أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم يونس الزريعي - التنظيم الدولي : و إديولوجيا النفي والعنف















المزيد.....



التنظيم الدولي : و إديولوجيا النفي والعنف


سليم يونس الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




مدخل :
لعل السؤال الذي يواجه الباحث وهو يعيد ترتيب أبجدية موضوع العنف التي تعرضت لها المجتمعات العربية والإسلامية ؛ منذ عدة عقود ؛ هو البحث في المنابع الفكرية لهذه الجماعات التي تمارس العنف باعتباره جزءا من العقيدة على ضوء تفسيرها التعسفي للنص الديني ؛ بدعوى أن ما تقوم به هو قضية ربانية وتكليف شرعي ؛ يجب أن تنفذه في مواجهة الآخرين الذين لا يتبنون طروحاتها الفكرية .
هذا السلوك وذلك الفكر المجافي ؛ يندرج في إطار الخلط بين الدين والتدين ؛ وهو الخلط الذي تتبناه الحركات الدينية من قوى الإسلام السياسي ؛ الذي يشمل طيفا واسعا من تلك القوى كالقاعدة وطالبان وحركة الإخوان المسلمين وما بينهما ؛ والذي يقوم على أساس نمذجة المجتمعات وفق تصور قَبْلي ترى فيه تلك القوى الحق المطلق ؛ وما عدا ذلك فهو خروج عن الشريعة يستوجب العقاب ؛ بكل أشكاله ؛ وهو العقاب الذي يجب أن تقيمه هي ؛ تنفيذا لشرع الله وتقربا منه كما تعتقد.
ويمكن القول أن هذا التشوه الفكري أنتج سلوكا ليس من الإسلام في شيء ؛ كونه يعود إلى ذلك الخلط بين الدين والتدين ؛ الذي لابد من التفريق بينهما . ذلك أن الدين هو الإسلام كما جاء منزلا في كتابه الله السماوي المنزه عن التحريف والمحفوظ بقدرة الله تعالى الى يوم القيامة. أما التدين فهو موقف الناس من دين الله تعالى وتعاملهم معه ومدى تطبيقهم له والتزامهم به .وهذا الأمر لا يتعلق بالإسلام وحده ، وإنما بكل الأديان السماوية ؛ فكان من نتيجة هذا الخلط بين الدين والتدين أن أوقع من يقومون به في أخطاء منهجية وخطايا دينية إذ أنهم حملوا الدين السماوى ـ وهو في الأصل وصايا ومبادىء عالية سامية ـ خطايا البشروأخطاءهم.(1) ( أحمد صبحي منصور ـ مكتبة موقع الحوار المتمدن )
وهذا أدى بهم إلى التصرف كوكيل عن الله ؛ ولذلك استحضروا قانون التغيير بالقوة لما يعتبر في نظرهم منكرا ؛ فكان من نتيجة منطق التدين هذا في العصور الوسطى أن جرى نشر ثقافة الحرب ؛ التي قررت تلك الحروب الدينية التي نشبت بين العالم الإسلامى والعالم المسيحى الغربى على المستوى الخارجى، والاضطهاد الدينى والمذهبى ومحاكم التفتيش على المستوى الداخلى، وتبادل الاتهام بالكفر على المستويين الداخلى والخارجى، بالإضافة للثورات والمظالم والاستبداد، والتي ترتدى زى الدين وتلتمس منه – بالتأويل والتزييف- شتى الأدلة والبراهين على مشروعية ما تذهب إليه من ثورة أو حرب أو قمع أو اضطهاد دينى أو مذهبى.(2) ( أحمد صبحي منصور ؛ المصدر السابق )
وما بين الدين و التدين فتحت تلك المساحة القائمة على ثقافة استباحة دم الآخر ونفيه ؛ لتلجها تلك القوى التي تمارس هذا الخلط ؛ وهذا القصور الفكري في المقدمات الذي يعني أن حصاد النتائج لن يكون في صالح أي دين ؛ وتحديدا الدين الإسلامي كدين وسط وتسامح وقبول الآخر ؛ الأمر وضعه بفعل ذلك أمام تحديات كبرى ؛ لعل أقلها وصف المسلمين عامة بالإرهاب ؛ خاصة بعد أن أصبح العالم عبارة عن قرية كونية صغيرة .
في حين أن من يتحمل وزر ذلك ، هي تلك القوى التي اختطفت الدين ؛ وحاولت تكييفه وفق قراءتها هي للدين ؛ تلك القوى التي نشأت على أساس أنها متعدية للأوطان والقوميات والاثنيات ؛ وأنها هي وحدها من يملك الحقيقة المطلقة ؛ هنا يحضر تنظيم الإخوان المسلمين الذي مارس هذا الفكر بشكل تعسفي ؛ كما تؤكد ذلك التجربة التاريخية ؛ كمثال على ذلك .
ذلك أن هذا التنظيم بدأ نشاطه وفي ذهن القائمين عليه أنه تنظيم فوق الدول والقوميات ؛ كون الفكرة الأساسية التي بني عليها ؛ هي أن تنظيم الإخوان المسلمين على المستوى الفكري والفلسفي فكرة عابرة للقوميات ولفكرة الخصوصية ؛ تتجاوز كل هذه الأشياء لصالح فكرة التوحيد حول الولاء الديني والإسلامي حسب مفهوم الجماعة ، وفي ذلك يكمن جذر المسألة . (3)(و كالة الأهرام للصحافة ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣) ؛ وعلى أساس من ذلك جاء التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين ؛ وفق سيرورة رسم حدودها هذا الفكر .
التنظيم الدولي بين النفي والإثبات
هذه السيرورة أنتجت بالضرورة هذا الإطار كشكل يعبر عن ذلك المضمون ؛ ولذلك كان من الطبيعي أن يكون التنظيم الدولي لحركة الإخوان هو الإطار الجامع لحركة الإخوان المسلمين على المستوى الكوني ؛ الذي يمتد ليشمل عشرات الدول التي تتواجد فيها تلك الحركة باعتباره تنظيميا عالميا يجسد فكر الحركة في بعده الأممي .
ومن أجل فهم أكثر علمية لموضوع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ؛ فإن شرط البحث العلمي تفرض العودة إلى مرتكزات هذه التنظيم ؛ أي البحث في بنية حركة الإخوان المسلمين الفكرية والتنظيمية ؛ كونها حاضنة هذا المشروع ومؤسسته ؛ ذلك أن التنظيم الدولي هو محصلة مجموع فروع حركة الإخوان المسلمين في الدول المختلفة ؛ والذي كان لحركة الإخوان المسلمين الفرع المصري الدور المركزي التأسيسي في ذلك ؛ كونها هي باعثة ومؤسسة هذا المشروع من ألفه إلى يائه .
وهنا لابد من إبداء ملاحظة أولية ؛ هو أن هذا البحث في التنظيم الدولي يصطدم منذ البدء ؛ بمحاولات تنظيم الإخوان المسلمين ؛ نفي وجود مثل هذا التنظيم الدولي ككيان معنوي له صفته الاعتبارية ؛ وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة عمل ودور هذا التنظيم على الصعيد الكوني ؛ وتدخله في شؤون الدول المختلفة ؛ وعبر عن اتجاه نفى وجود التنظيم ؛ يوسف ندا رجل الأعمال المصري ؛ الذي كان قد شغل منصب " مفوض العلاقات الخارجية للاخوان المسلمين " في مقابلة تلفزيونية مع بي بي سي العربية بثت في أكتوبر 2009 ؛ بالقول أنه لا وجود لما يسمى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ؛ واصفاً هذا االقول بأنه " إشاعة صدقها الكثير من الاخوان ". (4) ( الموسوعة الحرة ـ شبكة المعلومات الدولية ) ؛ أي الإخوان أنفسهم !!!
إلا أن نفي ندا وجود مثل هذا التنظيم الدولي ؛ لا يصمد طويلا أمام جملة الحقائق ؛ التي تؤكد نقيض ما قال به ؛ والتي كشف عنها أيضا البعض من قادة التنظيم ؛ ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ؛ الذي كان أحد أعمدة حركة الإخوان المسلمين ؛ وهو أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كان يعقد اجتماعات في مكة المكرمة والمدينة المنورة أثناء مواسم العمرة والحج ، ( ليكون السؤال هل لكيان غير موجود في الواقع أن يعقد اجتماعات دورية على مدى سنوات ؟ ) ويتابع القرضاوي، أحد القيادات السابقة لجماعة الإخوان المسلمين في مذكراته التي نشرها موقع " إسلام أون لاين " ، إن هذا المكتب - يقصد التنظيم - يعقد جلساته كل سنة مرة في أي مدينة يتيسر اجتماعه فيها من مدن العالم العربي والإسلامي ، وكثيراً ما تم الاجتماع في مكة أو المدينة تحت مظلة العمرة .

بل إن هذا التنظيم الدولي كان له مقر ثابت في مدينة استانبول بتركيا كما ذكر القرضاوي ، وأن اجتماعات التنظيم الدولي كانت تعقد في مدينة بيروت أثناء الحرب الداخلية ( الأهلية ) ، حيث كان مطارها مفتوحاً، مما أتاح لأعضاء التنظيم الدخول والخروج بسهولة. (5)( موقع القرضاوي ـ شبكة المعلومات الدولية ) ؛ ومن جانبه يؤكد كمال الهلباوي المسؤول السابق في التنظيم الدولي للإخوان وجود التنظيم ؛ ورأى " أن من الظروف التي ساعدت علي قيام التنظيم العالمي ، اشتداد ساعد العمل الإسلامي في بلاد كثيرة خارج مصر ؛ وانتشار وقبول فكرة " العالمية " ، إلا أنه توقع انقضاض بعض النظم فى المنطقة على الحركة (6) ( الشرق الأوسط العدد 9943 ) .
ويوضح الهلباوي ان اللقاءات والمشاورات كانت تتم فى بلدان أوروبية ، خاصة بسبب وجود مرشد إخوان مصر في الثمانينات مصطفى مشهور خارج مصر ، وكذلك عباس السيسي وآخرين، هذا فضلا عن وجود مؤسسات إسلامية " وكما قال " جو ديمقراطي " في الغرب مما يمكن أن يعين الحركة والدعوة في عاصمتها الأولى وحاضرتها وحاضنتها منذ البداية مصر " (7).( المصدر السابق) ، ولعل السؤال هنا لماذا كل هذا الموقف غير الودي إن لم يكن العدائي ؛ من قبل الدول المعنية لحركة الإخوان ؟
أما التأكيد الحاسم لوجود تنظيم موحد منضبط فنجده في المادة‏11‏ ؛ الخاصة بكيفية اختيار المرشد العام ؛ حيث يقوم مكتب الارشاد العام وبعد استشارة المكاتب التنفيذية في الأقطار بترشيح أكثر اثنين قبولا إذا لم يمكن الاتفاق علي مرشح واحد ‏(‏ وهكذا هناك مكتب ارشاد عام للجماعة وللتنظيم الدولي ومكاتب تنفيذية في الأقطار الأخري‏ ).‏
كما تحدد المادة ‏49‏ كيفية تشكيل مكتب الإرشاد العام من ثلاثة عشر عضوا عدا المرشد ‏,‏ يتم اختيارهم وفق الأسس التالية‏ :(‏ أ‏)‏ ثمانية أعضاء ينتخبهم مجلس الشوري من بين أعضائه في الإقليم الذي يقيم فيه المرشد‏(‏ أي مصر‏).‏
‏(‏ب‏)‏ خمسة أعضاء ينتخبهم مجلس الشوري من الاقاليم الأخري ومن بين أعضائه ويراعي في اختيارهم التمثيل الإقليمي ‏.‏
وهكذا تتضح الحقيقة ‏:‏
ـ التنظيم الدولي موجود وجودا فعليا يتحرك ويعمل وفق لائحة ملزمة‏.‏ ـ مقره القاهرة‏ ,‏ ومرشده هو مرشد الجماعة‏ ,‏ وله مكتب إرشاد عام‏ ,‏ ومجلس شوري يضم ممثلين للأقطار المختلفة‏.‏ ـ وهو الحاضنة الكبري أو بالدقة الخزينة الكبري لأموال واستثمارات الجماعة‏.‏
ولأن الجماعة اختارت لنفسها أن تكمن في ذلك الشق بين الجمعية الدعوية والحزب السياسي‏ كما يقول د. رفعت السعيد ,‏ فإن المفارقة الحقيقية تتضح من أن لا ضير من وجود جمعية دعوية ترعي الدعوة الإسلامية وتكون ذات فروع في أقطار أخري‏,‏ حدث ذلك في جمعية الشبان المسلمين ويحدث الآن في عشرات من التنظيمات الإسلامية ذات الطابع الدولي والتي تمارس الأنشطة الدينية أو الاجتماعية أو الخيرية‏,‏ لكن المأزق يكمن في إصرار الجماعة علي الفعل السياسي والحزبي‏,‏ هنا يقف القانون عائقا ‏,‏ وتتراكم الشكوك حول التمويل والتدخلات ومدي مسئولية المرشد العام عما يحدث هنا أو هناك‏ ,‏ ولهذا يفضل الإخوان أن يتحدثوا عن هذا الأمر حديثا غامضا وغائما ، وأحيانا غير معبر عن الواقع‏ .‏
ومن هنا يمكننا أن نفهم إصرارهم علي الاستمرار في حالة الاختباء الواقعي‏,‏ فلا هم جمعية أهلية تخضع لقانون الجمعيات ولا هم حزب يخضع لقانون الأحزاب‏.‏
وحتي عندما تقول الحركة في مصر إنهم سيعلنون حزبا سياسيا يبادرون علي الفور للقول بأنهم لن يتقدموا الي لجنة الأحزاب‏,‏ ذلك أنهم إن تقدموا يتعين عليهم أن يتخلصوا من حاضنتهم وخزينتهم أو بالدقة بنكهم العالمي‏,‏ حيث استثماراتهم الأساسية وكذلك امتداداتهم التنظيمة التي تمنحهم مرونة في الحركة وقدرة علي المناورة‏.‏ وهكذا يمكننا أن نفهم لماذا ترتبك الكلمات عندما يأتي الحديث عن التنظيم الدولي (8) د. رفعت السعيد ، الأهرام 14/4/2007 م السنة 131 العدد 43958 ) ؛ وإلا كيف نفهم تدخل مكتب الارشاد العام في القاهرة في موضوع تفكيك العلاقة التنظيمية بين حركة الإخوان فرع الأردن ؛ مع حركة حماس بالاستناد الى قرار مرجعي أقرب لصيغة الفتوى ؛ كان قد وصل لرئيس مجلس الشورى الشيخ عربيات ؛ والذي جاء ليحسم خلافا حول تبعية المكاتب الفرعية في الخارج ؛ وتحديدا في دول الخليج للتنظيم الاخواني (9)( موقع وكالة سما للأخبار 12/2/ 2010 ) إلا في سياق هذه الوحدة التي تجمع كل فروع الإخوان في تنظيم واحد هو التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين .
ومن ثم لا يمكن إلا لمكابر من بعد أن ينفي وجود التنظيم الدولي لحركة الإخوان ؛ في حين أنه حقيقة واقعة بلسان وتصرفات بعض رموز الحركة ؛ حتى ليبدو وكأن هذا التنظيم في أحد جوانبه عبارة عن سبة يحاول البعض أن يتبرأ منها ؛ فيما يحرص الجميع على بقائه والاستفادة منه من جانب آخر .
تاريخية الفكرة
تشير الحقائق التاريخية أن فكرة الإطار السياسي الدولي الذي ينظم الجماعة الإسلامية فكرة قديمة ؛ كان قد تم تناولها من قبل العديد من المفكرين ؛ وفي أوقات مختلفة وفي مقاربة لامعة يعيد الدكتور رفعت السعيد استحضارها بهدف دحض محاولة التبرؤ من وجود هذا التنظيم بكل الآثار الدموية التي يخلفها في الواقعين العربي والإسلامي ؛ والحقيقة أن أصل الفكرة قديم ويسبق نشوء الجماعة بأزمان طويلة‏..‏ إلى أن تبلورت ـ في بدايات العصر الحديث ـ عبر تعبير الجماعة الإسلامية‏Panislmisim‏ والذي ورد كثيرا في كتابات جمال الدين الأفغاني‏..‏ ولعل أشهر صيحاته في هذا الصدد هي دعوته للمسلمين في بلدان العالم بالتوحد‏,‏ مؤكدا أنه لو بصق كل مسلم بصقة واحدة لأغرق مجملها دولة الطغاة‏( 10‏ ) ( راجع‏:‏ خاطرات جمال الدين‏) ,‏ وكذلك فإن إنطلاق الثورة العرابية قد وجد له صدي في تحركات مسلمي الهند وفي الثورة المهدية في السودان‏ ,‏ ولكن كان للأمر في ذلك الحين شقه السلبي إذ أصدر الخليفة العثماني بناء علي ضغط من الانجليز فتوي باسم الباب العالي تقول إن العرابيين عصاة‏ ,‏ خارجون علي الملة‏ ,‏ وكانت هذه الفتوي أحد أسباب هزيمة العرابيين‏.‏
فيما حاول عبدالرحمن الكواكبي من جانبه أن يوضح صورة الأمر في كتابه أم القري الذي تخيل فيه اجتماعا تم في موسم الحج حضر فيه السيد الفراتي‏ ,‏ والفاضل الشامي والكامل الاسكندري والعلامة المصري والمتحدث اليمني والحكم التونسي والسعيد الانجليزي والإمام الصيني‏..‏الخ‏,‏ وسماه مؤتمر النهضة الإسلامية لبحث هموم المسلمين وكيفية إصلاح أحوالهم‏ ,‏ وفي ذات الوقت تقريبا كان الحزب الوطني‏ (‏ القديم‏)‏ يتعرض لانقسام حاد بين اتجاه يرفع شعار مصر للمصريين شعار يرفعه الشيخ عبدالعزيز جاويش مؤكدا أن مصر جزء من دولة الخلافة العثمانية بزعم أن إضاعة الخلافة إضاعة للذات‏.‏
غير أن الكثير من الباحثين يتفقون على أن النواة الحقيقية للتنظيم الدولي للجماعة‏ ,‏ أتت عقب فشلهم في احتواء الثورة المصرية ؛ ثم محاولتهم اغتيال عبد الناصر عام ‏(1954)‏ ؛ عندما هاجر العديد من قادة حركة الإخوان الي بلدان عدة ؛ وتمركز الكثير منهم في السعودية‏ ,‏ ومن السعودية سافر سعيد رمضان إلي ميونيخ بألمانيا ؛ حيث أقام بتمويل مثير للدهشة المركز الاسلامي الذي أصبح النواة التنظيمية بل والميلاد الفعلي للتنظيم الدولي للاخوان ‏.
وهذا الميلاد للتنظيم الدولي لحركة الإخوان وجد فرصته عندما اشتعلت الحرب الأفغانية بأن كان هناك‏..‏ فنشط الكثير من أعضائه في أفغانستان من أمثال الاخواني كمال السنانيري ود‏.‏ عبدالله عزام‏,‏ الذي أسس هناك عرين الأسد وأطلقوا عليه المأسدة ؛ وهناك تتلمذ علي يديه أيمن الظواهري الذي أكد أنه توجه إلي أفغانستان بإيعاز من الإخوان‏ (11) ( راجع‏:‏ فرسان تحت راية النبي ـ الإنترنت‏).‏
وليتعاظم دور التنظيم الدولي للجماعة ويستمر في نشاط عارم يحرك فرقا في أنحاء عدة من العالم ويدير ويدبر أموالا طائلة‏..‏ إلا أن التنظيم الدولي مع ذلك ظل دوما بأمواله واتصالاته تحت قبضة الجهاز السري للجماعة‏ ,‏ إلي أن تفجرت خلافات حادة بين مرشد الجماعة وبين إخوان الكويت بعد مساندة الإخوان لغزو صدام للكويت‏,‏ ثم تمرد حسن الترابي الذي كان لفترة طويلة واحدا من أبرز حكام السودان ‏,‏ علي هيمنة الجماعة ‏,‏ وانتهي الأمر بأن لوحت قيادة الجماعة بفكرة أهل مكة أدري بشعابها‏.
‏ ورغم كل ذلك ؛ هناك محاولة متعمدة أن يظل الحديث عن التنظيم الدولي ـ وكما اعتادت الجماعة غائما وحمال أوجه ـ نلمس ذلك في تصريح مأمون الهضيبي عندما كان مرشدا للجماعة يقول فيه " ليس هناك شيء اسمه التنظيم الدولي يحرك الناس في بلادهم ‏,‏ هذا أبعد شيء عن الحقيقة وعن الواقع وليس من فكرنا ‏,‏ وأهل مكة أدري بشعابها‏ " (‏12) ( الحياة ـ لندن ـ‏15/4/1995 )
بداية القصة
إذن التنظيم الدولي موجود وجودا فعليا ؛ يؤكد هذا الوجود المعطيات الملموسة ؛ ولعل السؤال الذي يلح هنا هو ؛ كيف بدأت القصة ؟ ؛ وهي القصة التي من شأنها أن تعيدنا إلى البداية ؛ تلك البداية التي تروي حكاية نشأة جمعية الإخوان المسلمين ؛ إذ من غير العلمي أن نحيط بدور وممارسات وفكر التنظيم الدولي ؛ دون البحث في الحركة التي خلقت هذا التنظيم ؛ كشرط علمي بهدف الإحاطة بدور وأهداف التنظيم الدولي ؛ هنا تحضر البدايات الأولي لتشكيل حركة الإخوان المسلمين في مصر أواخر العقد الثاني من القرن العشرين .
ففي حين تتحدث بعض المراجع أن فكرة تكوين حركة الإخوان تعود إلى حسن البنا الذي الذي أنشأ " جماعة الإخوان المسلمين في الاسماعيلية عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته ؛ ثم انتقال نشاط الجماعة فى عام 1932 إلى القاهرة ؛ في حين أن نشاطها السياسي لم يبدأ إلا في عام 1938 . حين عرضت الجماعة حلا إسلاميا لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانى منها البلاد في ذلك الوقت ؛ فكان أن رفضت الدستور والنظام النيابى على أساس أن دستور الأمة هو القرآن ؛ كما أبرزت الجماعة مفهوم القومية الإسلامية كبديل لمقولة (القومية المصرية ) التي كانت تنادي بها الأحزاب الأخرى . وحددت الجماعة أهدافها السياسية آنذاك في الآتي :
• أن يتحرر الوطن الإسلامى من كل سلطان أجنبى وذلك حق طبيعى لا ينكره إلا ظالم جائر ومستبد قاهر.
• أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعى وتعلن دعوته الحكيمة للناس.( 13 ) . (الأهرام ، العدد 43958 ، السنة 131 ، السبت 14/4/2007 )
إلا أن هناك مقاربة أخرى في نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 ؛ يقدمها الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور ؛ الذي أعاد موضوع إنشاءها إلى رعاية رشيد رضا وتوجيهاته. وأن رشيد رضا هو الذى قام بتقديم الشاب حسن البنا إلى أعيان السعودية وأعمدة الدعوة الوهابية، ومنهم حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز، ومحمد نصيف أشهر أعيان جدة. وابنه عبد الله نصيف الذى كان يتزعم رابطة العالم الإسلامى، والتى يتغلغل من خلالها النفوذ السعودى إلى العالم الإسلامى حتى اليوم ، وهى التى لعبت دوراً فى تجنيد الشبان للذهاب إلى أفغانستان.
ووفقا لهذه لمقاربة فإن حركة الإخوان المسلمين بهذا المعنى هي عبارة عن امتداد لدور الشيخ رشيد رضا ؛ الذي كان قد بدأه بتأسيس مدرسة الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة فى جزيرة الروضة ( مصر ) سنة 1912، التي كانت تجاورها مؤسسة الزهراء للسلفى الشامى محيى الدين الخطيب، فى نفس المنطقة، كما كانت مجلته "المنار" ذائعة الصيت متخصصة فى الدعوة الوهابية والسعودية ، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته المتخصصة كـ " الخلافة " والسنة والشيعة ، وفيها كان يدعو إلى الخلافة الإسلامية ويرى فى ابن سعود المؤهل الوحيد للخلافة. وعن طريق مطبعة المنار نشر رشيد رضا الكثير من مؤلفات ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب. وتوفى رشيد رضا بعد أن قام بتوديع الأمير سعود ولى العهد فى ميناء السويس سنة 1935 وترك الراية يحملها من بعده تليمذه حسن البنا مؤسس الإخوان .
و حسن البنا اعترف فى مذكراته " الدعوة والداعية "، بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية ، و جمال البنا شقيق حسن البنا يعترف بتلك الصلة بين شقيقه الأكبر، ووالده والسلطات السعودية فى كتابه " خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه " والدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته عن السياسة المصرية يشير إلى معرفته بالشاب حسن البنا فى موسم الحج سنة 1936، وكيف أن حسن البنا وثيق الصلة بالسعودية ويتلقى منها المعونة ، وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة ، ولذلك فإن الانشقاقات عن الإخوان ارتبطت باتهام حسن البنا بالتلاعب المالى وإخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الأعضاء الكبار فى مجلس الإرشاد؛ وعن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامى البسيط ، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان فى العمران المصرى من الإسكندرية إلى أسوان (14) ( أحمد صبحي منصور ـ موقع مكتبة الحوار المتمدن )
والأمر الجدير بالملاحظة ارتباطا بطبيعة المنابع الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين ؛ هو ما الذي تسعى إليه كهدف نهائي ؛ وهي التي لا تخفي ذلك ؛ بل إنها تجاهر بالقول والفعل أنها تعمل على أقامة نظام حكم ديني ؛ أي دولة دينية ؛ بديلا عن الأنظمة القائمة ؛ وعلى ضوء ذلك يمكن القول أن الإخوان المسلمين هم مجموعة ذات أهداف سياسية ؛ تسعى لفرض نظام حكم عقائدي ( ديني ) وإضفاء هالة وقدسية على أشخاصهم وطروحاتهم التي تأتي بشكل أوامر لا تقبل النقاش والحوار ، ليسكتوا أي رأي أو اجتهاد مخالف لهم ؛ حتى من أعضاء الإخوان أنفسهم ؛ ممن لهم رأي آخر في هذه المسألة أو تلك ، حيث يطغي على هذا الاتجاه طابع التكفير ؛ (15) الرأي الأردنية الأربعاء 09 شعبان 1428هـ - 22 أغسطس 2007م ) ؛ للآخر وإن كان يتم اللجوء للتقية من قبلهم ؛ ارتباطا بظروف المكان والزمان التي قد لا تكون مواتية لهم في حينها .
ويمكن توصيف هذا النوع من أنظمة الحكم الذي تسعى إليه جماعة الإخوان المسلمين بأنه الدكتاتورية في أكثر تجلياتها تعبيرا عن ذلك الفكر ؛ كونها تعمل على إقامة نظام ثيوقراطي ( دولة دينية ) على أنقاض المجتمع القائم الذي يعتبرونه مجتمعا جاهليا ؛ يجب تغييره بالعنف ؛ ومن ثم إرساء دعائم المجتمع التي تكون فيه " الحاكمية لله " ولعل في تجربة حماس في غزة والترابي في السودان ما يوضح نوع النموذج الذي يجري العمل من أجل إقامته .فما دامت المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية كما يقول فكر هذه الجماعة ؛ فمن الطبيعي أن تحضر ثقافة العنف والتغيير بالقوة باعتباره الخيار الصحيح الواجب شرعا حسب فهمها .
ومن ثم إذا‏ ‏كانت‏ ‏ثمرة‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏الدين‏ ‏والفكر‏ ‏الديني‏ ,‏ هي‏ ‏التحصن‏ ‏بالمقدس‏ , ‏والتستر‏ ‏به‏ ‏لإضفاء‏ ‏قدسية‏ ‏ ‏علي‏ ‏إمامهم‏ ‏وجماعتهم‏ ‏وأقوالهم‏ ‏وأفعالهم ‏, ‏فإن‏ ‏الثمرة‏ ‏الأخرى‏ ‏الأشد‏ ‏مرارة‏ ‏هي‏ ‏العنف‏ الذي يشكل مكونا أساسيا من فكر وسلوك تلك الجماعة .‏ ذلك أنه ما ‏دام‏ ‏المسلم‏ ‏القاعد‏ ‏عن‏ ‏الانضمام‏ ‏إليهم‏ ‏آثما‏. ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏الآثم‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏تجاسر‏ ‏بمعارضتهم‏ ‏يتعين‏ ‏مواجهته‏ ‏بالعنف‏ " ‏ومن‏ ‏خرج‏ ‏علي‏ ‏الجماعة‏ ‏فاضربوه‏ ‏بحد‏ ‏السيف‏ " كما يقول هذا الفكر .‏
وهكذا‏ ‏تبدأ‏ ‏العبارات‏ ‏الحادة‏ ‏المتوعدة‏ ‏بالعنف‏ ‏منذ‏ ‏البدايات‏ ‏الأولي‏ .؛ وفي ذلك يقول حسن‏ ‏البنا‏ ‏ ‏شعرا‏:‏
الدين‏ ‏شئ‏ ‏والسياسة‏ ‏غيره دعوى‏ ‏نحاربها‏ ‏بكل‏ ‏سلاح
(16) إسماعيل‏ ‏الشافعي ـ‏ الإخوان‏ ‏المسلمون‏- ‏دعوة‏ ‏البعث‏ ‏والإنقاذ‏(‏ص‏30)‏
أما‏ ‏صهر البنا ‏...‏وأحد‏ ‏قادة‏ ‏الجماعة‏ ‏عبد‏ ‏الحكيم‏ ‏عابدين‏ ‏فيعبر عن ذلك ‏شعرا‏ ‏أيضا‏ ‏في‏ ‏ديوانه‏ ‏الذي‏ ‏أسماه‏ ‏البواكير‏...‏
لنجرينها‏ ‏دماء‏ ‏جد‏ ‏ثائرة وثورة‏ ‏الحق‏ ‏لا‏ ‏يدري‏ ‏لها‏ ‏أمد
أو‏ ‏يصبح‏ ‏الشرع‏ ‏دستورا‏ ‏لأمتنا فليحذر‏ ‏القوم‏ ‏منذر‏ صعد‏.‏
ولم‏ ‏يكن‏ ‏هذا‏ ‏الوعيد‏ ‏موجها‏ ‏ضد‏ ‏الحكام‏ ‏بل‏ ‏ضد‏ ‏كل‏ ‏الآثمين‏ ؛ ‏أي‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏ليس‏ ‏عضوا‏ في جماعتهم ‏.‏ فعندما‏ ‏أصدرت‏ ‏جماعة‏ ‏الإخوان‏ ‏مجلتها‏ ‏النذير‏,‏ تعجل‏ ‏الشيخ‏ ‏عبد‏ ‏الرحمن‏ ‏الساعاتي‏ ‏والد‏ ‏المرشد‏ ‏العام‏ ‏حسن‏ ‏البنا‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏يجعلها‏ ‏نذيرا‏ ‏للجميع‏ ‏فكتب‏ ‏في‏ ‏عددها‏ ‏الأول‏ ‏مقالا‏ ‏عنوانه‏ ‏استعدوا‏ ‏يا‏ ‏جنود‏ ‏يقول‏ ‏فيه‏:
‏استعدوا‏ ‏يا‏ ‏جنود‏ ,‏ وليأخذ‏ ‏كل‏ ‏منكم‏ ‏أهبته‏ ,‏ ويعد‏ ‏سلاحه‏ , ‏ولا‏ ‏يلتفت‏ ‏منكم‏ ‏أحد‏ , ‏امضوا‏ ‏إلي‏ ‏حيث‏ ‏تؤمرون‏ . ‏ثم‏ ‏يقول‏: ‏خذوا‏ ‏هذه‏ ‏الأمة‏ ‏برفق‏ ‏فما‏ ‏أحوجها‏ ‏إلي‏ ‏العناية‏ ‏والتدليل‏ ,‏ وصفوا‏ ‏لها‏ ‏الدواء‏ ‏فكم‏ ‏علي‏ ‏ضفاف‏ ‏النيل‏ ‏من‏ ‏قلب‏ ‏يعاني‏ ‏وجسم‏ ‏عليل‏ ,‏ اعكفوا‏ ‏علي‏ ‏إعداده‏ ‏في‏ ‏صيدليتكم‏ ,‏ ولتقم‏ ‏علي‏ ‏إعطائه‏ ‏فرقة‏ ‏الإنقاذ‏ ‏منكم‏ , ‏فإذا‏ ‏الأمة‏ ‏أبت‏ ‏فأوثقوا‏ ‏يديها‏ ‏بالقيود‏ ,‏ وأثقلوا‏ ‏ظهرها‏ ‏بالحديد‏ . ‏وجرعوها‏ ‏الدواء‏ ‏بالقوة‏ ,‏ وإن‏ ‏وجدتم‏ ‏في‏ ‏جسمها‏ ‏عضوا‏ ‏خبيثا‏ ‏فاقطعوه ‏, ‏أو‏ ‏سرطانا‏ ‏خطيرا‏ ‏فأزيلوه‏. ‏استعدوا‏ ‏يا‏ ‏جنود‏ - ‏فكثير‏ ‏من‏ ‏أبناء‏ ‏هذا‏ ‏الشعب‏ ‏في‏ ‏آذانهم‏ ‏وقر‏,‏ وفي‏ ‏عيونهم‏ ‏عمي‏ (‏17) مجلة النذير‏-‏ أول‏ ‏المحرم‏-1357‏هجرية‏.) ‏
والعنف‏ ‏هنا‏ ‏مقصود‏ ‏لذاته‏ ‏بل‏ ‏هو‏ ‏السبيل‏ ‏الوحيد‏ , ‏فحسن‏ ‏البنا‏ ‏يقول‏:
‏وما‏ ‏كانت‏ ‏القوة‏ ‏إلا‏ ‏كالدواء‏ ‏المر‏ ‏الذي‏ ‏تحمل‏ ‏عليه‏ ‏الإنسانية‏ ‏العابثة‏ ‏المتهالكة‏ ‏حملا‏ ‏ليرد‏ ‏جماحها‏ ‏ويكسر‏ ‏جبروتها‏ ‏وطغيانها ‏, ‏وهكذا‏ ‏كانت‏ ‏نظرية‏ ‏السيف‏ ‏في‏ ‏الإسلام ‏. ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏السيف‏ ‏في‏ ‏يد‏ ‏المسلم‏ ‏إلا‏ ‏كالمشرط‏ ‏في‏ ‏يد‏ ‏الجراح‏ ‏لحسم‏ ‏الداء‏ ‏الاجتماعي‏ ‏( 18) حسن البنا ‏ـ مجلة النذير ؛ ‏رمضان‏1357‏هجرية‏ ؛ ‏مقال‏ ‏).‏
بل‏ ‏أنهم‏-‏ وحتي‏ ‏أكثرهم‏ ‏اعتدالا‏-‏ يعتبرون‏ ‏أن‏ ‏القتل‏ ‏سلاح‏ ‏في‏ ‏العمل‏ ‏السياسي‏ ‏يمكن‏ ‏لآحاد‏ ‏الناس‏ ‏أن‏ ‏يوقعه‏ ‏متي‏ ‏اعتقد‏ ‏أنه‏ ‏يقيم‏ ‏الحد‏...‏ولنتمعن هنا في شهادة ‏الشيخ‏ ‏محمد‏ ‏الغزالي‏ ‏أحد‏ ‏أكثر‏ ‏الإخوانيين‏ ‏اعتدالا‏ ‏ ‏ ‏أمام‏ ‏المحكمة‏ ‏التي‏ ‏حاكمت‏ ‏قاتل‏ ‏د‏.‏فرج‏ ‏فودة‏ الذي يجيب‏ ‏عبر‏ ‏الحوار‏ ‏التالي‏:‏
س‏-‏ من‏ ‏الذي‏ ‏يملك‏ ‏إقامة‏ ‏الحد؟
ج‏-‏ المفروض‏ ‏أن‏ ‏جهاز‏ ‏القضاء‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏يقوم‏ ‏بهذه‏ ‏المهمة‏.
س‏-‏ هل‏ ‏يبقي‏ ‏الحد‏ ‏علي‏ ‏أصله‏ ‏من‏ ‏وجوب‏ ‏إقامته؟
ج‏-‏ حكم‏ ‏الله‏ ‏لا‏ ‏يلغيه‏ ‏أحد‏,‏والحد‏ ‏واجب‏ ‏الإيقاع‏.‏
س‏-‏ ماذا‏ ‏لو‏ ‏أوقعه‏ ‏فرد‏ ‏من‏ ‏آحاد‏ ‏الناس؟
ج‏-‏ يعتبر‏ ‏مفتئتا‏ ‏علي‏ ‏السلطة‏ , ‏أدي‏ ‏ما‏ ‏ينبغي‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏به‏ ‏السلطة‏.‏
س‏-‏ هل‏ ‏هناك‏ ‏عقوبة‏ ‏للافتئات‏ ‏علي‏ ‏السلطة؟
ج‏-‏لا‏ ‏أذكر‏ ‏أية‏ ‏عقوبة‏ ‏في‏ ‏الإسلام‏.‏
محضر‏ ‏أقوال‏ ‏الشيخ‏ ‏محمد‏ ‏الغزالي‏ ‏أمام‏ ‏محكمة‏ ‏أمن‏ ‏الدول‏ ‏العليا‏ ‏في‏ ‏قضية‏ ‏اغتيال‏ ‏د‏.‏فرج‏ ‏فودة ؛ الذي يقول‏ ‏هذا‏ ‏بقلب‏ ‏بارد‏ ‏متصورا‏ ‏أن‏ ‏فرج‏ ‏فودة‏ ‏هو‏ ‏النقيض‏...‏العدو‏ ‏ناسيا‏ ‏الحديث‏ ‏الشريف‏ ‏" لا‏ ‏يزال‏ ‏المؤمن‏ ‏في‏ ‏فسحة‏ ‏من‏ ‏دينه‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏يصب‏ ‏دما‏ ‏حراما‏ " ‏أخرجه‏ ‏البخاري‏.‏
وناسيا‏ ‏رواية‏ ‏المقداد‏ ‏بن‏ ‏الأسود‏ ‏رضي‏ ‏الله‏ ‏عنه‏ ‏إذ‏ ‏قال‏: " ‏قلت‏ ‏يا‏ ‏رسول‏ ‏الله‏:‏أرأيت‏ ‏إذ‏ ‏لقيت‏ ‏رجلا‏ ‏من‏ ‏الكفار‏ ‏فاقتتلنا‏ ‏فضرب‏ ‏إحدى‏ ‏يدي‏ ‏بالسيف‏ ‏ثم‏ ‏لاذ‏ ‏مني‏ ‏بشجرة‏ ‏وقال‏:‏أسلمت‏ ‏لله‏ , ‏أأقتله‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏قالها؟ فقال‏ ‏رسول‏ ‏الله‏:‏لا‏ ‏تقتله‏, ‏فقلت‏: ‏إنه‏ ‏قطع‏ ‏إحدى‏ ‏يدي‏ ‏ثم‏ ‏قال‏ ‏ذلك؟ فقال‏ ‏النبي‏:‏لا‏ ‏تقتله‏, ‏فإن‏ ‏قتلته‏ ‏كنت‏ ‏بمنزلته‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏كلمته‏ " ...( ‏أي‏ ‏مباح‏ ‏الدم‏ ) ‏أخرجه‏ ‏البخاري‏ ‏ومسلم‏ ‏وأبو‏ ‏داود‏.‏
وكان‏ ‏فرج‏ ‏فودة‏ ‏يعارضهم‏ ‏بقلمه ‏,‏ مجرد‏ ‏القلم‏ ‏ولم‏ ‏يقطع‏ ‏لهم‏ ‏يدا‏ ‏ولا‏ ‏إصبعا‏,‏ وكان‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏يقر‏ ‏بإسلامه ‏, ‏وبتمسكه‏ ‏بالإسلام‏.‏
ونسي‏ ‏فضيلة‏ ‏الشيخ‏ ‏المعتدل‏ ‏قول‏ ‏أحمد‏ ‏بن‏ ‏حنبل‏ ‏" مرتكب‏ ‏الكبيرة‏ ‏ليس‏ ‏بكافر‏, ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏في‏ ‏منزلة‏ ‏بين‏ ‏منزلتي‏ ‏الكفر‏ ‏والإيمان‏, ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏معفوا‏ ‏عنه‏, ‏وإنما‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يتوب‏ ‏وأمره‏ ‏إلي‏ ‏الله‏, ‏فإن‏ ‏زعم‏ ‏أحد‏ ‏أنه‏ ‏كافر‏ ‏فقد‏ ‏زعم‏ ‏أن‏ ‏آدم‏ ‏كافر‏, ‏وأن‏ ‏إخوة‏ ‏يوسف‏ ‏حين‏ ‏كذبوا‏ ‏أباهم‏ ‏كفار‏.‏والحاصل‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يكفر‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏أهل‏ ‏التوحيد‏, ‏وإن‏ ‏عمل‏ ‏الكبائر‏ ؛ ‏ولسنا‏ ‏نعتقد‏ ‏أن‏ ‏فرج‏ ‏فودة‏ ‏بانتقاده‏ ‏لأفكار‏ ‏هؤلاء‏ ‏ ‏قد‏ ‏ارتكب‏ ‏كبيرة‏ ‏أو‏ ‏صغيرة‏,‏ بل‏ ‏لعله‏ ‏كان‏ ‏الأقرب‏ ‏إلي‏ ‏صحيح‏ ‏الإسلام‏.‏ ( 19) الأهرام العدد 2374 )
وهذا المنهج في العنف أصبح لدى أعضاء التنظيم شرطا من شروط تصويب مسار المجتمع ؛ لأنه يبدأ من أعضاء التنظيم أنفسهم ؛ ‏ولنتوقف هذه المرة ‏أمام‏ ‏كاتب‏ ‏إخواني‏ ‏من‏ ‏قادة‏ ‏الجهاز‏ ‏السري ‏ ‏لأنه‏ ‏الأصرح‏ ‏والأوضح‏, ‏إنه‏ ‏ ‏محمود‏ ‏الصباغ‏.‏الذي يقول :
يبدأ‏ ‏عضو‏ ‏الجهاز‏ ‏الخاص‏ ‏بالبيعة‏ ؛ ‏يدخل‏ ‏إلي‏ ‏حجرة‏ ‏مطفأة‏ ‏الأنوار‏,‏ويجلس‏ ‏علي‏ ‏بساط‏ ‏في‏ ‏مواجهة‏ ‏أخ‏ ‏في‏ ‏الإسلام‏ ‏مغطي‏ ‏جسده‏ ‏تماما‏ ‏من‏ ‏قمة‏ ‏رأسه‏ ‏إلي‏ ‏أخمص‏ ‏قدمه‏ ‏برداء‏ ‏أبيض‏,‏ ثم‏ ‏يخرج‏ ‏من‏ ‏جانبه‏ ‏مسدسا‏ ‏ويطلب‏ ‏من‏ ‏المبايع‏ ‏أن‏ ‏يتحسسه‏, ‏وأن‏ ‏يتحسس‏ ‏المصحف‏ ‏الشريف‏ ‏ثم‏ ‏يقول‏ ‏له‏: ‏فإن‏ ‏خنت‏ ‏العهد‏ ‏أو‏ ‏أفشيت‏ ‏السر‏, ‏فسوف‏ ‏يؤدي‏ ‏ذلك‏ ‏إلي‏ ‏إخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏الجماعة‏ ‏منك‏, ‏ويكون‏ ‏مأواك‏ ‏جهنم‏ ‏وبئس‏ ‏المصير‏.‏( 20) محمود‏ ‏الصباغ‏-‏ حقيقة‏ ‏التنظيم‏ ‏الخاص‏-(‏ص‏1320).‏
والمقصود من عبارة‏ ‏إخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏الجماعة‏ ‏منك؟ تأتي‏ ‏الإجابة‏ ‏عنها في‏ ‏صفحة‏ ‏أخري‏ ‏؛ عندما‏ ‏يورد‏ ‏ ‏ ‏الصباغ‏ ‏نصوص‏ ‏لائحة‏ ‏الجهاز‏ ‏الخاص‏ ‏الجهاز‏ ‏السري‏ ‏لجماعة‏ ‏الإخوان‏ مادة ‏13:‏
" إن‏ ‏أية‏ ‏خيانة‏, ‏أو‏ ‏إفشاء‏ ‏سر‏ ‏بحسن‏ ‏قصد‏, ‏أو‏ ‏بسوء‏ ‏قصد‏ ‏يعرض‏ ‏صاحبه‏ ‏للإعدام‏ ‏وإخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏الجماعة‏ ‏منه‏, ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏منزلته‏,‏ ومهما‏ ‏تحصن‏ ‏بالوسائل‏, ‏واعتصم‏ ‏بالأسباب‏ ‏التي‏ ‏يراها‏ ‏كفيلة‏ ‏له‏ بالحياة (21 ) " ‏المرجع‏ ‏السابق‏(‏ص‏1380).‏
بل‏ ‏إنه‏ ‏يعطي‏ ‏لنفسه‏ ‏ولزملائه‏ ‏الحق‏ ‏في‏ ‏القتل‏ ‏المباشر‏ ‏دون‏ ‏إذن‏ ‏من‏ ‏القيادة‏ ‏" إن‏ ‏أعضاء‏ ‏الجهاز‏ ‏يمتلكون‏- ‏دون‏ ‏إذن‏ ‏من‏ ‏أحد‏- ‏الحق‏ ‏في‏ ‏اغتيال‏ ‏من‏ ‏يشاؤون‏ ‏من‏ ‏خصومهم‏ ‏السياسيين‏, ‏فكلهم‏ ‏قارئ‏ ‏لسنة‏ ‏رسول‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏إباحة‏ ‏اغتيال‏ ‏أعداء‏ ‏الله‏(‏22) المرجع‏ ‏السابق‏-429)‏ ؛ فقط‏ ‏نلاحظ‏ ‏أن‏ ‏خصومهم‏ ‏السياسيين‏ ‏هم‏ ‏أعداء‏ ‏الله‏ ‏ويباح‏ ‏اغتيالهم‏.‏بل‏ ‏أن‏ ‏ ‏الصباغ‏ ‏يغالي‏ ‏فيقول‏ ‏إن‏ ‏قتل‏ ‏أعداء‏ ‏الله‏ ـ ‏أي‏ ‏الخصوم‏ ‏السياسيين‏ ‏للجماعة‏ ‏ـ غيلة‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏شرائع‏ ‏الإسلام‏, ‏ومن‏ ‏خدع‏ ‏الحرب‏ ‏فيها‏ ‏أن‏ ‏يسب‏ ‏المجاهد‏ ‏المسلمين‏ ‏وأن‏ ‏يضلل‏ ‏عدو‏ ‏الله‏ ‏بالكلام‏ ‏حتي‏ ‏يتمكن‏ ‏منه‏ ‏فيقتله‏(‏23 ) المرجع‏ ‏السابق‏ ‏ص‏ 1380).‏
ويبقي‏ ‏أن‏ ‏نشير‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏ ‏مصطفي‏ ‏مشهور‏ ‏مرشد‏ ‏الجماعة‏ ‏هو‏ ‏صاحب‏ ‏مقدمة‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏.‏ (24) عصام‏ ‏حسونة‏-23‏يوليو‏ ‏وعبد‏ ‏الناصر‏-‏ص‏46؛ الأهرام العدد 2374)
ومن نماذج تلك الثقافة ما جاء في ورقة ‏تعليمات‏ ‏صادرة‏ ‏من‏ ‏قيادة‏ ‏الجهاز‏ ‏لأعضائه‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏يحاول‏ ‏مناوأتهم‏, ‏أو‏ ‏الوقوف‏ ‏في‏ ‏سبيلهم‏ ‏مهدر‏ ‏دمه‏, ‏وأن‏ ‏قاتله‏ ‏مثاب‏ ‏علي‏ ‏فعله‏ ‏وأن‏ ‏من‏ ‏سياستنا‏ ‏أن‏ ‏الإسلام‏ ‏يتجاوز‏ ‏عن‏ ‏قتل‏ ‏المسلمين‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏مصلحة‏ ‏و‏...‏إن‏ ‏من‏ ‏السياسيين‏ ‏من‏ ‏يجب‏ ‏استئصاله‏ ‏وتطهير‏ ‏البلاد‏ ‏منه‏, ‏فإن‏ ‏لم‏ ‏توجد‏ ‏سلطة‏ ‏شرعية‏ ‏تصدهم‏, ‏فليتول‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏وضعوا‏ ‏أنفسهم‏ ‏للإسلام‏ ‏جنودا‏, ‏وأن‏ ‏الإسلام‏ ‏يتجاوز‏ ‏عن‏ ‏احتمال‏ ‏قتل‏ ‏المسلمين‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏مصلحة‏(‏25) عصام‏ ‏حسونة‏ - 23‏ يوليو‏ ‏وعبد‏ ‏الناصر‏-‏ ص‏46 المصدر السابق ‏).‏
ولأنه منهج وسلوك في مواجهة الآخر فقد حدد مؤسس التنظيم حسن البنا في‏ ‏رسالة‏ ‏التعاليم‏ ‏ واجبات‏ ‏العضو‏ ‏وعددها‏ 38‏ واجبا‏ , الواجب‏ ‏رقم ‏25 ‏منها‏ ؛ ‏يأمر‏ ‏العضو‏ ‏أن‏ ‏يقاطع‏ ‏المحاكم‏ ‏الأهلية‏,‏وكل‏ ‏قضاء‏ ‏غير‏ ‏إسلامي‏ ,‏ والأندية‏ ‏والصحف‏,‏ والجماعات‏, ‏والمدارس‏ ‏والهيئات‏ ‏التي‏ ‏تناهض‏ ‏فكرته‏ ‏الإسلامية‏ ‏مقاطعة‏ ‏تامة‏...‏والبند‏ ‏رقم‏37‏يأمره‏ ‏أن‏ يتخلي‏ ‏عن‏ ‏صلته‏ ‏بأية‏ ‏هيئة‏ ‏أو‏ ‏جماعة‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏الاتصال‏ ‏بها‏ ‏في‏ ‏مصلحة‏ ‏فكرته‏(‏26 ) حسن‏ ‏البنا‏- ‏رسالة‏ ‏التعاليم‏- ‏ص‏120؛ نفس المصدر)
ومن الواضح أن هذه الثقافة أُسست على فكر تكفير المجتمع وفي ذلك يقول سيد‏ ‏قطب‏ ‏: " ‏إن‏ ‏الإسلام‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏إلا‏ ‏نوعين‏ ‏من‏ ‏المجتمعات‏:‏ مجتمع‏ ‏إسلامي‏, ‏ومجتمع‏ ‏جاهلي‏ " ؛ ‏والمجتمعات‏ ‏الجاهلية‏ ‏عند‏ ‏سيد‏ ‏قطب‏ ‏" هي‏ ‏كل‏ ‏المجتمعات‏ ‏الشيوعية‏ ‏والوثنية‏ ‏واليهودية‏ ‏والمسيحية‏, ‏والمجتمعات‏ ‏التي‏ ‏تزعم‏ ‏أنها‏ ‏مسلمة‏ ‏(27 سيد‏ ‏قطب‏- ‏معالم‏ ‏في‏ ‏الطريق‏(‏ص‏106)‏) وبشكل‏ ‏أوضح‏ ‏يقول‏:" ‏يدخل‏ ‏في‏ ‏إطار‏ ‏المجتمع‏ ‏الجاهلي‏ ‏جميع‏ ‏المجتمعات‏ ‏القائمة‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏(‏ص‏98).‏
وعند سيد قطب لا ‏حل‏ ‏وسط‏ ‏فهو‏ ‏يقول‏:‏" فنحن‏ ‏وهذه‏ ‏الجاهلية‏ ‏علي‏ ‏مفرق‏ ‏الطريق‏..‏فإما‏ ‏إسلام‏ ‏وإما‏ ‏جاهلية‏, ‏وإن‏ ‏وظيفتنا‏ ‏الأولي‏ ‏هي‏ ‏إحلال‏ ‏التصورات‏ ‏والتقاليد‏ ‏الإسلامية‏ ‏في‏ ‏مكان‏ ‏الجاهلية‏, ‏ولن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏بمجاراة‏ ‏الجاهلية‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الخطوات‏ ‏لأننا‏ ‏حين‏ ‏نسايرها‏ ‏خطوة‏,‏ فإننا‏ ‏نفقد‏ ‏المنهج‏ ‏كله‏ ‏ونفقد‏ ‏الطريق " ‏(‏ص‏19)‏ ؛ وهو‏ من ثم ‏لا‏ ‏يعترف‏ ‏بإسلام‏ ‏المسلمين‏ ‏" أن‏ ‏الناس‏ ‏ليسوا‏ ‏مسلمين‏ ‏كما‏ ‏يدعون‏ ‏وهم‏ ‏يحيون‏ ‏حياة‏ ‏الجاهلية‏,‏ ليس‏ ‏هذا‏ ‏إسلاما‏,‏ وليس‏ ‏هؤلاء‏ ‏مسلمين‏.‏ والدعوة‏ ‏إنما‏ ‏تقوم‏ ‏لترد‏ ‏هؤلاء‏ ‏الجاهلين‏ ‏إلي‏ ‏الإسلام‏, ‏ولتجعل‏ ‏منهم‏ ‏مسلمين‏ ‏من‏ ‏جديد " ‏(‏ص‏173)‏ فهو والحال تلك ‏لا‏ ‏يعتبر‏ ‏أن‏ ‏الإسلام‏ ‏قائم‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏حدود‏ ‏جماعته‏ ؛ ولذلك فهو ‏ ‏يدعو‏ ‏إلي‏ ‏إعادة‏ ‏إنشائه‏ ‏قائلا‏ ‏: " وينبغي‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مفهوما‏ ‏لأصحاب‏ ‏الدعوة‏ ‏الإسلامية‏ ‏أنهم‏ ‏حين‏ ‏يدعون‏ ‏الناس‏ ‏إعادة‏ ‏إنشاء‏ ‏هذا‏ ‏الدين‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يدعوهم‏ ‏أولا‏ ‏إلي‏ ‏اعتناق‏ ‏العقيدة‏,‏ حتي‏ ‏ولو‏ ‏كانوا‏ ‏يدعون‏ ‏أنفسهم‏ ‏مسلمين‏,‏ وتشهد‏ ‏لهم‏ ‏شهادات‏ ‏الميلاد‏ ‏بإنهم‏ ‏مسلمون‏,‏ فإذا‏ ‏دخل‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الدين‏ ‏عصبة‏ ‏من‏ ‏الناس‏, ‏فهذه‏ ‏العصبة‏ ‏هي‏ ‏التي‏ ‏يطلق‏ ‏عليها‏ ‏اسم‏ ‏المجتمع‏ ‏المسلم‏ " (‏ص‏40).‏
وينكر سيد‏ ‏قطب‏ ‏ من بعد ‏أية‏ ‏رابطة‏ ‏سوي‏ ‏رابطة‏ ‏الإسلام‏ ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يعترف‏ ‏بالوطن‏ ‏ولا‏ ‏بالوطنية‏ ‏لا‏ ‏رابطة‏ ‏سوي‏ ‏العقيدة‏, ‏ولا‏ ‏قبول‏ ‏لرابطة‏ ‏الجنس‏ ‏والأرض‏ ‏واللون‏ ‏واللغة‏ ‏والوطن‏ ‏والمصالح‏ ‏الأرضية‏ ‏والحدود‏ ‏الإقليمية‏ ‏إن‏ ‏هي‏ ‏إلا‏ ‏أصنام‏ ‏تعبد‏ ‏من‏ ‏دون‏ ‏الله ‏(‏ص‏580)‏ ؛ مرة‏ ‏أخري‏ ‏أنه‏ ‏رجل‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏المساومة‏ ‏لا‏ ‏حل‏ ‏وسط ‏, ‏ولا‏ ‏منهج‏ ‏بين‏ ‏بين‏...‏أنما‏ ‏حق‏ ‏وباطل‏ ,‏ هدي‏ ‏وضلال‏, ‏إسلام‏ ‏وجاهلية‏ ‏( 28 ) ( سيد‏ ‏قطب‏-‏ في‏ ‏ظلال‏ ‏القرآن‏(‏ج‏1-‏ص‏110)‏ ؛ وعلى ضوء هذا الفكر فهو يرفض ‏كل‏ ‏المجتمعات‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏اسمها‏ ‏حكم‏ ‏الفرد‏ ‏أو‏ ‏حكم‏ ‏الشعب‏, ‏شيوعية‏ ‏أو‏ ‏رأسمالية‏, د‏يموقراطية‏ ‏أو‏ ‏ديكتاتورية‏, ‏أو‏ ‏أتوقراطية‏ ‏أو‏ ‏ثيوقراطية‏ (‏ 29 ) ( سيد‏ ‏قطب‏-‏ مقومات‏ ‏التصور‏ ‏الإسلامي‏-‏ ص‏23).‏
ما‏ ‏معني‏ ‏ذلك‏ ‏كله؟ ما‏ ‏معني‏ ‏تكفير‏ ‏المسلمين‏ ‏جميعا‏ ‏حكاما‏ ‏ومحكومين؟ معناه‏ ‏ببساطة‏ ‏أنهم‏ ‏جميعا‏ ‏مرتدون ‏.‏الأمر الذي يوجب إعادتهم للإسلام ؛ اي أنها دعوة للعنف .‏
وهو العنف الذي ‏ ‏يأتي‏ ‏منقادا‏ ‏وبشكل‏ ‏طبيعي‏ ‏للفكرة‏ ‏الأولي‏ ‏الذي‏ ‏وضع‏ ‏بذرتها‏ ‏‏حسن‏ ‏البنا‏ ‏ومدها‏ ‏علي‏ ‏استقامتها‏ ‏‏سيد‏ ‏قطب‏, ‏ولعل‏ ‏وضوح‏ ‏وصراحة‏ ‏سيد‏ ‏قطب‏ ‏قد‏ ‏دفعت‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الإخوانيين‏ ‏المعتادين‏ ‏علي‏ ‏التقية‏ ‏والممالأة‏, ‏والتلاعب‏ ‏بالكلمات‏ ‏إلي‏ ‏القول‏ ‏بأن‏ ‏سيد‏ ‏قطب‏ ‏قد‏ ‏تباعد‏ ‏عن‏ ‏فكر‏ ‏الجماعة‏ ‏مستندين‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏إلي‏ ‏كتاب‏ ‏دعاة‏ ‏لا قضاة‏ ‏الذي‏ ‏أصدره‏ ‏حسن‏ ‏الهضيبي‏ ‏مرشد‏ ‏الإخوان‏ ‏آنذاك‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏ناسين‏ ‏أن‏ ‏ ‏الهضيبي‏ ‏كان‏ ‏كغيره‏ ‏من‏ ‏قادة‏ ‏الجماعة‏, ‏يجاهر‏ ‏أحيانا‏ ‏بغير‏ ‏ما‏ ‏يعتقد‏,‏ ملتجئا‏ ‏إلي‏ ‏التقية‏ ‏(30) عصام حسونة مصدر سبق ذكره )
و مثل هذه الحركة التي تعتبر أنها هي وحدها من يملك الحقيقة المطلقة ؛ وما عداها هو مجتمع كافر ؛ من الطبيعي أن تكون ضد التعددية في الرأي والفكر لأن قبولها بالتعددية ؛ يعني أنها وجهات نظر تحتمل الصواب وتملك شيئا من الحقيقية ؛ وهو الأمر الذي لا يمكن التسليم به بالنسبة لمثل هذه الحركة ؛ وإن كانت تلجأ إلى التقية في ذلك ؛ ولهذا رفض البنا رفضا باتا الحزبية وأعلن عدائه للأحزاب السياسية إذ اعتبر أنها نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية ووصفت جريدة (النذير) الأحزاب المصرية بأنها أحزاب الشيطان مؤكدة على أنه لا حزبية في الإسلام في حين أعلنوا ولاءهم وأملهم في " ملك مصر المسلم " بعد أن نجح " على ماهر والشيخ المراغى " في توطيد العلاقة بين القصر والجماعة التي استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عندما بدأ الملك يخشى من سطوة هذه الجماعة نتيجة قوة الأعداد الكبيرة التي انضمت إليها ، والتي أصبحت بها تنافس شعبية الوفد وقوة الأسلحة التي استخدمتها الجماعة أثناء حرب فلسطين ، مما أقلق الملك فاروق لذا أيد سياسة النقراشى الرامية إلى حل الجماعة؛ كما أعرب عن ارتياحه لاغتيال البنا. وكان السبب في إقدام النقراشى على حل الجماعة اعتقاده بأن حوادث القنابل والمتفجرات يرتكبها شبان من المنتمين إلى الإخوان. إلا أن الجماعة عادت إلى مزاولة نشاطها عام 1951م ؛ نتيجة صدور قرار من مجلس الدولة بعدم مشروعية قرار حلها ومصادرة ممتلكاتها.(31 ) المصدر السابق )
وفى وثيقة أخرى شديدة الأهمية يرفض «حسن البنا» بشكل واضح التعددية السياسية ، حيث يقول:" إن الحزبية السياسية إن جازت فى بعض الظروف فى بعض البلدان ، فهي لا تجوز فى كلها ؛ وهى لا تجوز فى مصر أبداً ". ويضيف في موضع آخر من ذات الوثيقة:" وأعتقد أيها السادة أن التدخل الأجنبى فى شؤون الأمة ليس من باب إلا التدابر والخلاف، وهذا النظام الحزبى البغيض، وأنه مهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد، يلوّحون له بخصمه الآخر، ويقفون منهما موقف القرد من القطتين ولا يجنى الشعب من وراء ذلك إلا الخسارة من كرامته، واستقلاله وأخلاقه ومصالحه». (32) ( المصدر السابق )
وإذا جاز القول أن حركة الإخوان المسامين حركة "دعوة" "إصلاحية" رفضت أن تتحول إلى "حزب" ؛ إلا أنها في الوقت ذاته صممت على " ممارسات الحزب " للسياسة فوقعت في تناقض واضح وهو التصميم على الثبات على شكل الجماعة ورفض شكل الحزب، إلا أنها سعت إلى الممارسة الحزبية .( 33) المصدر السابق )
غير أن المفارقة في مثل هذا الخطاب أنه في الوقت الذي ينفي فيه الآخر ؛ ويتبنى ثقافة مفارقة ؛ كان يحاول الاقترب من النظام الحاكم آنذاك ( 34) المصرى اليوم عماد سيد أحمد 11/ 11/ 2009 ) أي القصر .
ومع ذلك لا يمكن تجاهل ذلك التناقض الذي يظهر في سياسيات الجماعة ففي الوقت الذي تكشف فيه أحد الوثائق التي جاءت تحت «نحن والقصر» ؛ يقول حسن البنا: " نحن مخلصون للعرش وللجالس عليه ونسأل الله أن يمده بعنايته وتوفيقه، وأن يصلح به البلاد والعباد ذلك لأنه رئيس الدولة الأعلى ومظهر النظام الحكومى الذى يعتبره الإسلام ظل الله فى الأرض ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأحد أصحابه: إذا نزلت ببلد ليس فيه سلطان فارحل عنه فإن السلطان ظل الله فى الأرض" .( 35 ؛ صحيفة المصرى اليوم 11/ 11/ 2009)
إلا أن حركة الإخوان مع ذلك دخلت في صدامات سياسية مع القصر تارة وحزب الوفد تارة أخرى، وبدأ ظهور ما يعرف بـ " التنظيم السري" عام ١٩٤٢ الذي نشأ نتيجة الاصطدام بالسلطة ، في مؤشر صريح لتحول الإخوان من جماعة مدنية إلى شبه عسكرية، واستمر الوضع كذلك حتى أصدر رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشي قرار حلها ومصادرة أموالها واعتقال غالبية أعضائها في ديسمبر ١٩٤٨، وشملت مذكرة الحل التخطيط لـ " قلب النظم السياسية" بطرق "إرهابية" و" تدريب الجماعة على السلاح". (36 ) المصدر السابق )
المصلحة ولو في حضن الشيطان
إلا أنه يصبح من باب البحث عن المصلحة حتى لوكانت في يد الشيطان ؛ محاولة الجماعة مغازلة الفكر الفاشي والنازي ؛ ذلك البحث الذي لا يمكن اعتباره من الإسلام في شيء ؛ فإذا عدنا إلي الوراء عند حافة بوادر اشتعال الحرب العالمية الثانية‏,‏ عندما كان القصر الملكي يغازل الألمان سرا ورجاله يغازلونهم علنا‏,‏ بل ويغازلون الفكر الفاشي والنازي أيضا‏.‏ الأمر الذي دفع كاتبا كعباس العقاد إلي الكتابة مهاجما هؤلاء ومتهما إياهم وعلي رأسهم جماعة الإخوان بالعمالة للنظم الفاشية فيقول في مصر دعوة دكتاتورية ليس في ذلك جدال‏.‏ والذين يقومون بهذه الدعوة ويقبضون المال من أصحابها هم الذين يشنون الغارة علي الدول الديمقراطية ويثيرون الشعور باسم الدين دفاعا عن سوريا وفلسطين‏,‏ بينما يسكتون علي غزو الألمان والطليان لألبانيا وبرقة وطرابلس والصومال‏,‏ ويسير بعدما تقدم أن نعرف من أين تتلقي هذه الجماعات المتدينة ازوادها ونفقاتها‏.‏
وفي ذلك حاول البنا استخدام الدين الإسلامي وادعاءات غير معقولة وحتي غير عاقلة في تبرير علاقته بألمانيا وإيطاليا ( والكلام لعباس العقاد ) ؛ غير أن أكثر ما يثير من استهجان وإهانة العقل ؛ هو عندما كتب البنا نفسه مقالا غاية في الغرابة نشره في مجلة النذير لسان حال الجماعة‏,‏ زف فيه إلي المصريين والمسلمين جميعا نبأ سعيدا ؛ مفاده أن بعض الصحف الإيطالية ذكرت " أن إيطاليا وألمانيا تفكران في اعتناق الإسلام‏,‏ وقررت إيطاليا تدريس اللغة العربية في مدارسها الثانوية بصفة رسمية وإجبارية‏,‏ ومن قبل سمعنا أن اليابان تفكر في الإسلام‏ ".‏
ثم يتحدث عن أن " هذه الدول الثلاث قد وضعت في برنامجها التقرب التام من العالم الإسلامي ‏,‏ والتودد إلي العرب والمسلمين‏,‏ وقدمت لذلك مقدمات كبناء المساجد‏,‏ ودعوة الشباب العربي إلي المدن والعواصم عندهم‏..‏ إن هذه الدول إنما تعجبها القوة والكرامة والفتوة والسيادة‏,‏ وأن هذه هي شعائر الإسلام‏" ؛ ‏ ويكمل البنا لقد " كتب الإخوان المسلمون إلي ملوك المسلمين وأمرائهم وعلمائهم وحكامهم بوجوب التبليغ لهذه الأمم باسم الإسلام‏ " .
‏ولمزيد من إضفاء مسحة من الجدية علي هذا الأمر‏,‏ يوجه البنا رسالة مفتوحة علي صفحات ذات العدد إلي شيخ الأزهر يدعوه فيها إلي تبليغ ألمانيا وإيطاليا واليابان بالإسلام مع إمدادهم بالعلماء لشرح مفهوم الإسلام‏(‏37 ) النذير‏4‏ ذي القعدة‏1357‏ ـ العدد‏30).
‏وأيضا من أجل تعزيز فكرة الموالاة للمحور ألمانيا ـ إيطاليا ـ اليابان التي أعجب بها البنا تنشر جماعة الإخوان شائعة مثيرة للسخرية‏,‏ وهي أن هتلر شخصيا قد أشهر إسلامه وقام بالحج سرا وأسمي نفسه الحاج محمد هتلر‏.‏
مثل هذه المبالغات الفجة أدت إلي لفت الأنظار إلي هذه العلاقة الخاصة ففي لقاء بين السير والترسمارت المستشار الشرفي للسفارة البريطانية مع وكيل وزارة الداخلية المصرية حسن باشا رفعت أفاد وكيل الوزارة بأن معلوماته تقول إن الأستاذ البنا قد تلقي إعانات مالية من الإيطاليين والألمان والقصر‏(‏ ينقل الأستاذ محسن محمد هذه الرواية في كتابه من قتل حسن البنا ص‏88‏ وقد نقل هذه المعلومات وغيرها عن وثائق أرشيف الخارجية البريطانية‏).‏ وما كان لنا أن نسوق اتهاما غليظا كهذا نقلا عن وشاية من أحد رجال الأمن لممثل السفارة البريطانية‏,‏ لولا أن الأرشيف البريطاني يحتوي علي وثائق أخري تصب في ذات الاتجاه‏.‏
فهناك برقيتان من السفير البريطاني إلي وزارة خارجيته تحتويان علي ترجمة انجليزية لوثائق بالألمانية عثر عليها عند تفتيش مسكن مدير مكتب الدعاية الألماني بالقاهرة‏.‏
ونقرأ وندهش‏ كما يقول الدكتور رفعت السعيد .‏
‏F.o371.-23342‏
‏1939/10/22‏
مكتب الأمن العسكري ـ مصر
الهر ولهلم ستلبوجن مدير مكتب الدعاية النازي‏D.N.B‏ ولا يتمتع بأي صفة دبلوماسية عثر عنده لدي تفتيشه علي مذكرة مكتوبة بالاختزال مؤرخة في‏18‏ أغسطس جاء فيها لقد أرسلت البعثة إلي‏(‏ ح‏.‏ب‏)(‏ الإخوان‏)‏ مرة أخري ذات المبلغ بذات الطريقة لكن الإخوان المسلمين طلبوا المزيد من المال رغم أنني سلمتهم مبلغ الألفي جنيه التي وصلت باسمهم من ألمانيا‏.‏
ثم ترجمة‏(‏ لورقة أخري مكتوبة بالآلة الكاتبة الألمانية مؤرخة في‏8/16‏ تقول إن دفعة جديدة من الأموال قد أصبحت ضرورية جدا‏.‏ إن المحادثة التي جرت مع‏(‏ ح‏.‏ ب‏)‏ شخصيا حول المسألة‏(‏ ب‏)‏ كانت مرضية تماما‏.‏
وبرقية ثانية تحمل رقم‏F.o371.-23343‏ تقول أرسلت البعثة مرة أخري لحسن البنا‏(‏ هذه المرة كتب الاسم كاملا بدلا من ح‏.‏ ب‏)‏ ذات المبلغ بذات الطريقة ـ هؤلاء الناس يمكنهم فعل أشياء كثيرة‏.‏
وبسبب هذه العلاقة وتلافيا للتصادم مع القصر الملكي الذي كان يحمي البنا‏,‏ طلب الإنجليز من حسين سري رئيس الوزراء ضرورة الحد من نشاط البنا فقرر نقله من القاهرة إلي الصعيد وقد استجبت إلي ذلك‏(‏38 ) د‏.‏ محمد حسين هيكل ـ مذكرات في السياسة المصرية ـ ص‏2‏ ـ ص‏208‏ ـ وكان هيكل في هذه الأثناء وزيرا للمعارف‏).‏
‏وتنتهي الحرب ويهزم النازي‏,‏ ويطل علي العالم شبح النفوذ الأمريكي ولا يضيع البنا وقتا‏..‏ ونقرأ في الوثائق الأمريكية‏..‏ فيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية يكتب في برقيته يوم ‏29‏ أغسطس‏1947‏ إلي وزارة الخارجية التقيت حسن البنا وأشرت إلي المظاهرات الحاشدة التي وقعت هذه الأيام‏.‏ فرد البنا لن تكون هناك اضطرابات جديدة‏,‏ فإن بوسعي بدءها وإنهاءها‏..‏ ويرد ايرلاند‏:‏ من المشكوك فيه إنهاء الفتنة بعد اشعالها‏.
لكن البنا يعرف كيف يغري الأمريكيين فيطلب مقابلة ثانية وتتم في بيت إيرلاند ويحضر البنا ومعه محمد الحلوجي ومحمود عساف مدير إعلانات صحيفة الإخوان وأشار البنا عبر المترجم إلي خطر الشيوعية في الشرق الأوسط وأن الإخوان يحاربونها‏,‏ ويضطر أعضاء في الجماعة أن يتركوا عملهم الأصلي لدخول الخلايا الشيوعية للحصول علي معلومات‏,‏ وعندما يفعلون ذلك‏,‏ فإنهم يتركون وظائفهم وبذلك يفقدون مرتباتهم‏,‏ وإذا أمكن تعيينهم علي أساس أنهم محققون وباحثون‏,‏ فإنه يمكن حل المشكلة‏..‏ لكن الأمريكان لم يبتلعوا الطعم‏..‏ ورفضوا تقديم أموال‏.‏
‏..‏ ولا تتوقف المحاولات‏.‏
فعندما تولي المستشار حسن الهضيبي موقع المرشد العام حاول ذات الشيء‏..‏ وأقام علاقة مباشرة مع الأمريكيين عام‏1953‏ عن طريق أحد أصهاره ولنرمز له بالحرف‏(‏ م‏)‏ وإن كان الاسم قد ورد كاملا في الوثائق الأمريكية وفيها أن‏(‏ م‏)‏ حمل رسائل من المرشد تحاول إيهام الأمريكيين بأن للإخوان قوة كبيرة في الجيش‏,‏ خاصة في الرتب الدنيا‏..‏ وأنه من السهل الإطاحة بعبد الناصر وعبدالحكيم عامر عندما تري الحركة أن الوقت مناسب‏..‏ ومرة أخري لم تبتلع أمريكا الطعم فالتعليقات في الوثائق تؤكد أن الجماعة تبالغ في قوتها كثيرا‏.‏ ( 39) د. رفعت السعيد ؛ جريدة الأهرام بتاريخ 30/12/2006م السنة 131 العدد 43853 )
ويبدو أن الناظم الذي كان يحكم علاقة الإخوان المسلمين بالغير ؛ كما تشير الوثائق ؛ كان أساسها المصلحة بعيدا عن تلك اللافتة الدينية التي يتم الاختباء خلفها ؛ أي بعيدا عن تلك القيم والمثل التي يجري الحديث عنها ؛ وهذا الأمر يمكن اكتشافه من خلال محاولة نسج علاقات مع دول المحور ؛ وبشكل يجافي العقل السليم ؛ ثم مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لاحقا بعد هزيمة دول المحور ؛ وهو الأمر ما كان يمكن تصديقه دون وجود الوثائق التي تروي تلك الوقائع .
ولعل ما كشفه الباحث البريطاني مارك كيرتس في كتابه « الشؤون السرية» والمأخوذة مادته من الوثائق البريطانية حول العلاقة بين الجماعة والحكومة البريطانية ، من أن بريطانيا مولت حركة «الإخوان المسلمين» في مصر سرا ، وأنها بدأت بتمويل «الإخوان» منذ عام 1942، ثم واصلت التعاون معهم من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبد الناصر، على اعتبار أن الحركات الأصولية أفضل من الحركات القومية العربية. وأضاف أنه حتى بعد وفاة عبد الناصر واستخدام خليفته أنور السادات «الإخوان» كأداة لتدعيم حكمه، واصلت بريطانيا النظر إلى الإخوان على أنهم «سلاح يمكن استخدامه»، وفقا لمسؤولين بريطانيين لتدعيم نظام الحكم في مصر. (40) ( جريدة الشرق الأوسط ، 11568 العدد ، 31 / 7/ 2010 )
وفي عام 1956، عندما قامت بريطانيا بغزو مصر ضمن ما يعرف بالاعتداء الثلاثي، كان هناك مصادر جديرة بالثقة تشير إلى أن بريطانيا قامت باتصالات سرية مع جماعة الإخوان وغيرهم من الشخصيات الدينية كجزء من خططها للإطاحة بعبد الناصر أو اغتياله. وما تبينه هذه الملفات هو أن المسؤولين البريطانيين كانوا يعتقدون أن هناك «إمكانية» أو «احتمالية» أن يقوم «الإخوان» بتشكيل الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بعد الناصر على أيدي البريطانيين. وفي شهر مارس (آذار) عام 1957، كتب تريفور إيفانز، المسؤول بالسفارة البريطانية الذي قاد اتصالات سابقة مع «الإخوان»، قائلا: «إن اختفاء نظام عبد الناصر... ينبغي أن يكون هدفنا الرئيسي».
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الخطط البريطانية السرية للإطاحة بالأنظمة القومية في سورية عامي 1956 و1957 كانت تنطوي أيضا على تعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، التي كان يُنظر إليها على أنها وسيلة مفيدة في خلق الاضطرابات في البلاد تمهيدا لتغيير النظام الحاكم. (41) ( المصدر السابق )
هذا السلوك المفارق كما تبين التجربة التاريخية ؛ كان جزءا أصيلا من ثقافة الجماعة وفكرها ؛ سبق أن عبرت عنه علاقة مؤسسها باليمن عبر تلك " العلاقة الوثيقة التي قامت بين حسن البنا والإمام حميد الدين إمام اليمن‏,‏ والتي أثمرت عن استثمارات اقتصادية مربحة حققها رجل الأعمال محمد سالم‏(‏ زوج زينب الغزالي‏)‏ ونفوذ فكري وسياسي واسع‏..‏ ثم انهار ذلك كله بسبب تدبير البنا ورجاله وبالاتفاق مع بعض رجالهم باليمن لانقلاب فاشل لم ينته فقط بتدمير كل الحصاد الإخواني هناك‏,‏ وإنما انتهي بإثارة هواجس الملك فاروق ونظامه وغيره من الحكام‏..‏ فالذي يدبر انقلابا في اليمن يمكنه أن يفعلها هنا أو هناك‏. ( 42) جريدة الأهرام بتاريخ 30/12/2006م السنة 131 العدد 43853 ).
وفي رواية أخرى لعلاقة البنا باليمن ؛ والتي يلمس فيها المقدمات الأولى لتشكيل التنظيم الدولي لحركة الإخوان واستطاع إلى جانب ذلك أن ينشئ التنظيم الدولي للإخوان عن طريق الفضيل الورتلانى الجزائري المساعد الغامض لحسن البنا ، وهو الذي فجر ثورة الميثاق في اليمن لقلب الموازين فيها لصالح السعودية، وقد نجحت الثورة في قتل الإمام يحيى، ولكن سرعان ما فشلت وتنصلت منها السعودية ، ورفضت استقبال الفضيل الورتلانى بعد هربه من اليمن وظل الورتلانى في سفينة في البحر ترفض الموانئ العربية استقباله كراهية لدوره في اليمن، إلى أن استطاع بعض الإخوان تهريبه في أحد مواني لبنان، وانتقل منها إلى تركيا، ثم ظهر بعد ذلك كالرجل الثاني فى قائمة جبهة التحرير الجزائرية حين توقيع ميثاقها في القاهرة سنة 1955 .
واكتشفت الحكومة المصرية بعد ما حدث في ثورة اليمن سنة 1948 خطورة حسن البنا وتنظيمه السري وكيف استطاع حسن البنا إجراء ثورة في اليمن عن بعد . ولذلك كان التخلص من حسن البنا سياسياً بكشف أسرار التنظيم وما جرى إبان ذلك من حوادث عنف متبادلة.
ومعروف بعدها موقف الإخوان من تعضيد الثورة ثم الخلاف بينهم وبين عبد الناصر، وتحالف السادات مع الإخوان، وعودة التيار الديني السياسي للسيطرة على أجهزة الدولة في التعليم والثقافة والإعلام مع عصر الثورة النفطية، ثم خلافهم مع السادات، وقتلهم له، واستمرار سيطرتهم في عصر مبارك الذي آثر مطاردة الإرهاب المسلح مع التصالح مع الفكر السلفي الذي أصبح يقدم نفسه على أنه الإسلام.
وهنا ندخل على طبيعة الفكر السلفي التي أجهضت الاجتهاد المصري في الإصلاح الديني لصالح الثورة السلفية. (43) صحيفة المصري اليوم ؛ الخميس 17 صفر 1430هـ - 12 فبراير 2009م )

نحو الأممية ..البدايات
على ضوء تجربة الفضيل الورتلاني في اليمن ؛ يمكن القول أن التنظيم الدولي بعكس كل من يحاول نفي وجوده إن كفكرة أو في الواقع كان قد بدأ كفكرة ومشروع مستقبلي في أدبيات وتراث الإمام حسن البنا، الذي اعتبر هذا المشروع خطوة وهدف من الأهداف نحو وحدة الأمة الإسلامية. وفي سبيل الوصول إلى ذلك الهدف أسس البنا قسما خاصا أسماه ( قسم الاتصال بالعالم الإسلامي ) كان عمله الأول والوحيد إنشاء فروع للجماعة خارج مصر؛ والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار جماعته ؛ ومن هذا القسم بدأت كل علاقات الإخوان واتصالاتهم .
وتؤكد الوثائق أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أو كما يطلق عليه البعض التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ؛ نشأ في بدايته كمكتب أو مجلس تنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين ضم في عضويته أفرع الجماعة في الدول العربية والأجنبية ، إلا أن نشاط هذا المكتب توقف بعد تولي جمال عبد الناصر الحكم في مصر ونزاعات الإخوان مع الثورة ؛ والتي كانت ذروتها محاولة اغتيال عبد الناصر ، الأمر الذي أدي إلى حل حركة الإخوان المسلمين عام 1954 ؛ واعتقال الكثير منهم ؛ ثم حدوث مواجهة أخرى في عهد عبد الناصر عام 1965م بسبب موقف الإخوان من الثورة وقائدها ، إثر ذلك فكر الإخوان خارج مصر الذين كانوا قد غادروا خلال سنوات الصراع مع الثورة ؛ في إحياء المكتب التنفيذي القديم ، أي ذلك القسم الذي كان في وقت سابق قد مكن الجماعة من الاتصال بالطلاب العرب والمسلمين الذين كانوا يدرسون بمصر خاصة في الأزهر الشريف ؛ والذي انضم من خلاله عدد من الطلاب الذين أصبحوا بعد تخرجهم ورجوعهم لبلدانهم قيادات إسلامية بارزة ؛ وضعت نواة تنظيمات الإخوان في بلدانها . وكان البنا قد أسند مسؤولية ذلك القسم لعدد من شباب حركة الإخوان ؛ منهم الشاب مصطفى مؤمن وسعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا والذي اضطلع بالدور الأكبر في نشر وبناء التنظيمات الإخوانية خارج مصر.
فاستطاع القسم خلال سنوات قليلة تأسيس عدد كبير من تنظيمات الإخوان في الدول الإسلامية من اندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا ومن الصومال جنوبا إلى سورية شمالا ؛ وذلك قبل نصف قرن من الزمان! فمن خلال ذلك القسم أسس الإخوان فروعا لهم في سورية ثم الأردن ثم السودان ،على الترتيب ، واضطلع بالمهمة عدد من أبناء تلك البلدان الذين درسوا في مصر وارتبطوا بالجماعة وأشهرهم مصطفى السباعي ( سوريا ) الذي صار بعد ذلك المراقب العام للجماعة وأحد كبار منظّريها، كما افتتحت تنظيمات أخرى في أندونيسيا والصومال واليمن وأفغانستان التي أنشأ فيها التنظيمَ اثنان من أشهر هؤلاء الطلاب الوافدين على مصر وقتها وأكثرهم حركة وتأثيرا وهما غلام نيازي ومحمد هارون مجددي ، وكان الثاني نجل سفير أفغانستان وقتها في مصر، في حين تولى مسؤولية التنظيم غلام نيازي.
وفي مكتب الجماعة في الدرب الأحمر بحي السيدة زينب تحول قسم الاتصال بالعالم الإسلامي إلى وزارة خارجية لجماعة الإخوان المسلمين، طالت اتصالاتها معظم بلاد العالم الإسلامي إن لم تكن كلها، فزاره محمد على جناح وهو يؤسس لاستقلال باكستان واستمرت اتصالاته حتى توجت بتدخل حسن البنا لدى صديقه عبدالرحمن عزام لإقناعه باعتراف الجامعة العربية التي كان عزام أول أمين عام لها بالاعتراف باستقلالها عن الهند، ومنه جرى التنسيق للإطاحة بنظام الإمام يحيى حميد الدين عن طريق العضو الجزائري بالجماعة الفضيل الورتلاني فيما سمي بثورة أحرار اليمن في الأربعينيات من القرن الماضي ، وايضا الحركة العربية لتحرير فلسطين التي كان يرأسها أمين الحسيني مفتي فلسطين..
كما ارتبطت الجماعة من خلاله بمعظم القيادات الإسلامية والتحررية في العالم الإسلامي مثل عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي في المغرب، والأمير شكيب أرسلان في سورية ونواب صفوي مؤسس حركة ( فدائيان إسلام ) في إيران وآل الندوي في الهند..إلخ.(44) ( وكالة الأهرام للصحافة ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٣ )
ومن ثم فإن التنظيم الدولي ليس أمرا طارئا في فكر الجماعة ؛ بل هو جزء أصيل من فكر الحركة ؛ واكب نشأتها وتطورها ؛ وإن كان لم يتبلور تنظيميا بالشكل الذي هو عليه الآن ؛ وذلك استنادا إلى أن حركة الإخوان ليست كما يقولون مجرد جماعة مصرية، بل هي حركة إسلامية عالمية ، وإن كانت مصرية النشأة. إلا أن انكشاف جوهر فكر الحركة عبر تلك الممارسات الدموية سواء في اليمن أو في بلد النشأة ثم سوريا ؛ حدثت فترة قطع بين الحركة الأم وبقية الفروع ؛ إلى أن تم التفكير في إعادة إحياء العلاقة مع الفروع المختلفة في الدول الإسلامية عبر شكل من التنظيم أرقى مما كان سابقا ؛ ويأخذ في الاعتبار جملة التطورات التي مرت بها الحركة وأيضا راهنية المشهد الدولي .
وعلى هذا الأساس بدأت لقاءات إعادة إحياء التنظيم في شكله الجديد ؛ والتي اقتصرت في بدايتها على بحث شؤون الدعوة ، إلي أن أخذت هذه اللقاءات منحى تنظيمي ؛ بأن يحضر عن كل بلد فيها عضو ممثلا للدعوة فيها، وكانت تجري هذه اللقاءات في عدة بلدان مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وإسطنبول وبيروت، وعمّان وبعض الدول الأوروبية.
ومما ساعد حركة الإخوان في بناء هذا التنظيم العالمي هو مغادرة عدد من قياداتها مصر في وقت سابق واستقرار عدد منهم في لبنان والكويت والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى التي شكلت حاضنة لحركة الإخوان وفي تمددها وانتشارها في ذروة الخلافات العربية العربية ؛ بين معسكرين ؛ الأول شمل الدول الوطنية والتقدمية ؛ والآخر شمل الدول التقليدية المحافظة التي كانت مرتبطة بعجلة القوى الاستعمارية الغربية .
وكان هذا الاحتضان عاملا أساسيا في مساعدتهم في تأسيس جمعيات وشركات ؛ شكلت فيما بعد القاعدة التي تأسس عليها التنظيم الدولي ليأتي التنظيم الدولي ليكون بمثابة تجميع لتنظيمات ومؤسسات موجودة فعلا، وعلى أساس من هذا الوجود لعبت القيادات الإخوانية التي غادرت بلدانها بسبب عملها ضد الأنظمة القائمة ؛ على دعم تنظيمات الإخوان في الأقطار التي استقرت بها ؛ وأنشأت شبكة علاقات واتصالات كان التطور الطبيعي لها هو التنظيم الدولي بصورته التي استقر عليها. وكان لبعض قيادات التنظيم المصري دورا مركزيا في ذلك ومنهم سعيد رمضان الذي كان يتمتع بعلاقات قوية مع عدد من أنظمة المنطقة التقليدية . فساهم في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي. كما ازداد دوره بعد هجرته إلى أوروبا واستقراره في سويسرا فهناك حصل على الجنسية السويسرية وأصدر مجلة (المسلمون) الشهيرة ،كما أسس المركز الإسلامي في جنيف الذي مارس تأثيرا على مسلمي أوروبا عبر نشر الفكر الإخواني فيها .
ومن مركز جنيف في سويسرا الذي كان أول وأهم قاعدة للإخوان في أوروبا انتشرت شبكة المراكز والمؤسسات الإخوانية الأخرى وأهمها على الإطلاق المركز الإعلامي في لندن والمركز الإسلامي في ميونخ بألمانيا الذي شهد المراحل الأخيرة لإعلان التنظيم الدولي الرسمي للجماعة في 1982 ؛ من قبل مصطفى مشهور عقب خروجه من السجن مع بقية قيادات الجماعة في العام 1973؛ عندما بدأ تجميع خيوط كل التنظيمات الإخوانية المنتشرة في الأقطار المختلفة ؛ خاصة العربية منها والتي كانت في تصاعد وتنامٍ سريع بفعل انتشار المد الإسلامي في المنطقة كلها الذي أعقب الثورة الإيرانية ، وكانت مواسم الحج هي طريقة لقاء قيادات هذه التنظيمات التي أغراها الزخم الإسلامي المتصاعد وأجواء الانفتاح الغربي على تلك القوى ؛ والتسهيلات التي كانت تلقاها قيادات الإسلام السياسي المطاردة من قبل الدول الأوروبية ؛ والرغبة في حشد موارد الجماعة وتعبئتها ؛ كل ذلك أغراها بتعجيل إعلان أول تنظيم دولي رسمي في تاريخ الجماعة ، لم تقتصر عضويته على تنظيمات الإخوان المعتمدة فحسب بل وضم إليه تنظيمات إسلامية أخري مستقلة عن الإخوان لكنها قريبة منها مثل الجماعة الإسلامية في باكستان التي أسسها المودودي، والحزب الإسلامي في ماليزيا والرفاه في تركيا.( 45 ) المصدر السابق
وفي ظل هذا التطور التنظيمي ؛ كان لابد من تعديل اللائحة الخاصة بتنظيم حركة الإخوان المسلمين ( الأم ) لتناسب الوضع الجديد ؛ ومن أهم ما اتجه إليه الإخوان في اللائحة الجديدة ، هو اختيار المرشد العام للجماعة، والذي يختاره هو مجلس الشورى العام المختار من جميع الأقطار، ويجب أن يختار لمدة محدودة، وليس لمدى الحياة. وأيضا تم تعديل صيغة القسم التي يقسم فيها العضو على الالتزام بمنهج الإخوان، والسمع والطاعة للقيادة في غير معصية. إلي ( صيغة عهد ) لا صيغة قسم ، فالشخص يتعهد بدل أن يقسم.وبدل أن كانت صيغة البيعة للمرشد العام، عُدلت إلي بيعة مطلقة، على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله، ونصرة الدعوة إلى الإسلام. وظل هذا المجلس في التوسع إلي أن تم تسميته التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ( 46 ) ( الموسوعة الحرة ـ شبكة المعلومات الدولية الانترنت )
أما تركيبة " التنظيم الدولي للإخوان " فقد وضحتها اللائحة المعروفة بـ" النظام العام للإخوان " والتي ولدت مع التنظيم الدولي عام 1982 حيث تضمنت في الباب الخامس عنوانا هو " تنظيم العلاقة بين القيادة العامة والأقطار " والتي يجب فيها على قيادات الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة المتمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام. أي أن هذه المؤسسات هي مؤسسات مركزية يقف على رأسها المرشد العام للتنظيم الدولي ومكتب الإرشاد العام للتنظيم الدولي (13 عضوا، ثمانية من الإقليم الذي يقيم فيه المرشد، وخمسة يراعى فيهم التمثيل الإقليمي )، ومجلس الشوري العام للتنظيم الدولي (30 عضوا على الأقل يمثلون التنظيمات الإخوانية المعتمدة في جميع الأقطار)، ويختارون من قبل مجالس الشورى المحلية، وتلتزم القيادات القطرية المختلفة في العالم بضرورة الحصول على موافقة مكتب الإرشاد العام قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي هام ويجب على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع المرشد أو مكتب الإرشاد العام قبل اتخاذ القرار في جميع المسائل المحلية المؤثرة على الجماعة. وهذا لا يحدث في الواقع العملي خاصة أن أجهزة المخابرات الدولية استطاعت التسلل إلى أروقة مؤسسات التنظيم الدولي وحصلت على معلومات أضرت بالتنظيمات المحلية كما حدث مثلا لتنظيم الإخوان في الأردن، لكن حالة الجزر التي تحاصر «الوجود الدولي للاخوان» الذي يمثله التنظيم الدولي للإخوان تتراجع أحياناً أمام طائف مد يتصاعد داعيا لتفعيل دوره خاصة بعد زوال تأثيرات أحداث 11 سبتمبر على التنظيمات السياسية الإسلامية العابرة للقارات والتي استثنت «التنظيم الدولي» من وضعه على القوائم الأميركية للإرهاب ، وربما موجة الإحياء الجديد للإخوان مع الانتخابات المصرية ثم فوز " حماس " فرع حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين مطلع عام 2006 في الانتخابات التشريعية في المناطق المحتلة ، ووجود مؤشرات لتحولات دولية تجاه بعض قوى الإسلام السياسي ؛ التي تتحدث عن جدوى الحوار معهم ؛ كل ذلك ربما منح بعض الحياة للتنظيم الدولي وفي جدوى وجوده كقوة سياسية متعدية للدول . (47) (موقع " إسلام أون لاين " )
غير أن اللافت في كل ذلك ؛ هو أن إستراتيجيتهم هذه لا تعتمد على القاعدة الجماهيرية العريضة، ولا تحفل بها أو برأيها بقدر ما تستند إلى قوتهم التنظيمية ونجاحاتهم السياسية ومؤسساتهم الـ"8" ألفا المنتشرة عبر العالم وقدرتهم على الوصول إلى أي مركز لصنع القرار أو الحكم سواء في العراق أو تركيا أو باكستان. (48 ) مجلة العصر ـ شبكة المعلومات الدولية )

ولذلك لا يمكن للمواطن العربي أن يتجاهل ؛ أن هذا التنظيم الذي يعمل على إقامة أممية إسلامية على حساب الدول القائمة والقوى السياسية الأخرى ؛ رغم كل الحديث بأن التنظيم الدولي ومن ثم حركة الإخوان ليست كذلك ؛ انطلاقا من ذلك الفكر الذي يقوم على مبدأي النفي والعنف والسيطرة الاقتصادية ؛ حيث يعمل التنظيم الدولي على إقامة كيانات اقتصادية ومالية ضخمة تكون قادرة على تمويل حركات وتنظيمات الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم والذي انبثق منه بنك التقوى الذي يمول كل التنظيمات السرية. (49 موقع قناة الجزيرة )
ولعل أخطر الأمثلة على الدور الدموي للتنظيم الدولي بالشكل الذي يصر عليه إخوان مصر هو المأساة التي وقع فيها الإخوان المسلمون في سورية ؛ التي بلغت قمتها بما جري في مدينة حماة ؛ فالتنظيم الدولي بتدخله في الأمور الداخلية للحركة الإسلامية السورية ، وسوء استيعاب قادته لمعطيات الواقع المحلي في سورية ، لم يكن بعيدا من المسؤولية عن تلك المأساة إذ قام التنظيم حسب روايات إخوانية بتحريض الناس على المواجهة العسكرية مع الحكومة السورية آنذاك . وعندما سالت الدماء ، وطحنت الرؤوس تحت الأنقاض ، نفض مكتب الإرشاد يده من الأمر بل إن مثل الدكتور عبد الله النفيسي يؤكد أن سوء الموقف داء بارز في ممارسات "مكتب الإرشاد العام" وخاصة في مجال العلاقات السياسية وتفسير الأحداث الكبيرة .
وفي إطار هذه الاستراتيجية عمل التنظيم الدولي على دفع الإخوان المسلمين إلى العودة للعمل تحت الأرض كتنظيم عالمي، وإشاعة بعض مؤشرات التغيير والتجديد في الخطاب والرؤية هنا وهناك من خلال بعض أذرع هذا التنظيم كحركة حماس على سبيل المثال التي تتغير اليوم وتتبدل أسرع مما ينبغي. وما يميز الإخوان المسلمين عن غيرهم ثقتهم المطلقة بإستراتيجيتهم الجديدة بعد 11 أيلول واعتدادهم بها إلى درجة الإيمان المطلق. ( 50 ) مجلة العصر ،مصدر سابق )
وفي سياق هذه الإستراتيجية ؛ كان من الطبيعي أن يجرى ضبط علاقة التنظيم الدولي بفروع حركة الإخوان في الدول المختلفة لهذا نص " النظام العام " على أن الحركات الإسلامية المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي ملزمة بالآتي :
الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر . وتشمل هذه المبادئ : العضوية وشروطها ومراتبها ، ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي ، الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ . والالتزام بفهم الجماعة للإسلام ، المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين ، والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام . الالتزام الأمريكي في عبارات بدت وكأنها دعم لصدام . عندها علق إخوان الكويت عضويتهم في التنظيم الدولي ولا يزال الفتور قائما رغم عودتهم للمشاركة في الاجتماعات . ولم تقتصر التناقضات التي أدى إليها إنشاء التنظيم على ذلك فالحركة الإسلامية الكردستانية بوضعها الذي يتسم بالحساسية الشديدة نموذج آخر نحب التوقف عنده ، فهذا التنظيم " الدولي " الذي يعبر عن جماعة ذات توجه إسلامي يتصف بالعالمية أثمرت تجربته مع الإسلاميين الأكراد عن انطباعات سلبية ويعبر عن ذلك أحد القيادات الإسلامية الكردية بقوله إن حركة الإخوان المسلمين حركة إسلامية مهتمة بالعرب لا تخرج عن دائرة الشعوب العربية إلا في حالات استثنائية نادرة وقد أسس التنظيم الدولي للإشراف على الإخوان في بلاد الهجرة والاغتراب . والإسلاميون الأكراد يعتبرون علاقة الإخوان بالنظام العراقي السابق مشكلة تعقد علاقتهم بالتنظيم ، ذلك أن دخول بعض أجنحة الإخوان المسلمين الإسلامية العراق مع سكوت أكثر تنظيمات الإخوان هو في حد ذاته شر مستطير وخطر كبير خلق واقعا مظلما ومستقبلا أظلم .( 51 ) ( و كالة الأهرام للصحافة ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣)
أما قضية التنظيم الدولي من خلال تنظيم العلاقة بين القيادة العامة وقيادات الأقطار ، فانها تتحدد ضمن الدوائر التالية:
الدائرة الأولى: وهي التي يجب فيها على قيادات الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في فضيلة المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام وتشمل ما يلي:
الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر وتشمل هذه المبادئ العضوية وشروطها ومراتبها - ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي - الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ والالتزام بفهم الجماعة للاسلام المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام والالتزام بسياسات الجماعة ومواقفها تجاه القضايا العامة كما يحددها مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام والالتزام بالحصول على موافقة مكتب الإرشاد العام قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي مهم.
الدائرة الثانية: وهي التي يجب فيها على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع فضيلة المرشد العام أو مكتب الإرشاد العام قبل اتخاذ القرار وتشمل جميع المسائل المحلية المهمة والتي قد تؤثر على الجماعة في قطر آخر
الدائرة الثالثة: وهي التي تتصرف فيها قيادات الأقطار بحرية كاملة ثم تُعلِم مكتب الإرشاد العام في أول فرصة ممكنة أو في التقرير السنوي الذي يرفع للمراقب العام وتشمل هذه الدائرة كل ما يتعلق بخطة الجماعة في القطر ونشاط اقسامها ونمو تنظيمها والمواقف السياسية في القضايا المحلية والتي لا تؤثر على الجماعة في قطر آخر شريطة الالتزام بالمواقف العامة للجماعة والوسائل المشروعة التي يعتمدها القطر لتحقيق أهداف الجماعة ومبادئها على ضوء أوضاعه وظروفه ( 52 ) ( المصدر السابق ).
غير أن ذلك لم يمنع من وجود المشكلات بين التظيم الدولي والفروع المختلفة لحركة الإخوان ؛ عنوانها التنافس وسيطرة التنظيم المصري على قيادة التنظيم ؛ وصل إلى حد تحميل بعض قيادات التنظيم المصرية التنظيم الدولي جزءا كبيرا من المسؤولية فيما يتعلق بالحصار الذي تعيشه الجماعة كونه كما تعتقد يعطيها صورة أكبر كثيرا من حجمها الفعلي لدى الأنظمة وأجهزة الأمن والاستخبارات العالمية التي تحاسب الجماعة بأكثر مما هي عليه فعليا كما أنه يحمل الجماعة أعباء إدارية وكلفة سياسية بأكثر مما يعود عليها، خاصة إذا علمنا أن التنظيم الدولي لا يمتلك سلطات فعلية على التنظيمات القطرية للإخوان رغم مشاركتها بممثلين عنها ولا يستطيع التدخل في سياستها الداخلية مهما كان تأثيرها على صورة ووضع الجماعة عالميا، حتى إن قرار تنظيم الإخوان في الجزائر بخوض زعيمه الشيخ محفوظ نحناح انتخابات الرئاسة الجزائرية الأخيرة لم يؤخذ فيه رأي التنظيم الدولي مع أنها كانت المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي تترشح فيها شخصية إخوانية لمثل هذا المنصب وما تحمله الخطوة من خطورة وتأثير عالمي يتجاوز نطاق التنظيم الجزائري على الأقل في حالة نجاح نحناح الذي كان سيصبح أول رئيس دولة من الإخوان المسلمين.
وينظر للتنظيم الدولي أيضا كعبء أمني على التنظيمات الفرعية بحسبانه سببا لعدد من الضربات الأمنية التي تعرضت لها بعض تنظيمات الإخوان القطرية، حيث كانت اجتماعاته التي تعقد في ألمانيا أو بعض الدول الأوروبية صيدا ثمينا لأجهزة الاستخبارات العالمية التي استطاعت جمع أكبر معلومات ممكنة عن الجماعة لم يكن لتتاح لها لولا اجتماعات التنظيم التي كانت تدار على طريقة المطار السري الذي يعرفه كل الناس ولكن يظل سريا !! حيث تدار وكأنها سرية في حين أن كل ما يدور فيها يجد طريقه بسرعة إلى كل أجهزة الاستخبارات وهو ما أدى - على سبيل المثال - إلى ضرب تنظيم الإخوان في عمان والذي حصلت أجهزة المخابرات العمانية على أدق تفاصيله، ( 53 ) المصدر السابق )
وفي النهاية يصل الإخوانى ثروت الخرباوي في قراءته للأحداث إلى أنه ستظل أشكال التنظيم الدولي باقية كما هي لن يطرأ عليها تغيير ويدرس كل تنظيم في بلده تجربة تركيا - كما كان يدرس تجربة إيران - من أجل الوصول للحكم وسيسعي الإخوان لتعميق صلاتهم السرية مع الولايات المتحدة وعقد صفقات معهم إذ تولد الشعور بأن في الأفق إرهاصات واقع جديد قد يكون للإخوان مكانا مؤثرا فيه. ( 54 ) المصدر السابق )
الحصاد المر
وأخير تأبى التجربة التاريخية إلا أن تشير إلى أن التظيم الدولي ومن ورائه فروع الحركة المختلفة كانت دوما في الموقع المضاد لتطلعات مجموع الناس ؛ عبر عن ذلك أنها لم تجد بأسا في أن تكون أداة في يد تلك الدول الغربية التي أطبقت على صدر الوطن العربي طوال عقود ؛ وكانت سببا في مأساة الأمة العربية الأساسية الممتدة منذ تسعة عقود منذ وعد بلفور المشئوم ؛ والتي أنتجت زرع الكيان الصهيوني في فلسطين ؛ التي فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين والذي بوركت الأرض حوله ؛ من أجل النيل من الأمة العربية وخاصة الدول العربية التي سعت من أجل استقلال حقيقي لبلدانها ؛ عن المستعمر الغربي وأدواته في المنطقة .
الأمر الذي يمكننا من الحديث عن القيادة العالمية لحركة الإخوان المسلمين ؛ دون استحضار دور تلك الحركة في الدول العربية طوال النصف الثاني من القرن الماضي ؛ حيث كانت تقف في الخندق المعادي لكل ما هو وطني وقومي في الأمة العربية ؛ يؤكد ذلك دورها المشبوه والمتآمر على ثورة يوليو وقائدها ؛ وهي الثورة التي أعادت الاعتبار لمصر الدور والحضور ؛ والتي شكلت رافعة للوحدة العربية ؛ واستطاعت أن توحد الشعب العربي من المحيط إلى الخليج خلف هدف الوحدة العربية ببعدها التقدمي الإنساني والحضاري متجاوزة في ذلك مفردة اللون أو العرق ؛ ناهيك عن أنها أعادت للمواطن المصري كرامته المهدورة وثقته بنفسه كإنسان حر .
بل إن تلك الحركة وقيادتها العالمية ؛ على ضوء هذا الدور ناصبت الدول العربية الوطنية العداء دون غيرها من الدول العربية الأخرى ( العائلية ) التي كانت تربطها بالدول الأوروبية علاقات تبعية سياسية واقتصادية ؛ ناهيك عن أن بعض تلك الدول شكلت حاضنة لتلك الحركة على مدى سنوات ؛ في الوقت الذي كانت تعمل فيه حركة الإخوان المسلمين وراء تغيير الأنظمة الوطنية المناهضة للاستعمار بالعنف من أجل إقامة نظامها السياسي الديني المغلق ؛ المعادي لكل ما هو وطني وتقدمي وإنساني .
ومن الواضح أن الدور والوظيفة التي اضطلعت بها تلك الجماعة ؛ وقفت على النقيض من تطلعات الإنسان العربي الحقيقية في الحرية والتقدم بكل مفرداتها ؛ ولذلك اتجهت إلى الاتكاء على الدين من أجل الوصول إلى السلطة ؛ وهذا التوظيف السياسي للدين هدف إلى تأليب المواطن في تلك الدول الوطنية العربية على النظام السياسي الوطني ؛ من أجل زعزعة استقراره ؛ وشغله بمعارك جانبية ؛ بعيدا عن استحقاقات التنمية والتقدم ؛ والاستقلال الحقيقي ؛ وبعيدا عن التبعية السياسية لأي دولة كانت ؛ كون تلك الجماعة تعتبر نفسها البديل الوحيد لتلك الأنظمة ؛ وأن من حقها الشرعي أن تصل للسلطة ؛ حتى لو كان ذلك عبر إراقة دم المواطن العربي المسلم .
وفي إطار هذا الدور لجأت تلك الجماعة إلى الحشد و التخريب الداخلي ؛ عبر استهداف الإنسان من أجل تغييب وعيه خدمة لأهدافها السياسية ؛ وذلك عبر منظومة دعاوية وإعلامية ؛ بأن لجأت حركة الإخوان المسلمين إلى تزيين الواقع ، و أن تعمد إلى تغيّيب الحقيقة وبشكل قسري ؛ إذا ما كان ذلك يخدم مشروعها للسلطة ، يقينا منها أن الناس يجب أن تصدق ما تقول ، مهما كان ذلك القول مجافيا للواقع ؛ حتى وإن جاء بشكل فج أحيانا ؛ وذلك بالاتكاء على ما تحاول ضخه من دعاية ؛ من أنها لا تقارب إلا الصواب والحقيقة المطلقة كونها تمثل الإسلام .
وأي متابع لما تقوم به تلك الجماعة ، يجد أنها تصيب وتخطئ كغيرها من القوى ؛ غير أن المشكلة هنا هو أنها لا تسلم بأنها قد تخطئ ، بل إنها تصر على أنها هي من يمسك باليقين سياسيا كان أو اقتصاديا أو فكريا ؛ وتلك في الجوهر هي مشكلة حركة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية ؛ وكل الأحزاب الدينية ؛ في أي مكان من العالم .
فأن يكون الحزب ربانيا ، فهو هنا قد قطع صلته بالآخر ابتداء ، وأصبح وسيطا أو وكيلا عن الله ، وهو من ثم الوكيل الذي لا يمكن لأحد حزبا أو قوة سياسية أو اجتماعية أن تخطئه ؛ أو ترفض ما يقول به ؛ لأنها تصبح عندئذ خارج دائرة " الإيمان " ؛ لأن معيار تظهير الإيمان لدى تلك القوى ؛ هو أن تأخذ بما تقول باعتبارها الحقيقة أيا كان ما تقول سواء كان له علاقة بالواقع أو حتى بالعقل من عدمه .
ذلك أن تلك القوى لا تعرف العقل ، أي العقل المفكر ، وتريد من الناس عوضا عن ذلك العقل ، أن يكونوا بمثابة آلات مسيرة واجبها الشرعي كما تُظهر لهم هي ، هو أن يصدقوا بل وأن يؤمنوا بما تقول ، وحشر دور العقل في ذلك الحيز الضيق ، الذي يبعده عن وظيفته ، وهي التفكير والبحث والفحص والاستنتاج والقياس والاستدلال عبر العقل النقدي باعتباره مفتاح البحث عن الاقتناع ؛ في مقاربته للحقائق بعيدا عن التلقي السلبي الذي يصادر دور العقل العاقل .
ومن أجل ذلك مارست دور تغييب الوعي ؛ عبر خطاب ترجعه إلى مصدره غير البشري من أجل مواصلة استلاب عقول الناس ، خاصة في تلك المجتمعات التي ما زالت تعيش الحالة الأبوية على الصعيد النفسي والاجتماعي ؛ في إدارتها لحياتها ، حتى لو لم يكن هذا هو الواقع الموضوعي في ظل الحراك الاجتماعي الذي طبع العالم وخاصة المنطقة العربية بطابعه خلال النصف الثاني من القرن العشرين ؛ وبين أقصى حدود الترهيب ؛ وكذلك الترغيب تجري عملية إنتاج يقينيات تهرب من مواجهة واقعها ، إلى ذلك النعيم الأخروي التي تُوعد به .
ولعل أخطر ما تقوم به تلك الجماعة التي فرخت العديد من القوى السياسية ، هو في قيامها بالتقاط الشباب في سني المراهقة الغضة ، وقبل أن تتبلور اتجاهاتهم الفكرية من أجل توجيههم نحو وجهة محددة عبر حملة تلقين هي في تضاد مع فعل العقل النقدي؛ الذي من شأنه أن يكوِّن شخصية الإنسان ، وذلك عبر تجاوز العقل الفردي إلى البحث عن عقل جماعي عبر نموذج قائم يجب تمثله مهما كان مجافيا للواقع ، ولذلك يجري صياغة عقل ينكر أي نماذج حياتية أخرى معاشة في الواقع ؛ لصالح نموذجه الذي اقترن بذلك الأساس غير البشري في كل أبعاده .

هذه الحالة من استاتيكية العقل ، تعمل في إطار تلك الدائرة المغلقة من اليقينيات التي يصعب معها تصور وجود نماذج أخرى صالحة في الحياة ؛ يمكن أن تكون خيارا واعيا للناس ، ولذلك فإنها تتعامل مع تلك النماذج وفق شرط الضرورة ، ولكن على قاعدة أنها تعمل على نفيها في الواقع ، ارتباطا بأنها قد نفتها في العقل والذاكرة مسبقا ، حيث ما من مساحة لأي شيء آخر باستثناء نموذجها الذي يبدو وحده مفتاح أي مقاربة مع الآخرين .
وشرط الضرورة ذاك يعتبر شرطا مؤقتا بالنسبة لها ، ولأن الأمر كذلك فإنها قد تضطر إلى التعامل مع الآخرين وفق ما تعتبرها " التقية " ؛ كضرورة تفرضها المصلحة ؛ لكن جوهر فكرها وممارستها ، ينطلق من عدم الاعتراف بالآخر مطلقا ، وعدم الاعتراف لا ينطلق من سبب دنيوي ، بل إنه يتأسس على بُعد إيديولوجي أحادي الجانب ، كون تلك القوى تعتبر نفسها الوحيدة التي تملك الحقيقة ، التي يجب أن تسود ، وهو الهدف الذي تعمل من أجله ، وهو هنا تكليف شرعي ؛ هي من حددت زمانه ومكانه وإطاره وأدواته ، ومساحته ، وهو هنا ممتد ولا نهاية له .
هذا الواقع يعني بالضرورة التناقض مع الآخر أو الآخرين ؛ الأمر الذي يجعل من تصرفات تلك القوى في إطار المشهد العام ، مشوشة وأحيانا متناقضة ، وأحيانا مصلحية بامتياز ، تحاول أن تغلف كل ذلك بخطاب تبريري دعاوي من السهل قبوله وتصديقه بل والتعبئة به ؛ لدى من استطاعت أن تصادر عقلهم النقدي ؛ لصالح عقل يقف دوره فقط عند التلقي ؛ دون أن يفكر، وهو لذلك مستعد في ظل حضور الغرائز عبر عملية الشحن الأيديولوجي أن يصبح بمثابة كائن بشري يسيره عقل آخر في ظل غياب عقله الذي تم استلابه تماما لصالح العقل " النموذج " الذي يجب أن يطاع فقط .
وهي لا تتورع عن فعل أي شيء من أجل تغليب نموذجها المفترض باعتباره أمرا مبررا شرعا ؛ كونه النموذج الفوق بشري كما يقول أصحابه ، الصالح لكل زمان ومكان كما يروه هم ؛ ومن أجل الوصول إلى ذلك لا بأس من استثمار الآليات الديمقراطية ، كأحد الخيارات ؛ إذا ما عجزت عن الاستيلاء على السلطة عبر العنف ؛ وصولا إلى هيمنة نموذجها ؛ وساعة تصل إلى ما تريد ؛ فإنها عندئذ ستغادر تلك الآليات ؛ لأن دور تلك الآليات كان فقط في إيصالها لما تريد وحسب ، خاصة بعد أن استطاعت أن تقيم نموذجها الفوق بشري كما تقول ، الذي لا يجب أن يخضع لما هو أدنى منه ؛ أيا كان النموذج الآخر .

لأنه من غير الشرعي بالمعنى الديني عندئذ ؛ أن يتم تغيير هذا النموذج الفوق بشري ؛ إلى نموذج آخر بشري ؛ كون غاية ما تعمل عليه تلك القوى هو إقامة ذلك النموذج النهائي كما تعتقد ؛ ولأنه كما تقول نهائي فلا معنى أو مجال عندئذ ، لما يسمى ب" لعبة الديمقراطية " ؛ وما يسمى بتبادل السلطة ، خاصة وأن السلطة المستندة إلى الإرادة الإلهية قد أقيمت ولا مجال لتبديلها ، حيث لا مجال عندها لأي وجود سياسي خارج نطاق تلك الدائرة المغلقة بإحكام ، والشواهد على ذلك في إيران وأفغانستان والسودان ( الترابي ) ، كما هو أيضا في غزة.
ولذلك لا يمكن أخذ ما تدعيه تلك القوى بأنها مع التداول والديمقراطية ، إذ كيف يمكن لها أن توافق على استبدال نظاما فوق بشري ، بما هو أدنى منه ؛ أي بنظام بشري ، لأنها إن فعلت ذلك ؛ فإنها تناقض نفسها وجوهر مشروعها ؛ وما عبأت به أنصارها ؛ من أن نموذجها يجب أن يسود ، بسبب أنه غير بشري ، ومن ثم فإن أي تراجع عن استمرار هذا النموذج ؛ يعني نفي كل الأسس الشرعية التي قام عليها المشروع ، فهل يمكن تصور أن تقوم تلك القوى بذلك ؟
ولأنها لا تستطيع أن تناقض نفسها ، فمن الطبيعي والحال تلك أن تتنكر لكل دعاياتها السابقة حول الشراكة وتبادل السلطة ، باعتبار أن ذلك كان حاجة تفرضها المصلحة والهدف الأساسي ؛ ولذلك فإنها لن تتورع عن استمرار فرض نموذجها ولو بالقوة ، وعبر الترهيب المادي والفكري دون روادع ؛ لأنها تعتبر أن كل ما تقوم به هو تقرب إلى الله وتنفيذا للشريعة .
ومن ثم فإنه لمن بؤس القراءة والتقدير تصور أن تقوم تلك القوى باستبدال نظام فوق بشري كما تقول بنظام بشري ، على أساس أن تحقيق الأول كان انتصارا للحق ، كونه إعادة الأمور إلى نصابها ، ولذلك فإن أي محاولة لتغيير ذلك الواقع عبر صناديق الاقتراع وفق ذلك الفكر ؛ هو حرف للأمور عن نصابها ؛ وبما يخالف الشروط الشرعية ، والسؤال هل ستقبل تلك القوى بذلك ؟
وإنه لمن السذاجة من بعد ؛ التقدير أن أي قوة تتبنى هذا الفكر يمكن أن تفرِّط فيما تعتبره إنجازها السياسي والفكري ، أي " أسلمة المجتمع " ؛ لأنها هنا قد ربطت المجتمع بها وبوجودها ، وعليه فإن أي نكوص للمجتمع عن الشروط التي أقامتها يعتبر خروجا عن الشرع ، وهو الخروج الذي يجب أن يواجه عندئذ بالعنف من قبلها ، لأن غاية المجتمع كانت قد تحققت بوجودها كنظام وتنظيم ، كما تعتقد ، وهو اعتقاد يتم إرجاعه إلى شرط النص الديني الذي لا تجوز مناقضته تحت أي ظرف كان .
وهنا تتراجع السياسة لصالح الإيديولوجيا؛ إلى جوهر مشروعها الذي لا يقبل الآخر ؛ إلا كما تريده أن يكون ؛ وإلا فالنفي وبكل الوسائل ، وفيما نعتقد فإن ذلك هو جوهر الموقف السياسي والفكري لحركة الإخوان المسلمين .
المصادر
1ـ الدكتور رفعت السعيد ، الأهرام العدد 2374 عن مقالة بعنوان [ العنف‏ ‏من‏ ‏النشأة‏ ‏حتي‏ ‏الآن‏...‏رؤية‏ ‏تاريخية‏)‏ .
2 ـ الدكتور رفعت السعيد ، الأهرام العدد 43853 ؛ السنة 131، بناريخ 30/12/2006م ، عن مقالة بعنوان "
3ـ جريدة الشرق الأوسط ، 11568 العدد ، 31 / 7/ 2010
وثائق العلاقات الخارجية لجماعة الإخوان "
4 ـ الدكتور رفعت السعيد عن مقالة بعنوان " التنظيم الدولي للإخوان " ، الأهرام ، العدد 43958 السنة 131 ؛ بتاريخ 14/4/2007 م .
5 ـ موقع «إسلام أون لاين»،
6 ـ مجلة العصر ـ( شبكة المعلومات الدولية )
7ـ وكالة الأهرام للصحافة ، ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٣.
8 ـ و كالة الأهرام للصحافة ، ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣
9، موقع القرضاوي ( شبكة المعلومات الدولية )
10 ـ عماد سيد أحمد ، صحيفة المصري اليوم ، 11/ 11/ 2009
11 ـ الموسوعة الحرة ( شبكة المعلومات الدولية )
12 ـ موقع قناة الجزيرة ( شبكة المعلومات الدولية )
13 ـ صحيفة المصري اليوم ، الخميس 17 صفر 1430هـ - 12 فبراير 2009م
14 ـ صحيفة الشرق الأوسط ، العدد9943
15 ـ د أحمد صبحي منصور ، ِِشجرة -الاخوان المسلمين- زرعها السعوديون فى مصر فى عهد عبد العزيز آل سعود.
موقع مكتبة الحوار المتمدن
16ـ صحيفة الرأي الأردنية ؛ الأربعاء 09 شعبان 1428ه ـ 22 أغسطس 2007 م
17 ـ موقع وكالة سما للأخبار 12/2/ 2010
18 ـ صحيفة الحياة ـ لندن 15/4/‏1995



#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنفاق : بين الذريعة والنقمة
- قطعان المستوطنين بين مقاربتين
- مقاربة في مقولة اللاجئين اليهود
- التطبيع مقابل التجميد !!
- غزة : نحوالإمارة
- المقاومة : تباين المفاهيم
- مقاربات في نتائج المحرقة
- اختيار أوباما تغيير تاريخي .. ولكن
- حماس تختزل المشروع الوطني في إمارة غزة
- حماس: إنتاج التضليل
- يسار امريكااللاتينية : نافذة للحلم والأمل
- سوريا : صلابة القلعة من الداخل هي كلمة السر
- العرّاب خدام : تغيير المواقع
- الفوضى والفلتان : فتح تعاقب فتح
- فتح وحماس : - الذات - بين الخوف والتضخيم
- فتح وحماس : -الذات - بين الخوف والتضخيم
- حماس : بين مصداقية الفعل والقول
- دموع شارون والقطعان : وحملة العلاقات العامة
- الخروج من الجغرافيا : على طريق الخروج من التاريخ
- الإرهاب الصهيوني : يوحد المشهد الفلسطيني


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم يونس الزريعي - التنظيم الدولي : و إديولوجيا النفي والعنف