|
لِنكافِح الفرقة والإنعزالية
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 10:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صراعُ بني البشرمن أجل حياة أفضل منذ بدء الخليقة مستمر وسيبقى أزلياً بسبب تجدد حاجاتهم وتنوعها بتطور الحياة والتقدم نتيجة الإكتشافات والإختراعات العلمية . في خضم هذا الصراع الطويل وحركة المجتمعات البشرية ظهرت شخصيات كان لها الدور الكبير في إسراع مسيرة التقدم الإجتماعي . كل واحد ، وفي الحقبة الزمنية التي عاشها ، كان البطل الثوري الذي قاد نضال أتباعه لتحقيق قفزة نوعية إلى الأمام . كان النبي إبراهيم من أوائل القادة الثوريين ضد القيم البالية المتوارثة من الماضي والتي كانت قد أصبحت لا تناسب الظروف الإجتماعية التي سادت آنئذٍ بفعل التطور . وما يقال عن النبي إبراهيم يقال عن النبي موسى ، ومن تلاه من الأنبياء كعيسى ويوحنا المعمدان ومحمد ، جميعاً كانوا ثواراً ، ناضلوا وضحوا من أجل عقائدهم ، ولخدمة البشرية جمعاء . فليس غريباً أن تجد تعاليمهم تنظر إلى الإنسان بإحترام شخصه دون تفريق بسبب إنتمائه إلى هذا أو ذاك .
إتسمت الحركات التبشيرية التي قادها أولئك العظام بخلوّها من المصالح الشخصية ، وبُعدها عن تحقيق طموحات فئوية . لقد تركوا لنا إرثاً عظيماً من القيم التي يكون الناس بموجبها متساوين في الحقوق والواجبات .
بدأت الإنشقاقات في جسد المجتمعات مع بدء إستغلال تلك التعاليم لتحقيق المصالح الشخصية والفئوية ، فأصبح لدى كل فئة ما يسمى بالحلال والحرام ؛ أي المباح لها ومُحرمٌ لغيرها. فالغزو والعدوان على الغير وسلب أموال " الأعداء " حلالٌ عليها بينما يكون نفس العمل حراماً لو جاء من غيرها .
إنقسمت المجتمعات إلى شعوب وقبائل ، تتناطح ، وكل حلال وحرام لدى إحداها يتناقض مع حلال وحرام الفئة الأخرى .
هكذا زجّت القيم الشريفة المذكورة في أنفاق المصالح الشخصية والفئوية ، وبرز الكثير من الذين يبررونها ، بتحوير فهمها عن مقاصدها و لما يتناسب مع مصالح القوي ، صاحب السلطان ، للحصول على جاه أو منصب أو مكسب . وبهذا دخلت تلك القيم في دهاليز سمّيت بالسياسة .
قرونٌ ، تمّ تكثيف الجهود لإدامة الفُرقة بين الناس لأسباب الدين والإنتساب الأثني والجنس واللون خدمة لمصالح السلطان ، وغذّيت النزعات العنصرية بأشكالها ، والدينية على أنواعها وحتى الطائفية . كانت أوربا في القرون الوسطى نموذجاً لهذه الصراعات وكانت ممارسات الطوائف في تعميق الفرقة قد بلغ أشده في الحروب المستديمة التي جعلت كامل مساحة أوربا ساحة للحروب . وقد تحولت هذه الصراعات وبلغت أشدها في المناطق الأخرى من العالم فيما بعد ، حيث إختلط صراع البشر في هذه المناطق بين الصراع الوطني ضد المستعمرين الأجانب والصراع بين الطوائف داخل المجتمع . وقد إنقسمت المجتعات إلى مناصر للإستعمار لتحقيق مصالحه الفئوية وقسم آخر مقاوم للإستعمار متمسكاً بما يمكن أن يحققه من مصالح فئوية . وقد عمل المستعمر على جعل الفئات المتضاربة في المصالح تصارع بعضها بعضاً ، ويكون بالتالي قد حقق مصالحه الإستعمارية بإتباعه سياسة ( فرّق تسُد ) .
تاريخ العراق الحديث صورة واضحة للمراحل التي مرّت على المجتمعات الأخرى ، حتى آلت الأمور إلى الحالة التي نحن فيها . حالة يبكي عليها العدو قبل الصديق . حالة أقل ما يقال عنها أنها لا تليق بالبشر بأي حال . عالمٌ ، فيه دولٌ أصغر مناّ مساحة ، وأقلّ منا مالاً ، قد وفرت لأبنائها حياة حرة كريمة ، ونحنُ لا يلقى ( الإنسان ) عندنا من الإحترام بشخصه و لا بحقه في الحياة بقدر عشر معشار ما يلقاه ( الحيوان ) في تلك البلدان .
أيها الناس ، عامة الناس ، المثقفون أو أنصاف المثقفين من الناس ، لنبدأ بالبكاء على أنفسنا ، على حالنا ، فنحن جميعاً ضحايا ، وأموات لا نختلف عن المقبورين سوى أن فينا عرقاً يتحرك . كفانا بكاءً على الأبطال الذين إستشهدوا في خدمة عقائدهم ، كفانا البكاء والعويل وضرب الصدور والقامات والزناجيل ، كفتنا الأشعار ليوحنا المعمدان والمسيح ومحمد ، فأولئك قد تمسكوا بعقائدهم وضحوا من أجلها وإستشهدوا بسببها . فلنتمسك بعقائدنا بالأسلوب الذي يوحدنا فيكون بكاؤنا موحداً ، وبصوت عالٍ ، لنُسمع العالم أننا الضحايا وأن الظلم قد أغرق القارب الذي كنا فيه سوية . لننسى الحزازات والفرقة التي زُرعت بيننا ، ونترك الإنعزالية المؤدية إلى هلاكنا ، ولنترك التعصّب العنصري والديني والطائفي ، ونلعن مؤججيه ، ولنعرف أن العراق مُلكٌ للجميع والدين أمرٌ شخصيٌّ بين الفرد ومعبوده . لنعمل يداً واحدة لنغيرّ هذا الحال إلى الأفضل .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لِعبُهُم .. ورَدُّنا
-
العُنفُ ... أم النضال السّلمي ؟
-
تصحيحُ المسار
-
النظرية والواقع
-
التمنّي .. وَلِمَن ؟
-
الثورُ ... والسّكاكين
-
وحدةُ الشعب تدحرُ المتآمرين على مستقبله
-
ما هو كسبُنا في الإنتخابات
-
من وحيِ الإنتخابات
-
أين الخطأ ؟
-
مَلامِحُ النّجاح
-
حِزبُ البعث والحركة الصدّامية
-
مستقبل نظام الحكم في العراق
-
الإجتثاثُ والبعثيون
-
عَودة إلى درس المعلّم الأوّل
-
عَودَةُ البعثِ . . وعيدُ الجيش
-
الأمنُ !! أكاذيبُ مسؤول
-
رد على إنقلاب في بغداد!
-
تآمُر بلا حَياء
-
خانةُ الصّفر
المزيد.....
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع
...
-
فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش
...
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية
...
-
رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
-
ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
-
استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا
...
-
-إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال
...
-
لولو فاطرة في رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج
...
-
مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
-
أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م
...
المزيد.....
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
المزيد.....
|