أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - المأزق الفلسطيني الراهن















المزيد.....


المأزق الفلسطيني الراهن


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 937 - 2004 / 8 / 26 - 13:09
المحور: القضية الفلسطينية
    


منذ اندلاع الانتفاضة نهاية عام 2000 ، أكدت مجدداً على شعار وحدة الأرض والشعب والقضية، وكان ذلك الشعار- إن بصورة عفوية أو مدركة- مقدمة لإعادة إحياء الفكرة التوحيدية للقاعدة الشعبية الفلسطينية والعربية في سياق عملية التحرر الوطني- الديمقراطي على الصعيدين الوطني والقومي في آن معاً، لكن يبدو أن هذه الفكرة التوحيدية- رغم الانفعال الشعبي الصادق بها- ظلت أسيرة ومحتجزة في إطار وآليات أجهزة الهيمنة والاستبداد والفساد المحكومة بدورها، بقوة المصالح الشخصية وتراكم الثروات غير المشروعة من ناحية وبقوة صلاحيات ومقومات القيادة الفردية الشمولية التي شكلت الوعاء المنتج لتلك الآليات والأجهزة من ناحية ثانية، ولذلك لم يكن ممكناً أن تشق الفكرة التوحيدية مجراها أو سيرورة حركتها في أوساط الجماهير الشعبية الفلسطينية كحامل حقيقي وموضوعي لأهدافها، وبقيت أسيرة الاحتجاز أو الاستخدام لمنطق التفرد المطلق وأجهزته، المرتبطة به، بكل تفرعاتها وشخوصها، وكانت النتيجة بعد أربع سنوات من الانتفاضة حصاداً لثمار مريرة، ساهم في المزيد من التراجعات والأزمات الخانقة التي أصابت بالضرر البالغ كافة القضايا الوطنية والاقتصادية والمجتمعية نتيجة عوامل الاحتجاز والهيمنة والهبوط السياسي، التي هي في حقيقتها شكل من أشكال الممارسة الطبقية، وهو استنتاج، يرتبط بالتحليل الموضوعي لأفعال الشرائح الطبقية المهيمنة تحت مظلة التفرد المطلق، ولممارساتها السياسية المتوافقة مع مصالحها المتراكمة تاريخياً ، أو المستحدثة والطارئة ، انطلاقاً من أن لكل فعل سياسي مرجعه الاجتماعي أو الطبقي وهو فعل لا يتوقف عند العوامل الداخلية فحسب، بل يتخطاه في ظروفنا السياسية المعولمة الراهنة الى عوامل خارجية لا يجوز ولا يمكن تجاوزها عند تحليل ما يجري في بلادنا، آخذين بعين الاعتبار أن تباين الممارسات والمصالح والغايات الذاتية أو السياسية في إطار السلطة الحاكمة لا يلغي وحدة الإطار الطبقي/ السياسي كمنطلق لكل هذه الشرائح وشخوصها رغم ما يتبدى على السطح من تفارق وصراع شكلي بين أجنحتها .
بناء على ما تقدم، فإن ما يجري في أرضنا المحتلة عموماً، وفي قطاع غزة خصوصاً هو جزء من برنامج سياسي تم تنفيذه تحت ذريعة الإصلاح ومقاومة الفساد مركزه الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وفروعه في فلسطين ومعظم أنظمة بلادنا العربية، ( وفق مقررات منتدى دافوس- الأردن- 21/6/2003و17/05/2004 ) وهو برنامج متصل بما يجري في العراق والسودان والجزائر واليمن وشبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدان، مع إقرارنا بأن إطفاء الحالة الوطنية النضالية في فلسطين وتفكيك مشروع الاستقلال والدولة الفلسطينية ومسخها الى " غـزة أخيـراً " هو هدف مركزي ضمن أولويات البرنامج الأمريكي / الصهيوني، في ظل حالة الخضوع والاحتواء العربي الرسمي للهيمنة الإمبريالية الأمريكية التي تضخمت واتسعت مصالحها بحيث باتت ممارساتها وأفعالها السياسية غاية في التوحش في خدمة تلك المصالح وفق إرادة وقوة الهيمنة الرأسمالية المعولمة التي دفعت بالدور الوظيفي لدولة العدو الإسرائيلي الى أعلى مستوياته عبر تحوله الى دور إمبريالي متقدم على الصعيد الإقليمي كله للدفاع عن تلك المصالح وتثبيتها في المكان والزمان العربي بعد أن أصبحت " دولة الكومبرادور " هي السمة الرئيسية لمعظم بلدان النظام العربي ولذلك فإن ما جرى في غزة، من صراع بين مراكز قوى السلطة وحزبها الحاكم ليس سوى مقدمةً لما بعده من هبوط سياسي متوقع وفق مقتضيات وشروط البرنامج المذكور، لكن في إطار صراع المصالح الذاتية والسياسية المتباينة بين هذه المراكز المكونة من مجموعات وشرائح اجتماعية/ طبقية تقف على أرضية مادية واحدة، ، فمنذ توقيع إعلان المبادئ في أوسلو، وقيام السلطة الفلسطينية في أيار عام 1994، بدأ في التشكل واقعاً اجتماعياً اقتصادياً جديداً، في شكله ودوره، دون انقطاع عما سبقه من تراكمات قبل ذلك التاريخ، هذا الواقع، سرعان ما تحول عبر دور مرسوم، وتدريجي، بفعل نصوص وآليات أوسلو وما تلاه من اتفاقيات، الى إطار ضيق وأحادي، انفرد عبر السلطة، بدوره بعيداً عن الإطار العام لعموم الحركة الوطنية وبرنامج الإجماع الوطني وثوابته كما حددتها م. ت. ف بمثل ما انفرد بوضع وصياغة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية وفق تراكم المصالح الجديدة، الطارئة وغير المشروعة، برؤى " جديدة " أشرفت على تنفيذها أجهزة السلطة المتعددة وتحالفاتها الطبقية الداخلية، ورموزها البيروقراطية المتحولة بدورها الى شرائح اجتماعية طبقية عليا، الأمر الذي كان طبيعاً معه أن تتحول هذه الشرائح بفعل شدة تراكم المصالح، لتتخذ طابعاً أو مساراً نوعياً جديداً ومغايراً لما كان عليه الحال قبل 1994، وهو مسار دفع بمعظمها صوب مزيد من التوافق السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع مصالح التحالف الكومبرادوري الداخلي وما يفرضه من تفاهم وتشابك واختلاط سياسي واقتصادي باسم الاتفاقات المعقودة مع "إسرائيل" من ناحية ووفق مقتضيات وشروط الولايات المتحدة والنظام العربي والدول المانحة من ناحية ثانية .
لذلك ليس من الممكن، في المدى المنظور، أن تُغيِّر السلطة مسارها الراهن دون متغيرات ديمقراطية نقيضة، سياسية ومجتمعية واقتصادية، مشروطة في تحقيقها بقوة ضغط جماهيرية واسعة تنظمها وتقودها حركة اليسار القومي الفلسطيني، وهي حركة لم تستطع حتى اللحظة أن تثبت وجودها أو تقوم بدورها ، الأمر الذي يجعل من بقاء واستمرار مراكز السلطة وأجهزتها وأطرافها المتعددة ، في حالة صراع مستمر بينها الى أن يتم توافق هذه المراكز على موقف سياسي موحد تجاه الخطط المعروضة عليها ، وبالتالي انجلاء الأفق المسدود الراهن عبر عوامله الأمريكية والإسرائيلية والعربية ومن ثم الفلسطينية ، تمهيداً لإعادة توحد هذه الأطراف على كيفية التعامل بهذا الشكل أو ذاك مع شروط " خطة شارون " أو غزة أخيراً كما يبدو ، أو بإلحاق خطة " خارطة الطريق " ودمجها في " خطة شارون " وفق المقترحات المصرية، حيث لا يبدو- في الأفق المنظور- سوى هذه الخطط المدمرة لمشروعنا الوطني من ناحية، والتي ستدفع -في حال موافقة السلطة عليها- الى مزيد من الضغط والحصار والتضييق الذي قد يصل الى درجة القمع ضد فصائل المعارضة الرافضة لهذه المخططات من ناحية ثانية .
لقد تبين على ضوء ما جرى في غزة مؤخراً أن هذا الصراع لم يستطع أي من أطرافه أن يستند الى بعد شعبي أو جماهيري عفوي واسع، بما يمكننا من التأكيد على أن ما جرى رغم مظاهره الحادَّه ومخاطره ، لا يمكن بأي حال وصفه بالحرب الأهلية ، كونه صراع بين مراكز قوى أو تيارات داخل حركة فتح والسلطة معاً فقدت الى حد كبير ثقة الجماهير بها ، وما ايرادنا لمفهوم " الحرب الأهلية " الذي نرفض إثارته أو تناوله من حيث المبدأ ، سوى تأكيد لحالة الكمون والغياب الجماهيري الحذر بعيداً عن كل أطراف الصراع ، فالجماهير الفلسطينية، بعد كل ما عانته وقدمته من تضحيات في مواجهة الغطرسة والعدوان الصهيوني شبه اليومي على كل مساحة أرضنا المحتلة، باتت تدرك أن ما تدعيه الأطراف المتصارعة من شعارات حول الإصلاح ومقاومة الفساد وغير ذلك من الشعارات، لا يعكس جوهر الصراع أو أبعاده ومبرراته المعبرة عن حقيقته، فكل المتصارعين هم أبناء هذه السلطة من أهل الثقة والمحاسيب، المستفيدون من ثمارها بصورة فاقت كل حدود المعقول أو المشروع ، ووصلت الى حد أن تراكم الثروات غير المشروعة لعدد كبير من هؤلاء ، نقلهم الى أوضاع النخب الطبقية العليا في مجتمعنا ، وهي أوضاع نقيضة لمجمل الأوضاع الطبقية لقيادة وكوادر حركة التحرر الوطني منذ نشأتها الى اليوم، لدرجة أن هذه النخب استطاعت أن تراكم ثروات ضمنت – بدون مبالغة- لأجيال قادمة ليس مستقبلها فقط بل مستقبل ومصالح أبناءها وأحفادها ، على حساب مصالح الجماهير الشعبية الفقيرة ، كل ذلك عبر حراك اجتماعي شاذ توالدت رموزه بسرعة قياسية ، في مناخ محكوم للنظام الفردي البطريركي المطلق من ناحية، وفي علاقات اقتصادية اجتماعية مشوّهة وتابعة من ناحية ثانية، وفي مثل هذا المناخ أو المحددات، تراكمت العوامل والنزعات والطموحات الذاتية – التي لا تملك أفقاً استراتيجياً واضحاً في أوساط الكادر التنظيمي للحزب الحاكم- ، على قاعدة المصالح الشخصية والولاءات الفردية والاستزلام والمنافع المتبادلة في هذا التجمع أو التكتل أو الجهاز أو المؤسسة التي تدار بصورة فردية مطلقة من أحد أفراد ذلك الكادر التنظيمي وفق الصلاحيات والمسؤوليات المرتبطة بوظيفته، وبنسبة حصته من السلطة والإمتيازات التي استحوذ عليها دون سند قانوني أو شرعي بصورة موضوعية سوى قرار القائد الفرد الذي أسبغ على كل هذه التجمعات أو الأطر شرعية محددة ، وفق نصوص القرار دونما أي اعتبار للكفاءة أو الخبرة أو السلوك أو المصداقية في معظم الأحوال ، الأمر الذي أدى الى تراكم المصالح وتراكم الاستبداد في آن ، ودفع الى تحول الجزء الأكبر من مسار وأداء السلطة وحركة فتح معاً صوب وجهة واحدة هي حماية هذه المصالح والثروات ، والحرص على المزيد من تراكماتها التي باتت مرهونة باستحقاقات تجلت في حجم التنازلات السياسية من أوسلو الى بروتوكول باريس وطابا والقاهرة وشرم الشيخ وتفاهمات تينيت وميتشيل وكامب ديفيد ، وصولاً الى خارطة الطريق " ووثيقة جنيف " وأخيـراً " خطة شارون " التي تنحدر بالمشروع الوطني كله الى ما يمكن تسميته " بغزة أخيراً " أو العودة بالضفة والقطاع الى ما كانتا عليه قبل عام 1967، أي العودة الى نقطة الصفر ، الأمر الذي دفع بمراكز القوى والأجنحة أو التكتلات داخل حركة فتح والسلطة معاً الى محورة الصراع العلني بين هذه المراكز والتيارات عند ذرائع الحديث عن ما يسمى بالإصلاح والديمقراطية ومقاومة الفساد الداخلي ، وتم التعبير عنه بصور وأشكال متنوعة تراوحت بين العنف والبيانات السياسية وما بينهما من فضائح أصابت كل هذه المراكز ورموزها دون استثناء من ناحية ودون أن يستطيع أي منها حسم الأمور لصالحه من ناحية ثانيةـ بعدما تبين للجميع عزوف الشارع الفلسطيني وابتعاده الحذر وعدم تأييده لأي من هذه الأطراف، لوعيه- بهذه الدرجة أو تلك- أن الفاسد لا يصلح فساداً ..! الأمر الذي أوصل المشهد السياسي الاجتماعي الفلسطيني الى حالة دفعت بالجماهير في الشارع الفلسطيني الى حافة الإحباط واليأس رغم إصرارها على الصمود وتحمل المعاناة الناجمة عن العدوان الصهيوني وممارساته البشعة ضد مقدراتها ، وهو مشهد يؤشر الى تعميق حالة الإحباط عبر امكانية توصل جميع أطراف الصراع أو مراكز القوى في السلطة وحركة فتح الى شكل من المصالحة يقوم على موقف سياسي توفيقي لا يبتعد في جوهره عما طرحته حكومة " أبو مازن " وفي إطار من التقاطع بين خطة " خارطة الطريق " و " خطة شارون " بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي ومصر والأردن، بما سيؤدي الى تحول المشروع الوطني الفلسطيني الى مشروع سياسي ممسوخ عبر صيغة أمنية تنحصر في حدود " غزة أخيراً " أو" الوطن الفلسطيني" الممسوخ في المشهد الغزاوي الذي يمكن أن يدفع به العدو الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة ، الى الظهور على مسرح الأحداث ، وترك الضفة لمستقبل غامض .. فهل هذا هو المولود الذي إنتظره شعبنا بعد تاريخ طويل من النضال والتضحيات.. ؟ قطعـاً لا .
على أي حال، في ضوء المشهد الراهن، يبدو أن مأزق السلطة السياسي والطبقي والاجتماعي الداخلي، قد وصل الى درجة لم يعد ممكناً معها الاستمرار في إدارة الأزمة وفق معطيات ومفاهيم وأسس الصمود والمقاومة في مواجهة المخطط الصهيوني/ الأمريكي ضد شعبنا ومستقبله من جهة أو في مواجهة رموز ومظاهر الخلل والفساد التي تراكمت بفعل أداء قيادة السلطة وباتت اليوم جزءاً عضوياً من مكوناتها من جهة ثانية .
واستناداً الى تحليلنا للواقع الراهن ، فإننا نرى أن هناك تبلوراً في داخل الإطار العام للحركة السياسية الفلسطينية صوب اتجاهين أو نهجين رئيسيين :
الأول: النهج اليميني الفردي البيروقراطي المبرجز –عبر النخبة البيروقراطية الحاكمة والمهيمنة في السلطة وتحالفاتها- بمكونات تطوره الاقتصادي-الاجتماعي المشوه ، و هو نهج يهبط بالحقوق الوطنية الفلسطينية (التاريخية و الشرعية الدولية) بما سيؤدي إلى تغييب الأهداف الوطنية للحركة الوطنية الفلسطينية التي تتمسك و تلتف حول المهمة الوطنية المركزية و هي تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 و إزالة الاستيطان و حق العودة و الدولة المستقلة كاملة السيادة ، لصالح أهداف و أولويات و شروط المشروع الأمريكي -الإسرائيلي ، إنه نهج يقر بالهزيمة و يتصرف معترفاً بها ، و يعلن استعداده للتكيف مع شروط العدو الإسرائيلي-الأمريكي ، رغم أن هذا العدو لن يستطيع تحقيق انتصاره السياسي على شعبنا ، أو فرض حالة الاستسلام عليه مهما امتلك من دواعي القوة العسكرية أو غيرها ، إلا أن هذا الفريق -و من موقع المصالح الطبقية- لا ينظر إلى الجانب التاريخي و المستقبلي في الصراع بقدر ما يعيش ليومه و لمصالحه الآنية ، فهو أسير لهذه المرحلة ، يخدمها و يتكيف معها بالمصالح ، و لذلك لا غرابة في أن يحمل هذا الفريق أيديولوجية التطبيع و الهبوط بالثوابت الوطنية تحت مظلة الليبرالية الجديدة أو العولمة دون أن يمتلك هذا الفريق و أصحابه أي شكل أو انتماء أو علاقة بالمضامين الفكرية و السياسية و الاقتصادية لليبرالية سوى علاقة التذيل والتبعية و الخضوع .
الثاني: نهج وطني يقوم على التمسك بالأهداف و الحقوق الوطنية المشروعة ، و يناضل في سبيل إنجازها ، وهو نهج يدرك جيداً هذا الواقع المهزوم و المأزوم (على الصعيد الفلسطيني و العربي) و لكنه يتصرف و يعمل من أجل مواجهته ببرامج بديلة ، سياسية اقتصادية و اجتماعية ، وصولاً إلى تجاوز الهزيمة و رموزها و أنظمتها و أدواتها ، و يدرك أيضاً مغزى التضحيات التي قدمها شعبنا و معاناته الطويلة ، خاصة في سنوات الانتفاضة الراهنة ، التي جعلت من الصراع مع العدو صراعاً وجودياً لا يمكن حله على الإطلاق إلا بما يحقق أهدافنا الوطنية و إقامة دولتنا المستقلة على كامل أرضنا المحتلة ، وهذا النهج تنضوي في اطاره ويتحكم بحركته بصورة رئيسة كل من التيار الوطني المناضل في حركة فتح -كتائب شهداء الأقصـى- الذي يضم في صفوفه عدداً كبيراً من كوادر وقواعد الحركـة -التي تنتمي الى الشرائح الاجتماعية الفقيرة عموماً- ويحظى بتأييد جماهيري واسع ، ثم التيار الديني (حركتي حماس والجهاد) ، وثالثاً التيار اليساري العلماني .
بالنسبة للتيار الديني ، وهو تيار يميني سلفي بحكم أيديولوجيته رغم بنيته وقاعدته الطبقية الأقرب الى الشرائح الفقيرة والمتوسطة ويتشكل أساساً منها ، بما امتلك من زخم واتساع جماهيري ناتج عن ممارساته النضالية والاجتماعية من ناحية، وبما امتلك من مقومات تنظيمية ودعم مادي كبير من فروعه المنتشرة على مساحة واسعة من هذا الكوكب من ناحية ثانية، لكن هذا التيار حرص على الابتعاد عن كل اطرف الصراع مع حرصه الشديد على رفض الاقتتال الداخلي، وعمل بكل جدية على الدخول بقوة في عملية الحوار بكل تفاصيلها في الداخل الفلسطيني وعلى الصعيد العربـي الرسمي من ناحية ثانية ، ويبدو أن هناك خطوطاً عامة لتفاهمات تستند على التهدئة وتجميد المقاومة المسلحة من قطاع غزة في حال توقف العدو عن هجماته واغتيالاته المنهجية للمناضلين في مقابل ان يكون لهذا التيار (حماس والجهاد) دوراً أساسياً في المرجعية السياسية العليا للسلطة الفلسطينية دون أن يعني ذلك مشاركة في حكومة السلطة الحالية ، بالإضافة إلى الاتفاق على المشاركة في عملية الانتخابات المحلية والتشريعية بما يعزز دور هذا التيار في ظل العلاقات الديمقراطية الفلسطينية الداخلية المتوقعة وفق تلك التفاهمات .
أما النهج اليساري الديمقراطي العلماني فتعبر عنه الجبهتين الشعبية والديمقراطية بنسب متفاوتة (الى جانب حزب الشعب رغم التحاقه ببرنامج السلطة وحكومتها) ، مع التزام هذا النهج حتى اللحظة بالثوابت الفلسطينية وفق برنامج الإجماع الوطني في م.ت.ف، وهو موقف موضوعي وصحيح، في مقابل سعيه الحثيث ومشاركته في أطر الحوار الوطني عبر لجنة المتابعة وغيرها طوال السنوات العشر الماضية إلى اليوم، رغم المتغيرات البنيوية في المكونات السياسية الاجتماعية الاقتصادية للسلطة وسياساتها التي تستدعى المراجعة الجادة بهدف بلورة البرنامج الشعبي البديل لبرنامج السلطة من ناحية والمعبر بوضوح عن برنامج الجبهتين أو إحداهما فيما يتعلق بكافة الجوانب السياسية والمطلبية: الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والخدمات والقوانين….الخ وقد كان لهذا النهج اليساري موقفاً موضوعياً من أحداث غزة عبر حرصه على وقف كل مظاهر الاقتتال الداخلي والتمسك بالحوار الديمقراطي بين جميع الفرقـاء.

فهل ثمة إمكانية للتوافق بين النهجين ؟ وجوابي لا ، لم تعد هذه الإمكانية متوفرة على ضوء المتغيرات والتحولات التي أصابت النخب والشرائح الحاكمة في السلطة وبالتالي فإن شعارات الحوار الشامل، والقيادة الموحدة الى جانب دور وآليات لجنة المتابعة/ كل ذلك لم يعد مجدياً ، وليس من سبيل للحفاظ على الوحدة الوطنية سوى الانتخابات الديمقراطية كإمتحان عسير للجميع من ناحية وإطار يضمن تعددية ودور جميع القوى وفق نشاطها وتوسعها الجماهيري من ناحية ثانية ، فالانتخابات الديمقراطية النزيهة هي الطريق الوحيد الممكن ولوجه من قبل جميع الوان الطيف السياسي الفلسطيني ، للوصول الى الوحدة الوطنية باعتبار ان هذه الانتخابات تشكل اليوم قاعدةً وبيتاً للوحدة الوطنية الفلسطينية خاصة وأن القطيعة السياسية مع نهج وبرنامج السلطة هي الحل الموضوعي والضروري في آن من أجل تفعيل وبلورة معالم البديل الشعبي الديمقراطي العلماني، على المستويين الوطني والقومي، الذي يعبر عن الأغلبية الساحقة من جماهيرنا، الأمر الذي يفرض على اليسار الفلسطيني الانتباه والتركيز على بناء العامل الذاتي، (الحزب) وما يتطلبه ذلك من الوقوف أمام مظاهر وسلوكيات الهبوط الليبرالي على المستويين السياسي والتنظيمي ، الى جانب مظاهر المثالية الغيبية وغياب الوعي بالهوية الفكرية ، وهي مؤشرات خطيرة قد تعرض حياة الحزب الداخلية الى التفكك والمزيد من تفاقم الأزمات ، إذا لم تبدأ عملية نقد هذه الممارسات والمظاهر الخطيرة من جهة، على أن يترافق معها بالتوازي حراك جماهيري مبرمج ومكثف في النقابات والمؤسسات والمصانع والقرى من جهة ثانية كشرط ومدخل حقيقي نحو استعادة الدور الطليعي الذي تنتظره الجماهير الشعبية بشوق حار، من أجل استمرار النضال الوطني الديمقراطي وتحقيق أهداف شعبنا في حق العودة وتقرير المصير والاستقلال والدولة في نظام سياسي يقوم على الديمقراطية وسيادة القانون العادل والعدالة الاجتماعية .

لقد آن لشعبنا أن يتخذ من الديمقراطية -ببعديها السياسي والاجتماعي- هدفاً ووسيلة في الحاضر والمستقبل، شرط أن يتم وعيه لها، وإدراك نتائجها الإيجابية عليه، خاصة من الجماهير الفقيرة في المخيمات والمدن والقرى ، وبدون ذلك سوف تتحول الديمقراطية الى شكل باهت ، يسخر فقط لخدمة فئة قليلة من أصحاب الثروات والمصالح الكبيرة ، وفي هذا الحال بدلاً من أن تكون الديمقراطية مهداً للتغيير والبناء والتقدم تصبح لحداً أو قبراً لتلك الأهـداف .

إن حديثي عن الديمقراطية كضرورة في هذه المرحلة وفي المستقبل ، إنما يستند الى أنها أصبحت شرطاً لا بديل له من أجل التحرر الوطني وبناء الدولة و إلا سندخل في مأزق كبير قد تضيع معه وفيه معالـم الطريـق .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور الفلسطيني ومفهوم التنمية
- كلمة غازي الصورانـي في : المهرجان الجماهيري التضامني مع بيت ...
- الاقتصاد الفلسطيني ... تحليل ورؤية نقدية
- التحولات الاجتماعية ودور اليسـار في المجتمع الفلسطيني
- الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر ...
- مجتمع المعرفة في الوطن العربي في ظل العولمة - على هامش اصدار ...
- ورقة أولية حـول : الإشكاليات التاريخية والمعاصرة لهيئات الحك ...
- الاصدقاء الاعزاء في منتدى الحوار المتمدن
- التشكيلة الرأسمالية وظهور الفلسفة الماركسية
- حول فلسفة هيجل وفيورباخ
- الفلسفة الأوروبية الحديثة(1) عصر النهضة وتطور الفلسفة الأورو ...
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية ) والفلسفة ...
- -محاضرات أولية في الفلسفة وتطورها التاريخي - مدخل أولي في ال ...
- ورقـة :حول الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن
- عرض كتاب : الليبراليــة المستبـدة دراسة في الآثار الاجتماعية ...
- دور القوى والجماهير الفلسطينية في مجابهة تحديات الحاضر والمس ...
- الواقع الراهن للاقتصاد الفلسطيني وآفاقه المستقبلية
- التنمية والمقاومة بين التناقض والتكامل
- الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية والعلاقات الدولية ...
- المجتمع الفلسطيني في انتفاضة الأقصى


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - المأزق الفلسطيني الراهن