أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمادي بلخشين - كيف و لماذا تمّ إيصال الخمينيّ للسلطة 3/4















المزيد.....



كيف و لماذا تمّ إيصال الخمينيّ للسلطة 3/4


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 19:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحليل موضوعيّ لملامح الشخصيّة الغربيّة:

بعد أن تابعنا مشاهد المسرحيّة ذات الفصول الثمانية التي أوصلت الخميني الي السلطة،لا بِد لنا من وقـفة لنتعرّف خلالها على أهمّ ملامـح الشخصـيّة الغربية عموما و الأمريكية خصوصا، حتى تتبين لنا مسألتان، الأولي: أن تصريح الرئيس جيمي كارتر الذي أعلن فيه أن الإدارة الأمريكية لن تسمح من عهده فصاعدا لأي دكتاتورمن العالم الثالث بمعاملة رعاياه بقبضة حديدية، لم يكن يعبّر عن شعور حقيقيّ للإدارة الأمريكية بالذنب تجاه الشعوب المعذّبة، بل كان مجرّد عملية ذرّ رمـاد في العيون لإعطاء مـقدّمات معقولة و مبرّرات منطقية لتجريد شاه إيران من عامل بقائه الأوّل(القمع) تمهيدا لإزاحته و إفساح المجال للخميني .

المسألة الثانية أن مقاطعة المستبدين في العالم لم تكن مطلبا شعبيا أمريكيّا يمكن اعتباره أكثر إلحاحا من مطالب كثيرة عاجلة( كتقليص الفرق الشاسع بين الطبقات في المجتمع الأمريكي أو كإيواء المشـرّدين و فاقدي السند الإجتماعي، و مقاومة الجريمة التي جعلت الحياة شبه مستحيلة في أرض العمّ سام، و تــفكّك الأسرة و جنوح الأحداث و مكافحة المخّدرات و الأمراض الجنسية الوبائية كالسفيليس، وغير ذلك من المعضلات والكوارث الأمريكية المزمنة ) حتى يضعها الرئيس الأمريكي الجديد ـ جيمي كارترــ في أعلى سلّم أولويّاته.


أبرز معالم العقلية الغربيّة :

هناك ثلاث ميزات تستوقف المتأمّل في العقليّة الغربية وتشدّ إنتباهه إليها نظرا لكونها لا تخطئها العين، وهي على التوالي:
ـــ الشعور الغربي بالإستعلاء العنصري
ـــ السّعي الغربي المحموم وراء المصلحة
ــــ نضوب ينابيع الرحمة من وجدان الشخصية الغربية.

أولا ـــ الإستعلاء العنصري:
لعلّ الشعور بالإستعلاء العنصري أبرز معالم العقلية الغربيّة، و ما قولهم المأثور: "روما سادة وما حولها عبيد"، سوى إختزال لتلك العقيدة العنصرية. فكل شعوب الأرض في التصور الغربي، مجرّد عبيد أرقّاء للسيّد الروماني المبجّل.
وقد ورث الرومان عنصريتهم البغيضة تلك عن أسلافهم اليونانيين،فأرسطو وأفلاطــون مثلا " كانا يريان أنّ العبوديّة أمر عادل تفرضه الطبيعة"فهما من أصّل لهذا الطرح العنصري المقيت الذي قضى بأن لا مكان تحت الشمس لغير الرجل الأبيض، و لو سمح لغيره بالحياة فلكي يحظى بشرف خدمة الرجل الأبيض و العيش على فتات موائده!

ثانيا ـــ السعي المحموم وراء المصلحة:
لاشكّ أن خدمة المصلحة الشخصية، هي التي تحرّك الغربي وتوجّهه، فالرحمة والقيم العليا بشكل عامّ، هي آخر ما يهتم به الفرد الغربي (الا القليل النادر)، كما ان خدمة المصلحة القومية هي غاية القيادة الغربية، في سلمها وحربها، وفي كل أحوالها. فإذا صام الغرب يوما عن لحوم غيره من الشعوب، فلأنّ صومه إضطراريّ كصوم الذئب ما لم تتهيّأ له الفريسة المناسبة.و إذا أمسـك الغربيّ عـموما عن السّرقة، فليس ذلك من قبيل التعفّف عن ممتلكات الغير، بل لأن الفرصة لم تسنح له! وهو ما عبّر عنه مثلهم المأثور: "الفـرصة هي التي تصنع السارق!"( ليس ذنب من لم يسرق منهم سوى عدم وجود فرصة متاحة!) وإذا ردّ الغربيّ رشوة عرضت عليه فبسبب أنها لا تليق بمقامه، لا بسبب رفضه المبدئيّ لقبولها ! وهو ما نطق به مثلهم الدارج " لكلّ رجل ثمنه ! " فمن العبث إذن القيام بدور محامي الشيطان لإثبات العكس، فـبالإضافة إلى الشواهد التاريخية التي تدين الغرب منذ نشأته اليونانية إلى اليوم، فإن القوم صرحاء لا يتورّعون عن المجاهرة مثلا بأنّ " القوّة هي الحقّ " بمعنى أنك إذا استوليت على شيء بقوّة الساعد ثم قدرت على إبقائه بحوزتك فأنت أحقّ الناس به لإمتلاكك معيار التفاضل أي القوّة ، لأنّ من مقتضيات الحياة غربيّا " أنّ البقاء للأصلح " و أن" الغاية تبرّر الوسيلة "، بمعنى أنه من حقّك الوصول إلى هدفك و لو على أشلاء الآخرين،عملا بقانون الغاب الذي صاغه ميكافيليّ ــ 1469 ـ 1527ــ في كتابه الرهيب" الأمير"( بالمناسبة، الرجل لم يضف جديدا الى الفكر الغربيّ بل كانت مهمته الجمع والصياغـة والتـقنين لاغير، لذلك لا ندهش لو وجدنا شخصيّة مشهورة كنابليون بونابرت تعلن بكل صراحة "أنّ كتاب الأمير لميكافيليّ، هوالكتاب الوحيد الذي يستحقّ القراءة "(1) فالعقلية الغربـية قد ذهبت منذ القـدم، إلى أن تحـقيق المصالح لا يتفق مع الرحمة و مراعاة القيم الإنسانية،لأجل ذلك" كان نيتشه (1844ـ 1900) يدعو إلى إبادة الضعفاء، وكان داروين يقول بتنازع البقاء، فأنتقل قوله إلى أنّ الضعفاء هم الشعوب الملوّنة أي غير الأوربية "(2).

ثالثا ـــ نضــوب ينابـــيع الرحمــة والإخـاء الإنــساني مــن قلـوب أهـل الغرب:
من أبـرز ملامح الشخصية الغربية الحاكمة(خصوصا)، نضوب ينابيع الرحمة والإخاء الإنساني منها، وتلك الصفة لا تستغرب ممّن سبق و أدّعى أنه السيّد الآمر، وغيره العبد الخاضع وأنّ المصلحة هي التي تقيمه وتقعده، وأنّ الرحمة من أخلاق الضعفاء "لأجل ذلك قامت الحضارة الغربية منذ بدايتها اليونانية على مبادئ القسوة حيث:" دعا أفلاطون ــ427 /347 ق. م ــ إلى القضاء على المريض والمشوّه والمعـتوه(3) كما دعا الى تلاقح النساء والرجال دون تعيين امرأة بعينها لرجل بعينه، حتى تمتزج الأنساب و لا يعرف أحد والديه، و لا ينسب الأبناء إلى أب معروف، فيتربّى الأبنـاء بدون ولاء إلاّ لوطنهم "(4) والواضح أن الغاية من دعوة افلاطون تجفيف ينابيع الرحمة الفطريّة من قلب الطفل اليوناني، كي ينطلق كالآلة الصماء حينما يكبر، لتحقيق أهداف قومه في إستعمار و نهب و إذلال الشعوب.

ولقد تمّ إختزال تراكمات الفكر الأوربي التي تجمّعت عبر القرون الخوالي، في فلسفة نيتشه التي" تقوم على الحقد و الكراهية كأساس لبناء السوبرمان أوالإنسان المتفـوّق، فلكي نصل إلى خلق الإنسان المتفوّق، لا بدّ أن نحطّم كل شيء و ندمّره كي نخلق الخلق الجديد الذي نريده، و لكن كيف يمكن أن نحطم و ندمر دون أن نكـره و نحقد. فعلينا أن نكره و نحقد أوّلا، ثم تدفعنا الكراهية والحقد إلى التحطيم و التدمير" (5).

وإذا التفتنا إلى الأدب الغربي الذي يفصّل ما أجملته أمثالهم الشعبية، لفـتت إنتباهنا" القسوة حيث جفّت ينابيع الإخاء البشري عند كتّاب أمثال نيتشه وغيرهم في دعوتهم القضاء على الضعفاء و قتل العجزة أو تركهم يموتون دون أن نعمل على علاجهم، و ذلك إستمدادا من مفهوم غربيّ قديم،هو أن يكون العدل للسادة،وأن يكون الطبّ للأرستقراطيين وحدهم"(6)" و لئن قيل قديما: كلّ إناء بما فيه ينضح، والشيء من مأتاه لا يستغرب، فليس بعجيب أن تفرز العقلية الغربيّة كلّ تلك الشرور والنوايا العدوانية التي لا تصدر إلاّ عن" قلوب قاسية لأهل حضارة قامت على النهب و الإغتصاب، فيقولون مثلا: لماذا يبقى الزنوج أحياء ما دامت هناك شعوب أرقى منهم؟! ويقول مونتسكيو 1689 ــ 1755 مثلا: هل يمكن أن يكون الله قد خلق في الأجسام السوداء نفوسا حيّة ؟!"(7)

ـــــ ذلك هو الغــرب الضاري بالأمس:

ذلك الغرب الذي أمعن في ممارسة ساديته في الشعوب الملونة فقضي على ما يزيد عن 350 مليونا منهم( حسـب تقديرات أكثر الدوائر الغربية تفاؤلا) خلال حروبه الإستعمارية التي أفتتحتها إسبانيا فور خروجها من الحجر الإسلامي المضروب عليها، لتشفى غليلها بإبادة ما يربو عن 35 مليون مسلما، إثر سقوط الأندلس في نهاية الـقرن الخامس عشر للميـلاد، فيما عرف بمحاكم التفتيش، بطرق تعفّ عنها ضواري السّباع، ولقد سجل أحد الفرنسـيين بعض طرق الإبادة التي كانت تمارس في الأديرة و بأيدي الرهبان و رجال الدين النصارى فكتب:" ثم توجهنا إلى غـرف التعذيب و تمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض، رأيـت فيها ما يسـتفزّ نفسي و يدعوني إلى القـشعريرة و التقزّز طول حياتي، رأينا غرفا صغيرة في حجم جسم الإنسان بعضها عمودي و بعضها أفقي، فيبقى سجين الغرفة العمودية واقفا على رجليه مدّة سجنه حتى يموت، و يبقى سجين الغرفة الأفقية ممدّدا بها حتى الموت.و تبقى الجثث في السجن الضـيّق، حتى تبلى و يتساقط اللحـم عـن الـعظم و تـأكله الـدّيـدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى، فتحوا نافـذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي، وقد عـثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها. كان السّجناء رجالا ونساء تـتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشر والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عددا من السجناء الأحياء و تحطيم أغلالهم وهم في الرّمق الأخير من الحياة.. كان مشهدا يبكي الصخور، ثم انتقلنا الى غرف أخرى، فرأيـنا فيها ما تقشعر لهـوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للـتعذيب منها آلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشريّ، كانوا يـبدءون بسحق عظام الأرجل ثم عظام الصّدر والرأس واليـدين تدريجيّا حتى يهـشّم الجسم كلّه و يخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم المفروم. ثم عثرنا على صندوق في حجم رأس الإنسان تماما، يوضع فيه رأس الإنسان الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه و رجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، و في أعلى الصّندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بإنتظام في كلّ دقيقة نقطة، و قد جنّ الكثيرون من هذا اللّون من العذاب و يبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت. وآلات أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادّة كانوا يلقون الشابّ المعذّب في هذا التابوت ثم يطبقون بابه بسكاكينه و خناجره، فإذا أغلق مزّق جسم المعذّب المسكين و قطّعه إربا إربا. كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذّب ثم تشدّ ليخرج اللسان معها ليقصّ قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء و تسحب بعنف حتى تتـقطّع الأثداء أوتبتر بالسكاكين، وعثرنا على سياط من الحديد يضرب بها المعذّبون وهم عراة حتى تـتفــتّت عظامهم و تتناثر لحومهم "(8).
كما عبّر الغرب الضّاري عن همجية لا مثيل لها وهو يبيد الهنود الحمر وسكان استراليا الأصليين و قبل ذلك و هو يبيد سبعين ألفا من الشـيوخ والنّساء و الأطفال إثر استيلائه على بيت المقدس زمن الحروب الصليبيّة الأولى .

ــــ وهذا الغرب الضاري اليوم:

ثمّ مالذي يدفعنا للدلالة على وحشيّة الغرب،إلى التفتيش في بطون كتب التاريخ عن الشهادات الصامتة، وأمامنا الشهادات الحيّة صوتا وصورة ترينا بطريقة لا تدع مجالا للشكّ تضلّع الغرب في التقتيل بأعصاب باردة. خذ مثلا حرب الخليج الثانية ثم ما تعرّض أهل العراق، ولأسابيع طويلة للقصف الجويّ تحت أنظار العالم و سمعه، فهل خرجت شعوب الغرب إلى الشوارع لتطالب حكوماتها بوقف القنابل التي تستخرج الأطفال والشيوخ و النساء من مخابئهم بعد تحويلهم إلى شرائح من اللحم؟ أليست تلك الحكومات التي اتخذت قرار القصف تعبّر عن نبض شعوبها التي اختارتها بكلّ شفافيّة، أم أنّ تلك الحكومات قد فرضت عليه عن طريق إنقلابات عسكرية؟ ثم أنظر إلى الحصار الذي فرض على العراق والذي ذهب ضحيّته مليون ونصف عراقيا على أقلّ تقدير، نتيجة منع الدواء والغذاء عنه، وبإعتراف الإمريكان أنفسهم. فهل استيقظت ضمائر أغلبية الشعوب الغربية لإيقاف ذلك الجنون القاتل خصوصا وأنها تعلم أنّ الشعب العراقيّ بريء من وزر إختيار صدّام حسين حتى يحمّل مسؤولية إختياره، كما يعلم الجميع أيضا أنه قد كان في وسع قوات التحالف التي دخلت بغداد في تلك الحرب إخراج صدام حسين من قصره الرئاسي كما يخرج الجرذ من جحره وتـشحنه إلى أمريكا لمحاكمته هناك ،كما فعلت بنظيره نوريغا إذا كان الرئيس العراقيّ، وليس الشعب هو المستهدف! فهل كان يعجز تلك الشعوب الغربية التي طالما أسقطت بعض حكوماتها بسبب تلاعبها بمقدار تافه من الأموال العامّة ،أن تثـورعلى همجية ساستها، وهم يقـتلون شعب العراق بدم بارد، لولا أنّ تلك الحكومات تلبّي في أنفس شعوبها رغبة للإفتراس والفتك تناقلتها جيناتهم الوراثية عن أسلافهم الرومان، حين كان السبع يفترس العبد الهارب من ظلم سيّده على مرأى من الجميع في حفلات يزدحم أسلافهم على حضورها، و يدفعون الثمن الباهظ لشهودها، وهم يطلقون صيحات الإعجـاب و البهجة (ما زالت تلك الوحشية تمارس اليوم في حقّ الثيران في إسبانيا وغيرها رغم التحوّل الكاذب لإهتمام الغرب بحقوق الحيوان... من مظاهر همجـيّة الغرب، رفعهم أجور المحترفين من الملاكمين السود ،بحيث يتسنّى لهم التمتع برؤية زنجيين يتلاكمان حتى التهلكة).

كما تجلّت وحشيّة الغرب في مذابح الصرب لأهل البوسنة والهرسك لمجرّد أن البوسني كان يردّد على مسامع جاره النصراني بين الحين والحين، أن جدّه كان يحفظ الفاتحة! فلم يشفع له أنه كان يعاقر الخمرة و يرتكب الفواحش مع نديمه الصربيّ، ليقوم الأخير بذبحه مع زوجته و أطفاله ذبح النعاج، بمرأى ومباركة من العالم الغربي الذي منع عنهم حتى الحصول على قطعة سلاح واحدة للدفاع عن أنفسهم .

كما تتجلّى وحشية الغرب و إنعدام إنسانيته، في تجاهله و غضّه الطرف عمّا يحدث في بلاد المسلمين من إنتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان، ومن مذابح جماعيّة كالتي حدثت في مدينة حماة السورية وفي صومال سياد بري و في افغانستان زمن الحكم الشيوعي، ممّا حوّل تلك البلاد إلى مسالخ كبيرة ترتكب فيها الفظائع و الأهوال، كلّ ذلك بمباركة من الغرب و دعم منه، لأنّ ما يجري هناك يعتبر من" الشؤون الداخلية " لتلك الدول (9).

فالغرب الذي تسوقه المصلحة و تدفعه عقيدة الإستعلاء و موت الضمير الي إبادة من
يقف في طريقه، حتى لو لم يشكّل تهديدا لبقائه (10).

والغرب الذي يقتل لمجرد التسلية، قد تضاعفت همجيّته و زاد سعاره حين أدرك أنه يواجه أمّة إسلامية ذات ثقافة تستعصي عن الذوبان،وذات حضارة " سيطرت على أروبا أربعة قرون، وهزمتها في الحروب الصليبية بـعد قرنين من الزمان، وحقّقت وجودها بالسيطرة على مساحة من جبال البيرينيه على حدود الصين، في أقـلّ من ثمانين عاما ،محطمة نفوذ الدولتين الرومانية والفارسية، معلية كلمة الله "(11) كما أن تلك الأمة(وهذا الأهم، والمفزع للغرب)، تملك جميع مقومات حضارة منافسة، لها كل مؤهّلات النهوض من جديد، لو تخلصت من ثديياتها السلفية المتواطئة مع الحكام.

كما إزداد الغرب اصرارا على همجيته، حين أدرك أن مصلحته لن تـتحققّ إلاّ بإستعباد الشعوب الإسلامية عبر رعاية ديكتاتوريات محليّة تضمن لها تدفـق الـثروات الطبيعية بثمن بخس.و تفتح لها الأسواق لترويج منتجاتها الحيوية والكمالية (إستوردت دولة خليجية مجهرية من أروبا في سنة واحدة بما قيمته 50 مليون دولار من الآيس كريم !).
.
كما غذّى سعار الغرب و جنونه، صيحات التحذير التي تطلقها أبواق الصهيونية من الخطر الإسلامي القادم و المهدّد لأمن إسرائيل والرجل الأبيض عامّة، فكان لا بدّ لقبضته أن تزداد إحكاما، ولوكلائه أن يزدادوا بطشا و تنكيلا حتى تحوّلت بلاد المسلمين الى معتقل كبير(12).



والآن.

وبعد الإطّلاع على تركيبة الغرب النفسية، فإذا وجدنا أنّ الغربيين أهل قسوة وغلظة، وجب تصنيف الأمريكان في صنف أسوأ(13) لندرك أنّ التذمّر المفاجئ الذي أبداه جيمي كارتر من دعم بلاده للإستبداد، ليس له أدنى نصيب من المصداقية، وأنّ يقظة الضمير الأمريكي من سباته بعد عـقود طويلة من الهمجية والولوغ في دماء الشعوب، يرفضه المنطق، و يكذّبه السجلّ الأمريكي الأسود.
فلو كان ذلك الشعور الأمريكي بالذنب صادقا، لأصبح سياسة عامّة لمن جاء بعد كارتر.
ولوكان ذلك الشعور بالذنب خالصا لوجه الإنسانية، لما أختصّ به الشعب الإيراني لوحده دون سائر شعوب العالم الثالث، و لما كان شاه إيران لوحده ضحيّة الورع المفاجئ للذئب الأمريكي الكاسر. كما أنّ دعـوة كارتر تـتـناقض جملة وتـفصيلا مع إستراتيجيّة الغرب في " إنشاء دكتاتوريات سياسية في العالم الإسلامي للحيلولة دون عودة الإسـلام للسيطرة على الأمةالإسلامية، وبالتالي الإنتصارعلى الغرب وحضارته،لأنه إذا أعطي المسلمون الضوء الأخضر في العالم الإسلامي وعاشوا في ظلّ أنظـمة ديمقراطيـة، فإنّ الإسـلام سينـتصر في هـذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها، يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية و دينها "(14)


إذن،

حدثت المفاجأة الكبرى التي عقدت الألسن" ومهّدت للثورة في إيران، فقد فوجىء العالم برئيس أمريكي من الحزب الديمقراطي اسمه جيمي كارتر وصل إلى سدّة الحكم في أمريكا ... يتحدّث عن حقوق الإنسان"! (15) غير الأمريكي!حقا إنها مفاجأة من العيار الثقيل، فأن يخطب الجرذ الذي يعيش على القاذورات ويأوي إلى المجاري عن النظافة(16)، ليس أدعى الى الدهشة من خطبة رئيس أمريكا عن الحرية و تبشيره بها مـن مسلخه بالبيت الأبيض!
و لعلّ الشعب الأمريكي هو أول من فوجىء بتلك النكتة، لأنه لم يتخيّل أنّ حقوق الإنسان غير الأبيض يمكن أن تتصدّر يوما ما، سلّم إهتماماته، بإعتبار أنّ المصلحة هي مبتغاه، وان تلك المصلحة تقتضي قمع شعوب البلاد الإسلاميّة(الدابّة الفارهة التي تروث ذهبا و تتبوّل نفطا ويسوقها خائن)، لدوام رفاهيته(17) و سلامته من تهديد"الأصوليّة الإسلامية".
فالأمريكي الذي يرفض تقديم صحن حساء لوالدته،لأنها قد زارته في موعد طعام لم تدع إليه ( و الذي يعدّ نفسه من المحسنين لو سمح لها بدخول بيته دون دعوة ! )
والأمريكي الذي يعتذر عن حضور جنازة أحد أبويه الذي يقيم في مأوى العجز والذي لم يره منذ سنين، بحجّة أنّ يوم دفـنه قد صادف يوم عطلته الأسبوعيّة!
والأمريكي الذي يطرد أولاده القاصرين من تحت سقف بيته بحجّة عدم إستعداده لتحمّل نفقاتهم كي يتمتّع بحرّيته الشخصيّة مع عشيقته أو عشيقه!
والأمريكي الذي يطعم كلبه بما يكفي إطعام عشـر عائلات مسلمة و الأمريكي الذي يرى على شاشات التلفزيون آلاف الناس في إفريقيا يهلكون جوعا دون أن يحرّك ساكنا!
والأمريكي الذي يرى أنّ الأولويّة هي إنقاذ تحفة أثريّة نادرة إذا تزامن وجودها مع رضيع آدميّ في بيت يحترق بحجة أن تلك التحفة لا تعوّض بينما يولد الآلاف من أمثال ذلك الرضيع كلّ دقيقة!
والأمريكي العادي الذي يقف في الطريق العام منذ غروب ليلة شتوية مشيرا بالوقوف الى السيارات الخاصّة لتلحقه بالعمران فلا يـبال به أحد من مواطنيه، ليتجمّد الدم في عروقه فيهلك في مكانه عند الفجر.
والأمريكي الذي يحلو له الترديد في نوادره، أنّ أحد الموظفين الأمريكان كان يشـتغل وكيلا تجاريّا و سائقا لدى أحد الموسرين، وقد أصيب في حادث سير، فقطع جسـده نصفين ولما أبلغ ربّ العمل بالحادث أجاب: حسنا أرسلوا لي بسرعة نصف الجثة التي فيها مفاتيح السيارة، ثم أغلق الخط !
فالأمريكي الذي لا يرحم أمّه أو ولده أو مواطنه الأبيض، هل ينتظر منه رحمة أسرى الديكتاتورية ممّن هم على دينه، فضلا عن رحمة سواهم ؟!
لأجل ذلك فقد عمّت المفاجأة الجميع، خصوصا ديكتاتور إيران. فقد " فوجىء الشاه نفسه بكارتر كما فوجىء غيره من ساسة العالم، و كانت الصدمة قويّة عليه"(18). وكيف لا يفاجأ، و زعيم المافيا الدولية الذي تعوّد إصدار تعليمات الذبح والسلخ، يأمره بالعدل والإحسان و ينهاه عن الفحشاء والمنكر والبغي! الأمر الذي لم يكن في حسبان الشاه المستهلك سرطانيا وأمريكيا.

يتبع
ـــــ هوامش ــــــــــــــــــــــــــ
(1) جلال العالم " قادة الغرب يقولون دمّروا الإسلام أبيدوا أهله" ص 139
(2) أنور الجندي. الفكر الغربي دراسة نقدية. ص 198.
(3) نفس المصدر ص 55 ( وقد استأنفت هولندا منذ سنوات العمل بهذا الــتراث الغربي العتيق، حيث أباحت منع الدواء عن المرضى الميؤوس من شفائهم كما قـنـّنت إباحة حقنهم بحقـنات قاتلة!).
(4)(5)(6)(7) جلال العالم، قادة الغرب يقولون دمّروا الإسلام أبيدوا أهله، على التوالي، ص 55 و 163 ،164 و 198.

(8) جلال العالم قادة الغرب يقولون دمّروا الإسلام أبيدوا أهله ص 15 ـ 18 .
كانت تلك الصنوف من العذاب تمارس في حقّ أبناء ملّـتهم من النصارى ممّن خالفهم في عقائدهم، فما يكون فعلهم بأهل التوحيد يا ترى؟

(9) وطني عشرون جزّارا
يسوقون إلى المذبح قطعان الخراف الآدميّة
فطقوس الذبح شأن داخليّ
والأصول الدوليّة
تمنع المسّ بأوضاع البلاد الداخليّة!
( الشاعرالعراقي أحمد مطر)
و لكن لوطني المسلم أكثر من 75 جزّارا، بإعتبار أن مسلمي العالم الإسلامي يتعرّضون إلى نفس الممارسات البدائية، فهاكم ما حدث مثلا في اندونيسيا في عهد سوهارتو حيث وردت في كتاب" محنة الإسلام في أندونيسيا"، شكوى أحد المساجين لإبن شقيقته وذلك أثناء زيارته له في السجن حيـث قال له وقد ترقرقت الدموع في عينيه وكانت آثار التعذيب ترى على جسمه" لقد كان إستجوابا أكثر ممّا سمعنا أنه سيحدث لنا في قبورنا، كنّا نسمع أنّ الملكين منكر و نكير يسألان أوّلا، ثمّ يضربان ثانيا، و لكن هنا في التحقيق، نحن نضرب أوّلا ثمّ نسأل ثانيا! وفي نفس الوقت نجبر على الإعتراف بأشياء لم نسمع بها من قبل" وعند زيارته الموالية لخاله السجين، أعلم بوفاته! ( ص 192 ـ بتصرّف في المبنى).
(10) أنظر إبادة الغروب شعوبا بدائية لا تملك من وسائل المقاومة شيئا(الهنود الحمر و سكان استراليا ، مثلا).
(11)أنور الجندي. الفكر الغربي دراسة نقدية ص15.

(12) لا تمت منتحرا
لا تسلم الرّوح لعزرائيل في وقت الوفاة
ليس من حقّك أن تـختار نوعيّة أو وقت الممات
أنتبه ، لا تـتدخّل في إختصاص السلطات!( الشاعر أحمد مطر).

ـــ" تهت عن بيت صديقي
فسألت العابرين
قيل لي أمش يسارا
سترى خلفك بعض المخبرين
حد لدى أوّلهم
سوف ترى مخبرا يعمل في نصب كمين
أتجه للمخبر البادي
أمام المخبر الكامن، و أحسب سبعة
تجد البيت وراء المخبر الثامن
في أقصى اليمين! ( الشاعراحمد مطر).

(13) كانت أمريكا منذ أستعمرها الغربيون ملجأ للهاربين من العـدالة و قطّاع الطرق كما نفي إليها أصحاب الجرائم و المنحرفون
(14) قادة الغرب يقولون ص 72. والكلام للمستشرق الأمريكي سميث، الخبير بشؤون باكستان.
(15) د. موسى الموسوي " الثورة البائسة " . ص 12 .
(16) رأيت جرذا
يخطب اليوم عن النظافة
و ينذر الأوساخ بالعـقاب
و حوله يصفّق الذباب!
(أحمد مطر).
(17) يشكّل الشعب الأمريكى 4% من سكان العالم و يستهلك 40% من ثرواته .
(18) موسى الموسوي . الثورة البائسة. ص13.



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف و لماذا تم ايصال الخميني للسلطة 2/4
- كيف و لماذا تمّ إيصال الخمينيّ للسلطة 1/4
- ما صحّ عن النبي آه و النبيّ كمان!
- الخبر اليقين عن خؤولة معاوية للمؤمنين
- دعوة للتمتع بآيس كريم من جحيم بن عليّ!
- وقفة سريعة مع روجي غارودي في كتابه الإسلام الحيّ
- عن اسراف آل سعود(قصة بالمناسبة)
- كيف أوقعنا البخاريّ في مخرأة حقيقيّة( قصة بالمناسبة)
- حول ضعف وهشاشة دولنا العربية( قصة بالمناسبة)
- عن ظاهرة انتحار أصحاب الشهادات العليا( قصة بالمناسبة)
- عن تمجيد الذكر واحتقار الأنثى(قصة بالمناسبة)
- ما كان سيّد قطب إخوانيّا قطّ ( قصة بالمناسبة)
- على هامش ظهور القائم في العراق( قصة بالمناسبة)
- عن النصير الإيراني !( قصة بالمناسبة)
- لا مكان للمثليين في مجتمعاتنا( قصة بالمناسبة)
- مراودة ! ( قصة قصيرة)
- حول سقوط حماس الوهابية (قصة)
- العرب يتفرجون و الجزائر تواجه امريكا و بريطانيا منفردة
- أردوغان عدوّ الحريّة يسيّر سفينة الحريّة!
- فساد ( قصة قصيرة)


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمادي بلخشين - كيف و لماذا تمّ إيصال الخمينيّ للسلطة 3/4