أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - فيما يخص المقاسات














المزيد.....

فيما يخص المقاسات


فاديا سعد

الحوار المتمدن-العدد: 3094 - 2010 / 8 / 14 - 19:58
المحور: الادب والفن
    



يوم كان مقاسي صغيرا، كان بودي أن تعترف أن مقاسي على صغره جميلا. بديعا، وأن الهلامية التي غلفته لا ضير منها، وعلى صغره وعدم قدرته على القيام بثورة، يستحق بعض اهتمام.. كذلك يستحق واحدة من ابتساماتك الهاربة هنا وهناك!

وأن قليلا من الكرم تجاه المقاس الصغير، لن يخل بمقاسك الكبير.

كنتَ دائما تفتح الكتاب الذي أحبه، وأردت قراءته بشدة، وتلهفت حتى الموت لتفتح صفحة محددة منه.

كنت تفعل: تفتح الكتاب بزاوية صغيرة لا تتجاوز الخمس وعشرين درجة، وكانت كفيك تطبق على دفتيه، ورؤوس أصابعك تمسك الزاوية الصغيرة.

دائما كنتَ تفتحه على زاوية خمس وعشرين درجة! وكنت تنظر بشكل مستقيم في عيني منتظرا ردة فعلي، وحقا كنت وإياك نشبه لوحة رسمها سيد من القرن التاسع عشر بردة فعل من يستفذ عبدا، ويعرف أن النتيجة متشابهة لكل مرة يفتح فيها الكتاب على زاوية بخمسة وعشرين درجة، وكنت مؤمنا بوضعنا هذا، إيمان خليفة بعبودية رعاياه.

كان لدي الكثير يمنعني بأن أطالبك بتصغير مقاسك أو تكبير مقاسي. وكنت دائما وأبدا أتابع يدك وهي تفتح الكتاب بأمل أن تصبح الرؤية بزاوية خمس وثلاثون درجة.

كان رهيبا هذا الانتظار، وكان فتح الكتاب على زاوية مائة وثمانون درجة، أكثر من حلم مستحيل، بل هو المستحيل ذاته! فقد كنت بخيلا بطريقة رهيبة.

ودائما حين أتوقع من انفتاحك وحركتك الامتناهية، التي لم تتوقف يوما أنك قادر على فتح الكتاب بزاوية أوسع، كان يخيب أملي.

رغم أن يديك كانت خشنتين دلالة على أنك تستطيع فتح الكتاب! لكن الزاوية كانت دائما خمسة وعشرين.

لم يخطر ببالي أنك تفتقد القدرة.,

- لماذا لم تفعل؟ سألتك.

لكنك أنت أيضا لا تعرف الجواب!!

كنت لا تستطيع فتحه عن زاوية أوسع، ولا تسمح لي أن أفعل، ودائما هناك حجة مقنعة ومنطقية تستلّها:

- مقاسك صغير!!



كان يهينني أنك لا تفتح الكتاب، ولا تدعني أفعل، وبات يهينني أكثر أنك تقوم على حراسته ليل نهار!! متخذا من باطني كفّيك مخبأ له.



وقد استنفذنا أنفسنا بشرح هذا الوضع: ".. لا يمكنك فتح الكتاب، أو لا تستطيع، كما لا تريدني أن أفتحه، أو تصرّ على أني لا أستطيع! "



ومع أننا في موقع واحد من عدم القدرة على الحركة بفتح الكتاب، لكنك تنظر إلي بنفس النظرة التي ينظرها السيّد إلى عبد، وأن تملك نظرة السيد ويدي العبد، فهذا ما يدهشني:

أن تنظر للآخر نظرة سيد فيما يديك خشنتين كيدي عبيد الأرض!! أمر ما عاد محتمل.



وبسبب هذا الوضع نظرت دائما إلى النسخة الثانية من الكتاب، أن المسألة تحتاج لنظرة سيّد ويدي عبد.



تصوّر! ما كنت لأعتقد غير ذلك لولا أنك رميته في البئر فصار عصيا عليك وعليّ حتى امتلاكه، لكن كان من الصعوبة بعد فقدانه أن تحافظ على مقاسك كبيرا وعلى مقاسي الصغير!



إن المقاس غالبا يصغر ويكبر حسب اللهفة، شدتها و كثافتها، هيامها بنفسها.. بتعبير سريع ودقيق: المقاس يكبر، ويصغر بسبب قانون يدعى الأنانية الواقعية.



إنه قانون جميل، ولذيذ، ويولّد نظرة سيد ويدين خشنتين.



هذا قانون اكتشفته قبل أن أنزل البئر، حيث ارتادتني اللهفة مرة واحدة وإلى الأبد وحيث هبطت عليك الشجاعة كمرة يتيمة ولم تغادرني، وحيث نزلت البئر مرة واحدة وصعدت بنظرة سيد ويدين خشنتين وإلى الأبد.



كان العالم كله يدور حول فتحة البئر.

كان العالم يصرخ صراخا رهيبا.

كان الكل يخاف عليّ، أو هكذا كانوا يقولون.

لشدة خوف الجميع عليّ اشتد عمل ساعدهم بجسدي، وكنت أميز منهم يديك الخشنتين والخائفتين عليّ.



كان صراخهم في أعلى البئر رهيبا، بحيث أن العيش بالقاع مع المقاسات الصغيرة ليس بذلك السوء!



ما كان ممكنا أن أفتح الكتاب في تلك العتمة ولا كان ممكنا أن افتحه والمقاسات الكبيرة تصرخ.



انتظرت حتى تعبوا من الصراخ، حملت الكتاب وصعدت... صعدت... آه صعدت.

ما كان بإمكانك أن تمسك يدي فقد احتفظنا كل بمقاسه، كما أنك كنت قد أمسكت كتابا آخر وفتحته على زاوية خمسة وعشرين، تريها للمقاسات الصغيرة، وتنظر إليهم النظرة المعهودة باليدين المعهودتين.



صحيح أن الكتاب الذي حملته من القاع كان ملوثا، وصفحاته مهترئة، وتداخل حبر كلماته، إنما كنت سعيدة لأني نزلت البئر، وعشت قاعه مع المقاسات الصغيرة، وخرجت صعودا صعودا محتفظة بمقاسي، الذي أحب.



#فاديا_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنت غليظ؟ انضم إلينا
- حيث الخارطة الإنسانية
- أيتها اللئيمة
- الأسماء التي تضل الطريق
- يمارسون الأمومة.. ولا يدرون
- في عيدي وعيدكن.. قد يبدو الشكل بريء
- على أرجل حمام النّت.. الزاجل
- العالقون على سكة القطار
- أحب شفاهكِ منغلقة كانت، ومنفرجة
- هل من جديد
- وثيقة تفسّر الكثير
- دروشة علمانية
- في منشور : يكذب القرآن ويزدري رسوله
- في حلول........ ألغام الازدواجية
- واقعة سلوكية ودلالة
- يا زينب بابان
- مقال.. ليس بالمقال
- حين يتخلى الوقار.. عن زيفه
- من قال أنها غير.. مكررة؟
- ............. مبالاة


المزيد.....




- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - فيما يخص المقاسات