أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حسن صالح - في رثاء الفقيدة مُنى علي محمد















المزيد.....

في رثاء الفقيدة مُنى علي محمد


حسن صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 13:06
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


كلمة العائلة.

الإخوة و الأخوات المشيعين لفقيدتنا الغالية ، مُنى المعروفة بمهى عباس و ليلى محمد،
الإخوة و الأخوات الأفاضل.
نشيع و نودع اليوم، الى مثواه الأخير، جثمان إنسانة عزيزة و غالية على كل من عرفها عن قرب، بعد أن خسرت معركة صراعها مع إحدى أمراض العصر الفتاكة. خسرت المعركة و لكن بشرف و بأباء و كرامة و عزة نفس، شهد عليه كل من رآها و زارها في الأيام التي سبقت رفع جسدها للراية البيضاء أمام القدر التعيس. أقول جسدها، و ليس هي، من رفع الراية أمام المرض. فمُنى لم تستسلم للمرض قط معنوياً أو روحياً، بل بقيت محتفظة بأباءها و عزة نفسها و بقوة تحملها لآلام المرض و هو ينهش بأحشاءها الواحد بعد الآخر. القليل منا ممن عايشوا أناساً أصيبو بهذا الداء يعرف مدى جسامة هذه الآلام. و ستبقى لحظات صراعها مع دائها و بقاءها على عنفوانها الحيوي في ذاكرتي شخصياً مدى حياتي.
دعوني أتقدم أليكم شخصياً و بالنيابة عن مُنى نفسها و عن عائلتها بالإعتذارلكم و لكافة أصدقائها و صديقاتها ممن كانت تنتابهم الرغبة الشديدة في زيارتها و رؤيتها في أيامها الأخيرة و هي على سرير المرض، لكن مُنى رغبت في أن لا تزوروها لكي لا تتعذبوا برؤيتها في تلك الحال. فكان أن قمت بإرسال خطاب قصير لكل من كان لدي أرقام موبايلاتهم و الطلب منهم إحترام رغبة مُنى و عدم الزيارة. فلكم جميعاً إعتذارنا.
أعزاء مُنى الأفاضل،
ولدت مُنى، البنت الوحيدة لوالديها، بعد أن توفت أختها الأولى، ليلى محمد ، عن عمر أربع سنوات، و أيضاً بنفس المرض، لكن في الكبد في حالة الأخت. ولدت لأبوين كادحين و ترعرعت مع 6 أخوة بعثر بهم الزمن الآن في أقطار و في أكثر من قارة من قارات العالم، كما هو حال مئات الألوف من الأسر العراقية المنكوبة بتبعات الإنقلابات و الحكومات الظالمة و الحروب و الحصارات و الإحتلالات. كانت العائلة بأكملها يسارية و علمانية و إنسانية التفكير و السلوك. و لعل هذا الجو الأسري الإنساني هو من زرع في مُنى ذلك الإندفاع و العنفوان و الحماس في العمل من أجل تحقيق حلم الإنسان بعالم أكثر مدنية و عدالة و إنسانية، بحسب قناعتها التي قد نتفق أو لا نتفق معها، لكن العبرة في النية و في الروحية و السلوك الإنساني الذي عملت بها مُنى، فإنضمت لصفوف الحزب الشيوعي العراقي في الثمانينيات من القرن المنصرم و هي طالبة في جامعة الموصل لتنخرط بعدها في منظمة عصبة الشيوعيين و من بعده لتصبح عضوة في الحزب الشيوعي العمالي العراقي الى حين آخر نفس على سرير المرض في مستشفى ويستميد في سدني، لتضع رأسها للراحة الأبدية صبيحة يوم الأحد المنصرم و المصادف للخامس و العشرون من الشهر الحالي. و كانت مُنى تناضل بنفس القوة و العنفوان من أجل تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة من خلال عملها الدؤوب في منظمة للمرأة العراقية في سدني. و كانت في طفولتها و شبابها أكثر إخوتها كدحاً في العمل المنزلي، بينما الوالدين يعملان على ماكنات الخياطة داخل البيت كمصلحة تجارية أو بزنس صغير للعائلة.
تعرفت أنا على مُنى عندما كنا ندرس في جامعة الموصل، و رأيتها شابة نزقة و مفعمة بالنشاط و الحيوية و الروح المرحة. وكانت كأشقاءها كثيرة النكت و الكثير منها لا تتوقع سماعها من فتاة شرقية، فتكون الضحكة بسبب ذلك مضاعفة. و هذه الروح المرحة بقيت حتى في آخر أيام صراعها مع المرض.
إضطرت مُنى الى ترك دراستها الجامعية في سنتها الأخيرة بسبب إنكشاف الخلية السياسية التي كانت تعمل فيها فلجأت الى كردستان، و ذلك بعد أن تم القبض على أخيها و خالتها الموجودة معنا في أستراليا مع عدد من رفاقها الآخرين المنتشرين حالياً في بقاع العالم المختلفة. و كانت متزوجة حينها من زوجها أسعد طالب و ولدت إبنتها الوحيدة لينا في عام 1993 لتتفرغ الى أمري تنشئة إبنتها و العمل السياسي بدوام كامل الى حين إضطرارها و زوجها الى ترك العراق الى ليبيا و من ثم طلبهم اللجوء في تركيا.
كانت حياة اللجوء حياة قاسية بالنسبة لها و لعائلتها. و عانت مُنى من ذلك كثيراً إلى أن تم قبولهم كلاجئين و توطينهم في هذا البلد، أستراليا. و عندما وصلت الى أستراليا كان التختقرص في تركيا قد ترك ندباً دائمية على ساقيها مما شوه قليلاً من جمال ساقيها.
أستراليا بالنسبة لمُنى كانت صفحة أخرى من صفحات حياتها الصعبة، لكن العنفوان و الحماس و الإندفاع و الحيوية لم يفارقوها و هي تواجه صعاب تعلم اللغة الانكليزية و الإنخراط في دورات التيف (معاهد الدراسة) و من ثم لتواجه مشاق إيجاد العمل الذان أخذا منها وقتاً طويلاً نتجت عنها صعوبات معيشية جمة خاصة و هي تئن تحت ضغط ضميرها لتساعد والديها في العراق، و مصارعة ألام القدم و الجراحة في ركبتها. هذه الصعوبات هي من الأمور التي يواجهها جل اللاجئين عندما يستقرون في بلاد غريبة عليهم. لكن مُنى نجحت بالرغم من كل ذلك في إيجاد العمل لدى خدمة لإسكان الشبيبة لتفرض نفسها بقوة و تكسب إحترام و إعجاب مديري الخدمة فتصبح منسقة بعد فترة قصيرة من عملها هناك. إلا أن الضغوطات الحياتية و المادية تترك أثرها على حياة اللاجئ كفرد و لكن أيضاً على حياته كجزء من أسرة. و برغم إندفاع و حيوية مُنى الى أن آلام الركبة و صعوبات المعيشة هنا و خاصة ضغوطات دعم والديها سواء في العراق أو والدتها و أخيها الأصغر و أسرته في تركيا فيما بعد، قد تركت ضريبتها على صحتها النفسية و الجسدية لتهبط من معنوياتها في لحظات اليأس الإنساني التي تعتور أي أنسان عندما يكون التوتر الناجم من كوابح الحلم و التطلعات توتراً و ضغطاً طاغياً، و ليفاجأها المصير بالإصابة بسرطان الميلينوما الشرس. هذا النوع من الورم عادة ما يصيب البشر في الخلايا الصبغية في الجلد و يطلق عليه أيضاً سرطان الجلد، لكن لمأساوية حظ مُنى، فإن الإصابة كانت غادرة حيث لم يصبها في الجلد، و لكن في رحمها، مما يصعب تشخيصه في مراحله الأولية، لأنه متخف هناك كجبان غادر.
صارعت مُنى هذا المرض صراعاً شرساً حوالي ثلاث سنوات، و كانت مثالاً على مراعات أحاسيس و مشاعر الناس من حواليها لكي لا يتأثروا بمعاناتها، فتراها دائماً قوية و مرحة و تبدي الأمل بالإنتصار على المرض، فتزرع الأمل في نفوس الناس من حولها. و بقيت على مبادئها في التطلع الى عالم أفضل، الى أخر لحظة من وعيها، فكانت أن وبخت، بطريقتها الفكاهية و المرحة، أحد أحبائها الموجودين معنا هنا و هو يمازح رفاقها عن حزبها، و كان ذلك قبل ثلاث أو أربع أيام من إنطفاء جذوة الحياة لديها.
من الأشياء التي تتذكرها والدتها الحاضرة معنا هذا الوداع الأخير لجثمانها، كيف أنها كانت أكثر إخوتها مساعدة لوالديها في عمل المنزل، خاصة و هي البنت الوحيدة بين إخوتها. والدتها التي إنتهى بها المطاف في أميريكا إستطاعت أن تزور إبنتها مُنى بعد تجاوز صعوبات الإقامة و الحصول على الإذن بالسفر خارج أميركا، ولكن مع شديد الأسف، بعد أن أنهش المرض بمساحات كبيرة من جسد إبنتها الوحيد ة والعزيزة عليها أكثر من أي إنسان آخر في حياتها، فإلتقت بها و صحتها في تدهور سريع نحو النهاية.
في حزنها العظيم اليوم تتذكر الأم كيف أن إبنتها كانت تفرحها بإسماعها كلمة ماماتي منها، و كيف أنها كانت من أكثر إخوتها حناناً و مساعدة لأمها و هي تواجه صعاب اللجوء مع أصغر إخوتها في تركيا، بإرسال مبالغ مالية و بإنتظام لمساعدتهم على العيش بكرامة في بلد اللجوء تركيا.
نحن اليوم أقارب و رفاق و أصدقاء و معارف مُنى، نشارك أم قيس، الوالدة، حزنها المقدس، و دموعها النبيلة بفقدها أعز أطفالها. الطفلة التي ما بخلت بحنوها تجاهها، و تجاه أقاربها و رفاقها و أصدقائها.
أنا شخصياً أميل الى الوجودية في نظرتي الى الحياة و الى الوجود. و الوجودية بحسب ما فهمته تنظر الى مسألة مغزى و معنى الوجود لتستخلص الى أن لا معنى محدداً لوجودنا، و لكن كلاً منا يسعى الى خلق معنى وجوده، بما يتطلع اليه و يحلم به و يكافح من أجله ، في تلك الفسحة المتوفرة لنا بين ولادتنا و موتنا. وما ذكرته أعلاه يعطيكم فكرة موجزة جداً عن المعنى الذي أرادت مُنى أن تحققه لوجودها في تلك الفسحة القصيرة التي سمحت به مصيرها المأساوي.
و لا يسعنى في ختام كلمتي السريعة هذه عن مُنى و حياتها إلا أن أتقدم اليكم و بالنيابة عن والدة مُنى، السيدة قدرية رحيم محمد (أم قيس) و خالتيها إلهام و زينب و عن إخوتها في الشتات و عن نفسي شخصياً بالتقدير و الشكر و الإمتنان لعنائكم مشاركتنا هذا التشييع لجثمان فقيدتنا الغالية و لكل من مد لنا يد الدعم و المساندة المعنوية خلال الأيام العصيبة الماضية من تدهور صحة مُنى و خلال الأيام الأخيرة التي أمضتها في المستشفى. لقد تركتم بدعمكم هذا إنطباعاً ممتازاً عن جاليتنا في سدني و ستنقله أم قيس الى أميركا إذا ما عادت اليها.
فلكم جميعاً المحبة الخالصة، و لذويكم الصحة و العافية، و البقية في حياتكم جميعاً.
كتبها: حسن صالح في 29/07/2010 في سيدني



#حسن_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حسن صالح - في رثاء الفقيدة مُنى علي محمد