلتين ؟
سيعودُ أبوكَ وستنجبُ تاريخاً صامتاً .
لا تلعبي بدارةِ القمرِ يا نشوى .
سيعودُ مُعطّرَ الجهاتِ
زكيَّ الأنفاسِ .. بلا أبعادٍ
بلا مسافاتٍ
بلا بداياتٍ أو نهاياتٍ
ربما سيعودُ جذراً
نهبهُ الدودُ
تعالي نشوى نروِ الليلَ
أنتِ موتي الجميل
فاقتحمي ليلتي
25 ـ 3 ـ 2000
***
2 ـ رحلة الشمس .. رحلة القمر
***
..........
مدخل
..........
في المشفى ، وكنّا في الضُحى ندخل ،
ماتت نشوى
انفجرَ أعورُها
فماتت
في المشفى ، جمعاً ، نصرخُ بالجرّاح : يا جرّاح أنقذْ نشوى .
في المشفى يساومُنا الجرّاحُ : ادفعوا نقداً عشرةَ دولارات ثمناً لحياتِِها .
مِن أين ؟
مَن يدفع ؟
نصرخُ ببعضِنا .. مَن يملك ؟
الأرضُ موات
القحطُ فتك بأجسادِنا ، والناسُ منذ سنين جياع
مَن يدفع ؟
نصرخُ ، نستصرخُ كلَّ الأنحاء ، يسمعُنا القاصي والداني يسمعنا حتى الله
لكن مَن يدفع ؟
في أيدينا حِيلٌ سقطت
وفي الذروةِ
ما بين الأخذِ والردِّ
انسابت مِن بين حَيْرَتِنا روحٌ
ماتت نشوى
**
القصيدة
**

الوقتُ ضحى والشمسُ بدويةٌ في مشرقِها تجوس
تتعشّقُ فارساً مجنوناً
تارةً ، على ثوبِ الواحةِ الغائرةِ في عمقِ الصحراء ، ترخي عجيزتَها
وتارةً حافيةً ، فوق الرملِ ، تتنزّهُ
الشمسُ المغناجُ بثوبٍ فضفاضٍ أزرق ترفلُ
لطفاً تهجسُ
وعلى نخيلاتِ الواحةِ توزّعُ تحيةَ النهار
الشمسُ المُبتهجةُ المازحةُ تُناكفُ أحياءَ الواحةِ
تُطارحُ أحياءَ الواحة
تضحكُ ، تحزنُ ، تتأوهُ ، وتَغرقُ مدامعُها أحياناً
الشمسُ الأنثى كاملةُ الشهوةِ
الوقتُ جنون
تخلعُ ثوباً ـ الشمسُ ـ مِن همسِ الريحِ
تتعرّى ، ثم تتثنّى
ومِن عادةِ الشمسِ في مشيتِها تتثنّى
والليلُ .. الليلُ صار عنّا بعيداً بعيداً
حين الشمسُ تميسُ
**
غنِّي .. غنِّي
أيتها الشمسُ التي في الضحى تتعهر
غنِّي .. أطربينا
أو أعلِني بدءَ الساعةِ
أجل .. أعلِني
فنحن أنجزنا بعضاً مِن أوهامِ الساعة
وكثيراً مِن أحزان
هل كنّا في محرابِ الوردِ ؟
في الذروةِ ؟
في عُريّ الصيفِ ؟
في حشمةِ الشتاء ؟
في أيِّ الفصولِ نحن ؟
في تموز
حيث الوردةُ سكبتْ على الشمسِ عطرَها
تَذَكّرنا يومَ ولِدتْ ويومَ ماتت

**

الوقتُ .. لا ندري ماذا كان الوقتُ ؟
هل كان غسقاً أبيض ؟
ربما
والقمرُ يتنهّدُ
في الشرفةِ المطلّةِ على الرحيلِ تنهّد
يتمطّى
القمرُ تحت ظلالٍ سكرى تمطّى
ماذا كان الوقتُ ؟
صبحاً وحشياً ؟
ليلاً نارياً ؟
ماذا كان الوقتُ ؟

**

نلبسُ أحلاماً ، نوراً مسحوراً
والساترُ بقايا سديمٍ .. نسجدُ ، نسجدُ
ننزعُ خلفَ البابِ جلبابَ الرحلةِ ونكشفُ آمالَنا وهناً آسراً
هل تأتي إلى حيِّنا أيُّها القمرُ ؟
أيطيبُ لك لقاءٌ في مقهى ؟
في عرضِ الشارعِ ؟
تحت ظلِّ نخلةٍ ؟
في زورقٍ ؟
هل نرحلُ والنّهرَ ؟
أ تأتي ؟
لا تدري !
أيُّها القمرُ المحبوبُ ، لنا غنِّ
غنّت لنا الشمسُ
لنا غنِّ
أو فلتنتحبْ .. أيُّها القمرُ المعبودُ
أحسن لنا تنتحب
غنِّ .. انتحبْ .. انتحبْ .. غنِّ
غنِّ .. غنِّ .. غنِّ
الآن .. الآن .. الآن
ماتت .. ماتت
انتحبْ
انتحبْ
ماتت نشوى

10 ـ 3 ـ 2003

***
3 ـ طه
***
............
مرثية طه حيدر
............

ونحن على الريحِ ننفتحُ ولها نُشمِّرُ عن هوى خيامِنا ، فتتلاعب في بطونِها كأهلةِ موجٍ وفي حضرتِها يتنازعنا فوق تربةِ المنافي شجنُ الحديثِ ، ساقت إلينا الريحُ قافلةً فيها مِن الصحبِ الكثير . كنّا نتسرّى خارجَ زمنِ الرملِ وخارجَ زمنِ البحرِ وخارج زمنِ الصحو ونفيضُ بما ازدحمت به خواطرُنا . كنّا في خواتيمِ الزمانِ إنْ لم تشطح بنا ذاكرةٌ أو تتعثر لنا ذكرى أو فينا تخمد جذوةُ العقل . عاماً أقمنا .. عامين ، وفي أَبْيَن لم نجد غيرَ عزاء الحضرميّ . هل عاد بقافلةٍ مِن توابل أم ضاع في مجرى السيلِ ؟ مرّت علينا أيامٌ غارت في تاريخٍ سينسى . ثم مع الصحبِ توادعنا على أملِ أنْ نلتقيَ في الديارِ التي لن نعودَ إليها وإنْ كنّا حطاماً .. أمواتاً .
**
وردٌ وطلٌّ وهمسُ حبيبٍ وماءٌ يترقرقُ في عينِ ليلٍ تطيلُ البكاءَ . وردٌ وطلٌّ وجنحٌ يرفُّ ، يديمُ النداءَ . يا هذا البردُ أطلِ الكأسَ ، فهذي الكأسُ كأسُ صديقٍ وهذي الكأسُ لنديمٍ يتلو في الليلِ الموغلِ في المنفى قصصَ التاريخِ أو يترنم في مطلعِ فجرٍ أبيض شَجْوَ الكلمات .
وردٌ لقبرِ غريبٍ
يسوقُ النجمَ على وجهِ الليلِ
لسفائنَ تعلنُ في عدنَ ساعةَ الرحيلِ
لزرقةِ بحرٍ تشرقُ في ليلِ المنسيين حلُماً
لعودةِ قمرٍ تاه في التخوم
قبرٌ لـ " طه " في غبارِ المسافةِ ، وجدناه
في انحدارِ الطريقِ
حين كنّا نحزمُ الحرَّ اللاهبَ حزمةً حزمةً
نضعُ على أيمانِنا بعضَها ، ونتركُ الشمائلَ لخصوبةِ اللقاء ، لحلوِ العناقِ ، ثم نعودُ ببقيةِ أجسادٍ أذبلتها الشموسُ .
فيما الصاخبُ منّا ،
كبحرٍ مجنونٍ يعدو خلف الشمسِ
يرشقُها بحجارةٍ قُدّتْ مِن شمسان
أو مِن همِّ القلبِ
أو مِن مقلعِ الذاكرةِ
أو مِن مُسَنّاةٍ تمتدُّ إلى دجلة
ويعودُ ضاحكاً : فقأتُ عينَ الشمسِ ، يقول .
يا " طه " لا تلعبْ بقرنفلةِ القلبِ
لا تضعْ تحت سقفِ الوحدةِ مشمومَك النضرَ
لا تحلمْ بديارٍ قذفتنا خارج أسوارِ ميادين اللعب عنوةً وأسلمت مفاتنَها لغريب
يا " طه " اُترك لعبةَ الموتِ
ففي ظهرِك الصحراءُ وسرابٌ هي الديارُ
تمهلْ صديقي
وللذكرى خُذْ معك شيئاً
خُذْ للربِّ هديةَ الأحياءِ القادمين بعد حين
قبرٌ لطفلٍ يلهو بعجلةِ الغيابِ
قبرٌ لك في متنزهِ الزوراء
قبرٌ لك في العيدروس
قبرٌ لك في السماء
قبرٌ لك
قبرٌ لنا
قبرٌ لأحلامِنا التي لم نعشقْ سواها .
أخبرني طيرٌ ترجّل مِن غيمةٍ عابرةٍ ، حام فوق رأسي و قال :
مات صاحبٌ .. ولم يكملْ
أين ننصبُ سرادقَ عزائنا إذن ؟
بَعُدَ الأهلُ .. بَعُدَ الصحبُ .. ومِن فوقِنا ادلهمتِ السماءُ . ضاعتْ مراجعُنا
أين ؟
قُلْ لي أين ؟
في أيِّ مفترشٍ نُصلح ما تداخل مِن خيوطِ الزمانِ ؟
وتحت أيِّ خيمةٍ نُنجز ديباجةَ القولِ ؟
قُلْ لي
إلى أيِّ المآتم تتجهُ اللاطماتُ ؟
دعْنا يا " طه " نهيمْ
ففي البرّيةِ متسعٌ للهيام
دعنا نأتِ على ما تبقّى في كأسِ الجنون
دعنا نصرخْ حتى تخومِ القيامةِ
أو نعول حتى نحاذي زعنفةَ العويل
دعنا نُنجز ليلَ البكاء
فلأمثالِنا لا تنفتح أبوابُ الدارِ
وحين دخل كلُّ ثغاءِ الدنيا أغلقَ خلفه الأبوابَ
وسادَ سكونٌ
انطفأَ في نومِهِ الإلهُ
انطفأتْ أحلامُ الدارِ
وزهقتْ أرواحُ الوردِ إلاّ روحاً حمله النسيمُ لقبرٍ يحرسه طلٌّ
قبرٌ لـ " طه " في رقّةِ المساء
قبرٌ له يجوب الأرجاء
قبرٌ له في أرضِ عدن
في قبّةِ السماء
قبرٌ لـ " طه "


21 ـ 6 ـ 2004
***
4 ـ مأتى الغزلان العاشقة
***
نقفُ على طريقِ الماء
وننتظرُ التماعَ العيونِ الشاردة
قال المتوجّعُ شوقاً
فساحراتُ الضحى اعتدْنَ حَلْبَ الشمسِ جهاراً
عاشقاتُ الضحى يغتسلْنَ بالضياء
يُطلقْنَ إلى النسيمِ رحيقَ الجسدِ الخجول
فيتمايل النسيمُ ثملاً
ننتظرُ
أكّد الملهوفُ
فمِنْ هذا المأتى
تندفعُ الملتاعاتُ للقاء
تتدفقُ اللهفةُ وهمسَ الينابيع
ويتطايرُ الزمنُ
لكن
وعلى طريقِ الماء
تفرّقتْ أسفارُنا
جاء ضحانا بلا شمسٍ
تحملُ نبضَ هيامِنا
فمللنا الانتظار


15 ـ 5 ـ 1993
***
5 ـ حين نكون هديلاً
***
المساءُ
المساءُ الخفيفُ الضاحكُ
المساءُ الفرِحُ ، المنشرحُ الصدرِ على الدوام
منذ عامين يقذفُ إلى شرفتِنا بهجةً
فمِن أعماقِ الغابةِ ،
تأتي حمامتانِ برّيتان ، مِن فضاء ما ،
مِن برّيةٍ قصيّةٍ
منذ خريفين تتزاوجان
منذ خريفين تهدلان
ومنذُ خريفين تطلبان دثاراً
للفرخِ القادمِ وندفَ الثلجِ
أو للذي سيخرجُ مِن بيضةٍ
معلّقةٍ في شجرةِ عيدِ الميلاد
منذ عامين والشرفةُ تهتزُّ
للشبقِ الطائرِ تهتزّ
بينما المساءُ الذي لا يتصنّعُ الفرحَ
يُمشِّطُ للحمامتين الهديلَ

5 ـ 3 ـ 2003

***
6 ـ شقائق الألم

***
بشرٌ
يحتطبون البحرَ بخوفِ المراكبِ
ويطوون النجومَ الآفلة
بشرٌ
أسرابٌ مسافرةٌ في أعالي الرياح
تفتحُ سماواتٍ ملبدةَ المسالكِ
وآفاقَ صقيعٍ
بشرٌ
يحملون صفاتٍ مبهمةً ،
ورغباتٍ هائجةَ الجنون ،
وأشياءَ صغيرةً لا تبتلّ في الطريقِ
بشرٌ ينحدرون
مِن أصلِ سلالاتٍ مازالت تتلاقحُ
وتنتجُ أرحاماً خلاسيةً
مِن زمنٍ أعطبتْه النوارسُ
على ظهرِ سفينةٍ غابتْ في الضبابِ
مِن مدنٍ لا تلتئمُ على أبنائِها
لا تعرفُ في النورِ ساقيةً
ولا في الظلمةِ تتوجسُ وجهَ الزهرةِ
بشرٌ وأنا مثلهم
فرشتْني المسافةُ على مائدةِ المدى
ودعتْ دوابَ الكونِ لالتهامي
بشرٌ يطلُّون
مِن نوافذ الشمسِ ليغتسلوا
بنهاراتٍ مِن فضّةٍ
ليروا أثواباً تراقصُ البحرَ
في غيابِ المراكبِ

26 ـ 11 ـ 1999 برلين
***
7 ـ ارتباك
***
حين لا يلبسُ القمرُ عمامةً زرقاء
وحين ينأى ذاتَ ليلٍ مبهجٍ في خَلوةٍ سعيدة
نسألُ : مَن يقصُّ علينا الحكايا ؟
القمرُ الحاسرُ الرأس إلينا ينتبه ، فيعتذر .
يرتبك وبيدين كريمتين يغطّي وجهاً خجولاً ثم يحكي ، ونحن في حضرتِه صامتون
نستمعُ للحكايا الناقصةِ بصمتٍ وقورٍ
كنّا إلى القمرِ خاشعين
نستمعُ إلى حكايا لم تصلْ كاملةً
وإلى جوارِنا سلالٌ فارغةٌ لا ندري ما سرّها
وفي الطريقِ إلينا ارتبكت الحكايا وتلعثم القمرُ ، فامتلأت سلالُنا قشوراً .
تعجّبنا وإلى السماءِ نظرنا فرأينا سحابةً عظيمةً تقضمه قطعةً قطعة .. عندئذ علمنا سرّ ما في سلالِنا مِن وردِ القمر .

15 ـ 11 ـ 2002
***
8 ـ الحقيبة
***

أ مسافرةٌ أنتِ نحو أعالي الفرحِ
وتلك الحقائبُ التي تتخطفُها الأطيارُ
أهي حقائبُك ؟
وذاك الجناحُ الذي ينأى بقهقهاتِ الخيالِ في زرقةِ الروحِ
أهو جناحُك ؟
أنتِ الجناحُ الذي لا يخور
وأنتِ ثيابُ المسافرِ تعبُّ بها الريحُ وتدور
تدور
وأنتِ تدورين بلا واسطةٍ للسفر
أ مسافرةٌ أنتِ ؟
اقطعي إليّ السبيلَ بلا سماء
إليّ السبيل اقطعيها بلا حقيبة

31 ـ 8 ـ 2003 برلين

***
9 ـ استشراف

***
أنتَ لا تدري إلى أين يسوقُك الوقتُ
ولا كيف تتشظّى بك المسافة
أنتَ لا تدري أين تحطُّ الرحالَ
وأيّ البحارِ ستسلك
أنتَ لا تدري كيف تموتُ وكيف تحيا
أنتَ لا تدري
أين سيحتطبُ بك العمرُ

5 ـ 3 ـ 2003 برلين

***
10 ـ الحافلة

***
كلّما خرجتُ مِن البيتِ
مرَّت الحافلةُ مسرعةً
كلّما انتظرتُها
بصبرٍ نافدٍ
أو بهدوءٍ
أخذتني غفلةٌ
وفاتتني الحافلة


15 ـ 2 ـ 2002
برلين
***
11 ـ حلم المنفى
***
مع أعالي جنونِ الليلِ
جاء العراقيون
زحفاً بلا عرباتٍ أو خيول
كانوا قد فقدوا
خلفَ الغابةِ متاعَهم
وعبروا نهرَ البدايةِ
فجراً
اصطادتهم الطائراتُ
وأمواجُ البحارِ

7 ـ 10 ـ 2000


***
12 ـ نزوات مدينة الرماد

***
مدينةٌ أنتِ
أنشأك السّحرُ
والسّاحرُ وربٌّ جميل
تُسَوّرُكِ النزواتُ
وأحلامُ الغزاةِ
مدينةٌ أنتِ
تتجلين طيفاً يُبْحِرُ
في ليلِ المنفيين
على ظهورِ الوسائد
أنتِ مدينةٌ انفرطت مِن بين أصابعِنا
كحبّاتِ الدهشةِ
ومِن أعمارِنا اُنتزعتْ كهمسِ حبيبةٍ
غادرتْنا إلى الأبد
أجفلتكِ الحروبُ ،
زحفُ الرمالِ
والشظايا التائهة
مدينةٌ أنتِ تتمردين وترفضين الليلَ الوثنيَّ وشهواتِ الجندِ
أيّ حلُمٍ أنتِ يدهمُنا ليلَ نهار ؟
مرةً أخذتنا الرغبةُ صوبَ أسوارِك
المكسوّةِ بالظلمةِ والنورِ
فرأينا البحرَ متمايلاً
وعلى شاطئه ما أنجز بقيةَ الزبدِ
ورأينا الليلَ مستسلماً
لأقمارٍ عوراء
تسوقُه حتى تخومِ الصمتِ
أ تسبحين في بحرِك المتلاطمِ الوحشة ؟
في ليلِك الأخرس ؟
وإنْ زحفتْ نحوَك الصحراءُ
أيتوقف على أبوابِك الغزاةُ ؟
أ أنتِ مدينةٌ تسري بها الركبانُ
بلا عشبٍ ولا ماءِ
بلا غيمٍ ولا نجمٍ
يسري بها الخوفُ
ويشهدُ على موتِِها الموتُ ؟
رأيناك مرّةً
تخفين ظهرَك عن طلّةِ الشمسِ
في وطنٍ ضاع قرارُه
وتخفين في باديةٍ مِن رمادٍ
ملامحَ الرغبةِ
أنتِ مدينةٌ مسحورةُ الأسماء
فلتنطفئْ عنك عينُ الرؤيةِ
ولتنقطعْ عنك أوردةُ النزوةِ
أنتِ مدينةٌ
قطعْنا إليها مِن وترِ الطريقِ
فرسخاً
فهل ضاقت في أحداقِنا
الفراسخُ ؟



14 ـ 8 ـ 1998
برلين

***
13 ـ نزهةٌ في بابل
***

مسحورة أرضُ بابل
سادها الحِثِيّون وقطّاعُ الطريق ،
الرهبانُ والأحبارُ وغانياتُ الحان
مهجورة أرضُ بابل
عافها الطيرُ والنحلُ وحامي السور
وإلى الموتِ ـ حين لم يبدِ نبونيدُ مقاومةً ـ ساقها الأَخمينُ ، فشَرِقَ بفلولِ جندهِ برُّ السواد
منذورة للخرابِ أرضُ بابل
كأن الندى يتأففُ على مشارفِ أصباحِها
أو ينبثقُ في الشرفاتِ التي خلتْ مِن جُلاّسِها
وأنتَ للشروقِ ترفُّ على متنِ زورقٍ أُسطوريٍّ
تُجاسدُ في دهشةِ الغبشِ بغيّا ، نزحتْ من ضفّةٍ في أوروك أو مِن سلالةٍ ملكية ،
تتشهّى فحلاً بدائياً
مهجورة أرضُ بابل
عافها الطينُ والنخيلُ إلى أرضِ صيدون
فصار الطينُ سلوقياً
والنخيلُ أدْلَجَ نحو وديانِ بيزنطة
فهل أدمنَ شقيقُ الشريعةِ عارَها الأبديّ ؟
مقهورة أرضُ بابل
وأنتَ تطوفُ ليلَها المُترعَ بالترقّبِ
تُبحرُ نحو أوروك
أو ترحلُ بما تبقّى لك مِن أسمالٍ
إلى بغدادَ
تجوسُ فيها سرّاً بحثاً عن سرِّ
أو عن أبراجٍ لم يبقَ منها غيرُ الطينِ
فقبلك ميرتين تاه في فوضى اللوحةِ ،
في فوضى الأشياءِ
في جسدِ النهرِ يخترقُ الأبراجَ
وحين ينقشعُ الغيمُ عن بياضِ الرؤيا
وعن صباحٍ لجنائن لم تُخلق لامرأةٍ
تحلمُ نبونيد الليلةَ للمرّةِ الأخيرة
غبشاً سيأتي قورُشُ مُدججاً بالنصرِ
وبركاتِ القومِ
وعلى أجنحةٍ مِن نارِ يأخذُكَ حيث الأسوار
حيث الذُّل حيث العار
قورش يا نبونيد اصطاد صيداً سميناً
محروثة بالموتِ أرضُ بابل
حيث لا عجائبَ مرّت بها ولا ملوك
وحيث يجثو على ركبتيه نبيٌّ في أور
ساحباً دعاءه المنطلق نحو الله
وفي الصبحِ
ما بين موتين
يعودُ بنو اسرائيل بأطواقِ الزهرِ
لكنّ بابلَ معطوبة
ونبونيدُ غاصَ في الخراب
مزهوّة في الغربةِ أرضُ بابل
نرتادُ ، في الحُلُمِ ، حانَها
والقبابَ المُذهّبة
ونذرفُ في الليلِ دمعاً
يسقي حدائقَها

31 ـ 12 ـ 2002

***
14 ـ عطرٌ لجسدِ البلادِ
***

لفردوسٍ اِختلجَ في جنحِه الرفيفُ
منذ أولِ الليلِ ، عطرٌ
لاهتياجِ وحشِ المتعةِ في المنامِ
حتى آخرِ الفجرِ ، عطرٌ
عطرٌ لمَنْ ظلّت تُطارحُ أُذني غراماً
تُبدد في كلِّ جفوةٍ سحائبَ المللِ
ومِن وراء أستارِ رجولةٍ
تهمسُ :
أنا سيدةُ المدينةِ التي ما انبجست وردةً في سرير
ولا تجلّت لذّةً لمسافر
ولا أدركَ بطنَها بعضُ البطونِ
هي الخبلُ القاتلُ
عطرٌ لزغبٍ استنبته على جسدِ الملاكِ زفير
عطرٌ لجسدي
أنا الطائرُ الذي لا يحطُّ كرامةً لقانون
حاملُ سجّيل ربِّكم التي ما أُمطرت على رؤوسِ الغزاةِ
حينما كان المُحتلّون يستلّون مِن البريّةِ رشاقةَ الغضا
وبها يطعنون صدرَ بلادٍ
سُمّيت في أسفارِهم بلادَ ما بين نهرين
أنا الطائرُ الخجلُ
الذي يترعُ بالأحزانِ كأسَ هيامِه
ومِن الكأسِ يشربُ بعمقِ الزمانِ نوراً
منذ اندلاعِ الفجورِ
في أولِ ليلِ الكلامِ حتى ختامِ ومضةِ النجمِ
منذ ذروةِ الدهشةِ
حتى اختصامِ برقٍ وسماء
هي الخبلُ القاتلُ
ظلّت تفترسُ نضارةَ وجهِ المكانِ
فليُعَطّرْ جسدٌ في قافلةٍ آبقةٍ
وبه فلتُشْبَعِ الريحُ
خبلٌ ظلَّ يطاولني :
ها قد مرَّ المحتلّون على جسدِ أرضٍ
في أسفارِكم سُمّيت أرضَ الرافدين
فجراً مرَّ العابرون
وبعد ؟
لم نكن نياماً
حين فقدنا وسائلَ الصحوةِ
عطرٌ لجسدي
أنا الساهرُ في آخرِ الخيامِ
عطرٌ لجسدِ سيدةِ البلادِ
التي رفعت همسَها كغَزَلِ وردةٍ لذكرِ وردٍ في آخرِ الغصونِ :
مِن أحلامِ الغضا ثقّفْ نبالَك
واشحذْ بكلِّ الغضبِ سيفاً
إلى غِمْدِه لن يعودَ
هي عاصفةُ البلادِ التي ما هدأت
إنما الأبناءُ في وجهِها ابتنوا سدوداً
إنما الأبناءُ في الضلالةِ أمعنوا
يا لخيانةِ الرّبِّ
في هذا الفجرِ المُتضوّعِ بأنفاسِ الجفاءِ
عطرٌ لسفحِ روحي المُشاعِ
منذ انهيارِ جسدي المُكبّلِ بسلاسلِ الخيباتِ
عطرٌ يطوّقني
عطرٌ يفارقني
عطرٌ لجسدِ أرضٍ سُمّيت في بعضِ أسفارِكم
أرضَ السوادِ
فلم تعد أرضاً سواداً حين بها مرَّ السوادُ خفافاً
وحين غادرها السوادُ
نزفت عطرَها
عطرٌ بعد ألفِ فراقٍ وفراق
عطرٌ لجسدِ العراق

19 ـ 11 ـ 2007
***
15 ـ جفافٌ عدنيٌّ
***
أوحَشَنا البحرُ ساعةَ هاجرةٍ
فحين لبطتْ حورياتُ الشرقِ في حضنِه الفسيح
طرحتْه نشوةٌ ونام طويلاً
كنّا نرشقُ بالوميضِ الحلماتِ
ونستعيذُ بالله مِن طغيانِ الجسدِ
بينما العدنياتُ يترضبْنَ
برذاذِ الحَيْرَةِ
بينما نحن ومِن حرقتِنا
ندفنُ صهيلَ الحلماتِ
في مجرى مياهِنا

8 ـ 7 ـ 1985 عدن
***
16 ـ السفر إلى حمدان
***
1

في الطريقِ إلى حمدان
تحرّش بنا نخلُ الرحلةِ
وتورّدت في السواقي فرحاً
مياهُنا
حتى أُريقت وسالت
نحو الجذورِ
30 ـ 9 ـ 2002

2
ونحن نطاوعُ نحو حمدان
الرحلةَ
أخذتنا في دهشةِ السماءِ
نجومٌ
وفي عرضِ الليلِ
اختبلت ذكرياتٌ
ثم عن الطريقِ انحرفنا ، فصرنا
إلى حمدان
أقرب
حين تفقدت وجوهَنا
الرحلةُ

1 ـ 10 ـ 2002

***

17 ـ في الطريق إليها


***

كلما شرعتُ بتشييد بيتي
هبّتِ العاصفةُ
**
تهتكي
حتى ينزلَ المطرُ
**
أ عاريةً
تُراقصين الريحَ
أم بقميصِك الأزرق الشفّاف ؟


1 ـ 9 ـ 2002
***
18 ـ خروجٌ في الرؤيا
***
...............
إلى روح أمي
...............
والظلامُ مازال يلفّ الوجودَ
وصلتني الوصية
سأبني قبرَك
بعد انقشاعِ الظلامِ
**
خرجتُ وكان الظلامُ مسدلاً
فكيف أعودُ
والظلامُ بعد عشرين عاماً
لمّا يزل مسدلاً ؟

25 ـ 8 ـ 2002

***
19 ـ مزمار في بيت الأفعى
***
في بيتٍ شُيِّدَ مِن أنفاسِ
آجُرَّةٍ خبيثةٍ
تركتُ في غفلةِ الزوايا بذرةً
هي لأهلِ البيتِ غريبة
في بيتٍ كلّما زرتُهُ
وهاجمتني الأفاعي بسمومٍ مِن زبدٍ أسود
تذكّرتُ في الحالِ عشبةً
لفظها الفراتُ لتُصبحَ شجرةً
للبغيِّ عشتار
ربما نبتتْ في بابِ الحانةِ
سكنتها العفاريتُ والأفاعي وطائرُ الزو
ثم أخذتني رحلةُ المزمارِ
تذكّرتُ
وفي برلين تهتُ
لكنني تركتُ صمتاً وتحت المقعدِ الخشبيّ
تركتُ بذرةً مِن عفافٍ
ستكبرُ البذرةُ
تُقوّضُ أركانَ البيتِ
وتنظِّفُ المكانَ


16 ـ 9 ـ 2002
***
20 ـ خطوةٌ مِن الأمس
***

وحدك في المُنْتَأى
وطيفُك
رويداً رويداً يغرقُ في صمتِ المنام
وحيداً
وحيداً تخبُّ في آخرِ الليل
تحملُ راياتٍ مطعونةَ الوفاءِ
وذكرياتٍ لرفاقٍ رحلوا
فارساً عدتَ مِن حربٍ خاسرةٍ
المنتصرُ فيها هم الأصدقاء
وبرلينُ ما علّمتك سوى الخساراتِ
تهبُّ لصيدٍ في أولِ الليل
تضعُ بوجهِ الأقمارِ همسَ شموسٍ دافئة
تصطادُ ؟!
مُحال .. مُحال
يرتدّ همسُكَ منغمراً بالجليد
وحيداً إلى قيامتِك تمضي
بلا أجنحةٍ تطوفُ الفراديس
وبرلينُ
علّمتك الكثيرَ الكثير
وبرلينُ قارّةٌ
قارّاتٌ خمسٌ
لم تعلّمْك شيئاً


10 ـ 1 ـ 2003
***
21 ـ لم تجبني
***
حين زرتَني في المرّةِ الأخيرة
شعّ في عينيك دمعٌ
وفاض بالنّطقِ مُحيّا
حين زرتَني للمرّةِ الأخيرة
سألتُك في غمرةِ العناق
فيك أشمّ رائحةَ العراق
هل أنتَ العراق ؟


8 ـ 4 ـ 2004
***
22 ـ أحلام الظهيرة

***

في كلِّ ظهيرةٍ
نقفُ على أبوابِ الميناء
ننتظرُ العرباتِ المحملةَ بأسرارِ المراكبِ وروائحِ المدنِ الغريبةِ
تمرُّ مِن أمامنا العرباتُ مفزوعة الخيول
تمرُّ خطوتين تاركةً لنا المؤخرةَ التي إليها نقفزُ
نتدلّى مِن فوق عوارضِها كالخفافيش
بلهاثِنا نسوقُ العربات
وبالسياطِ التي تلهبُ ظهورَنا تسوقُنا العربات
فالعرباتُ التي حملتنا مثلَ خفافيش
والعرباتُ التي أفزعتنا سياطُها ، انفتحت على المدى كنوزُها ومنها تناثرت المدنُ التي لم نرَها بأحلامِ الظهيرة :
نساءُ مِن مدراس .. مِن بومباي .. مِن كشمير .. مِن سنغافورة أو سيام أو مِن بلادِ العاج .
طيورٌ مِن غاباتِ الأمازون
أخشابٌ مِن سمرقند ، عطوراتٌ مِن بلادِ الهالِ والهديلِ ، ونكهةٌ حضرميةُ المنشأ تنبعثُ مِن طيبِ اليمن السعيد .
لكن العرباتِ التي انفتحت على المدى كنوزُها
عادت بظلالِنا التي أخذتها العوارضُ وتركت تحت لهفةِ الشمسِ أجسادَنا والملوحةَ .


21 ـ 4 ـ 2004
***
23 ـ الطرقات
***
الطريقُ التي عليها نحثُّ الخطى
والتي أطلقَ أسرَها السرابُ
نزلت بنا إلى النهرِ لكي نرتوي
الطريقُ التي بنا نزلت إلى الماء
فاتها أنْ ترتوي
فانحرفت بنا

***
في أولِ الطريقِ انتظرناهم
كانوا امرأةً مِن حضرموت وثلاثةَ رجال أشداء يسوقون القافلةَ
في أولِ الطريقِ حيث انتظرناهم
عنهم تاه النجمُ
وضاعت القافلة

***
ما بعد عدن كنّا بلا بوصلات
وكانت بلا أشرعةٍ مراكبُنا
ما بعد عدن لا ينفعُ الشراعُ ،
قال قائدُ السفينةِ ،
فحين يرتحلُ الهواء
وحين يؤاخي الماءُ زرقةً ، إليها يصيرُ الرجاءُ ،
تتخلّى عن أشرعتِها مراكبُنا
وتُبحرُ بنا السماءُ في عتمةِ اللُجّة

21 ـ 4 ـ 2004
***
24 ـ حمّام لسيدة الصباح

***

بنورِها استحمّي ودعي طيورَها تحرسُ المكان
بِريقِها استحمّي ، وانضحي يا جميلتي في آنيةِ النّحاسِ لؤلؤَك المجنون .
بشعرِها المسافرِ تعلّقي .. وعند عذوبةِ النسيمِ بطلِّها البهيّ استتري .
بها استحمّي .. وتحت شلاّلِها تهتكي
فهذه الشمسُ لم تكن بطبعِها فاجرةً لكنها بفجورِ الأجسادِ مغرمةٌ
وهذه الشمسُ ،
تحت دهشةِ العيونِ ، بالعرقِ تتأرّجُ
وهذه الشمسُ مِن حبيباتِ الحنانِ تنظمُ ، بخيطِ لوعتِها ، القلائدَ .
بها استحمي وبنورِها تطهّري وانضحي ماءك العبير .. ثم ابتهجي وابهجيها واتركي الروائحَ العذبةَ في أنفاسِها تعبق ، ودعيني أصلها ودعيها مِن مدارِها تنفلت وعلى أسطحي الراقصة ترتمي
ودعيها .. ثم دعيها .. ودعيني ألاعبها .. ومِن الشروقِ حتى همسِها الأخير أداعبها .. ودعيها تضاحكني ودعيني أضاحكها .. ومرّةً أُلاطفها .. ودعيني .. ودعيها بنظرةِ ودٍّ ترشقني فتمتلئ بالدمع مآقيها
استحمي ، وانضحي ، ودعيها خلف أفقِها المعبودِ تنزع للشبقِ حمرتَها الباذخة .. ودعيها تراودني ، وعلى كفّي تتكثف ومن جوفِ كأسي العتيدة تتفجر .
استحمي .. انضحي .. تفوّحي وخدِّري سربَ طيورٍ استجلبه البريقُ
انضحي .. فبعد حين ينطفئ النهارُ مختطفاً لوعةَ الجسدِ .


13 ـ 4 ـ 2004

***

25 ـ رجاء


***
تمهلْ ..
تمهلْ .. تمهلْ ولا تنطفئ
فعلينا سوف يأتي زمانٌ
يسودُ فيه ظلامٌ كثيفٌ
ونحونا حين ترحلُ مراكبُنا سوف
تزحفُ بحارٌ ..
تمهلْ صديقي ولا تستعجلِ الرحيلَ
فما زال في صحبتِنا شيءٌ مِن جذوةِ الوفاءِ
ومازلتُ بكَ أحتفي

9 ـ3 ـ 2004
***

26 ـ مقهى الأصمعي

***
إلى مقهىً يقعُ في ثغرِ البصرة
دخلتِ الشمسُ مزهوّةً ، راقصةً ، لتستحمّ بالعيون
أطلقتْ ضحكتَها الصهيل
ثم نضت ثيابَها قطعةً قطعة
دُهشنا وابتهجْنا وحلُمْنا ثم دخلنا في حضرةِ الشيخِ الأصمعي ، وكان يجلسُ تحت سقفٍ من جريدِ النخلِ ، نتابعُ جمعَ الأشعارِ ونستغرقُ في العجبِ فيما الشمسُ ترفعُ عن صدرِها حمّالةً مِن طلِّ لتتركَ النهدين بشامةٍ يفسقان .
حوقلنا بوجهِ الشمس
ابتسم الشيخُ
فغطّت بكفِّها شامةً
لكن النّورَ البهيّ
رقّص الشامةَ مِن خلف زجاجِ الكفِّ
وأطرقنا مع الشيخِ الرؤوسَ

16 ـ4 ـ 2004

***

27 ـ المنسيّون

***

أيها المنسيون
إنْ عليكم أقبلتِ الدنيا
أطْلوا جدرانَ نفوسِكم بألوانِها وانبذوا الأحزانَ ثم افتحوا للبحرِ ليلَ الولائم وانفخوا في جسدِ الصحراء ندى
فحياتكم كالطينِ
إنْ دفته لان وإن تركته جفّ
أيها المنسيون
إنْ عليكم أقبلتِ الدنيا
استبدلوا الرقصَ بالرصاصِ ، والحناجر أطلقوها للغناء
أيها المنسيون
هي دورةُ الزمانِ في سمائكم اكتملت
فادخلوها فرادى أو جماعات
وهي وردةُ الحبِّ قد نطقت
فاقطفوا شذى
واتركوا الجسدَ على الأسرةِ يتفجر
أيها المنسيون
عزُّكم في باطنِ الأرضِ غائرٌ
فاحفروا ليلَكم ويمموا الوجوهَ

18 ـ9 ـ 2004

***
28 ـ حانة عمر بن أبي ربيعة
***
في الحانةِ التي لا تنام ليلاً أو نهاراً
في الحانةِ البيضاء المزينة بأعشاشِ الحمامِ وأشعارِ عمر بن أبي ربيعة والتي أطلقَ عليها الغرباءُ حانةَ الهديلِ .
في الحانةِ التي تؤمها في الغالبِ القوافلُ القادمةُ مِن بلادِ الشامِ أو مِن اليمنِ السعيد .. والتي يعتلي تيجانَ نخلِها اليمامُ ، نفرتْ مِن جسدِ الخمرةِ بهجةٌ حين بسقَ مِن موجِ النشوةِ نهدٌ .
نحوي هوّم النهدُ
ولحَيْرَتي هتفتُ :
أيُّها النهدُ العاصفُ في الحانةِ
الضاحكُ بعنفوانِ الصبا
عليك السلام
في الحانةِ التي تستوقفُ الليلَ أعواماً
وتحتجزُ القمرَ في سمائها أياماً
في الحانةِ
التي لا تخلو أبداً مِن سحرِ التاريخ
حاصرني النهدُ
دنا مني مُتهتك الطلعةِ ، بهياً ، فاجرَ الحلمةِ
وعلى طاولتي
نزفَ وردَهُ
في الحانةِ ، التي عاقرَ خمرتَها عمر بن أبي ربيعة وجيلٌ مِن شجعان
ومنحتْهم أعظمَ تهويمة ، كبرت حَيْرَتي فأطلقتُ نحو النهدِ ندائي :
أيُّها النهدُ الثملُ الفاجرُ أطلقْ أسرَ عيوني

13 ـ 9 ـ 2004

***
29 ـ دار السموأل
***
في ليلةِ عيدٍ
نصبنا فسطاطَ حفلِنا في باحةِ قصرِ السموأل
قلنا سيُقبلُ
مِن فمِ البلادِ التائهون
وسيُقبلُ الملكُ الضلّيل على بغلةٍ سوداء
فيما الريحُ تُراقص القمرَ
شربنا الليلَ كلّه
وحطّمنا كؤوسَ الضيافةِ
فلا جاء التائهون ولا انفتحت البلادُ
ولمّا صحونا افتقدنا القمرَ
قيل لنا بعد السؤالِ
أطفأته الريحُ في الغرفةِ المجاورة


20 ـ9 ـ 2004

***
30 ـ فجورٌ ليليّ
***
أنتِ صاخبةٌ مثل طفولةٍ تنمو في الهواء
وبالطرفِ حين تلحظين ،
ترتجفُ على المقاعد رجولةٌ
أنتِ لا تعلمين ما سرّ نشوة الوسادة
ولا سرّ تدفّق الماء في أنهارِك المسكراتِ
وحين لا تعلمين
كيف تسهرُ في شرفاتِنا الأقمارُ
لا تعلمين شيئاً عن نزفِ النبيذِ في كوثرِ الصدورِ
أنتِ .. أنتِ يا حبيبتي
حين بالعطرِ تغمرين البلادَ
ينهمرُ الطلُّ في ليلِنا المؤجلِ الرحيل
أو ينسفح على إثرِ زهو نجمةٍ ثملت
أنتِ حين بك يزدحمُ المكانُ
فاجرةً بالمكانِ تظلُّ العيونُ
وأنتِ ، حين بالضحكةِ أشرقَ السؤالُ ، نمتْ على جبينِكِ ورودٌ وظلّت إلى غدِنا مزهرةً

27 ـ 8 ـ 2004

***
31 ـ حين نكون معاً
***

في الطريقِ إلى آخرِ المحطّاتِ ، وكنتَ بلا حقائبَ للسفرِ ، فتكَ بك عطرٌ مِن عطورِ الجنّةِ .
أنتَ لا تدري ما الجنّةُ ، وما روائحُها
وأنتَ لمّا تزل حيّاً ، للحياةِ عاشقاً
وأنتَ لعمرِ النسورِ تتشوقُ
إنما سحرُ العطرِ ، غرابتُهُ حتّمت توصيفَه
أسّرك العطرُ
إليه أخذك
وبه تضمّخ العمرُ
في الطريقِ إلى آخرِ المحطّاتِ وكنتَ تنوي بلا حقائبَ السفرَ فقدتَ بوصلةَ الرحلةِ
وعلى نفسِها دارت سماؤك
دوّخك العطرُ ؟
في الطريقِ وكنتَ تنوي السفرَ
ثقلت عليك المباهجُ
فترنّحتَ خارجَ تخومِ الرشدِ
تاه عنك العطرُ
في جهةٍ ما اختفى
وعن السبيلِ التي به تضوّعت تنحّى
عنك أنتَ الذي به همتَ انطفأ
في الطريقِ إلى آخرِ المحطّاتِ ضيّعتَ السفرَ
رحلَ القطارُ والمسافرون وعاد لتوِّهم المودعون
وأنتَ هائمٌ
وأنتَ إلى الليلِ تجرّ الخطى
وإلى البيتِ تنقلُ حطامَك ووجهَ المسافر
وأنتَ يهزّك على عتباتِ البيتِ جنونٌ حين ترى الليلَ بالعطرِ سابحاً
حين ترى البيتَ بالعطرِ سابحاً

26 ـ 8 ـ 2004
***
32 ـ كلّ زورق ابتلّ في ليل المدينة
***

وأنتَ بإعدادِ زورقِ الرحيلِ تنشغلُ هل تسمعُ نوحَ المدينةِ التي في منامِها تطهّرت أطيافُ النساءِ ؟
هل سمعتَ رفّةَ شالِ امرأة
مرّ في سماءِ المدينةِ ؟
شالٌ أبيضُ يُعبّر صوتاً أبيضَ
وأنتَ تعودُ تاركاً حروباً مِن رقيقِ الكلامِ وعدةً مِن همساتٍ هل أطلقتَ قبلَك طيورَ الشوق ِ؟
إذن لا تتضمّخْ برائحةِ المنفى حين تعود
ولا تحملْ قلباً عليلاً
وحين إلى مقهاك تعودُ ولصحبٍ لم يبقَ منهم سوى الأسماءِ وصورٍ كالحةٍ ، سل عن وجهِك الضائع .
حين تعودُ بعد ثلاثين عاماً كأنك ابنُ القمرِ الذي لم يشرقْ في ليلةِ صيفٍ ولم يسبحْ في صفحةٍ مِن سماءِ المدينةِ كأنك ابنُ الغريبةِ ، سل عن شالِك المُنتظِر
حين تعودُ وفي الطريقِ تجترُّ الماضي وتهمسُ للروحِ بلوعةِ الحاضرِ وتمنّي النفسَ بصورةٍ أو ذاكرةٍ منها ، لم يأتِ عليها الطوفانُ ، سل عن ضحكةٍ سمعتَها ذاتَ فرحٍ .
حين تعودُ ، مُحاطاً بأزهارِ وطنٍ وهميٍّ ، مستعيراً هالةَ الوصولِ .
حين تعودُ وتأخذُك الطريقُ إلى البيتِ القديمِ إلى
بيتِ الطفولةِ الذي لم يبقَ منه طللٌ أو آل إلى ساحةِ لعبٍ أو متراسٍ أو موضعِ دبابة .
حين تعودُ مهشماً
حين تعودُ شبحاً
حين تعودُ غريباً
حين تعودُ إلى أرضٍ استبدلت الدمَ بالماء
حين تعودُ بعد أنْ ابتلعَ المدنَ رمادُ الحروبِ
حين تعودُ وفكرُك لن يحيدَ عن وجهِ أمِّك التي تلفُّ رأسَها بشالٍ أبيض وعلى ذراعِها عباءة سوداء تومئ لك كالعادةِ مِن بعيدٍ
حين تعودُ متخذاً مسارَ العباءةِ أو مستدلاً بضحكةٍ أشرقتْ في نهايةِ الطريق
حين تعودُ عودةَ طائرٍ هدّهُ الترحالُ ليحطَّ حطّةً أخيرة
حين تعودُ مالئاً روحَك بالحنين ، قلبَك بالأمل ، وحقائبَك بالذكرياتِ
حين تعودُ مشتاقاً حتى للأعداء
حين من العباءةِ تقترب
حين منك العباءةُ تقترب
حين تقتربان
حين تلتقيان
حين تهمُّ بالعناقِ
تفلتُ منك صرخةٌ
حين تكتشفُ
أنّ العباءةَ وحيدةٌ تلوّحُ في الهواء


25 ـ 8 ـ 2004

***
33 ـ أُغنيتان ليوسف الصائغ
***
1 ـ وردةُ الشاعرِ

بضعُ تُفّاحاتٍ
تبعْثَرْنَ على رائحةِ الصّباحِ
بضعُ نُخَيْلاتٍ
تَوزّعْنَ على أشواقِ الطريقِ
فأجفلت المسافةَ أنفاسُ المسافرِ
حَيْرَة بددها صخبُ الفراتِ
بضع همهماتٍ
أَطْلَقَتْها الفجاءةُ وضاعتْ في المسيرِ
لك السماءُ
بحرٌ وأسرابُ قطا
زرقةٌ صافيةٌ مِن رحيلٍ أزليٍّ
ونارٌ تلهثُ في البرّيّةِ إليها يهتدي الضائعون
شجرٌ لك ينحني
في مُقتبلِ الوصولِ
يُلامسُ عفّةَ الرملِ
حين تأتي مِن سفرٍ بعيد
ويأتي الحنينُ ندىً
تُقَطِّرُهُ مِن على الأفنانِ أفياءُ
لك بضعُ نُخَيْلاتٍ
إرتجفْنَ في ألقِ المساء
جنةٌ لك فوق مَحْمَلِ الرّبِّ الأزرق
طيورٌ سابحةٌ في سماءِ وطنٍ شاهقٍ
وغانياتٌ يَصِبْنَ مِن بللِ الليلِ قبلاتِ الكؤوسِ

**
سماءُ مضيئةٌ
لقافلةٍ تأتي مع بزوغِ زمنٍ فضيٍّ
تحطُّ ، على خشيةٍ مِن قمرٍ ضاحكٍ ،
ذاتَ ليلٍ على وجهِ ماء
ربما انقطعت بها الطريقُ
ربما
هل انقطعت بها الطريقُ ؟

**
سينامُ القطا على رؤوسِ رماحٍ مِن عشبٍ بريٍّ
أو بين أطيانِ المدينةِ
التي استأجرت فنادقَها
للقادمين في ليلٍ ما مرَّ به شهابٌ ولا تَلجْلَج بين أكنافِه نجمٌ
ستنامُ القوافلُ
تحت سماء شاسعةٍ أنتَ راعيها

**
لك بضعُ نُخَيْلاتٍ
دفءٌ لفراشِ العاشقِ
صدرٌ ناهدٌ لعاشقةٍ يتحسّرُ ، تحت العينِ ، لوعةً
دفءٌ لضحكةٍ أينعتْ في الوداعِ الأخير
سماءٌ لك
هالةٌ فَتِيّةٌ خجولةٌ تُكَلّلُ هامتَك
شجرٌ لك
يُطوِّقُ خصرَ أحلامِك الزاهيات

**
طيبٌ لك
لثيابِ القادمِِ تتضمّخُ
به هذا المساءَ المُتَخاذل أمام شبحِ امرأةٍ
قُدّت مِن موسيقى الرّيحِ
جُبِلت مِن موجٍ
مِن إعصار
طيبٌ لهذا الليلِ المُبْتَهِج
الذي كفَّ عن طَرْقِه السائرون
طيبٌ لظلِّك المُنسكبِ على الجدارِ
كإلهٍ يُراقصُ في عرضِ اليمِّ دلفيناً

**
بضعُ نُخَيْلاتٍ لك
وطيبٌ لأفراحِك الفانيات
لرقدةٍ هانئةٍ كثيرةِ الابتسامِ

**
بضعُ نُخَيْلاتٍ لك
سماءٌ لك
لصحرائك التي جانبتها القوافلُ
وبها تيبّسَ الحداءُ
ستكتحلُ عيونُ المها في اللحظةِ الأخيرةِ
سترتوي مِن عفّةِ الليلِ خُزَامى
ستتعرّى في سمرٍ أصيلٍ الساحراتُ
وتُغرِّدُ طيورٌ مِن قلقٍ آثمٍ
بلا شجرٍ نديِّ الأفنانِ
لك الطريقُ
وهدايةُ القطا
لك السماء

23 ـ 11 ـ 2007

**
2 ـ دَعْ القطا ينزل
**
مِن رملٍ علقَ بقدميك
امسحْ قدميك
وعلى كاهلِك احمل الصّحراءَ
وادخلْ جسدَ الريحِ
فنحن إلى البحرِ حَمَلْنا بعضاً مِن أشواقِ الزهرِ
وشيئاً مِن سقطِ متاعِ الدنيا
فاتركْ للزمنِ الحافي نعليك
وتوسّد الهواءَ
يا يوسف
قُلْ لسربِ القطا الآبقِ أنْ يتبعَنا
أرشدْه إنْ لم يفعلْ
أو دعْه يوقف الحومَ وينزل
أرشدْه
فلدينا متاعٌ كافٍ لنهايةِ المسافةِ
وصرّةُ وصايا لأخوةِ مالك
فبعد أنْ يهيلوا عليه الثرى
عليهم أنْ يتركوا المكانَ
للمكانِ الذي استأنسَ صحبةَ مالك
يا يوسف
دعْ القطا ينزلْ
دعْه كي يستريح

14 ـ 12 ـ 2005

***
34 ـ عشقتنا أمريكا
***
في زفرةٍ مِن زفراتِ الوجْدِ
أو في تهويمةٍ نادرةٍ مِن تهويماتِ الفرحِ
لنا اشتاقت أمريكا
حين تفرقّنا في بلادٍ شتّى
علينا اِشتدَّ فجورُها
وبها بلغَ الهيامُ مبلغاً
صرنا مِن دون الخلقِ عشّاقَها
وبها صارت للعراقِ لوعةٌ
سال جذرُ حنينِها
وللرغبةِ بنا لم تَعُد تكبحُ
في تلك الأثناء
كان بحرُ العربِ يطلي أجسادَ الفاتناتِ
بزيتِ العودِ المكيّ
وبالزبدِ الخارجِ مِن شَدْقَي فحولتهِ
يغطّي عورةَ الشمسِ الباهرةَ
أحصت شروخَ نفوسِنا
وبنا هامت أمريكا أشدَّ الهيام
فجلبت كنوزَها اللؤلؤَ
حمّلتها على ظهورِ البومِ
وبها ضربت عرضَ اليمِّ
ثم نحو سواحلِنا،
التي نُهبت عَبْرَ التاريخِ ،
أَدْلَجتْ بالعقيقِ مراكبُ
أدلجت كما أدلجَ مِن قبل :
حثيّون
فرثيّون
حَبَشٌ
ونساطرةُ
نحن فجرُ الدنيا وفرجُها المُشاع
يا للدهشةِ
استولينا على أطيارٍ في سماء مشرقةٍ وساومنا عليها الصيادين :
هذي بَرَكَةُ الرَّبِّ لنا
حين وَجَدَنا عن جلودِنا منسلخين في غيابِ العفّةِ
هذي بركاتُ الربِّ
هل باركَنا الربُّ ؟
حَطّمْنا جهدَ الغيمةِ التي طاردتِ الريحَ
والتي فوق عجيزتِها رفعت موجةً مشاغبةً
مغتلمةً في أبّهةِ الصباحِ
ما طغت وما بغت إنما في آخرِ أيامِها تشبّقت
عاطلون نحن أمام أبوابِ المبغى
ننشدُ فخذاً مشحونةَ الرغبةِ
أو فقدت بريقَها بعد ليلةٍ ساخنةٍ
بين تراشقِ الأفخاذِ
يا ربّ الشبقِ الجسديّ
أُدخلْ أمريكا سرائرَنا
يا ربّ الغلمةِ
أُدخلْ أمريكا أسرتَنا
يا ربّ
يا ربّ اللوعةِ
اجعلْ أمريكا في منامِنا ليلَ نهار
يا ربّ أمريكا خنّثْنا
فنحن لا نستحق فحولةً
ها نحن سادةٌ للجنون
سادةٌ للخيانةِ
ها نحن في آخرِ المطافِ
عاشقون لهذا الزمنِ الشائخِ في عيونِنا ، المتصابي في عقولِنا
نحن ارتشافُ الكؤوسِ الفارغةِ
وأزْيارُ نساءٍ في أسرّةٍ لا نساءَ فيها
نجهشُ على صلاتِنا الباطلةِ
ونسكبُ مِن فشلٍ كلَّ النحيبِ الجسدي
نُطلقُ صَبَوَاتِنا على غلائلَ
يتنهّدُ تحت ابتسامِها ثمرُ الحلماتِ
نشاكسُ منذُ أولِ الصبحِ ناهداتٍ
لا نساوي مِن بخورِ ليلِهنَّ شيئاً
عشقتنا أمريكا
فلتطفئْ نارَ وجدِها بوجدِنا المُبارك
ولتأخذْ منّا وروداً مطأطئةَ الرؤوسِ
وخدوداً ذابلةً لحبٍّ همجيٍّ
صاهلون نحن
حين أَسْرَت نحو ظلامِنا أمريكا
أجبرتنا على التراشقِ وإياها بكرزِ المحبةِ المعطوبِ
هائمةٌ هي ومشتاقةٌ
ونحن ، إلى رائحةِ أبقارِها المُباركةِ بلحى أئمتنا، متلهفون
يا ربّ اللعنةِ
اجعلْ أمريكا سيدةَ المقامِ
وعذراءَ المعبدِ
وألبسْها عمامةً زرقاءَ لا شرقية ولا غربية
يا ربّ الشّوقِ الأسود
اجعلْ أمريكا
تسوق أكرمَنا ، إنْ وِجدَ ، نحو المسلخِ
ها نحن أطفالُ المأتمِ نُبجّلُ أمريكا
نكرمُها للتاريخِ
هذا حرزُ العافيةِ جلبتْهُ معها
سنفوزُ به
هذا بيدقُها القاتلُ
تمضي إلى سواحلِنا الكنوزُ
ونحن ننتظرُ صهيلَ اللؤلؤِ مِن فوق ظهرِ السفينةِ
تمضي إلى شواطئنا الكنوزُ
تُفرغُ قبلَ المدامِ الأخير
وقبلَ أنْ تدورَ نخوةٌ في الضمير
أُتْرِعَت كلُّ كؤوسِ الدنيا وسَكرْنا
استهوتنا المراكبُ والكنوزُ
عليها طلعنا بزفيرِ الشّوقِ فساقتنا
إلى آخرِ البحارِ
عبثت العاشقةُ بأرضِ الرافدين
ونثرتْ بكلِّ عنفوانِ الوجدِ لؤلؤَها المجنونَ
أَتْرَعْنا كؤوسَ الموتِ ونمنا
حتى ليلةِ الحلمِ الأخيرة
كانت بلادُ الرافدين تغطُّ في انفلاقِ الشخير
وكانت ترتعُ في صدورِ القومِ
أصدافُ الخيانةِ
دخلتْنا بكلِّ زهوِ العاشقين أمريكا
رهزتْنا بكلِّ عنفوانِ الشوقِ أمريكا


13 ـ11 ـ 2007
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الديوان الثالث

امرأة المُلك
شعر
صبري هاشم
***
1 ـ
***
2 ـ قصتنا مع الفأر
***

هُتكتْ مأربُ
فالفأر خرّب السدَّ ،
والسدُّ دمّر حقولَنا الخضراء .
فاض الماءُ .
إلى أعالي السماء طاردَنا الفأرُ
إلى صيحةٍ في رأسِ الجزيرةِ
نحو لوثةِ القمر
في تلك الأيام شرّدنا الفأرُ
وصرنا في بلادٍ لأبناء عمومتِنا
ما بين نهرين أو ما بين جرحين
أنخنا الجمالَ
صرنا في جنحِ الهلالِ أو في شوقِ الخصبِ .
إنّا صرنا في شتات
وإنْ رضعنا من أثداء نوقِ الشام
وأكلنا من تمرِ نخلِ العراق .
الفأرُ العاشقُ يعرفُ عنّا ما يعرفُ الماءُ الساكنُ خلف السدِّ .
الفأرُ الفاسقُ هاجمنا في تلك الأيام
وبنا استبدَّ
الفأرُ النابحُ وراءنا مازال يطاردنا
حتى هذه الأيام
حتى هذه الأيام
يطاردنا الفأرُ


22 ـ 6 ـ 1990
***
3 ـ تحية الصباح
***

كلّ صباحٍ تأتي زهرة
تُطلق تحيةَ الصباحِ وتمضي
كلّ صباحٍ تأتي زهرة
تزرعُ في نفسي ابتسامةً وتمضي
كلّ صباحٍ تأتي
في رقّةِ الكأسِ
تأتي .. تأتي
كلّ صباحٍ تشرقُ في وجهي
تجهشُ في صدري
تضحكُ في عيني
تُفرحُ قلبي
كلّ صباحٍ
مع فنجانِ الشاي
زهرة تأتي

16 ـ 11 ـ 2005

***
4 ـ قوارير
***
تلك سطوةُ الحانةِ
نسمعُ ثورةَ الروحِ في رقّةِ الكأسِ
وقرقرةَ العشقِ في بردِ القوارير
وأنفاساً تلامسها
كنا نفترشُ شوقَ امرأةٍ في عفّةِ العطرِ
ثم لزفافِ الشمسِ نختارها
تلك أغنيةُ الحانةِ
تخرج فرحاً في الريحِ راقصاً
وتجهشُ في حضرةِ النجمِ كلّما وقفت ببابِه حيرةُ امرأةٍ
تلك سيدةُ الحانة
تطيرُ بلا حفيفِ جنحٍ
ولا جرسٍ
إنما من فيها انطلقت عذوبةُ الحانة

18 ـ 11 ـ 2005
***
5 ـ حوار النادل والعابر
***
ـ لكِ المساء الجميل يا سيدتي .
ـ ولكَ المساء الأجمل يا سيدي .
ـ مَن أنتِ يا فاتنتي ؟
ـ أنا ساقية الليلِ وحورية أنهارِ اللذة .
ـ حفظتك السماءُ يا نجمةَ الدليل . لِمَ أنتِ هنا في هذا الوقت المتأخر؟
ـ أنا نادل الحانةِ التي من قصبِ التاريخ سووها . فمَنْ أنتَ يا سيدي النبيل .
ـ أنا عابرٌ في هذا الليل فاستوقفني بهاءُ قنديل الحانة .
ـ أسرجناه لرجال من وراء الأفقِ يأتون ، يحملون في صدورهم عبقَ البشارةِ وعلى أكتافهم أوطانَ ريح .
ـ ليتني كنتُ معهم يا جميلتي .
ـ هم أخيار ناس شجعان .
ـ ليتني منهم يا قاتلتي .
ـ هم أعزاء نفس وكرام قوم .
ـ ليتني مثلهم يا فراشتي البديعة .
ـ هم مَن ينتشي بهم الليلُ وتُسعد بوجودهم البلادُ .
ـ ليتني كنتُ كرجالك يا أمل المسافر.
ضحكت النادل وقالت :
ـ إنما أنتَ منهم يا سيدي الكريم فتفضل . أدعوك لليل الحانة فادخل عزيزاً .
دخل العابرُ في ليلِ الحانةِ
في ليلِ الدهشةِ
في جسدِ النادل
قال : حين قبّلتُها التهب روحُها فصعدت إلى حر وجهها حرارةُ حرها
دخلتها ونامت .
أضاف العابرُ :
صبية أطربها الخريرُ
فهبتْ تعابثه
خدش الماءُ ضحكتَها
ارتدّت باكيةً
صبية
على ساقِها تدحرجت قطرةُ طلٍّ
توسّد ذراعَها الليلُ
ظلّت نائمةً
صبية
أغواها رذاذٌ تطاير من أنفاسِ الحانةِ

***
6 ـ موت بحّار اسمه مصطفى الناصر
***

عذبٌ ليلُ المعلا
والبحرُ يأتزرُ الشوقَ منذ بواكيرِ صبحٍ
البحرُ
للنزهةِ يمضي
أو بزفّةِ حوريةٍ ربما ينشغلُ
البحرُ الحائرُ بثغرٍ ساحرٍ يتغزّلُ وقوامٍ ممشوقٍ
البحرُ الداعرُ داعبَ نهداً ركبَ الموجَ
هذا الشيخُ مغرمٌ بفتنةِ الليلِ حين يهبُّ على المعلا نسيمُ
عذبٌ ليلُ المعلا
وأنتَ معي على صخرةِ المنفى تُصلّي
وأنتَ معي توزعُ الحكايا على ظلالِ نسوةٍ عابراتٍ
وأنتَ أطِلتَ السجودَ على ساحلِ نهدٍ ترجّه موجةٌ داعرةٌ
هل أنتَ التَهَجُّد ؟
أفي كلِّ العشقِ البصريّ أنتَ ؟
حولك من أعشابِ الهندِ مقدارٌ
ومن أعشاشِ الطيرِ جنةٌ
وحولك المدائنُ مسرفة الأفياءِ
فخُذْ من مزرعةٍ على البحرِ مشرفة نبضَ الحنّاء
وزورقاً لعبورِ الأفقِ
وقبيل المعلا ترجّلْ
لملاقاةِ امرأةٍ أطاحَ بلهفتِها طولُ الغيابِ
خُذ من ماءِ الحنينِ جدولاً
ولا تستلهم من النخلةِ طولاً
وعلى صدرِ البصرةِ اجلسْ
القِ شبكةَ أشواقِك في نهرِ العشار
أو في نهرِ الخورةِ
وباللذّةِ تطيبْ
فالسمكُ الربّانيُّ يمرّ مصادفةً
حين يهبُّ من جهةِ الماءِ عطرُ
والسمكُ السماويُّ يكون العشاءَ الأخير
الآن ... الآن
ارحل إنْ شئت الآن
لقد نامت على صدرِ الميناءِ ناعمةٌ
وفي آخر المطافِ نجمٌ أفل
ربما نأى ، في صمتِ الهزيعِ ، مقهوراً
عذبٌ ليلُ المعلا
أسكرتْنا شرفةٌ على الميناء تطلُّ
ونحن على صخرةٍ في المعلا نرقبُ السفائنَ الهرمةَ
نأكلُ شيئاً من ثمارِ البحرِ ومن ياقوتةٍ روميةٍ نرتوي
نرتشفُ من كأسٍ على جسدِها الأهلةُ تسبحُ
كأنها كلُّ المجراتِ
وكلُّ الأقمارِ التي ستأتي بالسفائن
هل تأتي السفائنُ ؟
هل يُقبل الصيادون ؟
وأمامنا هل يُطلق الدُلفينُ أجنةً ؟
أيها الصديقُ لا تتعجلْ
سيزدحم البحرُ
تأتي المراكبُ بحمولةِ الأكوانِ
ويأتي الصيادون
وستلهو بالبرقِِ الدلافينُ
لا تتعجلْ الزحمةَ يا مصطفى
فنحن في الليلِ يُعاقرُنا كالخمرةِ الهمُّ
وفي الصبحِ
قد تأتي كلُّ الأطيارِ
سيأتي الجمعُ
سيأتي وطنٌ بلا ذاكرةٍ
وتأتي الأساطيرُ
ونحن على صخرةٍ في المعلا لا ننتظرُ زورقَ البدايةِ
وعدن منذ صباحٍ ألفناها
وعدن مثلنا لم تسكر
وعدن مثلنا مشرعة للنفيِّ
وعدن أدمنت رائحةَ المنفيين والمهجر
وعدن ضرعٌ لمَنْ جفَّ به الماءُ
وعدن مثلنا في الشؤمِ
فهل أسقطت من ريشتِها قطرةَ حبرٍ كطوانيت الجميلة ؟
وهي يا للوعة عن دهشةِ السؤالِ لن تكفّ
عذبٌ ليلُ المعلا
وأنتَ بالرحيلِ ما وعدتني
وأنتَ باللقاء ترددتَ
وأنتَ لم تدرك المسافةَ
عذبٌ ليلُ البصرةِ
أسكرتْنا شرفةٌ تطلُّ على الشارعِ الوطني
كنّا نتثملُ ما في أكؤسِنا على مصطبةٍ قرب الميناء
وأنتَ بالرحيلِ ما وعدتني
حين ابتعدت عيونُ الماءِ عن ظامئٍ
ونحن على الرحيلِ ما اتفقنا
كنّا نرفعُ بوجهِ البحرِ كأسَ الأهلةِ
مثلما يرفعُ البحرُ موجاً هلالياً
مثلما ترفعُ السماءُ نحونا حسرتَها الأخيرة
مثلما أشرقتَ عبرَ الهاتفِ أصواتاً
لم تَعُدْ تهدر
لم تعُدْ تحتفي
لم تعُدْ تلتقي
وأنتَ عن غيابِك الأخير ما أخبرتني
ومن فوق رابيةٍ في أوسلو
لم تُسرّح النظرَ نحو طريقِِ اللاعودة
أنتَ لم تختر الطريقَ
ربما اخترتَها هذه المرّة
ربما اخترتَها للمرّةِ الأخيرة
هل اخترتَها للمرّةِ الأخيرة ؟

***
7 ـ مرثية عوني
حين تكون الريح صَبَا
***

خُذي من هذا المساءِ غصنَ آسٍ
وحمرةً مِن زهرِ الرمّان
خُذي قليلاً من رذاذِ جدولٍ نسيتهُ الجهاتُ
خُذي قمراً
وانبتي فوقَ رابيةٍ ، زهرةً غريبةً
خُذي حجراً وبه اطرقي على جسدِ المنفى
لعل المنافي طافها صدى
خُذي نهرين وفي كأسِ اللوعةِ صُبِّي عذوبةً
ثم اشربي .. واشربي
واسكري وترنحي
فنحن لا نعرفُ الماءَ حتى بالخمرةِ نبتلَّ
خُذي من سكونِ الليلِ تنهيدةَ عاشقٍ
ودعيْنا
نمهرْ بألسنةِ الدعاءِ أديمَ السماءِ
دعيْنا
نتابعْ قمراً حزيناً
ظلَّ في وحدتِهِ لائذاً
راح ينأى
يغمضُ ذاكرةً
أو ربما أطفأتهُ الدهشةُ
هل فقدنا الرؤيةَ
ونحن نهتدي بنجمٍ لعوبٍ ؟
هل خدعتنا الرؤيةُ ؟
أو نبدو مثلَ بدوٍ عليهم ضاقَ أفقُ
هل أبصرنا شيئاً ؟
ونحن منكشفون .. متضرعون .. مستغرقون في الدعاءِ :
أيتها السماءُ
أيتها الرفعةُ
أحفظي هديلَ الظلالِ
إنما في لحظةٍ مجنونةٍ انطفأتِ الرؤيةُ
والسماءُ لا تردُّ الدعاءَ
والرؤيا بهيامِها ترشقُنا
والعينُ بماءِ النبعِ الحارقِ استغزرت
ونحن نفتحُ على مصراعيها بابَ الذهولِ
ندخلُ زمنَ الأحزانِ
ندخلُ زمنَ البكاءِ
ومعنا شجرٌ يدخلُ
ندخلُ ومعنا حجرٌ يدخلُ
لأجلِنا طيرٌ ينتحبُ
ومن فوقِنا مطرٌ ينهمرُ
ونحن ضيعتنا موسيقى المساءِ
***
ونحن منذُ الأمسِ
صرنا على مقربةٍ من نورٍ ربانيٍّ
فعصفت بنا ريحٌ
اقتلعت ما بنا مِن نشوةِ اللحنِ
أمسِ
احتطبنا على ضفّةِ نهرٍ يجري في أُبهةِ الكلامِ
فهزّنا صوتٌ
غيّر بنا لغةً
وتوقّف النهرُ
أمسِ
ونحن نحتفي بكريمِ نفسٍ
ونصعدُ السلّمَ الخشبيَّ جمعاً
عنّفتنا العَتمةُ
واختطفت مِنّا سيّدَ الحفلِ
أمسِ
لم نرَ وهجاً في زاويةِ الريحِ
أمسِ .. أمسِ .. أمسِ
لا ندري
يا هذا الأمسِ
هل تيقنتَ من قائمةِ الأسماء ؟
مِن ذاكرةِ اللوحةِ ؟
يا هذا الأمسِ لنا ما تركتَ صاحباً
***
في قدّاسٍ صباحيٍّ
هبّت علينا صَبا حملتْ عِطراً
لا ندري أهو من وردِ الجنةِ
أم من قبرِ حبيبٍ ؟
في قدّاسٍ صباحيٍّ
وكنّا مِن شدّةِ حزنٍ لا نعبأُ بالنسيمِ
انطلقَ يرشُّنا بالعطرِ النسيمُ
في قدّاسٍ صباحيٍّ
كنّا تحت سقفِ بيتٍ من بيوتِ اللّه
رأينا حفلاً لم نرَ مثلَه في أيِّ مكان
تساءلنا
قيل لنا
احتفى بالقادمِ بعد القدّاسِ
أهلُ الجنةِ
***
لم تأتِ القطاراتُ بعد
لم تفتحْ أبوابَها المحطّاتُ
فمسافرُ ليلٍ
لم يصلْ خطَّ النهايةِ
والجمعُ الذي كان
لاذَ مِن مطرٍ بالسقوفِ الكاذبةِ
لم تأتِ الندلُ بأكؤسِ المساء
فالسادةُ أدمنوا رائحةَ الوسائدِ
واستغرقوا في نومٍ عميقٍ
إذن مَن يقرأُ لسيدةِ الأرقِ فنجانَها الحالمَ ؟
مَن يقدمُ قهوةَ الصباحِ ؟
مَن يُخبرُها عن وصولِ القطاراتِ إلى حافةِ الغيمِ إنْ وصلت ؟
مَنْ يستقبلُ مسافراً في ليل ؟
أو يودعُ مسافراً في ليل ؟
أيها المسافرُ تمهلْ لحظةً ما بعد ليل
***
الآن
ومِن حطبِ الأيامِ لم تخرجْ نائحةٌ
غيبتها دهشةٌ
وبمحجريها دمعٌ تحجّرَ
لم تأتِ زائراتُ المساءِ
قيلَ أغلقت أبوابَها حانةٌٌ
كسّرت الكؤوسَ
وألقت ، في نهرٍ لا يجري بأرضٍ ، مفاتيحَ أسرارِها
إنما الساهرون على أباريقِ اللذةِ
والسقاةُ
ارتدوا زيّاً جنائزياً :
ياقاتٌ بيضُ
فراشاتٌ سودُ
وحملوا باقاتٍ من وردِ الشامِ
الآن
لم تأتِ زائراتُ المساءِ
ربما انشغلْنَ بثراءِ حزنِ الليلك
وعويلِ الجوري
ربما نصبَ القرنفلُ مأتماً
على ضفّةٍ من دجلة
الآن
وفي مقبرةِ العظماءِ
حيثُ يتنهدُ الطُحلبُ من بين الأسماءِ
اختطَّ البكاءُ له
بين الرخامِ طريقاً
في المقبرةِ الفرنسيةِ المقابلةِ لأُبهةِ بيتٍ سكنتهُ الغرباءُ
اختارَ مِن بين أشبارِ الأرضِ
شبراً للصلاةِ
ومثلَهُ للوقوفِ بِلا جدوى
في المقبرة التي تحتضنُ العظماءَ
وتحتفظُ بقنينةِ رمادٍ هي كلُّ ما تبقّى من جسدِ برتولد بريشت
توقّفَ الأصدقاءُ تحت مطرٍ أسود
وأمامَ حفرةٍ صغيرةٍ
ساعةً صمتوا
تحت شجرٍ باكٍ انتحبوا
في المقبرةِ التي يرقدُ فيها هاينر مُلر بسلام
كان المُشيعون ، أمامَ الموشحاتِ بالسوادِ ، حزناً يقطرون
***
في الأواخرِ من أيّار
فاضت أحلامُ الجوري
وازدهرت بساتينُ الجنّةِ
ففتحتْ للأحلامِ الابوابَ
في الأواخرِ من أيّار
رجلٌ مِنّا أثقَلَ قلبَهُ حُبُّ المسرحِ
وحُبُّ الناسِ
فقالَ قائلٌ منّا :
رأينا القلبَ وقد أوقفهُ الثقلُ
في الأواخرِ من أيّار
صدمَنا النبأُ
وبالأخبارِ صُعِقْنا
***
أمسِ
رأيتُ نجماً يحطُّ على كَتِفِ شجرةٍ
فتشرقُ بوجودهِ وجنةُ النافذةِ
وزهرةٌ تتغنّى بين يديه
أمسِ
كانت الفراشةُ فرحاً تمتصُّ من ضحكتهِ ورحيقاً
بينما السماءُ بغوايةٍ تستدرجُ زرقةً
أمسِ
في قاعةٍ هي هذه بعينِها
نسيَ ذاكرةً
وغصناً مزهراً
فيما نحن يزدحمُ بنا المكانُ
امتشقَ سيجارةً
وركبَ سحابةَ موتٍ
***
8 ـ معبد لصحراء زينب
***

لزينب بوّاباتُ الريحِ
وبساطٌ من لهاثٍ بحريٍّ أزرق
فاعتلي إنْ أردتِ تخومَ الطينِ
اعبري رملاً منحوساً سدّ علينا المدى
وامحي حدودَ الماءِ
لزينب قمرٌ مبتلٌّ برحيقِ الياسمينِ
ونجمٌ يسوقُ الغيمَ
من أولِ الليلِ حتى مقتلِ الحانةِ
لزينب وترٌ
حواريٌّ
قيانٌ ورائحةٌ لعشّاقٍ سجدوا على ضفّةِ غديرٍ
فصارت السجدةُ معبداً
لزينب معبدٌ من رخامٍ وثنيٍّ
عند مدخلِ الوهمِ
عند مقتلِ الروحِ
لزينب في القلبِ معبدٌ
17 ـ 6 ـ 2005

***
9 ـ يدٌ تمتدّ إليك
***

عثرتَ حبيبي ؟
لُعِنتْ هنيهةٌ فيها انشغلَ العقلُ
وطربَ لها القلبُ
ها قد عصفت بشيخوختِك العاصفاتُ
وتمرّغَ بعطرِ النساء مشيبُ
هلهلت أيامَك لحظةٌ
وصار الغرابُ
على أحزانِك الماكثاتِ يحطُّ
أيّها الشيخُ
الموغلُ في الخرابِ
هذي حدودُ اللهِ
فهل رأيتَ جدارَ العمرِ ؟
عثرتَ ؟
سلمتَ حبيبي
ومن العثرةِ نجوتَ
فلا تدع ندماً يسرح في سماك
ولا تسلم قيادَك
لمَنْ لا يعرف كيف يُمسك باللجامِ
سلمتَ حبيبي
وعنك الشررُ طار
فكفكفْ دمعةً نبعت في مآقي العين
وعن صدرِك انزع حسرةً
دامت طويلاً

2 ـ 3 ـ 2005

***

10 ـ ريح وشمعة
***

**
دعوة أخيرة
**
تعالَي إليَّ
ففي صحوةِ أيامي أُريكِ احتراقاً
في عذوبةِ المساءِ الجميل
أُريك اشتياقاً ونثارَ روحٍ في الشتاتِ
أريكِ اعتذاراً حين بالعذرِ تشعُّ العيونُ
تعالَي تعالي
قبل انطفاءِ الشمعةِ الأخيرة

**
مثل ريح
**
كأننا إلى بلدٍ ، من لعبةِ الريحِ ، نمضي
نمدّ خيالاً في وعورةِ الهواء
ونصرخُ :
لم نأتِ أرضاً مقدسةً ولا ماء
كأننا الهباءُ
أو مثلُ ريحٍ تُغلقُ بوجهِها بابُ

**
تمهلْ أيها الحائرُ
**
تمهلْ
تمهلْ ولا تنطفئْ
فعلينا سوف يأتي زمانٌ
يسودُ فيه ليلٌ
وعنّا حين ترحلُ السفائنُ
تزحفُ نحوَنا البحارُ
تمهلْ صديقي
ولا تستعجلِ الرحيلَ .

**
كأنها من شمع
**
عندما هبّتْ عليها الريحُ
خفقت أمامي رايةً
وعندما هبّ عليها الشوقُ
اختلجت بين يديّ
***
11 ـ أربع أمسيات
***

1 ـ أمسيةُ الصمتِ

للساعةِ إنْ دقّت لا تنصتْ
وأمام صخبِ الأجراسِ تعمّدْ إهمالَ الوقتِ
فسوف يأتي يومٌ
لا ساعةَ فيه تدقُّ

2 ـ أمسيةُ الطيبِ

عند نزولِ الثلجِ
لا تطالبْ الوردةَ برائحةٍ ما
فالوردةُ أهدتك في الصيفِ كلَّ عطرِها
وسفحتْ كؤوسَها تحت شعاعِ الشمسِ الباهر

3 ـ أمسيةُ العابرين

أيّها العابرون وغبارَ الطريق
كمموا أهوالَ الساعةِ
وأنقذوا المدينةَ

4 ـ أمسيةٌ للعريّ

في الطريقِ
رأيتُ الأشجارَ تنضو ثيابَها
تعجبتُ
تساءلتُ في دهشٍ
أجبنني نتعرّى للشتاء الذي سيأتي
***
12 ـ في حضرة الملاك
***

1 ـ

بين نهديك
احتجزتُ كلَّ أنهارِ الدُّنيا
وانتظرتُ
حتى تعطشَ الخلقُ وتكسر السدودَ

2 ـ

مرّةً أخذْنا الوردةَ للندى
لكي يتعارفا
عند اللقاءِ طفقت تبكي
تساءلنا :
ما أبكاك يا سيدةَ الفرحِ ؟
قالت :
أعرفُ هذا
كان يتوسّد خدّي

3 ـ

مرّةً مشّطتُ شعرَها
فهطلَ بين يديّ الليلُ

4 ـ

عندما أَقْبَلَ قبلَ أوانِه الصبحُ
عرفتُ أنها ضحكت بعد حزنٍ

5 ـ

أجلسُ في الظلِّ
استجلبُ طائراً أصفر من آخرِ البحارِ
وأدفنُ أحلامي الصغيرةَ
في جيبِ القميصِ
أجلسُ على لوحٍ من الرملِ
وحيداً أرفّ مثلَ بيرقٍ
كأنني الدليل

6 ـ

كأنني الرملُ ترشقني بوجهِ القوافلِ ريح
كأنني الريحُ طليقة في الخلاء

7 ـ

ربِّ لا تجعلني
لعقةً للسانِ صديق

8 ـ
استيقظي يا حبيبتي
لكي لا يأتي الصبحُ وحيداً

9 ـ
من بين كلِّ يمامِ الأرضِ
اخترتُ واحدةً
لا تهدلُ
إلاّ بين يديّ

10 ـ

شارعٌ في أولِ الليلِ
فاجرةٌ حُمرة ألوانه
به عصفَ
شبحُ امرأةٍ باهرة
الشبحُ يُقبِّلُ وجهاً
المرأةُ في الريح
والوجهُ في الحانة


11 ـ

منذورة للبكاء
سكبت دمعتَها الأخيرة
واستغرقت في الدعاء

12 ـ

أسيرة الأقمارِ
أعطيتُها الليلَ كلّه
فطالبتني بالنهارِ

13 ـ

فذّةٌ لعبةُ الطيرِ في السماء
عذبٌ هديلُ الصباحِ
أيها الطيرُ الساعي نحونا
بجناحين من فرحٍ
ستجدُ فضاءنا أرحب
من شهوتِك العارمة

14 ـ

فاجرة بئرك العذبة
هائج بحرك الأجاج
متهتك زهرك المجنون
فاضحة ألوانه
حين لا تصيرين كالنساء
تصبحين اشتهاء
أتهلين في ليلي أملاً ؟
وعلى امتداد مائدة يحفل بها المدى تترعين بالوجد
كؤوسك وتحترقين
يا أنتِ
يا مَن تجدل شعور الريح
خذيني لجنح ألوذ به
***
13 ـ هي الشام
***

تأرجحت على جسدِ الفراتِ فاتنةٌ
وفتك بلوعةِ النهدِ ماءُ
فانحنِ دهشةً يا بجعَ الرخامِ
وتمايلْ عزّةً يا نخلَ الجزيرةِ
فنحن بالنسيمِ ابتهجنا وصرنا على أبوابِ شامِ
ولمّا كنّا بالراياتِ نتمسكُ وبالسيوفِ كلّما زأرت في التخومِ عاصفةٌ نُلوِّحُ ، بعثنا مِنِ السراةِ مَنْ يجتلي أمرَ وهجٍ ، توّسط الباديةَ وحيّرنا.
نحن أبناءَ الفراتِ
وهمسَ الصلاةِ
نحن القادمين مِن ديارِ سادةٍ لا دار ندخلُ غابَ كبيرُها
وبها لن نختليَ حين تخلو
هي الشامُ
جوهرةُ المسافرِ
هي الشامُ
حانةٌ للعابرِ
هي الشامُ
سكرةُ العاشقِ ولذةُ المغامرِ
تُخَضِّبُ وجدَ المُيَمَّمِ بهمسِ ندائها وتطوفُ برأسِ الدليلِ إنْ أغفى على شام
هي الشامُ
يعابثُنا سجعُ اليمامِ إنْ طوينا لها الخلاءَ
وإنْ هجست بنا شامُ
لم يعد سراةٌ منّا غادروا
إنما بالوهجِ أعلمنا سار
هي الشام

***
14 ـ امرأة المُلك
***
يُحكى عن امرأةٍ ملكتِ الدُّنيا وركعت تحت قدميها الملوكُ والفرسان أنها انتظرت عاشقاً يأتي بسوسنةِ القلبِ .. يأتي باللوعةِ . وفي شرفاتِ القصرِ الرَّحيبةِ ألِفت المدى وعاشرت الهواءَ .
انتظرت فارساً يأتي
في ليلٍ يأتي
في ريح
مع تنهيدةِ وردةٍ أدمنتْ مُنادمةَ النَّدى
يأتي نجماً مشبوباً في سماء بهيةٍ أو برقاً يهتك عفّةَ الليلِ
قيْلَ إنها تزيّنت كما ينبغي
أو كما تتزيّنُ الملكاتُ المالكاتُ حتى أجهشَ على صدرِها الضوءُ
عبقَ في الأرجاءِ عطرُها الفتّاكُ وعلى وجنتيها صرخت حُمرةُ التُّفاح
قيْلَ عن امرأةٍ تزيّنت بالعُريِّ لعاشقٍ يأتي بالشهوةِ
ويأتي بالنشوةِ
ويأتي بالسكْرَةِ والرعدةِ
يأتي فحلاً يدخلُ مملكةَ النار
يدخلُ لهيبَ امرأةٍ تشتعل فوقَ بحرٍ مِن المسرّاتِ
هذا العاشقُ يا سيدتي لم يُعطَ الكوثر
هذا العاشقُ أُعطيَ أكثر
هذا العاشق نالَ جميعَ الأشواقِ
هل تأتي يا سيد مَنْ ملكتِ الدُّنيا ؟
إنما الطيرُ القادمُ مِنْ عاد
إنما الطيرُ العابرُ حطَّ مُتعباً على عذوبةِ الأنثى وفجورِ الانتظار
والعابرُ هذا دخل شقّاً من ليلِ الصحوةِ واستراح
والفاجرُ هذا حين بلغَ الذُّروةَ اختطفَ قمرَها البرتقاليَّ المشرقَ في صدرِ الفستانِ وطار
بأحلامِ الملكةِ ونداءِ الشّرفاتِ طار
أفزعها الطيرُ حين حملَ قرصاً مثلوماً إلى ضحكةِ فجرٍ بعيد
أيتها الملكةُ ماذا لو أغريتِ بذرةً استنبتتها أرضٌ غريبةٌ ؟
ماذا لو انتزعتْ صدرَ الحديقةِ ؟
ماذا لو تفتقتْ في صبحِ القصرِ وجمعتْ حولها جواري المملكة وطبقةَ الغلمان ؟
قيل عن امرأةٍ ظلّت فيما بعد
ترى قمراً مذبوحاً وتسهد
وقيل من حواريها طلبت إغواءَ العامةِ وشياطين الرغبةِ بالتهامِ زهورٍ في الطريقِ باسقات
وقيل يا ربَّ المتعةِ إنَّ دمعاً مدراراً تذرِفهُ الزهرات
فيما نحن الأقنان
وطائفة الرعيان
نهتبلُ فرصةً فيها نحتلبُ النُّوقَ وفيها نشرفُ على إطعامِ الضيفِ
ربما جاء مفتوناً بِمَنْ ملكت وربما عضّتهُ اللوعةُ أكثر
هل أنتِ مَنْ سحرَ الملوكَ فتقدّم الواحدُ منهم يطبعُ على حافرِ مَنْ سبق ؟
هل أنتِ بُغية المُلْكِ ومنتهى المنال ؟
هل أنتِ أعزّ مِن التاجِ ومِن هيبةِ الصولجان ؟
هل أنتِ يا سيدتي مَنْ يُطفئ سعيرَ اللذةِ ويملأ رياضَ الأرضِ ورداً فيُدهش الطلُّ ؟
هل أنتِ مَنْ تحت قدميها ترنحت فحولُ ؟
هل أنتِ مَنْ إلى السماء فاضَ عطرُها ؟
مَنْ أنتِ يا سيدتي ؟
يُحكى عن امرأةٍ ملكت الماءَ فاستهوتها ، ذات غيابٍ ، فحولةٌ
استدرجتها إلى جسدِ نهرٍ بجناحين
قالت لها كلاماً جميلاً معسولاً :
هنا نسكن في رقّةِ جنحٍ من جنحي النّهرِ الطائرِ بنعشِ الماء .
في تلك الأيامِ ، اُنظري سيدتي ، كانت الشعوبيةُ تتنفسُ من حبلٍ سرِّيٍّ رُبِطَ إلى بذرةٍ نبتتْ في تربةٍ مزهرةٍ مِن أرضِ خراسان ونحن داخل أسوارِ المملكة نتلمظُ الحضارةَ المزعومةَ بالقربِ مِن ذي قار التي جئنا بشيءٍ مِن أطيانِها التي لا تشبه شيئاً فينا .
قيل إنَّ ملكةً في تلك الأيامِ كانت قد وِلِدَتْ
اسمُها يُبْهجُ نَفْسَ السامعِ ومنه تنشرحُ الصدور
ارتشفَ فحلٌ من ثغرِها رشفةً فجعلتها تُنادمه مدى العمرِ على رقّةِ الكأسِ
لم تكن امرأةً في الخمرة تدبُّ حين تعلّمت أخلاقَ القواريرِ ولم تُعاشرِ النّساء
انتهت الحكايةُ وابتعدنا شبراً عن الماء ودهراً عن الصحراء
أخذْنا أحلاماً في صناديق الحكايا وانتهت الحكاية
يا امرأةً حكمت جسد الدُّنيا ، وأمرتنا أنْ نحتفرَ في أطرافِ البصرةِ بئراً مِن جهةٍ في أور وتوغّلت بعد السّكرِ في بحرِ الانتظار ، سكرتِ وها نحن لم نسكرْ .
أخيراً لم يُعطَ الكوثر
أخذَ أكثر
العاشقُ يا سيدتي ارتشفَ أكثر
أخرجي من صدري يا امرأة المُلك وارشديني
أو انشقيني
ثم الثميني
فأنا لم أطلب غيرَ جسدٍ عنبر
يُحكى عن امرأةٍ ملكتِ الدُّنيا ظلّت ، بكاملِ زينتِها
بكاملِ سحرِها
بكاملِ أُبهتِها
تنتظرُ رجلاً يأتي
مِن بعد غياب

7 ـ 3 ـ 2005

***
15 ـ قنينة الرماد
***

أنا قنينة الرمادِ
فكّوا أسرَ غربتي وللرياح أطلقوها
افتحوا خزائني وبوجه المدى انثروها
ربما صوبَ العراقِ يحملها الهواءُ
وإنْ شئتم
في اللجّةِ أتركوني
لعل موجةً منفلتةً حملتني إلى شاطئٍ في البصرة
أو ربما نحو المدينةِ يحملني الماءُ
أنا قنينةُ الرمادِ
لا أريدُ قبراً في منفىً

3 ـ 6 ـ 2006
***
16 ـ أنتِ .. هي
***

1 ـ
هطلتِ عليَّ مثلَ قبيلةٍ غجريةٍ
حاصرها الليلُ
وتاهت فوقَ قممِ الجبالِ
هطلتِ نسيماً أسْتَعْذِبُهُ
أتنَسْمُهُ مع الكؤوسِ التي ما أحصيتُها يوماً
تأتين ؟
أنا في انتظارِ الندى

2 ـ
حينما هطلَ الليلُ
عرفتُ أنَّ الغجرَ قادمون
كانوا حاسري الرؤوس

3 ـ
هطلَ الثلجُ يا حبيبتي
فاعتمري قبعةَ الريحِ

4 ـ
عندما صرنا إلى الثلجِ
كانت في أعالي الغيمِ
تُراقصُ الريحَ
5 ـ

أيقظوا الوسادةَ
فمنها يعبقُ الطيبُ
6 ـ

لا تخجلي
من فرحي بك
7 ـ

إنْ طرقَ بابَنا الندى
وكفّت الشمسُ عن المجيءِ
فبالندى نسكرُ
وبالندى نخطبُ ودّها

8 ـ

انثري الطيبَ في المكانِ
واستشعري عذوبةَ المساء
أنتِ .. أنتِ
في حياتي الهواء

9 ـ

صباحٌ جميلٌ لكلّ وجهٍ أُحِِبُّهُ
صباحُ البهاءِ الذي
بأرواحِنا تجلّى
فنحن البهاءَ نكونُ حين يكونُ
وحين يكونُ العشقُ نحن نكونُ
صباحُ المحبةِ الذي لا يفرّقُ
صباحُ الوفاءِ

27 ـ 1 ـ 2005


***
17 ـ أشياء كبيرة

***

سيأتي الصبحُ
بهياً
مثلَ شروقِكم
**
عابثْنا في الحُلُمِ ضوءَ القمرِ
فأشرقَ في عيونِ المدينةِ
**
كلّما نظرتُ في عيونِكم
هطلت سماءُ طفولتي
**
الوردةُ التي ببابِ الدارِ تعرّت
والتي أبهجتْ في عريها الجيرانَ
أسكرتها قطرةُ الندى
**
النجمةُ التي اهتديتُ بها ذات رحيلٍ
النجمةُ الغارقةُ في أحلامِ المدينةِ
والتي أمام صحراءِ المسافرِ رقصت
النجمةُ ، النجمةُ ،
النجمةُ التي
والتي والتي
هي هي
لم تتغير
حين أتعبها السفرُ

26 ـ1 ـ 2005
***
18 ـ أطفال من ثلج

***

حينما عبثَ الأطفالُ بدمى الثلجِ
بسقت في الحديقةِ فجأةً شجرةٌ بيضاء
تغلّبوا على دهشتِهم
وأسموها تفاحةَ الثلجِ
حينما دحرج الأطفالُ الأبرياءُ
من على سفحِ التلّ كراتِ الثلجِ
امتلأت جيوبُهم بزهرِ التفاحِ
الذي تضمخت بعطرهِ المدينة
أيها الأطفالُ
الأبرياءُ ، المرحون ، الفرحون ، اللاهون
رأيناكم تقضمون جسدَ المدينة


26 ـ 1 ـ 2005
***
19 ـ الطاولة
***

في آخرِ الليلِ حينما كنتُ كالعادةِ وحيداً
مررتُ بحانةِ العبادةِ اليونانية
المعتكفةِ في شارعِ الميناء
هي حانةٌ من موجٍ ونور
فالبحرُ عادةً ما يؤم الحانةَ وينادمُ على طاولةٍ زرقاء صديقَه القمر
دخلتُها ولم أجالس أحداً
فطاولتي المتوحشةُ كانت في انتظاري
هي الأخرى لا تنادم سواي
هكذا اتفقنا منذ بدءِ الخليقةِ
أو بدءِ العلاقةِ
أو بدءِ الطبيعةِ
أنْ لا نخونَ بعضَنا كالبشرِ
الطاولةُ الساهرةُ من أجلي على صوتِ الماء
لم تذق شيئاً من خمرةِ هذا الصيفِ
ولا مِن عرقِ نساءِ هذا الصيفِ
الطاولةُ التي طالما دعتني إليها راغبةً
لم تنثرْ بوجهي أشواقَها
وظلّت الليلَ صامتةً

26 ـ 1 ـ 2005
***
20 ـ لحظات الشاعر
***
..........................
إلى الشاعر البصري عبدالوهاب عبدالرحمن السالم ( أبو هندرين ) الذي قتله الطلبانيون في بشت آشان .
..........................


يا عبدالوهاب
وبكى بوجهِ الليلِ طيرٌ
هل كنتَ في تجويفِ القلبِ أم في مغارةِ الريحِ ؟
بكتْ نساءُ أنتَ لا تعرفهنّ
إلاّ من رائحةِ الشجرِ
كنّ يعطرْنَ الأثيرَ
بقطراتٍ من عرقِ أجسادٍ عن الحاجةِ لا تفيض
هنّ سفائنُ المطرِ العابراتُ في الضبابِ
وهنّ السرابُ
يا عبدالوهاب
وطأطأ الليلُ
أمامَ صمتِ المحاربِ الموغلِ في الوحدةِ
كنّا نطوفُ مثلَ صقورٍ عمياءَ فوق أرارات
أو تحت سحائبَ غاضبةٍ
وأنتَ جمرةٌ في الليلِ
لا تستقرُّ في الريحِ
تختضّ أو تتأرجحُ جنوباً أو شمالاً
حين نشمُّ ، من وراءِ العشبِ ،
رائحةَ التبغِ
وحين في أحداقِنا يرقصُ الظلامُ
نهتفُ :
ها قد جاء القرويُّ المفعمُ بالعزلةِ والدخانِ
ومن بعده قارّةٌ تأتي
أيها العربيُّ الأبيُّ
الذي بكوفيتهِ لفّ خجلَ الجبالِ
لا تتركِ النهرَ في غموضِهِ السعيدِ
فربما أتى على مضغةِ رضيعٍ
في أيامِه الأولى
وربما أغوتْهُ هدهدةٌ ما نفذت صوبَ القرى
أيها الفتى
الذي كنتَ أيقونةً في ديرٍ سماويٍّ
أو نجمةً ترقصُ على صدرِ الوليدِ
سلبت أسمالَك الجيوشُ
ووزعتها على رؤوسِ الجبالِ

24 ـ 1 ـ 2005

***
21 ـ حجرة في المشتهى
***
هي حجرةٌ تطلّ على الطريقِ
هي حجرةٌ في الطريقِ
في مهبِ الريحِ
هي حجرةٌ مشرعةٌ للرحيلِ
يرتادها العابرُ الذي بلهاثه يسوقُ إلى المشتهى نجماً
والذي يرعى كوكباً ظلّ السبيلَ
يأتيها مَنْ داعب مِنْ فتنةِ الصحراء فخذاً
ومَن اختلس إلى صدرِ المسافةِ نظرةً
يسكنها العابرُ معنا في قطارِ الموتِ
حين كنّا نعدّ الأحياء :
كنّا مائتين وعابراً
نرعى قمراً نزلَ إلى بِركةٍ
وغزالاً تاه في حقلِ النجومِ
أو في غابةِ الحورِ
فهاجمته شعورٌ نافحةٌ
كنا مائتين وعابراً
نغني لبشرٍ تركونا في وحلِ القاطراتِ
نغني بشراً ودعوا بالضحكاتِ أنينَ العرباتِ
هي حجرةُ العابرِ وقد
اضمحلّت به الطريقُ


1 ـ 8 ـ 2005

***
22 ـ حفل صيفي
***

في الحديقةِ المجاورةِ
لحديقةِ بيتي
نهرٌ ثملٌ
يرتشفُ أثداءَ النساء


3 ـ 7 ـ 1996

***
23 ـ شكوى
***

اشتكت جارتي العابثةَ بالصبحِ
من رفيفِ فراشةٍ بيضاء
فرّت من صدري
إلى شرفتِها


10 ـ 8 ـ 1996
***
24 ـ اختيار
***
مَنْ منّا هو المجنون
أنتِ ؟
أنا ؟
مَنْ منّا يحتطب الشمسَ كلّ صباحٍ
ويحصي اللهبَ المنسكبَ
من جسدِ الليلِ ؟


19 ـ 8 ـ 2000
***
25 ـ لم يبق منك شيء
***

وأنتَ تسعى إلى نجمةِ البحّارِ الآفلة
هل تلفعتَ برمادِ الانتظارِ الأخير ؟
وأنتَ أنتَ
لا حلم يراودك في استقامةِ الطريقِ
لا ريح تصدّك
لا نَفْس عليها تتحسر
أو عليك تتحسر
لا شئ يثنيك
حتى الندم لم يطرق بابَك ولو على لحظةٍ فاتنة
قلتَ لي :
أبرِحْ حبيبي تويجَ الوردةِ
فهو دارٌ لقطرةِ الندى
وقلتَ لي :
لم تكن سعيدَ المقامِ
فلتبرحْ المكانَ
ابحثْ عن عيونٍ مُبحرةٍ في كؤوسِ الليلِ ،
مُتعلقةٍ بقواربِ الليلِ
ابحثْ عن مسرّاتٍ تجهشُ فوق الأسرةِ ضياءً يغمرُ هدوءَ ما تبقّى من حُلُمِك الأخير
فلتبرحْ المكانَ
الآن
بعد حين
متى تشاء
كما تشاء
أبرِحْ المكانَ الذي لم يبقَ ممتلئاً بقطرةِ الندى

8 ـ 5 ـ 2003
***
26 ـ زمن الرحلة
***

حتى ُيرخيَ زورقٌ مشاكسٌ على جسدِ البحرِ عجيزتَه .
وحتى ينسحبَ الموجُ تعِباً من ولوجِ السواحلِ ، أظلُّ مشدوداً إلى أفقٍ مبتهجٍ ، منتظراً طلعتَكِ وأنتِ كالشمس تضحكين .. ومثلها تميسين ومثلها تبرقين .
وحين يا زهرتي الممتلئة من دون الأقمارِ عليّ تقبلين وعلى جسدي بريقَك تريقين أو ريقك
المسحور تسكبين .
وحين تأخذُنا لحظةٌ من اللاوعي طويلة تمتدّ حتى تخومِ الصبحِ أو حتى حدودِ السجودِ الأخير في رحلةِ العمرِ ، ترفعنا عطسةُ نجمةٍ أغدق عليها النعاسُ من نداه ، إلى هضابٍ لا نوم فيها ، عليها نمحو تضاريسَ أجسادِنا وفوقها ننمو كما تنمو على الصخورِ طحالبُ وحين تبدين خجولةً كإله عاد توّاً من جمعِ توتِ القمرِ وحين عن عنقِك المجنونةِ شالك المسحور
ترفعين وحين أصرخُ لوعةً لتأخذيني وحين
تصرخين اشتياقاً لآخذك
وحين تأخذينني أو آخذك
وإليكِ أتسلقُ في العتمةِ هامةَ الليلِ وإليكِ أطوي المسافاتِ فأصعد ساريةَ السفينة ، ربما غفل النوتيّ ودبّ على جسدِ البحرِ خدرٌ فنام قبل بحّارتِه البحرُ
إلى مخدعِك هل تسابق الحوتُ ؟ وإليكِ هل وصلتُ لأحلَّ ضفائرَك وفي كنفِها أسهرُ ما تبقّى من زمنِ الرحلةِ ؟
كم تمنيتُ لو نام البحرُ نومةً أبديةً كي لا يسمعَ وقعَ خطاي ويُعلن النفيرَ أو يفتش السفينةَ .


2004 ـ 9 ـ 15
***
27 ـ شجرة آدم
***
أنبأنا حين مرّ إلى جوارِنا
الفراتُ أنّ ماءَ الليلِ لا يمحو الأثرَ
وشجرةَ الزهو التي عصفت بها الريحُ واعتلاها طائرُ الرملِ
لم تُرو بندى الحدائق
ولم تكن لآدم حين توسّد ظلالَها
أنبأنا الفراتُ ، بعد أن صرنا في ضيافةِ القمر ، وقال :
إنّ المقامَ ما بين البصرة وبرلين يطول
وإنّ ليلَ الضيافةِ قصير


2004 ـ 9 ـ 16
***
28 ـ معبود
***
كلّ الآلهةِ
تنطقُ في السماء
إلاّ أنتَ
تنطقُ في الشرفةِ المقابلة


26 ـ 8 ـ 04
***
29 ـ حكاية من أرض الشام

***
مررنا مصادفةً بعرسِ حمام ، كنّا على مسافةِ بحرين من أرضِ الشام .
خُذي نَفَساً آخر من تبغِ الليلِ
فأرضُ السوادِ مخيفة و واسط منذ ليالٍ تركناها
فوجدنا على سريرٍ غامضٍ هديلاً يتنفسُ وقتاً مرّاً و ورقةَ توتٍ سوداء يحرّكها الهواءُ
خُذي جرعةً أخرى من خمورِ الشام
حينما مررنا مصادفةً بعرسِ حمام و وجدنا ، في الغرفِ الفارغة إلاّ من أسرّةٍ مهجورةٍ وستائرَ ملونةٍ ، طيفَ رئات
ولم نرَ جالساً يحاكي الليلَ وينشدُ طلعةَ الفجر
أكرمنا الحفلُ
وزقّنا من خموره زقاً
خُذي معنا جرعتين
واقنعي القمرَ
أنْ يقصّ علينا زمانَه في ليلةِ صيفٍ
سكرنا وبنا على الأسرّةِ التي لم نشمّ منها رائحةَ العرسِ طاف الحمامُ
خُذي نشقةً من عنقِ حبيبٍ
وبادليه الحريقَ
فنحن ما زلنا ضمن جيش عبدالملك بن مروان
ما بين الشام و واسط
يطوفُ بنا الحمامُ
وبالطريقِ نمرّ مصادفةً


2002 ـ 11 ـ 16
***
30 ـ صانع النجم
***

ها قد طلعتْ نجمةُ الصّبحِ
يا صانعَ النجومِ
إنْ أَفِلَ نجمٌ
فالسماء بالكواكبِ تتبرجُ


أكتوبر 2007
***
31 ـ حيرة الندى
***

في اليومِ الرصاصيّ البهجةِ
تساقط ، بمنزلةٍ ما بين منزلتين ، الحبُّ
كان ما بين رذاذٍ وندىً
في أرقى روعةٍ كان
فوق الهمسِ وتحت الصراخِ
اليوم على هامتي هطلَ الحبُّ


27 ـ 10 ـ2007
***
32 ـ القاطرة والغجري
***

في عربةِ الدرجةِ الثانيةِ
مِن قطارٍ ماضٍ في اللامعنى أو إلى منفاه
في العربةِ الثانية
أصدرَ الكلبُ الرابضُ أمامي أنيناً مكتوماً
أنيناً يقطعُ نياطَ القلبِ
فيما صاحبُ الكلبِ بشربِ الجعةِ منشغلٌ
في العربةِ الثانيةِ
نساءُ لم يغادرْنَ دفءَ الفراشِ
ولا عبثَ زينةِ المساء
فصرْنَ يتعثرْنَ بين الأجفانِ كلّما احتربَ الرمشُ
في العربةِ الثانيةِ
تجلسُ النسوةُ اللاتي ملأن المقاعدَ
وبنشوةٍ فاجرةٍ اشتبكت أفخاذُهنَّ
عطّرْنَ المكانَ برائحةِ الأجسادِ الدافئةِ
في القاطرةِ التي ستصل ذات محطّةٍ
تنبثقُ كلُّ الأشياء
في القاطرةِ التي مسّها الإهمالُ
ينامُ الغجريُّ ممدداً ككلبِ الأنينِ
ويُصدر أنيناً حزيناً ككلبِ الأنينِ
في القاطرةِ المسافرةِ نحو المصيرِ الأخير
يرحلُ المسافرون في ظلامِ الدرجة الثانية بلا أنين


برلين
24 ـ 10 ـ 2007
***
33 ـ في المترو
***

لا أُريدُ لهذه الرحلةِ السعيدةِ أنْ تنتهي
فالمرأةُ التي جلستْ أمامي
اختطفت كلَّ الرحلةِ واستولتْ على جسدِ المشهد
المرأةُ التي أشرقتْ بالموجِ الأزرق عيناها
عطّلتْ كلَّ الرؤيةِ خارج محراب المعبد
ومن فتنتِها لم يشبعْ أحد
هذه المرأةُ التي طلعتْ في سماءِ المترو
والتي بسقتْ في أرضِ المترو
أمامها
أمام عينيها
أمام حديثِها .. أمام قامتِها .. أمام هديلِها
لم يصمدْ أحد
هذه المرأةُ يا ربّ الفتنةِ
مثلها لم تُخلق امرأةٌ بعد
وأنا لا أُريدُ لهذا المشهدِ أنْ يرحلَ
لا أُريدُ للرحلةِ أنْ تنتهي

29 ـ 10 ـ 2007
***
34 ـ الغيلان والغزاة
***
مِن عتمةٍ في البرّيّةِ .. مِن عمقِها المجهولِ
أو مِن وراء آخر البحارِ
مِن أقصى نقطةٍ في الشهيقِ منقطعةِ الزرقةِ
مِن خلاء موحشٍ كأنه اللاشيء
أو مِن ثقبٍ في الهاويةِ المطلقةِ
من مكانٍ ما
مِن وراء التخومِ المُتَخَيّلةِ
مِن وراء الأفقِ الحاسرِ التفكير
مِن اللامكانِ
تأتي ، قبلَ الغزاةِ ، غيلانُ مكتومةُ الأنفاسِ
وفي طقسٍ راقصٍ تحت فجورِ الليلِ
تحلبُ همجيةَ الظلامِ
وأثداءَ الوحشةِ المسحورةَ
قيل إنها من آخر البحارِ ، التي قايضتنا المهجر بالوطنِ ، قبل أعوامٍ خرجت ثم نحو العراقِ ظلّت تزحف وبالقربِ من حدودِ الله وجدت واحةً فاستراحت
هي بأرضِ السوادِ تربّصت
مِن البرّيّةِ الشّقيةِ
أو مِن جبالٍ لا ترعى حرمةَ الوثيقةِ
مِن الصحراء الصادحةِ بكلِّ وحشةِ الليلِ
تأتي قبلَ الغزاةِ غيلانُ
فيما نحن نطحنُ أوراقَ العراقِ برحى الخيانةِ
وتحت الندى .. في أرضِ السوادِ
نفرشُ بالسجّادِ أرضاً لسهرةٍ قادمةٍ
ونطلبُ من صبايانا أنْ يعطرْنَ مخادعَ القومِ
ويثرْنَ في الهزيعِ الأخير شهوةَ الموتى
مِن نفقٍ لا ندري منه البدايةَ ولا نعرفُ عنه النهايةَ
يدخلُ خلفَ الغيلانِ غزاةٌ :
أمريكيون ، بريطانيون ، استراليون ، بولونيون ، اسكندنافيون ، سلافيون ، طليانُ ، فرسٌ ، أكرادٌ ، أقوامٌ بيننا تشجّرت وأنصافٌ كمنوا حتى لحظةِ الوقيعةِ
مِن كلِّ جهاتِ الريحِ تأتي الغيلانُ
ويأتي الغزاةُ
وتأتي دوابُ الأرض .
تدخلُ أرضَ السوادِ لترعى
فيما نحن نهتفُ
بطائرِ البرّيّةِ المُخْتَبئ في الريحِ :
يا طائرَ الريحِ
احملْنا على مهلٍ

27 ـ 10 ـ 2007
***
35 ـ حَيْرَةٌ على الكسندر بلاتس
***

شبحُ الشاعرِ حادَّ النظرةِ كان
أين ؟
في الميدان ، الكسندر بلاتس وسط برلين ، الذي أوغلَ في تدميرِ الذاكرةِ
متجهماً انبثق من بين الحطامِ
ومنه نحوي التفاتةٌ فلتت غاضبةً
لم أتعرّف عليه حين التقيته مصادفةً
وعليّ لم يتعرّف
هكذا قدّرتُ بعدئذٍ
ثمة غربةٌ تفضي إلى غربةٍ
وغيظٌ يأخذُ بتلابيبِ غيظٍ
لكن الشاعرَ إزائي لم يكن ودّيَّ النظرةِ فصرتُ في حيرةٍ وسؤالٍ
مِنْ أين جاء ؟
ومرّةً أخرى مِن أينَ جاء حتى يمرَّ أمامي ؟
في تلك الساعةِ كنتُ أُفضض أحلامَ المارّةِ بأقمارٍ بيضاء على هامتي منذُ الصباحِ هطلت
في تلك الساعةِ كنتُ أُعابثُ نسمةً شبقيةَ الهوى خضلةَ الروحِ حين رمحت قامةُ الشاعرِ في مداري
وتساءلتُ :
هل خرج من فراغٍ ؟
مِن جسدِ الهواء ؟
مِنْ هوّةٍ عاتيةِ الأنفاسِ في أنينِ المساء ؟
مِن أين خرجَ توّاً ؟
مِن أيِّ قافلةٍ غارقةٍ نجوتَ أيها الشاعرُ فاستويتَ بلا ذاكرةٍ ؟
شجناً صار المساءُ
لبس وجهاً كحلياً وذاب
حين نحوي أطلقَ وجهاً ليس ودّياً
وليس عدائياً
وأنا بوجههِ أطلقتُ وجهاً حائراً وسؤالاً
هل هذا الشبحُ الهالكُ أنتَ ؟
هل أنتَ الشاعرُ المنسيُّ ؟
مِن أين أتيتَ ومتى ؟
وأردُّ :
ما الذي يجعلهُ قاسياً هكذا ؟
أنا تركته ، قبل أعوامٍ ، حلوَ المُحيّا ، معافىً
شجنٌ خضلٌ هذا المساء
وهذا شيخٌ هالكٌ يُخفي لمّته بقبعةِ البحّارين
على كتِفه اليمنى حقيبةٌ صغيرةٌ كالصرّةِ تستريح
تتنفسُ رائحةَ الرحيلِ مِن ثيابِ المنفيّ
غادرها اللونُ ولهفةُ المسافرِ
في الميدانِ
في الثلثِ الأولِ من تشرين الأولِ وأظنه تاريخاً مسبياً
رأيتُ الشاعرَ يمتطي ظهرَ الريحِ ويزأر
فيما الريحُ تصهلُ في بيداء
في الميدان كان الشاعرُ خيطاً من لؤلؤٍ
عليه لم أتعرّف
عليّ لم يتعرّف
أجزم أجزم
حين صار بعد لأيٍ برقاً في سماء
لم أقل فلقَ البحرَ ومات
لم أقل
فالدنيا صحوٌ وعند الصحوِ في العادةِ تنمو الأكوانُ وتبتهجُ كلُّ الأشياء
لم أقل كوكباً غادر المجرّةَ أو نجماً أفل
إنما بعد أيامٍ حاولتُ أنْ أجسَّ نبضَ الدهشةِ في جسدِ الميدان
وحاولتُ أنْ أسألَ المارّةَ وما طال بي السؤال
قيل لي : مرَّ عابراً ولم يترك أثراً في المكانِ ومنه لا ننتظرُ عودةً
أو ربما ضيّع خرائطَ الميدان وفوضى الأشياء في بردِ المدينةِ
سأعودُ ثانيةً لكي أسألَ ساعةً حرست كلَّ لقاءاتِ الدنيا
وعدتُ بعد أيامٍ
لأجدَ شبحَ الشاعرِ متجلياً في رقّةِ الهواء
في صفحةِ الرّيحِ
في الميدان
جلستُ لأخطَّ إليكم دعوةً
لزيارةِ شبحِ شاعرٍ
يجوبُ سماءَ الكسندر بلاتس
يجوبُ سماءَ برلين

6 ـ 11 ـ 2007
***

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
***

الديوان الرابع

وردة الليلِ قبّليني
شعر
صبري هاشم
***
1 ـ لا تَرْمِي كلَّ الأقمارِ
***


لا تُدَحْرِجي قَمَراً على قَمَر
ولا قَمَراً بعد قَمَر
فتلك سماواتٌ أغمضْنا عنها العين
وطواها النِّسْيان
وأنتِ تعومين في بحرِ نَشْوتِكِ الأزرق
وتَغْطسين في عِطْرٍ حليبيٍّ لا تعرفُهُ النساء
لا تُدَحْرجي موجةً في إثرِ موجة
يا أنتِ يا نجمةَ التّهوّرِ الفاتكة
تعالَي واغْسِلي النهارَ بشهدِ النهدين
عَمّدي الماءَ بنورِ قمرين
ثم دللّي الرَّملَ برحيقِ وردةٍ
ربما أنْبَتَها النّدى في كأسِ السّرّةِ
أو في شقِّ الدّنيا الضاحكِ بوجه النهرين
يا أنتِ يا نارَ الغابةِ المُشتعلةَ دوماً
أبالقمرِ المشبوبِ تتغزلين
أم بحارسِ الخميلةِ التي ما ارتوت تتحرّشين ؟
انتهزي الساعةَ وأطلقي
مِن سحرِ عينيكِ لهفةَ المُشتاق
ونامي في وريدي
فأنا حلُمتُ بشبحِ امرأةٍ ذات حلُمِ يقظةٍ
وبه ندهتُ :
لا تُدَحْرِجي نحو شبقِ السواحلِ حبّاتِ الرّملِ
ولا التياعَ الحصى العابثَ بالزّبدِ الفاني
تَنَهّدي .. تَنَهّدي
فهذا بحرٌ مسحورُ الموجِ
هذا جسدُكِ الثائر
جسدُكِ المُرْتَجّ عند هبوبِ الرِّيحِ
وأنتِ تبنينَ ،
مِن حبّاتِ الرّملِ المُتسللةِ نحو المجهولِ ،
بيتاً للتاريخ
تكاسلي
وتحت حنينِ النّفْسِ شيّدي وطناً مُدهشاً
وتكاسلي
ولا تأسري موجاً
أو لحناً
وعلى الزّرقةِ أقيمي جُزراً وموانئ غيم
ما أدهشَك حتى اللحظةِ !
ما أروعَ تنغيمَك :
أنقذْ يا هذا في أقصى الليلِ رطباً
نادمَ قمراً فضّياً ، ثملاً
كنّا نُداعبُ أطياف السّحَرِ حين
وشمتِ بروحِك وردَ الحديقةِ
ترنّمي
فالكحلُ المُتهتكُ استوطنَ عينيكِ كزرقةٍ أبدية
والكرزُ المجنونُ لهثَ في شهقةِ مخمل
وأنتِ تُدحرجين
منذُ سقوطِ غرناطة قمراً نحو تخومِ البحر
وعَبْرَ جبالٍ شتّى كان جندُ اللهِ يقتفون الأثر
ماذا ؟
هل عَبَرْتِ صحراءَ الموريين
أم مكثتِ في رأسِ الغيمِ ؟
هل دحرجتِ الصمتَ الوقورَ فانفلقت للتوِّ أصواتُ الدُّنيا ؟
احلمي بنهدٍ يتشمس على ظَهْرِ مركبٍ مُسافرٍ
بنهدٍ يجهش في كفِّ فتىً يأكلُ أزرارَ الرّيحِ
ويسجد تحت كونٍ مِن حلمات
أحْلُمي ولا تَرْمي نحو سمائي كلَّ الأقمارِ

14 ـ 09 ـ 2009 برلين
***
2 ـ لحظة غرق
***

يا نوحُ لماذا ابتنيتَ السفينةَ
وأدخلتَ فيها مِن كلِّ ساقطٍ ؟
أما تدري يا نوحُ أنَّ لكلِّ ساقطٍ لاقطاً
واللاقطُ فينا دنيءُ النفسِ سيءُ الخُلقِ ؟
كنّا أزواجاً ضئالاً مِن البردِ نرتجفُ
حتى انحسرَ الماء
فانفلتْنا على وجهِ البريّةِ وصرْنا
شعوباً ثم قبائلَ ثم نهضْنا أمماً
هذا ساميٌّ اختارهُ اللهُ
وبالقربِ مِن أنفِهِ هواءٌ لا يمرُّ
وذاك آريٌّ مِن دوننا
مِن أثداءِ الحورِ يرضعُ
والآخرُ حاميٌّ
ارتفعَ في المقامِ وأضحى
له غبارٌ لا يُشقُّ
بنا تشعّبتْ يا نوحُ طرقُ السفينةِ
وأنتَ غدرْتَ بنا حين غادرتْنا
وتركتنا بلا ربّان
أُناشدُك الله يا نوح
أنْ تستدعيَ الطوفان
ثانيةً
وبنا تُغرِقُ السفينةَ

2 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
3 ـ وردة الليل قبّليني
***

تُجالسُني الليلةَ على مائدةٍ مِن هواء
وذؤابةُ شمعةٍ تنوسُ في زاويةٍ
مِن البيتِ قصية .
تُنادمُني الليلةَ ومثلي تُحدِّقُ
في نافذةٍ خُلِقتْ للعراء
امرأةٌ هناك
خلف الزجاجِ الضاحكِ
تستحمُّ بالكوثرِ الملوّنِ والندى
تفتحُ قنينةً مِن عطرِها المُدوخِ وتُفْرغُها
فوق جسدِ المسافةِ الذي
حالَ دون تقاربِ الأجساد .
وردةُ الليلِ تُناغي وحدتي على مائدةٍ مِن هواء
لا تُجادلُ في هذا الغيابِ
إنما في الغالبِ تسألُني
عن سببِ اليبابِ
وبعد صمتٍ طويلٍ أُحاولُ أنْ أُجيبَ :
لستُ شحيحاً أنا يا وردةَ الليلِ ولكن
بي الحالُ ضاقت
وعليَّ تعسّرت
انقبضَ عني المالُ
وانطفأتْ مواقدي
نافذةٌ كفّت عن العطاء وأسدلت
على لهيبِ الجسدِ زغبَ المساء
نافذةٌ منّتْ بعطرِها الذي به مائدتي هامتْ
ووردةُ الليلِ التي انزوتْ
بعيداً إلى عمقِ الليلِ ارتحلتْ
وظلّتْ تُطلقُ الحزنَ والنشيجَ
وتُشعلُ الدُّنيا غضباً
آه يا وردةَ الليلِ التي
سَفَحتْ على مائدتي عطرَها المُثير
وفجّرتْ سِحْرَ نَبْعِها الدموعُ
ما أروعك !

3 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
4 ـ
***
5 ـ محطّاتي
***

همسٌ في المرايا
مطرٌ في الشرفات
وإعصارٌ يُرتِّبُ ارتباكَ الأشياءِ في الحُجُراتِ
عصفٌ في الطرقاتِ
طَرْقٌ في الأنحاء
وخيولٌ سابحةٌ فوق جسرٍ
يمرُّ مصادفةً على سبعِ بحيراتٍ عجافٍ
في برلين
كلُّ العناوين الحبيبةِ اختفت
إبّان شحوبِ النهارِ
حتى الأقربُ منها إلى دفترِ القلبِ
عطرٌ في ضحكاتِ المرايا
وآخرُ في ثيابِ الشرفاتِ
وشمٌ على شغافِ الروحِ
هنا في برلين
جميلة هي الأشياءُ
4 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
6 ـ لا تدخلْ ضباباً
***
هنا سأنيخُ راحلتي
تحت هذا الضبابِ الثقيل
في صبحٍ فضيٍّ
نصبَ سرادقَهُ على الطريقِ
وراحَ على المارّين يُنادي
كأنه يخافُ أنْ يضيعَ في الغيابِ :
أيّها العابرون
مِن أجلِ أحلامٍ مؤجلةٍ
عرّجوا قبلَ الرحيلِ .
هنا سأريحُ راحلتي
وضعتُ على كَتِفي أمتعتي
ومضيتُ نحو الواحةِ التي
ليس الماءُ فيها مِن عُريها ماء
ولا الفيء فيها للراحة
هنا قدري
خلدَ منذُ اللحظةِ
مثلما خلدتْ في البريّةِ أعشاشُ القبّرات
وهنا سرابٌ مشاكسٌ
سرابٌ برائحةِ حليبِ النوق
كلما منه دنوتُ
اصطدتُ مِن البحارِ عجيباً
هنا بلسمي المشبوبُ
فلتأتِ صقورٌ للصيدِ
وليأتِ جهراً صيّادُ
فواحتي أهلكتْ رحلي
ومِن بعدها
ضاعت رحالُ
فلتأتِ يا طيرَ الصبحِ
وانثرْ مثلَ الرمادِ
هذا الضبابَ العنيفَ
فلتأتِ أيُّها العابرُ
في كفنِ السفينةِ
أدنِ مني وجهَ السفينةِ
وخُذني معك
هنا أنختُ راحلتي
وهنا باغتني الضبابُ الكثيفُ
فوق الحطامِ الجميلِ

6 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
7 ـ خراب
***
مثلَ طائفةٍ مِن الغيلان
يأتي الخرابُ
أحياناً يأتي دفعةً واحدةً
يلتهمُ الأجسادَ
والأشياءَ والنشوة
ما أجملَ الدنيا بلا أحزان
ما أروعَ الخَلوة

6 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
8 ـ ممنوعات
***

لا تكتبْ فوقَ لحاءِ الحور
شيئاً عن أحزانِ اللؤلؤِ ولوعةِ البلُّور
ولا عن أسرارِ الدّفلى
في هذا الجرفِ العالي
لا تكتبْ عن غضبِ الإعصار
أو فرحِ الشمسِ
أو حتى عن غزلِ الأقمارِ في ليلِ الصيف
لا تكتبْ عن عنبٍ عشقَ خميلتَنا
لئلا يسمعَك الهُدهُدُ
فيقتاتَ عليه
أو تظلّ عيونُ السنجابِ ترقبُ
مجيءَ شتاءٍ قادمٍ
لا تكتبْ عن حالِ الدنيا
فنحن أسلمْنا للقهرِ لحانا
لا تكتبْ
لا تكتبْ
عن أشياءَ مازالت
في عهدةِ الهواء

6 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
9 ـ ليلٌ يُخيرُني
***

هذا الليلُ
في كأسي صبَّ أنجمَه
ودعاني أنْ أختارَ ما شئتُ
ثم أتقلَّدَ ما اخترتُ
هذا الليلُ
يمتطي صهوةَ صيفٍ ويبحرُ
لا يعرفُ غيرَ مُعاشرةِ النجمِ
ومُعاقرةِ الندى
هذا الليلُ
كالعاشقِ في صدر الحانةِ
لا يدمنُ غيرَ الأنينِ
وشغافِ الكأسِ

6 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
10 ـ شبيه
***
كأنك حاطبُ ليل
ما أخذتَ غيرَ الظلامِ
وكثيراً مِن عثرات
وما رأيتَ غيرَ عيونِ البوم
كأنك حافرُ بئرٍ في صخرٍ
حفرتَ دهراً
وبك اشتدَّ ظمأٌ
كأنك ما احتطبتَ سوى الجنون
وما احتفرتَ غيرَ القبورِ
كأنك في البريّةِ
ترعى القطا
وتُشعلُ ناراً في الغضا

6 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
11 ـ انتعاش
***

مُنعشةٌ جولةُ المساء
تماماً مثل رذاذِ نافورةٍ
في هاجرةِ البصرة
مُنعشةٌ كأسُ المساء
تماماً مثل ماءٍ للعابرِ في صحراء
مُنعشٌ هذا النسيمُ
منه أخذتُ بعضاً مِن أصوات
وصنعتُ آلتي
بضعةُ أوتارٍ مِن موج وكيسُ رحيق
سأعزفُ يا فاتنتي مقطوعةَ وصلٍ
سأعزفُ يا ليل ما فاتني
مِن وقتِ مجونٍ
وما فاتني مِن عصرِ جنون
وسطَ خلاءٍ باهرٍ
عارياً سأعزفُ
أمام عيونِ أقمارٍ سابحةٍ في بحرِ الألوان
أمام دهشةِ مخلوقاتِ شهوانية سأعزفُ
ما أجملَ النشوةَ !
سأعزفُ قدري
فوق صمتِ الاسفلت
سأريقُ ماءَ سنيني نغماً
وأقفُ متضرعاً أمام الخلاء
اقبلْني صديقاً أيها الخلاء
اقبلني
شيخاً متمرداً على جوهرةِ البحارِ الفاجرة
اقبلْ خطوتي المتعثرةَ
اقبلْني أنا
المنفلتُ بوجهِ المدى
أنا موسيقى الريحِ
ضوءُ نجمةٍ ستطلعُ يوماً
عاريةً ذات ليلٍ
مِن وراء حقولِ الشوقِ ستطلعُ
أو مِن أعلى نخلةٍ ساهرة
ستطلعُ ذات صباحٍ
مِن وراء شالِ حبيبتي
المُعلَّقِ على جدارِ الصيف

7 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
12 ـ رحلة العودة
***
بزيِّ طيرٍ مهاجرٍ سوف أتَزَيَّا
أرتدي ريشَ لقلقٍ
وأضعُ جناحين عملاقين باللونِ
الأبيضِ الباهر
ثم أُطلقُ منقاراً ورديّاً أو رماديّاً
وأبدأ الرحلةَ
أجوبُ سماءً ليست سمائي
أختبرُ فيها تناوبَ الفصولِ
ثم أركبُها صاغراً
أعبرُها ولو كانت وحولاً
أقطعُ محيطاتٍ ، بحاراً ، وبرارٍ شاسعةً.
أنا طائرُ العودةِ في هذي الرحلةِ
امرأةٌ تنتظرُني على أبوابِ البصرة
منذُ الهجرة
منذ الأيامِ الأولى
قالتْ : أحسبْ ثلاثين عاماً
ثم فكِّرْ بالعودةِ
في ليلةِ رأسِ السنة
عُدْ ثانيةً
فأنا أقف كالرايةِ في بريّةِ
فوق سنامِ الجبلِ سنام
صرتُ طيراً
وبدأتُ الرحلةَ

8 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
13 ـ لعبة الشمس
***
إلى هنا
لا تأتي كما تأتي الفاتناتُ طيورُ
عَبْرَ سماءٍ وراء الغيمِ تتوارى
لا يرفُّ جنحُ طائرٍ مُهاجرٍ
ولا يرفُّ جنحُ أليفٍ
الشمسُ وحدها تلعبُ معنا
تغمضُ عينيها ثم تضحك
تتستّر وراء أشجارٍ متناثرةٍ مرّةً
وتصهلُ مرّةً أخرى
كالعادةِ معنا تلعبُ اسفرْ واحتشمْ
فيما أجسادُ النساءِ
بثيابِ الفصولِ تختبئ
وتخاصمُ صيفاً لن يأتيَ أبداً
مثلما تُخاصمُ مدنُ الشمسِ الفاجرة
خيالَ أبناءٍ
أدمنوا الغيابَ
8 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
14 ـ أشياء عابرة أخرى
***

1 ـ
قطارُ الأنفاقِ تحتي يُعربدُ
يهزُّ مصطبةً حجريةً
بالساحةِ تتشبثُ
2 ـ
هل تُحبين الفراشَ ؟
الليلةَ أقصدُ
إذن سنتبادلُ بحرقةٍ القبلات
3 ـ
غيرُ الوهجِ الخاطفِ لا ينبعثُ
مِن هذي الصدورِ العاريةِ شيءٌ
ومِن العيونِ لا يأتي غيرُ البحرِ
وغاباتِ المرجان
وبعضُ .. بعضُ أحراشٍ داكنةِ الخضرة
آه لو غافلْنا الحارسَ ودخلْنا أجماتٍ سحريّةٍ
لرأيْنا شيئاً عجباً
8 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
15 ـ وطن
***

على الطاولةِ
التي نشاهدُها بجلاء
وطنٌ و منفضةٌ
وإلى الجوارِ بضعةُ جنرالاتٍ
مِن هذا العهدِ
ومِن العهدِ المُباد
يُدخنون السيجارَ
وبشراهةٍ ينظرون إلى جيوشِ الحشرات
تمزّقُ جسدَ وطنٍ ممددٍ على الطاولةِ
وفي المنفضةِ ترمي العظامَ

9 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
16 ـ عاصفةٌ في شجرِ الله
***

حتى هذه الساعة
لم تأتِ إلى ساحةِ هانا زوبك الحمامات
قطّعتُ لهنَّ الخبزَ
ومعي حملتُ إليهنَّ حفنةَ حبٍّ مِن عبّادِ الشمسِ
ولم تأتِ
جاءتِ الشمسُ وتأخّرتِ الحمامات
ولم تأتِ إلى شرفتي هذا اليوم حمامتان متزاوجتان
تركتُ لهما طعاماً وحوضاً صغيراً للماء
وإلى جوارِهِ تركتُ شتلةَ وردٍ للياسمين مازالت مغمضةً
هل تأتي الحمامات ؟
وإنْ تأخرت هناك في أعالي الشرفةِ هل تأتي إلى ميدانِ هانا زوبك ؟
أنا منذ الضحى منتظرٌ
قطعُ الخبزِ معي وحبُّ عبّادِ الشمسِ
وفي الجوارِ بشرٌ مِن أفريقيا الوسطى
في الجوارِ هنودٌ حمرٌ
عربٌ ، أتراكُ
وبعضُ السلافياتِ
يمْهرْنَ الوقتَ بزقزقةِ النهدين
ويختمْنَ توتّرَ شهوةِ الشمسِ الفاضحَ بعريِّ السيقان
في هذي الساعةِ ما أجملَ الاشتهاء !
ما أعذبَ أنْ تستمني الشمسُ بزهرٍ يتفجّرُ كرزاً !
ما أجملَ دهشةَ فضّة الأجسادِ في تلك الساعةِ !
عاصفٌ أنا أمام المشهدِ
ومشدودٌ للرؤيةِ
و أمامي صبايا ينجزْنَ المتعةَ بثوانٍ
آه يا ماء الظهرِ المُراقَ على أردافِ الساحةِ
ويا بطنَ العفّةِ المنسابَ كالموجِ فوق هديرِ الأعماقِ آه
آهٍ للعمرِ الغاربِ في هذي الساعة
للزمنِ المهدورِ فوق الساحة
بهذا المشهدِ أتعللُ
وبهذا المشهدِ ألهو
الوقتُ تأخّرَ والحماماتُ عاندتْ في المجيء
ربما اعتصمتْ في مرتفعِ همبولدت حيث تُقيمُ في أعشاشِ الطيرِ القادمِ مِن زمنِ الأسفارِ
شحرورٌ في المدى
غرابٌ يشربُ ماء
وعصفورٌ يُراودُ أُنثى تكبرهُ سنّاً تماماً كما يفعلُ تلميذٌ مع أصغرِ المعلمات
هل تأتي الحمامات ؟
جاءت كلُّ الغربانِ
وتأخّرتِ الحمامات
و أنتِ هل تأتين أم على أبوابِ البصرةِ مازلتِ تنتظرين ؟
تنتظرين مَن ؟
أنا قررتُ ألا أعود
نعم قررتُ ألا أعود
تأخّرت الحماماتُ وجاءت للفقراء عربات
مِن وراء غاباتِ أثلِ البصرة جاءت
عرباتٌ حملت جوعاً لأطفالٍ في الحيانية
عرباتٌ حملت حَيْرَةَ صبايا مِن صبخةِ العربِ
عرباتٌ تأتي مِن "خمسة ميلٍ" مُحمّلةً بالشجنِ المقيمِ
وعرباتٌ حملتْ عويلَ نساء جئْنَ مِن وراء روحِ الكمأةِ المختبئةِ في صحراء الزبير .
تأتي عرباتٌ ويأتي التعساء
مِن ميسان عَبْرَ المشرّح
أو عَبْرَ الكحلاء
ويأتي مِن ذي قار أهلُنا النجباء
مِن أور يأتي فتيانٌ بأسمالٍ باليةٍ
ويأتي بأقدامِهم محمولاً طينُ التاريخ
لم تأتِ بعد إلى الشرفةِ حمامات
ولم يأتِ عَبْرَ مملحةِ السماوة فرات
لم تأتِ منذ فجرِ التاريخِ ناهدات
نحن زرعْنا شجرَ التاريخِ وصرْنا لعنةَ الأمم
هل جاءت إلى هانا زوبك حمامات ؟
قطعُ الخبزِ معي
ومعي حبُّ عبّادِ الشمسِ
وأمامي صدورُ إناثِ الدنيا

10 ـ 06 ـ 2009

***
17 ـ نابيرو
***
ارهزي علينا ارهزي
سريعاً سريعاً ارهزي فنحن لا وقتَ لدينا
سيأتي نابيرو
بنا سيخسفُ الأرضَ
سيدمِّر كلَّ الكوكب
وعلينا سيأتي حسابُ اللهِ سريعاً مثلَ الرهزِ
وستأتي الديدانُ
ارهزي
وافجري
وتفجّري
فالبحرُ مِن تحتنا ينسابُ
كأنَّ الموجَ آخانا
ارهزي حتى تخرجَ نحو السطحِ أرواح

10 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
18 ـ نعرف هذا الحي
***
في هذا الحيِّ
إلى عيونِ نسوةٍ ضاحكةٍ ترحلُ وجوهُنا
تتلألأ في بحارٍ شديدةِ الزرقة
دوماً نرى عيوناً ضاحكةً
يأخذُها موجٌ
يسافرُ بها إلى آخرِ المحيطات
ثم بها يعودُ
في هذا الحيِّ
الذي لم نفارقْهُ أبداً
نعرفُ المرأةَ مِن شهقةِ الرائحةِ التي
تنفستْها الطريق
مِن صورةٍ علِقتْ بقميصِ قطرةِ ندىً
تأرجحتْ بغصنٍ ماجنٍ
مِن همسةٍ عَبَرَتْ تحت شجنِ الظلالِ
في هذا الحيِّ
تعرفُنا النساءُ
مِن نوعِ سجائرِنا تعرفُنا
مِن وقعِ أحذيتِنا على قارعةِ الطريقِ
حين نمرُّ أشباحاً في الظلامِ.
في هذا الحيِّ
نعرفُ بعضَنا بعضاً ونعرفُ كلَّ الأشياء
نعرفُ لوعةَ الطيرِ ،
حالَ الشجرِ،
مجيءَ الريحِ ،
دورةَ استحالةِ الكائنات
ونعرفُ
نعرفُ تعبَ الرملِ في ليلِ الصيف
ونعرفُ تقلُّبَ جسدِ النجمةِ في فراشِ الفجرِ
دوماً نرى في هذا الحيِّ أننا مُبحرون على ظهرِ زورقٍ في الريحِ .
دوماً نرى عيوناً ضاحكةً
في هذا الحيِّ
نغتصبُ مِن كلِّ امرأةٍ شالاً حريرياً أزرق وبه نعبرُ بحاراً .
تُلاحقُنا النسوةُ
على ظهورِ الحيتان
تلاحقُنا حتى تخومِ الظلامِ
تنتزعُ منّا الشالات
وبنا تعودُ مُزهرةَ البطونِ

11 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
19 ـ
***
20 ـ صحراء في فراشي
***
استيقظتُ فلم أجدْها
هذا الصباحُ خرجتِ الصحراءُ مِن بابِ بيتي بهدوءٍ
لم تُشعرْني بخروجِها وتركتني أغطُّ في نومٍ عميقٍ
كنتُ أحلُمُ برجالٍ قطعوها أمامي.
مِن أين عبروا وهي نائمةٌ منذُ الليلِ في فراشي ؟
أخبرتني جارتي التي لم تكن مجنونةً ولم تكذبْ يوماً أنها ارتدتْ بحراً وتحزّمتْ بالموج وقالت إنها وضعتْ على كتفيها شالاً مِن ريحٍ وأضافت : كانت في الطريقِ تهدرُ. جارتي قطعاً لم تكن مجنونةً ولم تكذبْ يوماً.

12 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
21 ـ عويل المسافة
***
عقدٌ مِن الزمانِ ، عقدان ، عقودٌ ثلاثة
وأنتَ في المسافةِ تدرجُ
تلك التي انحصرتْ في ميلٍ كفيفٍ
لا الرؤية عَبْرَهُ رؤية
ولا النفس تنتهج رؤيا
عقودٌ مِنِ الصمتِ وأنتَ تبحثُ عن معنى
فأيّ خيبةٍ عصفت بأعوامِك الماضية
في اللاجدوى تسيرُ
أينما وليت وجهَك هو السرابُ أمامك
أينما حللتَ حتى في اللاسرابِ
لن ترى سوى السرابِ
وفي الشتاء لن ترى
غيرَ ضبابٍ يُطوِّقُ خصرَ الصحراء
يُعمِّرُ هامَ تلالٍ تتراءى مثلَ تماثيل ثلجٍ
عقودٌ مِنِ الزمانِ
ورايتي انكسرتْ هنا ساريتُها
تلعثم فيها الخفقانُ مثلَ طيرٍ مهيضِ الجناح
رايتي رفَّتْ هناك
وبضعُ قطراتٍ علقتْ بها مِن ندى الصباح
رايتي لا تنزعُ للسجودِ
لن تتمرغَ في تراب
وأنا ضفّةٌ تجتذبُ المراكبَ
أنا مرسى المُتعبين
أنا عطرُ الفاتناتِ في صدرِ الموانئ
عقدٌ مِنِ الزمان ، عقدان ، عقودٌ ثلاثة
يا ناعي النفسِ ارفعْ في المدى صوتَك
واتركْ طريقَ الطيرِ حتى يقتربَ صوتُ
يا عازفَ الريحِ
اجعلْ لحنَها أجمل

13 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
22 ـ عطب الطريق
***
معطوبةٌ هي الخياراتُ
وأفضلها غرابٌ طوّقهُ الشؤمُ بخيطِ ملحٍ
حين عبرَ سماءِ السماوة
معطوبةٌ هي الخياراتُ
وأقفالٌ تهتفُ على أبوابٍ مشرعةٍ
على الزئيرِ والغارةِ القاتلة
كنّا بنجدٍ حين توارت في ليلِنا القافلة
وحينها لم نتوقّفْ
حتى سُقينا مِن لبنِ نوقِ العراق
كنّا على أبوابِ المنذرِ
نفتشُ عن خيارٍ
ونرقبُ حَيْرَةَ الآلهةِ في سماء الحيرةِ

13 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
23 ـ حَيْرَة باحث
***
صَدَفةً صَدَفة
مسحتُ البحرَ ومشّطتُ الموجةَ
فقاعةً فقاعة
تفحّصتُ الأعماقَ
وجبتُ القيعان
غصناً غصناً
فتّشتُ المرجان
ولم أعثرْ على صوتِك
سألتُ الدلفينَ
وسمكَ القرشِ
وسألتُ كلَّ الحيتان
أين اختفيتِ في تلك الأصقاع ؟
يا نبضَ الليلِ في قلبي
وهمسَ الصبحِ
أين اختفيتِ ؟
أين أبعدكِ عني ضياع ؟
أين اتكأ بعضُ روحي
أين ؟
وتلك الأسوارُ تشدُّ الأحجارَ بنبضِ الماء
وتُخفي لذّةَ اللقاءِ تحت حزامِ الخزفِ الأزرق
مفضوحةٌ تلك الأسوارُ
ومخيفةٌ أحلامُ الضفّةِ
أين اتكأ بعضٌ مِن روحي
وهنا تختفي كلُّ الأشياء
يا بعضَ روحي مِن أجلي
اسمعي نداءَ أعماقي
وحَيْرَةَ الولهان

13 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
24 ـ السياب
***

حين شارفتُ على البصرةِ تذكّرتُ :
ما بين قبرِ السياب ومركزِ المدينةِ مسافةُ نصفِ ساعةٍ بالسيّارةِ.
فقط نصفُ ساعةٍ .
شهقةُ طائرٍ
هبّةُ فارسٍ
ما بين صاحبِ القبرِ وتمثالِهِ
عشرون ميلاً كبيسةً
وعرباتٌ بجيادِها تمتحنُ المسافةَ
نحو القبرِ لا يأتي أحدٌ فيما البشرُ يتدفقون نحو التمثالِ
يلتقطون للذكرى صوراً
تحت التمثالِ
ويرتجلون تبجّحاً أُنشودةَ المطر
شعراءُ البصرة ضيّعوا مع كثرةِ مصائبِهم الطريقَ إلى المقبرةِ.
اكتفوا بالتمثالِ شأنهم شأن الدهماء
بعضُهم نسيَ أنّ للسيابِ شعراً أسود وعينين مغوليتين
عبّرَني الليلُ
كنتُ مُتخبّطاً في صحراءِ البصرةِ
ما بين خطوةِ الأمامِ علي ومقبرةِ الحسن البصريّ
أبحثُ عن طريقٍ توصلُني نحو تمثالِ السياب
فيما السيابُ في الجوارِ يرقدُ
أنا أعرفُ السيابَ مذ كنتُ في العاشرةِ
مذ كان يخترقُ طفولتَنا على درّاجةٍ هوائيةٍ سوداء
كان سعفةً في ريح
وقفتُ على قبرِ شاعرِ العراقِ العظيم
مِن عيني هطلتْ دمعتان
تحدثتُ معه
أيها الشاعرُ العملاقُ
جلبتُ لك معي سلّةَ الحكايا
وقصيدةً طويلةً نظمتُها في المنافي
لكنني نسيتُ ما جلبتُ فوق رملِ الصحراء
أثناء استراحةِ العشاقِ
أجل نسيتُ القصيدةَ وسلةَ الحكايا
و بقي في حوزتي قولٌ بسيطٌ
أنقلُه إليك عن لسانِ شاعرٍ متمردٍ جميلٍ اسمه محمد الماغوط فهل تُريد ؟
يقول لك :
تشبّثْ بموتِك أيها المغفل .

14 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
25 ـ عثرتي
***

هي معي تسيرُ خطوةً خطوة
خيبتي تنقرُ هامتي
تنهشُ ذاكرتي
مثلي تتعثّرُ بأيامٍ سود
تُتعبُها الطريقُ وتبتلُّ بمطرِ الحَيْرةِ
هي معي تحت السقوفِ المُهلهلةِ تتدثّرُ بأوجاعِ الطينِ
هي معي يا صاح
منذُ أنْ تعطّلت أسفارُ الحنين
منذُ غربةِ الموجِ في ليلِ السفينة
منذُ شحوبِ النَّفسِ
ووهنِ الجسدِ
آهٍ مِنْ قلبٍ يثأرُ منّي
آه مِن قلبٍ كلّما فتحتُ له باباً بوجهِ الرّيحِ
انسدتْ مِن خلفِه بابٌ
هي معي يا صاح
منذُ وطنٍ لم يفارقْني
شجرةٌ تحتالُ على شمسِ الله وتلتهمُ الليلَ
خيبتي فوق رأسي تُحلِّقُ
مثلي تتشوّقُ لشربِ القهوةِ في الصباحِ
وفي الليلِ تشربُ نخبَ الأحزانِ
هي معي يا صاح
لا تبرحُ المكانَ
منذ أنْ غامرتُ بكلِّ العمرِ الذي انتهى
وفي برّيةِ هيامٍ ما انتهى
عمّاذا أُحدثُك يا صاح وهي معي ؟
عن خلفٍ ألقينا به إلى عرضِ اليمِّ مِن على ظهرِ مركبٍ مجهول
وضاعَ في شتات ؟
هي معي يا صاح فلا تتعبْ
أغلقْ بوجهي سمّاعةَ الهاتفِ
واطوِ صفحةً كانت

15 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
26 ـ الأسخياء
***

الأحباءُ كهذي الشّمسِ
لا يأتون كثيراً
لا يمكثون طويلاً
الأحباءُ نادرون
دائماً ، دائماً
رائعون دائماً
خفيفو الظلِّ دائماً
إنما حين يطلِّون علينا
بكلِّ الحبِّ يغدقون
يغمروننا دفئاً
الأحباء دائماً أَسْخياء

17 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
27 ـ مقاربة رؤى
***
كانت مثلَ جوريةٍ في حديقةِ همبولدت
مزهرةً بلا رائحةٍ
هي تراني نهراً عليلاً
منه لا يأتي شيءٌ غير اعتراضِ الطريق
وأنا أراها خاتماً للزينةِ
لا ينفعُ لغيرِ الزينةِ
أنا أراني مثلَ نخلةٍ أينما وِجِدتْ
قالوا هنا مسقط رأسِ الشّمسِ
وأراني آخرَ الحصونِ التي لم تسقطْ بعد
والمهرَ الأصيلَ
الذي لم يفكّر بالعدوِ بعد

17 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
28 ـ كوخٌ في أطرافِ برلين
***

كوخٌ مِن شجرِ الكستناء
وامرأةٌ تُترجمُ حروفَ المكانِ
لغةً شهوانيةً
إنما مهذبةٌ بعضَ الشيء
امرأةٌ حين تمنحُ اللذّةَ تحيلُها خمراً ودهشةً
في أطرافِ برلين
كوخٌ مِن ورقِ توتِ الجنّةِ
أو مِن خيوطِ اللؤلؤ

20 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
29 ـ جسر ليبكنيشت
LIEBKNECHT BRÜCKE
***

إلى هنا في العادةِ لا يأتي النهرُ
نحن للنهرِ نذهبُ
شبريه هذا يجري ماءً أسْوَد
فحماً أسود
يُخادعُ السفينَ
وبعضَ المُغفلين مِن أبناء برلين
الذين يبحرون عَبْرَ المخيلةِ
تلك أحلامُ السفهاء
شبريه يجري تحت سماءٍ مُعتمةٍ
أو في بحرٍ مِن طين يجري
على ما تبقّى مِن ذكرِ السيد
ليبكنيشت

21 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
30 ـ عُشٌّ هناك
***

بيتٌ هناك في أقاصي الصحراء
عليه يمرُّ الغزاةُ
وفيه يسهرُ العابرون إلى المُنتهى
بيتٌ هناك على طريقِ المُشتهى
كومةُ حصىً وطوقٌ مِن الغضا كأنه بابٌ
أمامها يُباعُ النجمُ أقراطاً
وطنٌ هناك
في أعالي الموجِ
تارةً يحصدُهُ المدُّ وتارةً
تُعابثُهُ السفينةُ
فيما الزَّبدُ يُدَغْدغُ شدقيه خجلاً
بيتٌ
وطنٌ
عشٌّ
مركبٌ مِن هواء
دخلَ الجنونُ روحَهُ وتاه

21 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
31 ـ مِن أجلِها
***

لم تأتِ منذُ العصرِ
غانيةُ المشفى
جاء الليلُ وسادَ الصمتُ
ولم تأتِ
فيما الوجدُ
يلفحُ وجهَ الانتظارِ
العاصفَ في النافذةِ


21 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
32 ـ جوهرة
***

على تريبةِ صبيةٍ ثمّة عقدٌ
ابتاعهُ لها مِن نظّامِ اللؤلؤِ أبٌ
كان يسهرُ في قاعِ البحرِ
في حانةِ صيّادي المحّار
سيدةُ الحانةِ انجذبت للعقدِ
دفعتْ فيه الحانةَ وقليلاً مِن شموخ
سيدةُ الحانةِ لا تعرفُ الفرقَ
بين الرغبةِ وبين الشهوةِ
فأعطتْ ما لديها
حتى مكمنَ اللذّةِ

21 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
33 ـ شهوتان
***
في مترو الأنفاقِ
تلاقتْ رغبتانِ
الأولى تنزعُ للرحيلِ شمالاً
والثانية ترومُ الإبحارَ جنوباً
في مترو الأنفاقِ
لا تتلاقى الرغباتُ
في مترو الأنفاقِ
جيّاشةٌ هي الشهواتُ

21 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
34 ـ لن تكون
***
إذا وضعتَ روحَكَ على خارطةِ الليلِ
سوف لن تكونَ نجمةَ الدليل
لن تكونَ فناراً للسفينة
إذا وضعتَ روحَكَ في حضنِ الموجةِ
غادرتْ بها مثلَ جزيرة

22 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
35 ـ إليكَ جلبتُ البحرَ
***

إليك جلبتُ بحراً أصيلاً لا يُملُّ ركوبُهُ
إلى هذي الديارِ نقلتُهُ
وقلتُ تشبّثْ بسحرِ الموجةِ البكرِ
قبلَ أنْ تخطفَهُ السفينة
وأنتَ صوتٌ في بريّةٍ
ضاع في الهباء
إنما على جدرانِ قلبٍ تردد
وأنتَ دمعةٌ مُحْتَبَسَةٌ بين حجرِ العيون
بصمتٍ تنهمرُ
أتيتُك بشيخِ البحارِ
وسألتُك أنْ تعتليَ صهوةَ الريحِ
وقلتُ :
هنا موطنُ اللذّةِ
فلا تخسر آخرَ الحروبِ
والمتعةَ القادمةَ
هي خلّةُ العذراءِ حين تُريدُها
هي همجيةُ الردفين والصدرُ مرتعٌ
ومِن عجمةٍ في لسانِ البحرِ شكوتَ
آه مِن عجمةِ فيك
توحّشْ كبحريَ الفاجرِ الموجِ
وتدنّسْ فتلك حوراءُ فاجرةُ قدٍّ ومبسمٍ
إلى هذي الديار نقلتُها
جلبتُها مِن أجلِ عينيك
بها يطيرُ الشَّعرُ وعينُها لا تدمعُ
فتشبّثْ بجسدِ المنافي
ومعه احملْ زادَ المسافر

23 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
36 ـ أمل الطائر
***

في المدى البعيدِ أربعةُ طيورٍ مُسافرة
وخلفها واحد
يجتهدُ في تقريبِ المشهدِ نحو عينيه
بها ينوي اللحاقَ
الطائرُ الوحيدُ يصفقُ بجناحيه سريعاً
دون جدوى
الطائرُ كان مُتعباً ، ربما
وربما كان عليلاً
أو مُصاباً
الطائرُ الوحيدُ
يطيرُ على أملِ أنْ يطويَ المسافة

23 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
37 ـ تفاصيل صغيرة
***

1 ـ
راوغي يا شمسُ وتستّري
ثم أُخرجي وتحجّبي وتعففي
وانشدي وصالاً فوق مصطبةٍ
نسيها النّهارُ
راوغي يا شمسُ ولا تتبرجي
2 ـ
مِن ثقلِ الغيمِ وكثافتِهِ
ستسقطُ فوق رؤوسِنا السماء
لكن النّهارَ كان جذلاً
عند انحسارِ الغيمِ أخيراً
3 ـ
طالبةُ الطبِّ الأكثر فتنةً مِن بين الطالبات
تُحضِّرُ درساً في عرضِ الأزياء
وآخرَ في الإغراء
وتدخلُ زمنَ الرقّةِ
طالبةُ الطبِّ تتعلَّمُ كلَّ الأشياء
ماعدا علم إنقاذِ الناس
4 ـ
إذا تركتِ الشمسُ مكانَها
أين سيقيمُ النهارُ ؟
5 ـ
التي مرّتْ تحت الظلالِ البعيدةِ
لم تكن مِن هذا الزمان
6 ـ
على صدرِها جُنّتْ موجتان
زقزق عصفوران
على صدرِها ابتنى الجيلاتين مملكةً
7 ـ
كلّما التقينا بدتْ لي عاريةً
هذه المرأةُ تعشقُ كلَّ الألوانِ
فيا طيفَ الشمسِ البسْها
لكي تُصبحَ سيدةَ النّهارِ وتملكَ كلَّ الشبّان
8 ـ
مزاجُ الطقسِ مُتقلِّبٌ على الدوّامِ
لا يسمحُ لقطرةِ النّدى أنْ ترتاحَ على وجهِ الوردةِ
أحياناً يطردُها نحو البرّيةِ
9 ـ
عارضةُ الأزياءِ الألمانيةُ كلوديا شيفر
عرضتْ كلَّ الموديلات
وكلَّ الألوانِ
وحصدتْ كلَّ المالِ ثم انتهى المشهدُ
كلوديا شيفر نسيتْ موديلاً لم يُعرضْ
كان أهمَّ الموديلات

23 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
38 ـ مملكةُ البدو
***

بيتٌ للشَعَرِ وعتمةُ ليل
وهنا أُقيمتْ مملكةٌ للنسيان
ستزولُ مع الأيامِ
في موسمٍ قادمٍ
بيتٌ في صمتِ البوادي لبشرٍ
يستضيفون قمراً في الصيفِ ويُهدهدون
موقدَ الشتاء
وغيرُ جمراتٍ في طبقٍ ياقوتيٍّ لا ذؤابة ترتجفُ هناك
بيتٌ للعابرين يواسي الغضا
يسامرُ الرّكبانَ
ويؤاخي زفيرَ شمسِ الهجيرةِ
آهٍ مِن بيتٍ في باديةِ الله
آه مِن خَلوةِ بدويةٍ مع فحلٍ في برّيةٍ
ستنتفُ لحيةَ القمرِ
وتُمزِّقُ ثيابَ الرّيحِ
آهٍ مِن مملكةٍ
ما أنْ تُقام حتى تزول
**
مِن المعنى مُجرّدٌ أنا
مِن ثيابِ المُقاتلِ
مِن أسلحتي مُجرّدٌ أنا
وأحلامي هاجرتْ على ظهرِ زورقٍ جاورَ الغيمَ
فأيّ الصبواتِ التي بها أحتفي
وأيّ الكلماتِ المُصادرة
لم يبقَ مِن أشيائي غيرُ الهزيل
وأمامي لم يبقَ غيرُ اقتحامِ الرّيحِ
سأفتحُ بمديةِ الماردِ جسدَ الباديةِ
وعَبْرَه سأفتكُ بأشداقِ التنين
عبرْنا ليلاً مِن كثبان
ومع الغضا تحاورْنا في غفلةِ الدليل
قلنا للدليلِ خُذْ نجمتَكَ العاهرةَ وارحلْ
فنحن سلكْنا مسارَ الرّيحِ
كان الرملُ يُزقزقُ ندىً في كانون الأول
ومِن فوقنا يُطحنُ الهواءُ
هناك موقدٌ عند التماعةِ الياقوتِ
هناك ببابِ بيتِ الشَّعرِ رمحتْ أَمَةٌ مِن تلك الأيام
سألتْنا كنّا عبثاً نوصلُ الكلام
وكنّا نخفي العُريَ في العتمةِ
لكنما النفسُ بين الفينةِ والفينةِ تُضيءُ فتنكشفُ
لها الأعماقُ
خُذي يا أمةَ اللهِ بعضاً مِن دهشتِنا
فنحن ما زلنا على مسافةٍ مِن بيضةِ القطا ندرجُ
ونحو جسدِ النعامِ نتوسلُ

23 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
39 ـ ريح ونجمة

***
في مكانٍ ما مِن برلين عزفتْ ريحٌ
ونجمةٌ قصيةٌ تُحدِّقُ في منضدتي
غائرةً كانت في كبدِ السماء
نجمةٌ علّها تُرشدُ عابراً
أو تحرسُ سفينةً
هي فضوليةٌ نعم
هي طفيليةٌ نعم ولكن
ربما لا شأنَ لها بمنضدتي
حين تنشغلُ بمهاجرٍ يخطفُ مِن البحرِ موجةً
ومنها يطلبُ عوناً
هي لا تدري أنني أغتابُها الليلةَ
ريحٌ عزفت في ساعةٍ
أوصدتْ فيها كلُّ الأبواب

23 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
40 ـ في المهد
***
حين وِلِدْنا كانت لنا أغانٍ كثيرة
راحت تختفي كلّما فقدْنا مِن براءتنا شيئاً
حين ولِدنا كانت لنا أشياؤنا البسيطة
وكنّا طاهرين
حين ولِدنا لم نعِ هولَ ما ينتظرُنا

24 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
41 ـ عودة اليمامة
***
في المساء ستأتي اليمامة
مثلما تأتي صباحاً
تأتي في كلِّ وقتٍ جميل
لا شيء يمنعُها طالما هناك
شجرٌ وماء
وفي الانتظار حبيبٌ
ستأتي اليمامةُ مع فنجانِ الشاي الساخن
أنا منتظرٌ في المساء

24 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
42 ـ الكواعب
***

النواهدُ في ذي الردهةِ كثيراتٌ
يَلْبَسْنَ الفتنةَ بالمجّان
وبالندى يغسلنَ الأرواحَ
الكواعبُ الضامراتُ في الردهةِ
لا يعرفْنَ غيرَ
الدواء والأدواء

24 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
43 ـ الجنة
***
سقيفةٌ مِن لحاءِ الزيزفون
وبضعُ شياهٍ في الجوارِ
وساقيةٌ تتهادى صافيةً
فيها تتدلّى كرمةٌ
وزجاجةُ خمرٍ
وسيقانُ امرأةٍ تُداعبُ ماءً رقراقاً
تلك الأشياءُ وأنا

24 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
44 ـ انتظرتك
***

تأتين .. متى ؟
انتظرتُكِ طويلاً
طويلاً
كلَّ العمرِ

24 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
45 ـ عائلتي
***
صباحُ الندى
بكم يُخضَّبُ كوني
وتنتعشُ الروحُ
صباحُ الندى
أيتها العائلةُ الغريبةُ على أرصفةِ التيه
صباحُ الندى
يُدغدغُ أنفاسَكم

25 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
46 ـ امرأة على نهر الخابور
***

على جذعِ شجرةٍ
فوق نهرِ الخابورِ
رأيتُ اليمامةَ
تحملُ كيساً مِن الدقيقِ كبيراً
وبندقيةً شيوعية
فوق جذعٍ مِن شجرِ البلُّوط
رأيتُها تُعبِّرُ
على ظهرِها الخابور

25 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
47 ـ هضاب
***
1 ـ
انفلتَ علينا الصبحُ
حين كنّا في أعلى القمّةِ
وللسماءِ انكشفْنا
قال أحدُنا
غير النسورِ لا يؤمُ القممَ أحدٌ
قلتُ والرجال مثلنا
2 ـ
هل رأيتَ الريحَ
وفي أعطافِها تومضُ الغارةُ ؟
هل رأيتَ الموجَ
في طياتِهِ يحملُ رسولاً ؟
3 ـ
هذا المُعاندُ
على وجههِ يُريدُ بصقةً
ولطمةً على قفاه

25 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
48 ـ تركي في مشفى الشارتيه
***
مِن أين تأتي القصيدةُ
وهذا التركيُّ سدَّ أبوابَ الدُّنيا
يأكلُ كثيراً
يتجشأ كثيراً
يشخرُ طويلاً
ومؤخرتهُ مشرعةٌ للضراط
هذا التركيُّ
لا يفعلُ شيئاً مفيداً على الإطلاق
مِن أجلِ ذاتِهِ يُريدُ أنْ يمحوَ الدُّنيا
ياربّ خُذْ بيدِهِ إلى الصراط
أو ترحمْنا يا أرحمَ الراحمين

25 ـ 06 ـ 2009
***
49 ـ سرب السنونو
***


ومِن السنونو سربٌ
يمخرُ سماء برلين تلك التي لم تكن يوماً زرقاء
ومِن الطيورِ سربٌ
مهاجرٌ يُحلِّقُ بعيداً
أبعد مِن مرمى البصرِ
أبعد مِن استراحةِ الكستناء
ومِن رائحةِ الزيزفون
أبعد قليلاً مِن صوتِ "قيثارةِ مَدْيَن"
سربٌ قربناهُ ولم نعرفْ
لا لم نعرفْ
كان السربُ مِن أوطانٍ أخرى

25 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
50 ـ سوسن الحانة
***
ذاك شجرُ الحانةِ
بهجةُ القادمِ في الليلِ
ورهبةُ العابرِ خوفاً
ذاك شجرُ الخلاسيين يعطي روحَهُ عطراً مولداً
ويصعدُ زهراً فوق قصورِ الخليقةِ
ذاك شجرٌ في قمرٍ يسبحُ
ذاك قمرٌ فوق ذوائبِ ليلٍ يرقصُ
ذاك قدرُ الوسادةِ
أنْ تبقى ساهرةً حتى مجيءِ مَن كان في الحانةِ
ذاك سوسنةُ الحانةِ

25 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
51 ـ الكادحات
***
تأتي العرباتُ
مُحملةً بالملحِ ونساء انشغلْنَ بمملكة القمر
تأتي العرباتُ
تجرُّها خيولٌ ظامئة
وعجلاتٌ مِن لهب
تأتي الأمهاتُ بعد حصادِ هجيرةٍ فيها تتذوبُ الأرواحُ
يا عرباتِ القسوةِ في هاجرةِ البصرةِ
امنحنَ الطريقَ برداً به تُرشقُ وجوهُ نسوةٍ
أدمنتْ العذابَ في سبخةِ العرب
يا هاجرةً في أطرافِ البصرةِ
تلك الأمهاتُ كُنَّ أمهاتِنا
سلامٌ على نسوةٍ
في سبخةِ العربِ
25 ـ 06 ـ 2009 برلين
***
52 ـ هي الكأسُ
***
كلّما ارتشفتُ مِن مراشفِها
تهاطلَ في روحي الندى وفي روحِها
هي غيداءُ المدينةِ
وللنواهدِ مليكةٌ
هي دمعةُ الربِّ في كأسِ خمرٍ
هي كلُّ الخمورِ التي بها نحلمُ

26 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
53 ـ سؤال الطائر
***

أيها الطائرُ
فوق آخرِ الغصونِ
هل ابتنيتَ عُشّاً
لأنثى لم تأتِ بعد ؟

30 ـ 06 ـ 2009 برلين

***
54 ـ يومٌ حزيرانيٌّ
***

قالوا عن الشمسِ
إنها في الثاني مِن حزيران انتعشتْ
ثم أينعتْ في الطرقاتِ
فخرجتُ منذُ الصباحِ لحصادِ الشمسِ
في الحقلِ مكثتُ طويلاً
وحين جاء المساءُ
وأزفَ وقتُ العودةِ
عدتُ وبها ألقيتُ على مائدةٍ
لم ينادمْني عليها أحدٌ
لم أتعجبْ
فالشمسُ كانت منطفئةً

2 ـ 07ـ 2009 برلين
***
55 ـ لكلِّ موجةٍ زورقان
***

شجناً يزهرُ هذا المساء
وعتمةٌ تمتهنُ دمعةً تفجّرتْ خلسةً
في زاويةٍ مُهمَلةٍ
وأنا شاطئٌ جنوبيٌّ يفترشُ أرصفةَ بلادِ الجليد
أنا طائرُ النّواحِ المُخضّبُ برذاذِ طلعٍ
يتشهّى في أعلى تيجانِ النخلِ
رائحةَ نخلةٍ أُنثى
أنا المُضمّخُ بماءِ الفحولةِ
عشرون امرأةً احتلبتْ شريانَ قلبي
وتركتْني أمطرُ حبراً في صحنِ الوفاء
ومنهنَّ لم أرَ وفاءً
عشرون فجيعةً فتحتْ صدري
تبحثُ عن طفلٍ تمرّد ذات بذرةٍ فاسدةٍ
عشرون محنةً التهمتْ وردتي
ونثرتْني في أرضٍ يباب
**
تمهّلْ يا هذا
قالوا
لطَمَني القلبُ للمرّةِ الخمسين
والليلةَ أتنقلُ بين أسرّةِ مشفى عليلاً
علامَ تُعاقبُني أيها القلبُ ؟
هل لجمتُ طموحَكَ كثيراً ؟
هل كبحْتُ جموحَكَ كثيراً أو قليلاً ؟
قلْ لي ، لماذا ؟
**
طريقان لي في هذي المنافي
واحدٌ يمتدُّ إلى المشافي
وواحدٌ هامَ في الفيافي
طريقين يختارُ القلبُ ويركبُهما معاً
عجبي!
**
هي خيبةُ العمرِ تسيرُ معي منذُ العثرةِ الأولى
فكم مِن العثراتِ حطّتْ في طريقي رحالَها
هي خيبةُ العمرِ معي منذُ الدّهشةِ الأولى
وكم صرفتُ وقتاً بحثاً عن مدنِ الخيالِ
أعترفُ أمامَ أبوابِ الصمتِ
انني سأهزُّ أركانَ الكلامِ وأُربِكُهُ
وأُنادي :
أيتها الشطآن التي تنتظرُ المراكبَ العاهرة
هل فكّرتِ بالرّحيلِ ؟
أيتها الشطآن التي ما تشرّفت
بعناقِ قدميّ المُتعبتين
ستجفّين ذاتَ يومٍ مِن كمد
ستندمين عليّ
أنا ينبوعُ المُصادفةِ
الذي تفجّرَ في صمتِ البوادي
أنا عينُ ماءٍ في صحراءِ العربِ
فاقبلي يا إبلَ الأعرابِ
ولتقبلْ تلك الخيامُ الطاهرة
**
شجناً يحتطبُ هذا المساء
وفي سماء برلين
غيمةٌ تأكلُ وجهَ القمرِ
وعلى يمينِ عرشي
نساءٌ مورّداتٌ في حدائقِ الصيفِ
نزفْنَ كلَّ الرائحةِ وبتْنَ في العراء
على يمينِ عرشي
نساء أزهرْنَ فوق أغصانِ النشوةِ
كنَّ ثملاتٍ فارتجفْنَ للنسمةِ العابرةِ
**
تعففي قليلاً
فأنا ما أبقيتُ للعفافِ رائحةً
مزّقتُ خلفه كلَّ الأستارِ
ولم أبلغْ حدّاً في عمقِ العفّةِ
وموجتي حملتْ زورقاً نحو القاع
وزورقاً نحو الساحلِ
ولم استجلبْ في هذا المساءِ حكمةً
فالحكمةُ تأتي عنوةً
تتقصدُ عبورَ القارّاتِ لتحطَّ
فوقَ أديمِ الصمتِ مسترخيةً
أيها القلبُ
هل تراني أستحقُ عذاباً ؟
فانبضْ إنْ شئتَ
وابدأْ مشواراً جديداً
منذ الآن
منذ الآن

5 ـ 07 ـ 2009 برلين
***
56 ـ رسالة إلى السيد بافلوف
***
أنا لستُ كلباً مِن كلابِك
يا سيد بافلوف
ولا حامل أجراسك اللعينة
أنا ابنُ قومٍ كرامٍ أعزاء نفوس
فاجعلْ أجراسَك تدق أياماً
شهوراً
أعواماً
وإنْ شئتَ قروناً
اجعلْها تسلخْ جلدَ الغيمِ
فلستُ أنا الذي
مِن فيه لعابٌ يسيل
أنا لستُ واحداً
مِن خدامِك أيها الامبراطور

29 ـ 07 ـ 2009 برلين
***
57 ـ إشارة
***
هذا شعبٌ كذّابٌ
يتغزّلُ بطولِ النخلةِ
ويحزُّ رأسَها

18 ـ 8 ـ 2009
***
58 ـ الثور الخلاسي
***

أمسكْنا ظهرَ مطيتِنا البيضاء
ونادينا على الثورِ الأمريكيِّ
وبه صحْنا :
اقفزْ
قفز الثورُ وباضت مطيتُنا
وتعجّبنا :
الله ما أروعَ بيضةَ مطيتنا الخلاسية !

18 ـ 08 ـ 2009

***
59 ـ أخيراً أتيتِ
***

انتظرتُكِ طويلاً
طويلاً
طويلاً
وأتيتِ أخيراً
صوتاً تحملُهُ الرّيح
تقولين لمَن تركتني
كلّ هذي السنين
لقمةً بفمِ الزمن
الشحيح ؟

9 ـ 8 ـ 2009
***
60 ـ صانعو الثورات
***
1 ـ
هذا الصباحَ حاولتُ
أنْ أبصقَ على أمريءٍ لم يدفعْ عن أرضِه الغزوَ
ثم تراجعتُ حين اكتشفتُ أنه لا يستحقُّ البصاقَ
**
2 ـ
سيأتي يومٌ
بعد خمسين عاماً
ربما
بعد سبعين عاماً
سوف يقولُ العراقيون
إننا ضربْنا رأسَ أمريكا بالحذاء
في ثورةٍ للعراقيين
مثل ثورةِ العشرين
سيقولُ السياسيون
ويقولُ العاهرون
ويقولُ بعد سنين رجالُ الدين
ستقولُ العامةُ
وتقولُ العمامةُ
سيقولُ ثوريون
ويقولُ الثوّارُ
سيقولُ العميلُ
والقادمُ على ظهرِ الدبّابةِ
ويقولُ المهزومُ
سيقولون جميعاً
إنهم ضربوا في ثورةٍ ما دخلت التاريخَ
رئيسَ أمريكا العظمى جورج دبليو بوش الابن بالحذاء
ستقولُ الخاصّةُ
وتقولُ الدهماء
ويقولُ تأريخُهم المُزوّرُ دائماً
كانت ثورة لأبناءِ الرافدين
وسوفُ يظلُّ الزيديُّ
صاحب الحذاء الفضيّ خلف أبوابِ التاريخ
ستقولُ العامةُ
وتقولُ العمامةُ
ويتباهى الساسةُ
بمأثرةٍ هزليةٍ
بمهزلةٍ أثرية
11 ـ 08 ـ 2009

***
61 ـ هدايا العاشق
***

سأحملُ لوجهِ القمرِ سلّةَ ضوءٍ
وجناحين لنشوةِ الهواء
وسأهتفُ بالسماء
يا سماء
هأنذا جلبتُ لك عدةَ الرقصِ
فارقصي

19 ـ 08 ـ 2009 برلين

***
62 ـ هذه ليست برلين
***
تلك بلادٌ سبحتْ في رمادِ سمواتٍ هَجَرَتْها الأقمارُ
فإنْ أردتَ عودةً فعُدْ مُلتَفّاً بالزمنِ الضبابيّ
عُدْ كأنّك ابنُ الرِّيحِ الضال ، مُحتمياً بالإعصارِ
حين يكفّ ، في صدرِكَ الولدُ المُشاغبُ ، عن العويل
عُدْ بالخيباتِ مسكوناً
فهذا زمنٌ ضلّيل
هي خطاك تتبعُ خطى موجةٍ
لا الزّبد فيها يمحو زبداً
ولا الحافر في الرملِ يقعُ على حافرِ
خسرتَ تجارةً أغْرَقَها البحرُ وعطورَ نساءٍ
وزّعَهنَّ النَّدى على حدائقِ الليل
يا هذا العاثرُ النبيل
وأنتَ الأصيل
قبلك مرَّ غزاةٌ بحافلةِ الظلامِ
هي كالتي أغوت خائباً إلى ركوبِ السبيل
هي ليلٌ ، مهلكةٌ
هي غابةٌ شاسعةٌ للمرجان
غزاةٌ مِن قبلك فتحوا أبوابَ البصرةِ
كنّا نجوسُ في ليلِ الغابةِ
نحتطبُ جسدَ الهديل
كنّا أنفاسَ الفسيلِ تغسلُ وجهَ الماء
وتحتمي بالنخيل
سأُخبرُك حين تدخلُ شمساً
عن غزاةٍ مِن قبلك مرّوا
جزّوا ناصيةَ المدينةِ وقدّموا
ـ بلفافةٍ مِن ورقٍ طينيٍّ فَخَرَتْه الأساطيرُ ـ
خصلةً مِن شعْرِها الجميل
لخائنٍ مِن بلادِ مابين نهرين
وقالوا :
لم نخسرْ شيئاً فمِن أرضِه اقتطعْنا له سهماً صغيراً يليقُ بروحٍ ضئيل
ما أبخسَ ثمنَ الخيانةِ
لم نخسرْ شيئاً قالوا
فالخائنُ معنا عادَ راغباً والخائنُ مرغماً عاد
عُدْ كي أخبرَكَ عن بحارٍ حَمَلَتْها الأساطيل
عُدْ إلى زورقِك القديم وأبحرْ
أمامك برلين منتجعُ العاهراتِ
ومِهْبَطُ العابرين
أمامك برلين فأهدرْ بوجهِ الخائنِ:
اخلعْ بأبخسِ الأثمانِ قميصاً
اخلعْ .. اخلعْ .. اخلعْ
ما أرخصَ الأجر
أخيراً عدتَ إلى صدرٍ منه تستدرُّ
لبناً أرجوانياً ، قرمزياً ، أو سحرياً
إلى مبتغاكَ ها قد وصلتَ
إلى مبغاكَ وأنتَ الأخير
وأنتَ الأجير وصلتَ
لم تكن آخرَ الأوغادِ ولم
ما أشبه فجور الليل بعهرِ النهارِ
وصلتَ وما خدعَكَ سوى صاحبٍ ذليل
هل خسرتَ الرّحلتين
وعويلاً على أبوابِ ضبابِك المَهِيلِ ؟
كنّا نرقبُ سماءً مِن فوقِنا انتصبتْ
أجهشتْ بدوراً منطفئةً وجيشَ نجوم
كنّا نرقبُ ولم نتعبْ
وعلى مسافةِ قامتين منّا كان عراةٌ يتصيدون
في بحرٍ وهميٍّ للذّةِ يعومون
يتابعون فراغاً تَدَحْرَجَ عليهم
مِن أعلى أكتافِ الرِّيح
عراةٌ نثروا فوق جلدِكَ رملاً نارياً
فتحرشفَ كجلدِ حيوانٍ بائدٍ
هي كرةُ النارِ
لفّتها الريحُ وانفلقتْ في ميدان
مِن أحشائها انبعثَ كونٌ مِن ديدان
عُدْ ربما كان هذا آخر المطاف
آخر الطريقِ الطويل

22 ـ 08 ـ 2009 برلين

***
63 ـ كائنٌ بريّ
***
.................
إلى سنان انطوان
.................

طائرٌ عطريّ ركّبَ للبرّيّةِ جناحين
وطارتْ
عند حافّاتِ الغيمِ ظلَّ فارسٌ سرابيٌّ
يُطاردُها كلّما كفَّ المطرُ عن المجيء
هذا زمنُ القرنفلةِ النادمةِ
هو حدّثني
ومِن فوقِنا كانت غيمةٌ عذراء
تتنهّدُ شبقاً
تتحسّرُ شوقاً
لا هُما غَيْمَتان في العَرَاء
في السّكونِ السماويّ المُطلَقِ
في الخَلاء
غَيْمَتان تباعَدَتا
تَقارَبَتا
تهامَسَتا
تعانَقَتا وقالَتا : لن نَهْطِلَ
وقالوا لن تَهْطِلا
وقالَ لي لا تَهْطِلان
أتيتَ سنان
تبتني قَصْراً للماضي
فوق رابيةٍ على تخومِ " تفّاحةِ الرّيحِ "
مِن أعمالِ نينوى العظمى وتأمرُ :
هاهنا أسكنْ أيُّها الماضي إلى الأبد
مِن فوقِنا غَيْمَتان تَرْقصان
تتباعدان
تتقاربان
تتلاحمان
وتبوحان أسراراً استوطنتِ التّرابَ
وعند ذروةِ البوحِ
في اللحظةِ الحرجةِ
تَشَجّرَ الغريبان على أرصفةِ التّيهِ
هنا واحدٌ ... شجرةٌ
هناك واحدٌ ... شجرةٌ أخرى
سوف يَهْمِسُ الزائرُ للزائرِ
حين يُصبحان مزاراً :
هما شجرتا الغريبين
ستقول الشّجرتان :
سندخلُ كتاباً للموروثِ الشّعبيّ
فلتدمعْ صفحةٌ في أرضِ السّوادِ
صفحةٌ مُحايدةٌ
تَشْهَدُ على أبناءٍ قضموا خبزَ الدّهشةِ
وتركوا صدرَ الخميلةِ مرعىً
لآفاتٍ تأتي على زهرةِ القلبِ
لم تبقِ لنا غيرَ أوحالٍ شرسةٍ فاجرةٍ
لم تبقِ لنا غيرَ طرقٍ حائرةٍ
لم تبقِ لنا سوى رفّةِ نورٍ في الجذورِ
هل بسقَ فوق ظهرِ النّدى برعمٌ ؟
هل بَزَغَ مِن بين الحطامِ قمرُ ؟
هل بَرَقَتْ في النّشوةِ سماءُ ؟
بالقربِ مِن دوحةٍ تَخَلّت عن أطيارِها
حَطَطنا الرّحالَ
مِن هنا سنركبُ آخرَ الطرقاتِ المُغلقةِ
قالَ لي
ومِن حولِنا تتعرّى غيمتان
تنيرانِ وجهَ المدى الأزرق وتَسفّانِ
في عيونِ سماءٍ ناعسةٍ
تعبرانِ مثلَ غزالتين قادمتين نحو البرّيّةِ
مِن آخرِ الحقول
إلى أعماقِ البرّيّةِ مع آخرِ الوعول


19 ـ 09 ـ 2009 برلين

ـــــــــــــــــــــــــــ



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلك الطائرة التي أقلتنا
- صوفي أيها النبيل
- أرض الرؤيا
- الفراش لا يُحبّ العاصفة
- قمر في بحري عينيك يسبح
- الخراب الأخير
- أُبهة النص
- المحّارة الفاجرة
- الحافلة والذئاب الجزء الثالث
- الحافلة والذئاب الجزء الثاني
- الحافلة والذئاب الجزء الأول
- كائنٌ برّي
- هذه ليست برلين
- زمن الرحلة
- عاصفةٌ في شجرِ الله
- مملكة البدو
- لكلِّ موجةٍ زورقان
- جزيرة الهدهد
- أطياف الندى
- قال الأفْيُون


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - كتابي الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الأول للشاعر صبري هاشم