|
قراءة في مسلسل - وادي الذئاب-
محمد يوب
الحوار المتمدن-العدد: 3101 - 2010 / 8 / 21 - 12:20
المحور:
الادب والفن
من خلال تتبعنا للمسلسل التركي وادي الذئاب ، عبر أجزائه الأربعة ، نرى أنه يطرح قضايا سياسية مختلفة ، منها القضايا الإقليمية و القضايا الدولية . ومن بين القضايا المحلية التي طرحها المسلسل على المشاهدين : القضية الفلسطينية ، و القضية العراقية ، و مسألة الأقليات الكردية ، الذين صورهم المسلسل على أساس أنهم شعب تركي خائن لوطنه ، يدق إسفينا من خلف تركيا ، التي تحارب في شتى الواجهات. ولعل أهم الواجهات التي تشغل بال أصحاب القرار السياسي التركي ، هي تجاذب المصالح و الغايات وتصفية الحسابات الضيقة بين جهات مختلفة ، باعتبار أن تركيا دولة تحط رجلا في آسيا و أخرى في أوربا ، تركيا المسلمة ، وتركيا العلمانية. ولهذا فإن كثيرا من أصحاب المصالح ، يتخذون من تركيا المعبر و الممر ، لقضاء حاجياتهم و مصالحهم الشخصية . وتركيا بدورها من خلال هذه المشاهد ، تحاول تبرير استخدام العنف ، من خلال الأبطال الذين يعبرون بلسان تركيا الحكومة ، وتركيا الجيش . فمراد علم دار رمز للتركي الصالح الذي يضحي بنفسه من أجل خدمة مصالح تركيا ، إنه مستعد للموت لكي تعيش تركيا ، وقد شاهدنا هذا من خلال مشاهد مروعة تعرض إليها البطل . كما أن المجموعة المقاتلة التي تحيط بمراد لها نفس الهدف ، وهو الموت في سبيل تركيا ، و أن تبقى واقفة حية إلى الأبد . واسم ميماتي أحد أبطال المسلسل الرئيسيين ، دليل على هذه التضحية من خلال اسمه ، فكلمة ميماتي رمز للموت أو هي الموت نفسه باللغة التركية . وكذلك اسم عبد الحي لم يأت اعتباطا ، بل سميائيا دليل على أنه عبد لله من جهة ، و عبد للوطن الحي الذي لا يموت من جهة أخرى. إنه تعبير على النهج الذي تسلكه هذه المجموعة التي تصارع الموت في واد ملئ بالذئاب ، ذئاب في هيئة بشر لا تعرف إلا لغة المال و الوصول إليه على رقاب المواطنين . إنهم مجموعة من الأبطال الذين يتزعمهم البطل الرئيسي مراد علم دار ، الذي صوره المخرج على أساس أنه بطل أسطوري ، لا يموت ، ولا ينهزم ، يتعرض لكثير من الاعتداءات الجسدية ، لكنه يبقى مصرا على مبادئه المخلصة للوطن ، الذي أحبه كثيرا وسيظل يحبه طيلة حياته.
ويساعده في ذلك أبطال رئيسيون مثل : ميماتي ، و عبد الحي ، وعمران ، وآخرون ثانويون مثل العم عمر وتركي وحسني ... فهم يحاربون كل أشكال الفساد ، بما فيه الفساد السياسي الذي يتمثل في إعطاء الزعامة لعناصر لا تريد مصلحة الوطن بقدر ما تهدف إلى خدمة مصالحها الضيقة . فاسكندر وفلر و زازا وحقي ... القائمة طويلة ، كلهم عناصر تتضارب مصالحهم مع مصالح الجهات المهيمنة على المشهد السياسي و الاقتصادي ، إنها عناصر تنتعش و تكبر على جماجم المواطن البسيط ، وذلك من خلال التزوير في الانتخابات وبيع المخدرات وسرقة السيارات، و كان المواطن في النهاية ضحية كل هذه التلاعبات ، و أحيانا يدخل طرفا مع جهة دون رغبة منه . ويظهر من خلال متابعتنا لهذا المسلسل ، الدرجة المرعبة التي وصل إليها الانحراف السياسي في تركيا ، و انتشار الفساد . وتشعر من خلال تفاصيل هذا المسلسل ، و كأن تركيا جسم مريض تنخره أطراف متعددة ، وتقطع أوصاله إلى جزيئات من أجل الانقضاض عليه. إن المتتبع لهذا المسلسل يشعر و كأن تركيا شعب بلا دولة ، ودولة بلا شعب ، تسربت إليها أياد نجسة ، ملوثة بدماء الأبرياء ، أياد ممدودة إلى المخابرات الأجنبية ، تشتغل حسب أجندتها ، حسب أجندة المخابرات الأمريكية ، أو المخابرات الإسرائيلية ، وبينهما أصحاب مصالح يصطادون في الماء العكر. وفي ضوء هذا الواقع المتردي كانت كل فئة من فئات الحكم ، تميل إلى جهة من هذه الجهات المتصارعة ، وتنقل الأخبار بشكل استخباراتي ، يعتمد على أحدث الوسائل التكنولوجية ، التي بينت أن المخابرات الأمريكية متفوقة في هذا المجال ، لدرجة أنها اخترقت البيوت ، وبدأت تطلع على كل صغيرة من صغائر الأشخاص الذاتيين و المعنويين. و في ضوء هذا الفساد السياسي و الاقتصادي، لا يمكن للمواطن الصالح الاشتغال بنوع من الحرية ، و الوصول إلى أعلى المناصب ، وإذا سولت له نفسه ذلك سيكون ضحية سهلة ، ولقمة سائغة في أفواه أعداء الوطن . وقد شاهدنا هذا من خلال مقتل بعض المخلصين من المواطنين ،سواء من الذين يشتغلون في الإدارات، أو الشركات أو في أوساط الجيش . و في كثير من الأحيان تصل الأيادي الآثمة إلى كبار زعماء البلد من أمثال مراد علم دار، و ميماتي، و عبد الحي ، الذين يعتبرون الجسم الواقي للبلد من العناصر المميتة الآثمة. و عند استقراء أحداث هذا الفلم ، نجد بأن المسلسل يتخذ كذلك موقفا من كثير من القضايا الإقليمية و الدولية ، فنرى أبطال المسلسل يتعاطفون مع القضية الفلسطينية ، وقد مرت مجموعة من المشاهد عبر المسلسل تساعد التنظيمات الفلسطينية ، بالدعم المعنوي و اللوجستي . وهذا التعاطف و الموقف من القضية الفلسطينية ، رأيناه من خلال تعاطف مراد علم دار ، وميماتي مع الجماعة التي جاءت إلى الميناء و استلمت السلاح من ميماتي شخصيا ، و كان متعاطفا معهم ، مع العلم أن مراد و أصدقاؤه ضد مثل هذه العمليات . لقد تنازلوا عن مبادئهم ، لمد الفلسطينيين بالأسلحة اللازمة ، بل أوصلوها لهم إلى المكان الآمن ، وهذه اللقطات المتكررة هنا وهناك تدل على الشعور بالتعاطف مع القضايا العربية و الإسلامية ، بل تبين موقف الحزب الحاكم في البلد الذي له توجهات إسلامية . هذه التوجهات التي تظهر من خلال بعض المشاهد أثناء دفن الموتى، أو من خلال قراءة العم عمر للقرآن الكريم ، إنها مشاهد جديدة في السينما التركية ، التي نادرا ما كنا نشاهد فيها لقطات أو إشارات إلى الدين و أهمية الوازع الديني . أما فيما يخص المسألة العراقية ففي كثير من الأحيان ، يصور المسلسل بأن تركيا تساند العراق في حل مشاكله ، و تدعو إلى طرد المحتل الأمريكي ، كما تدعو إلى أن يكون العراقيون هم أصحاب الحل و العقد, لأنهم هم أصحاب القرار الأول و الأخير . وقد أشار المسلسل إلى دخول عناصر استخبراتية متعددة في الشأن العراقي ، كل جهة تريد تمرير أيديولوجيتها الخاصة ، فتجد إشارات متعددة إلى من يدافع عن السنة أو الشيعة أو ...... وهناك أياد بل أرجل لدول إقليمية و أخرى خارجة ، تتصارع من أجل مصالح متنوعة ومختلفة ، وأبرز مطمع و مطمح ينشده الجميع ، هو النفط و جر البلد إلى حرب أهلية، تنشغل بها عن التفكير في قضايا أخرى . وفي نهاية الجزء الرابع ينتهي رأس من الرؤوس التابعة للأمريكان وهو اسكندر، الذي قتله مراد شر قتل ، بأن شنقه على جذع الشجرة لكي يشعر بالألم الذي أذاقه للأبرياء ، الذين قتلوا هكذا وبدم بارد ظلما وعدوانا ، وبذلك ينتهي مشهد من مشاهد الفساد في البلد ليليه الرغبة في القضاء على كل أوجه الفساد في البلد ، وذلك بأن ترك المخرج للمشاهد مجال الخيال مفتوحا لكثير من القراءات و التأويلات ، على كيفية إنقاذ تركيا من بين أيدي العناصر المخربة. محمد يوب 15.08.10
#محمد_يوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية كبور ولد منانة
-
-قال لي و مضى- دراسة بنيوية تكوينية
-
الكتابة من التطفل إلى التطرف
-
النكتة و الحكاية الشعبية في -قوس قزح- لحسن برطال
-
قراءة في كتاب -بنية العقل العربي- لمحمد عابد الجابري
-
الألواح البيضاء لنور الدين محقق / دراسة سوسيولوجية
-
قراءة في كتاب - تكوين العقل العربي- لمحمد عابد الجابري
-
حب معلق
-
قليل من الملائكة وانفجارية اللغة
-
القصة القصيرة جدا بين القبول و الرفض
-
مستويات البنية و الوظيفة الدلالية في - وقع امتداده ...ورحل-
...
-
إلى الأستاذ سمير بشير النغيمي صاحب قصة بناتي العزيزات
المزيد.....
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
-
تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي
...
-
-حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين
...
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|