أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - أوراقهم ودفاترهم..(2-2)















المزيد.....

أوراقهم ودفاترهم..(2-2)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3093 - 2010 / 8 / 13 - 14:49
المحور: سيرة ذاتية
    


وديع العبيدي
أوراقهم ودفاترهم..(2-2)

يأتي الراحل (مكي عزيز) الى مقهى الزهاوي في الباب المعظم من بغداد في الصباح، ويغادرها مع الظهيرة قبل اشتداد الحر، وكان قد بقي اعزب لم يتزوج، ومنذ عودته للعراق كان يقيم ي بيت أخيه (في منطقة المأمون). حاولت معرفة المزيد عن حياته وشعره خلال لقاءاتنا السريعة في مقهى الزهاوي، وكانت في ذهني فكرة مشروع دراسة وتوثيق بعض أعلام العراق ورواده، وتعاون أصدقاؤنا في جمع ما تيسر من كتبه الشعرية، وكان يروي لي سيرته بنفسه، ومن بين ذلك أقتنع بتزويدي ببعض ما يكتبه من شعره الجديد غير المنشور طبعا (الممنوع من النشر)، وكنت أراجع المكتبة الوطنية في الباب المعظم للاطلاع على أعداد من جرائده في العهد الملكي ونسخ نماذج من كتاباته. كان ينهض لتحيتي عندما أصل المقهى ويمد يده لمصافحتي. كان الراحل يومها في غاية الضعف في جسده، نحيفا جدا، رغم قامته المديدة ويعاني من كلل في بصره لكنه لا يرتدي النظارات، ولا يكف عن الابتسام، وصورته الآن أمام عيني عبر ما يزيد على العقدين. كانت كتاباته الشعرية مما لا يتجاوز البيتين أو الأربعة مكتوبة على قصاصات صغيرة مربعة الشكل ملفوفة بحيث يضمها بين أصابعه وعندما ينهض لمصافحتي عند القدوم، أشعر بها فأضمها بين أصابعي وبعد جلوسي بقليل أضع يدي في جيبي لحاجة وأحتفظ بها. كنت أعيش حالة وجدانية مع هذا الانسان، وكنت أتمزق مما يجري لانسان مثقف أو صاحب رأي في وطنه. فيزداد حماسي له. وعندما أصل إلى البيت أطلع على الأوراق وأحفظها في ملف خاص. لقد تأسفت عشرات المرات وأنا أشير لهذا الموضوع، وما أزال يكتنفني الألم والأسى وأنا أشعر بعجزي أو تهاوني في نقل كتاباته معي وايفاء الراحل بعض حقه، وقد علمت برحيله وأنا في الغربة. كل ما أذكره من الذاكرة من شعره الذي سلمه لي هو بيتان من الشعر، سبق نشرتهما وأشرت إليها غير مرة من قبل وفيها يقول، وهي من شعر الثمانينيات بعد عودته الخائبة لوطنه..
كرهت بغداد وأمجادها.... كما كرهت اليوم عبّادها
لو كان للمنصور علمٌ بأنْ.... يحكمها الأنذال ما شادها
ولا بدّ يحس القارئ بمبلغ الألم والخيبة التي تعبر عنها هذه الأبيات.
وخلال وجودي في الأردن، عثرت له على نشريات عدة في الاعداد القديمة من جريدة الدستور. في أواخر التسعينيات بلغني نعيه وأنا في النمسا.
*
روكس بن زائد العزيزي..
في الأردن قادت الصدفة إلى التعرف على أديب الأردن وعلامته الكبير روكس بن زائد العزيزي وذلك في دارته الكائنة في الشميساني. وكان أهدي بعض كتبه اطلعت على جوانب من سيرته الذاتية العصامية ودوره في بناء المملكة ووضع بعض مناهج الدراسة مع رواد آخرين. وكنت يومها قد أكملت كتابي عن الدكتور يوسف عزالدين الأديب والأكاديمي والأمين الأسبق للمجمع العلمي العراقي في الستينيات والسبعينيات. شجعني على الأمر تيسر المصادر وسهولة الاتصال بصاحب الشأن. ولكن.. حدث.. إن غادرت الأردن فجأة إلى النمسا، وحاولت فيها مواصلة تأليف الكتاب، فانتهيت من وضه منهج البحث وأكملت ثلاثة فصول الأولى، وأبردتها للاستاذ العزيزي، فوجدت عدم ارتياحه لمنهج البحث التاريخي ويتساءل عن جدوى ذلك، وكأنه يرغب في بدء الكتاب مباشرة بدون المقدمات التاريخية التي تتطرق للظروف السياسية لظهور دولة الأردن. وقد تسبب ذلك بشيء من الاحباط دفعني لتجميد الموضوع. واستغرقت في اصدار مجلة الساري الثقافية ثم مجلة ضفاف التي أوليتها الوقت والجهد، على أن العلامة الراحل لم يتوقف عن تزويدي بكتبه الجديدة الصادرة، وكان قد سلمني في عمان ملزمة عزيزة على نفسه تضم مقدمة تاريخية عن مادبا وعائلته وسيرته الأولى. حاولت بعدها اقناع نفسي بالعودة للكتاب وتعديل المنهج أو تبسيطه الى سيرة ذاتية، دون توفيق. وذات يوم وصلتني منه رسالة يخبرني فيها أن وزارة الثقافة خصصت له في خطتها اصدار احد كتبه، لكنه آثر نشر الجزء السابع من كتاب صديقه العراقي جعفر الخليلي (هؤلاء علموني- ج7) والذي ترك مسوداته عنده بعد رحيل الخليلي الابدي على أرض الامارات. فقررت الوزارة لقاء ذلك ان تخصص له كتابا آخر يكون له، وبحسب رسالته، انه قرر تقديم كتابي المفترض عنه كشيء خاص به للوزارة، لكن تلك الرسالة وصلتني بعد صدور كتاب الخليلي الذي بعث لي نسخة منه ومرور تلك السنة. وكنت أتمنى لو أنه أخبرني بمدة كافية قبل موعد تقديم المسودات لأكون على بينة وأحتاط للأمر. سمعت كذلك برحيل الاستاذ العزيزي بعد تجاوزه التسعين ومازلت مسوداته ومسودات كتابي عنه بين الأوراق.
*
كتب الدكتور صلاح نيازي..
ضمن مشاريع الكتب النقدية شعرت برغبة في دراسة شعر الدكتور صلاح نيازي، وقد فاتحته بالأمر، وكنت قد نشرت عنه قراءة مستعجلة شاملة أيام وجودي في النمسا، عبر عن اعجابه بها، فقررت إعادة النظر فيها والتعمق فيها مع شمول كل أعماله الشعرية سيما أعماله الأولى في الستينيات والسبعينيات. وفعلا بذل الدكتور جهدا مشكورا في تزويدي بما يمكن تسهيل واقع الدراسة، وبدأت في تسطير الفصول الأولى بحماس ملحوظ. وبعد عدة فصول من الدراسة، وبدلا من عرضها عليه أو البدء في نشرها متوالية فترت رغبتي في المشروع وتجمدت كثير من مشاريعي الكتابية، ونأيت بنفسي عن الجو الأدبي في لندن منذ حوالي العام، فلا أنشر إلا كتابات قديمة غير منشورة من حين لآخر، أو بعض نصوص أدبية تدفع نفسها للأمام. ومازالت كتب الدكتور نيازي في مكتبتي بما فيها الكتب النسخ الشخصية الفريدة التي لا يملك سواها. هل سأعود ثانية إليها؟ هل الأمر يتعلق بأزمة المكان وشعور عدم الاستقرار أو الاحساس باللاجدوى الذي يغالبني منذ دخول العراق متاهات الغزو والحرامية؟.
*
أوراق صديقي ابراهيم اسماعيل..
تعارفنا خلال أماسي ثقافية متكررة في لندن. وفي جملة حوارات الثقافة والفلسفة والوجودية إلى كيركجور وأزمة الدات، اكتشفت قراءاته الذكية لما بين السطور. وفوجئت أنه يكتب من حين لآخر وعرض علي ما يكتب فأعجبت به وباسلوبه، وفعلا بدأ ينشر شيئا منها بالعربية أو الانجليزية.. ولكن على غير عهدها الأيام مضت سريعة، وكان على الصديق المغادرة إلى بلده في عطلة الصيف، للانتهاء من مشكل ما، وترك عندي بعض لوازمه وبينها أوراقه الأدبية والدراسية. ولأني على وشك الانتقال من هذا العنوان وأحاول رزم حاجياتي، وقعت أوراق ابراهيم بين يدي ثانية وتصفحت بعض ما فيها.. قصائد شعرية.. مسودات نص روائي.. قصص قصيرة.. أشعر أنني أعيش معه تلك اللحظات.. أشعر به وهو يستعيد تلك المشاعر والمواقف التي مضت عليها سنوات.. أستذكر اين ابراهيم الآن.. ومتى يعود؟.. هل سيعود؟.. هل يتذكر اللحيظات المدفونة أو المزروعة بين الأوراق.. لعله يأتي لنعيد قراءتها سوية.. أو يقرأ كل أوراقه القديمة وينسى لوثة الراهن!.
*
رسالة أبي الأخيرة..
أعرف الرسالة من خط صاحبها.. وخط والدي لا أنساه..
في وقت متأخر من التسعينيات بلغني خبر رحيل والدي.. وكنت يومها في النمسا. وأستغرق الخبر الكثير من مشاعري حالتي النفسية، حتى عدت لوضعي العادي. وبعد مدة وجدت في صندوق البريد رسالة بخط والدي. فتحت الرسالة فكانت من والدي. وأعتقد أن بعض القراء يقدرون الآن الحالة النفسية التي تغشى على بصر الشخص وذهنه ازاء ذلك. رسالة عادية يكتبها والدي وهو يستهل بالديباجة التقليدية باتقبيل من نواظر الأطفال وان تفضلتم بالسؤال عنا فنحن بخير ولا يشغلنا غير بعادكم عنا.. وفي النهاية .. ودمتم سالمين.. والدك.. بتوقيعه المألوف وخط الرقعة المعتاد والمكتوب بعناية شديدة. تركت الرسالة على جنب، ورحت في صفنة طويلة.. وربما نمت.. ثم انتبهت وعدت للرسالة.. كان الظرف عتيقا وعلى وشك التمزق.. حملتها وراجعت دائرة البريد القريبة من سكناي يومها.. وكنت على معرفة بالموظف وأخبرته بالقصة.. قال.. أنا لا أعرف العربية.. ولكنها واصل يتفحصها.. ثم سألني.. هذا هو التاريخ.. في الختم.. كانت أختام كثيرة على الرسالة.. والعنوان المرسلة عليه يختلف عن العناون الحالي يومها.. علمت من تحري الموظف ان الرسالة قديمة، وانها مرسلة إلى عنواني القديم وقد تغير عنواني مرتين من يومها تنقلت الرسالة من مكان لآخر حسب بيانات تبديل العنوان الموجودة في دائرة بريد المنطقة.. وهكذا وصلت بعد رحلة طويلة وهي تكاد تهترئ.. ولكنها وصلت كذلك بعد وفاة والدي.. وكأنها يرسلها من العالم الآخر، ليتفقدني ويبلغني تحياته الطيبة أو ليذكرني بكلمة الذكرى التي خطها ذات صدفة..
ان الخط يبقى وصاحب الخط يمضي!..
*
لندن في الثاني عشر من أوغست
2010



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراقهم ودفاترهم.. (1-2)
- وطن بحجم جيب / حشرة بحجم ديناصور
- قصيدتان..
- نكتة اللا
- -غريبة الروح-
- حارس البوابة النائمة
- سنحاريب
- من يعبر البحر؟..
- المرأة الطفلة، والطفل الرجل!
- دعوة للتضامن مع المرأة الاعلامية
- هيلكا شوبرت.. أبي
- بيرنهارد فيدر..قصائد
- قليلاً مثل الموت شعر: بيرند ماينكر
- في انتظار الحافلة
- المرأة الطحلبية!..
- Hal؟..
- قراءة في القصة العراقية
- محرّم غير الحرام
- زمان يا حليمة..
- دروس في أنانية الأنثى


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - أوراقهم ودفاترهم..(2-2)